حوارات

عماد الترغي:السر المهني في المجال البنكي(الجزء الاول)

مقدمة؛
يضطلع العمل البنكي بدور جوهري في الحياة الإقتصادية والاجتماعية، المؤسسات البنكية تقدم خدمات متنوعة لعملائها وتساهم في خلق الائتمان وتوزيعه، لأجل الدفع بعجلة التنمية الإقتصادية .
وقي ظل التطور الإقتصادي فقد توسع النشاط البنكي إلى إن أصبح هذا النشاط يهم عددا قياسيا من أفراد المجتمع ذلك أن الحساب البنكي صار حقا، وباتت معه مؤسسات الائتمان حجر الزاوية في سيرورة المشروعات الاستثمارية .
وإلى ذلك، فقد حتمت طبيعة العمل البنكي الاطلاع على المعطيات الخاصة والحساسة لعملائها، والمرتبطة بأوضاعهم المالية والاقتصادية، ومن ثمة نشأ إلتزام المؤسسات البنكية بالحفاظ على سرية المعاملات الائتمانية التي يقدم عليها عملائها، بحيث ألزمت غالبية النظم المقارنة الأبناك بضرورة الإلتزام بعدم إفشاء المعلومات الخاصة بالعميل مهما كانت
أهميتها، وذهبت إلى حد تجريم هذا السلوك، غير أن الإلتزام بالسرية البنكية ليس التزاما مطلقا إنما تخرمه بعض الإستثناءات ترتبط بالمصلحة الاقتصادية العامة.

هذا وينهل موضوع السرية البنكية أهميته من اعتباره آلية من آليات تدعيم الثقة لدى المستبنكين، لأجل تشجيع الإقدام على العمليات البنكية، بما يساهم في خلق مناخ اقتصادي متوازن.

تأسيسا على ذلك، فإن الإطار العام الذي يؤصل للمسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي،يتحدد في المادة 180 من القانون 103.12 التي تحيل على الفصل 446 من المجموعة الجنائية .
ومن ثمة حُق لنا أن نتساءل عما هو المقصود بمبدأ السرية البنكية و ما هي حدوده و كيف يمكننا أن نسقط ا لمسؤولية بوجه عام والمسؤولية الجنائية تحديدا على المؤسسة البنكية، أ بوصفها شخص ذاتي أم شخص اعتباري ؟ نعتمد في الإجابة على عن هذا الطرح الإشكالي الخطة أدناه :

المطلب الأول: تقرير مبدأ السر المهني البنكي وحدوده
المطلب الثاني : الحماية الجنائية لمبدأ السر المهني البنكي

المطلب الأول: تقرير مبدأ السر المهني البنكي وحدوده .
طبيعة هذا المطلب تقتضي تقسيمه إلى فقرتين، أتناول في الأولى مبدأ كتمان السر المهني البنكي والإطار القانوني الذي يُقعد للمسؤولية الجنائية عن انتهاكه، على أن أتعرض في الثانية إلى بعض أهم الإستثناءات الواردة على مبدأ السر المهني البنكي.
الفقرة الأولى : مبدأ كتمان سر المهنة البنكية.
عاقب المشرع الجنائي المغربي على سلوك إفشاء السر المهني بمقتضى الفصل 446 من المجموعة الجنائية و يدخل السر المهني البنكي في مفهوم هذا الفصل بحسب قراءة المادة 180 من قانون 12 . 103 المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها، حيث
يقضي نص المادة المذكورة بما مضمونه أنه ملزم بكتمان السر المهني البنكي جميع الاشخاص الذين يشاركون ، بأي وجه من الوجوه في إدارة وتسيير أو تدبير مؤسسة ائتمان أو هيئة معتبرة في حكمها أو يكونون مستخدمين لديها و أعضاء المجلس الوطني للائتمان  و الادخار و لجنة مؤسسات الائتمان و اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان و لجنة التنسيق و الرقابة على المخاطر الشمولية و مجلس الإدارة و مستخدمي الشركة المسيرة و الأشخاص المكلفون و لو بصفة استثنائية بأعمال تتعلق بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك
المغرب، وبوجه عام كل شخص يدعي، بوجه من الوجوه للإطلاع على المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المذكورة أو لاستغلالها و ذلك فيما يتعلق بجميع القضايا التي ينظرون فيها بأي صفة كانت تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 (1) .

ليتبدى لنا من استقراء نص هذه المادة، أن الالتزام الواقع على هؤلاء الأشخاص ليس التزاما أخلاقيا، إنما يرقى لدرجة الإلتزام القانون ي قد يكلف غاليا خارقه. ومهما يكن، يمكنني أن أعرف مبدأ كتمان السر المهني البنكي بما هو ذلك الإلتزام الملقى على عاتق المؤسسة الائتمانية والهيئات المندرجة في حكمها بأن لا تفصح و ألا تفشي لأي
كان عن أي معلومة مرتبطة بالعمليات التي يقدم عليها عمليها، والإفشاء هو الكشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى مهنته البنكية .
غير أن الإلتزام بالسر المهني ليس إلتزاما مطلقا بل ترد عليه زمرة من الإستثناءات.
الفقرة الثانية: حدو د مبدأ السر المهني البنكي .
من جملة هذه الاستثناءات الواردة على مبدأ السر المهني البنكي نذكر؛
♧ أولا – كشف معطيات خاصة بالعميل في حالة شبهة غسيل الأموال:
يقصد بغسيل الأموال إخفاء مصدر الأموال الحقيقي وغير المشروع واستثماره في تجارة قانونية مسموحة.
وبالعودة إلى نص المادة 3 من القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال نجدها تقضي بأن على الأشخاص الخاضعين جمع كل عناصر المعلومات التي تمكن من تحديد هوية زبائنهم المعتاديبن أو العرضيين، وإذا كان شخصا معنويا، التحقق بواسطة الوثائق و البيانات اللازمة من المعلومات الخاصة بتسميته و شكله القانوني و نشاطه وعنوان مقره الاجتماعي و رأسماله و هوية مسيريه و السلط المخولة للأشخاص المؤهلين لتمثيله إزاء الغير أو للتصرف باسمه بموجب وكالة .
ليرشح لنا بعد تأمل هذا النص أن المشرع المغربي يحظر على المؤسسات المصرفية التعامل مع عملائها دونما التحري عن وضعه القانوني.
بالإضافة إلى أن التزام المؤسسة المصرفية بتقديم تصريح بالإشتباه إلى وحدة المعلومات المالية عن أي عملية مصرفية يشتبه في ارتباطها بغسل الأموال.

كما أنه طبقا لأحكام المادة 97 من القانون 103.12 يتعين على المؤسسات المصرفية ان تتوفر على نظام لليقظة والمراقبة الداخلية في إطار مكافحة غسيل الأموال و تمويل الإرهاب.
♧ ثانيا- الحجز على حساب العميل :
طبقا لأحكام الفصل 488 من ق.م.م فإنه يسوغ لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه والتعرض على تسليمها له .
ترتيبا عليه، ساغ لكل دائن لعميل مؤسسة بنكية يتوفر على دين ثابت مطالبة القضاء بإجراء حجز على حساب مدينه بين يدي البنك وبذلك يصير الدائن على بينة من حساب المدين.
♧ثالثا – الكشف عن معلومات متعلقة بالعميل بمناسبة فتح مساطر المعالجة:
قد تواجه المقاولة صعوبات كثيرة بسبب سوء التدبير، وسعيا من المشرع لإنقاذه ا أخضعها لمساطر الوقاية ومعالجة صعوباتها وذلك بهدف وقف الديون السابقة للمقاولة مؤقتا.
حيث يتضح من قراء بعض المقتضيات المنظمة لمساطر صعوبات المقاولة، بأن مبدأ المحافظة على سرية العمليات البنكية يُتحلل منه في مناسبات متعددة، إذ يسوغ لرئيس المحكمة التجارية على الرغم من أي مقتضيات مخالفة أن يطلع على معلومات من شأنها إعطاءه صورة حقيقية عن الوضعية الإقتصادية والمالية للمقاولة ، ولن يسعفه في ذلك إلا الحسابات البنكية للمقاولة وتعاملاتها البنكية. (يتبع )

(1)- كما أن المشرع المصري أقر مبدأ السر المهني البنكي بمناسبة المادة الأولى من القانون رقم 205
لسنة 1990 المتعلق بسرية الحسابات في البنوك، نص على أن ” تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم
وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية ولا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر…” ، و أيضا ف ي المادة 377 من قانون التجارة المصري
الجديد على أنه ” إذا كان الحساب الجاري مفتوحا لدى بنك فلا يجوز للبنك إعطاء بيانات أو معلومات
عن رقم الحساب أو حركته أو رصيده إلا لصاحب الحساب أو وكيله الخاص أو لورثته أو الموصى لهم
بعد وفاته…” .

الطالب الباحث عماد الترغي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى