ذ.نورالدين بلكبير:التطورات الأخيرة لقضية الصحراء والطريق للحل الديمقراطي
في البداية لابد من الإشارة إلى أن قضية أقاليمنا الصحراوية الجنوبية مؤطرة بعدد من القرارات الأممية وعلى رأسها قرار الأمم المتحدة رقم 1514والصادر بتاريخ 14 دجنبر 1960 والمسمى ب” إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ” والذي نص في مادته الثانية على: ” حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها…ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي”.
كما نص في مادته السادسة على: أن ” كل محاولة تستهدف التقويض الكلي أو الجزئي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لأي بلد ) الوحدة الترابية ( ، تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة” وبالتالي متنافية مع هذا الإعلان.
إلا أنه رغم ذلك صادق المغرب على إدراج الأقاليم الجنوبية الصحراوية ضمن المناطق المعنية بهذا القرار، وهذا يعتبر ثاني خطأ ارتكب في موضوع الصحراء، بعد مسألة تصفية جيش التحرير بالجنوب المغربي ( وسنترك هاذين الأمرين للمؤرخين) هذا القرارالأممي سيتم التأكيد عليه في سنوات1962 و1965 و1970 و 1972و1974.
بعد 1975 ستعرف المنطقة تحولات جديدة، مرورا بالحرب إلى وقف إطلاق النار في 1991( سأعود لكواليس الحرب والتدخل الأجنبي وأساسا الأمريكي والإسرائيلي ودور حاييم بارليف رئيس أركان الحرب في بناء الجدار الأمني، وذلك في تدوينة خاصة(، وصولا إلى تقديم المغرب في سنة 2005 لمقترح الحكم الذاتي الموسع لساكنة المنطقة.
إلا ما أن ما يهمنا هو الوضع الحالي، والذي يتميز لذا بأن لا أحد في المنتظم الدولي أصبح يتكلم أو يدعم قيام دولة مستقلة بالأقاليم الجنوبية الصحراوية، باستثناء دولة الجزائر والتي يجب أن نعلم أنه نظرا للوضع الداخلي الحالي لن يستطيع أحد من القادة السياسيين المدنيين الخوض في إعادة النظر في الموقف الرسمي لبلاده لأن ذلك يعني ” إعدامه ” ، علما أن الجيش يعتبر استمرا النزاع فرصته في نهب موارد الجزائر عن طريق استمرار صفقات التسليح، وما يؤكد هذا هو أن الأمم المتحدة اعتبرت وأقرت بأن استقلال جنوب السودان كان خطأ فادحا، لذا عملت على عدم تكرار ذلك مع إقليم دارفود، إذ اعتبرت أن الحل الديمقراطي لقضية إقليم دارفور هي بقاءه ضمن دولة سودان ديمقراطي وموحد، تتمتع ساكنتها بحقها في تدبير شؤونها، لذا ففي الوقت الذي كان ينتظر البعض استقلال دارفور شجعت الأمم المتحدة المفاوضات بين حكومة الخرطوم بعد الإطاحة بالبشير وبين الحركات ” المتمردة بالإقليم ” التي حاربت الحكومة المركزية للخرطوم لمدة 17 سنة، وثمنت الاتفاق بين الطرفين بتاريخ31 غشت 2020، وصادق مجلس الأمن على مهمة إنهاء بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الإقليم مع نهاية سنة 2020.
هذا المعطي الدولي، يضاف إليه هشاشة الوضع الأمني في الساحل وتفشي الحركات الإرهابية و عصابات الجريمة المنظمة والتهريب في جنوب الصحراء، والتي وجدت في عدم استقرار العديد من الدول تربة خصبة لذلك (رغم أن العديد منها استقل منذ عقود ويتوفر على جيوش نظام مجهزة عددا وعتادا(، زيادة تمسك المجتمع الدولي بوحدة الأراضي الليبية والحرص على ذلك، عبر البحث عن حلول توافقية بإشراك الجميع.
لذا فإن جميع الأطراف الدولية ونظرا لأن هناك قرار أممي يتعلق بأحد مبادئ الأمم المتحدة، فإن كل القرارات منذ 2007 ستبقى تتضمن الصيغة التالية: ” التأكيد على مصداقية وواقية المقترح المغربي وقابليته للتحقيق والمطالبة بالمفاوضات بين الطرفين تحت رعاية الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي واقعي وقابل للتحقيق ومتوافق عليه…. يسمح بحل تقرير شعب الصحراء الغربية … “، وهذا لسبب بسيط هو أن الأمم المتحدة لم يسبق لها ولن تقوم بإلغاء القرار 1514 ولكن ستعمل على تجاوزه عمليا.
الولايات المتحدة التي تعتبر أهم وأول فاعل في الملف، حلها لملف قضية الصحراء كان ولا يزال مرتبط بتصورها ونظرتها للفضاء المغاربي، انطلاقا من مخطط جيمس بيكر، إلى قبولها ما يقرب من ثلاث سنوات بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية الصحراوية، ووضعها لمشروع حكم ذاتي موسع للمنطقة، ولن أخفي عليكم أن هذا المخطط رغم أنه أقر بالسيادة الكاملة للمغرب على الأقاليم الجنوبية الصحراوية، فإنه لن يعجب الكثير، لأنه كما يقول المثل الدارجي المغربي” فإن الولايات المتحدة لم توسع الحكم الذاتي بل شركاتو “.
هذا القرار خلق وضعا جديدا شجع عددا من الدول على دعم المقترح المغربي علانية.
لكن ما يجب الانتباه له هو تعاظم تضامن وتآزر دولي للساكنة الصحراوية بمخيمات تيندوف وليس مع قيادة البوليساريو أو لمشروعها، ولكن نظرا لطول معاناة هاته الساكنة لعشرات السنين، والتي تعيش أوضاعا مزرية، ولنكن صرحاء الظروف بمخيمات لحمادة قاسية جدا وغير إنسانية ولم تزد إلا تفاقما، برنامج الأمم المتحدة للتغذية اعتبر مخيمات تيندوف من المناطق المهددة بالمجاعة بإفريقيا وطالب في نداء بتقديم المساعدات لها ) وبهذه المناسبة نشكر الجهة التي رصدت 300 ألف يورو لإطعام تلاميذ المدارس(، كما أن النظام التعليمي والصحي الذي كان نقطة ضوء بالمخيمات نظرا للدعم الدولي هناك مهدد بالانهيار، نظرا لانعدام الإمكانيات المالية، وكذا لسوء التدبير، وانهيار هذين القطاعين ليسا في صالح المغرب، تضاف إليها الظروف المأساوية للشباب هناك والمتمثلة في البطالة والعطالة وانعدام حرية التنقل وانسداد أفق الهجرة خاصة لإسبانيا مع قرارات السلطات الإسبانية الأخيرة، وما يرافق ذلك من إمكانية تجنيده واستقطابه من طرف العصابات الجريمة المنظمة والإرهاب التي تنشط في الساحل.
لذا علينا كديمقراطيين التفكير بشكل جدي للمساهمة في رفع المعاناة عن ساكنة المخيمات، عن طريق فتح نقاش مع الهيئات غير الحكومية الدولية الداعمة للساكنة، خاصة أن كل هاته الهيئات الداعمة ) باستثناء إثنين ( لا يهمها إلا رفع المعاناة عن الساكنة وتوفير العيش الكريم لها، وليس لها أي موقف من الحلول المقترحة أن تمت تحت غطاء الأمم المتحدة) وللتذكير فممثل الأمين العام السابق الألماني هورست كولر الذي كان أول ممثل أممي يقر بشرعية تمثيلية منتخبي الأقاليم الجنوبية الصحراوية لساكنة المنطقة، كان في البداية شكوك حول مساندته للبوليزاريو، ولكن في الحقيقة هو كان يتضامن مع الساكنة لأنه هو كذلك عاش لسنوات لاجئا لعدة مرات في حياته، وهذا المعطى لم يكن يعلم به سياسيينا(.
نعم طرح المغرب الحكم الذاتي الموسع بالأقاليم الجنوبية الصحراوية، ولنعلم جميعا أن تعريف الأمم للحكم الذاتي هو: تقاسم السلطة والإدارة على تراب معين وساكنة معينة” le partage du pouvoir et de l’autorité sur un territoire déterminé et une population déterminée.
وبما أن الحكم الذاتي من المنظور الأممي لا يمكن أن يحصل إلا في جو ديمقراطي، فإن انفراجا سياسيا بالمغرب، يمكن اعتباره مدخلا حقيقيا وتعبيرا عن الجدية في البحث عن حل للنزاع، لذا يجب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي كخطوة مستعجلة، يليها الحرص على حماية حرية الرأي والتعبير والحق في التظاهر السلمي.
بالموازاة مع ذلك علينا فتح نقاش جدي في الموضوع للإجابة عن السؤالين الجوهريين المرتبطة به، وهما:
1- ما هي الأقاليم المعنية بالحكم الذاتي، هل هي ما يوجد تحت الخط الذي تتحدث عنه الأمم المتحدة في قراراتها، أو ما يشير إليه البعض ولو بصفة غير مباشرة، أي إدماج جزء مما يسمى بجهة وادي نون؟
2 – هناك عدة تجارب للحكم الذاتي، ما هي السلطات السياسية والإدارية والاقتصادية التي ستمنح للساكنة؟
هذا النقاش يجب أن يرافقه، العمل على إعادة الثقة، من خلال فتح حوار مع بعض القيادات الصحراوية من خارج تندوف، خاصة أن البعض منهم في وضع لا يحسدون عليه، فهم على قناعة بوصول مشروع قيادة البوليزاريو للباب المسدود ويريدون حلا يضمن الكرامة للجميع، ولكن بالمقابل لا تثقة لهم في النظام وهذا تتقاسم معهم جزء من الساكنة.
كما يجب فتح نقاش بالديمقراطيين المغاربيين خاصة بكل من موريتانيا بالدرجة الأولى والجزائر بالدرجة الثانية.
إلا أنه قبل ذلك يجب تقييم impact للعودة المكثفة لعدد من ساكنة تندوف في إحدى اللحظات، وسبب توقف ذلك( لن أقدم تقييمي للعملية بناء على اللقاءات التي قمت بها بكل من العيون والداخلة وبوجدور ، وكذا ما توصلت به من شكايات بخصوص الوعود المقدمة من طرف أحد الدبلوماسيين المغاربة بموريتانيا في الموضوع(.
وقف اقتصاد الريع الذي تعرفه المنطقة، ووقف استغلال اللوبيات لخيرات المنطقة، ووضع آليات عدالة اجتماعية، لاستفادة الساكنة بشكل متساو من الإمكانيات المرصودة للمنطقة.
أن نعيد النظر في عدد من الأمور، وعلى رأسها عدم اعتبار بعض الإدارات والمصالح العمومية الأقاليم الجنوبية الصحراوية منطقة تأديبية، بل يجب الحرص على تعيين خيرة الأطر التي على الأقل لها علم بتاريخ وجغرافية وثقافة وتقاليد المنطقة.العمل على إدماج المدرسة في خلق جو الثقة، ونبد أسلوب حياة ” الغيتوهات” ghettos.