وجهة نظر

أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(8):تأمّل أمام الشّاشات الفضائية وحيرة؟ وتداعيات؟

يقدم لنا الإعلام طابقين شهيين

إما أن نتفرج على التهيؤ لكرنفال القتل

أو ننصت لدروس الديمقراطية

تلكم قضية أوكرانيا والانتخابات الرئاسية في الشيلي وفرنسا

بعد خمس سنوات لم يخترع ماكرون أي نموذج تنموي جديد !

من يراجع البرنامج الانتخابي للرئيس ماكرون سنة 2017، سيجد العنوان العجيب الغريب “اختراع نموذج تنموي جديد” بندا ثالثا من بين 13 موجّهًا سياسيا. والعجيب كيف لم ينتبه الفرنسيون للرقم الذي يرمز للفأل السيئ في الثقافة الفرنسية (13).

وما الذي يهمّ المغاربة في الشّأن الانتخابي الفرنسي، يا تُرى؟

مساطر القروض الدولية لفائدة المغرب والمستعمرات السابقة غالبا ما تمر بباريس.؟…. نسبة المنتوجات الفرنسية في وارداتنا ونسبة صادراتنا نحو فرنسا، بحيث تمتص – رفقة اسبانيا- النسبة الاجمالية من أرقام إحصائيات اقتصادياتنا.من سيكون الرئيس المقبل؟ أليس ماكرون نفسه؟ لماذا لا تسمح ماكينة الانتخابات لمرشح مثل ميلانشون النجاح في الانتخابات؟ من أنصت لميلانشون وهو يدافع عن فرنسا المسلمة؟

إذن، السياسي المغربي، المعيّن منه والمنتخب، الذي لا يتابع ما يجري في فرنسا كمن يصلّي بلا وضوء. ويصدق عليه قول القاعدة القانونية: “لا يُعذَرُ أحدٌ بجهله للقانون”.

نعم، وأكثر من ذلك، أغلب مشاريعنا التشريعية والقطاعية، بما فيها الدستور، تدبّج مسودّاته بالفرنسية أوّلا، حتى تلك العبارة التي تؤكد أن المغرب لغته الرسمية هي العربية والأمازيغية تكتب بالفرنسية. طوبى   للذكاء الفرنسي الجميل الذي يضحك على ذقوننا، وقد ظل الرئيس السابق لبرلماننا المنتخب يجري مناظراته السنوية في الشمال باللغة الفرنسية ولا نتذكر اسم مركزه للأبحاث سوى بالحروف اللاتينية GERM،

فلا مجال لمنصب شغل في القطاعات المالية والتجارية إذا اكتفى الواحد منا باللغة التي يصرح الدستور أنها اللغة الرسمية للمغرب. فالواقع الحي المنتج للرزق، ينطق بلغات مختلفة لا علاقة لها بالعربية ولا بالأمازيغية. يعني واقع غير دستوري من الناحية القانونية. وهو الواقع الفعّال والمنتج لاندماجنا في العالم. علما أن خارجيتنا انتبهت إلى مفاتيح الانجليزية. فلما لا نكتب فقرة في الدستور ترسّم الاستعمال اللغوي السلس بدل التصلب المنتج للسكيزوفرينيا اليومية؟

ومع ذلك، الدم والقتل أكثر إثارة من الفرنسية ومن قضية اللغات والانتخابات. هل يمكن للرأي العام المغربي أن ينشغل بغير ما يثيره إعلام القنوات الفضائية حول الأزمة الأوكرانية؟

أوكرانيا ثم أوكرانيا

في كثير من القضايا نحن في حالة شرود.فليس من الغريب أن ننشغل عن فرنسا المؤثرة في الاقتصاد المغربي في أوج الاستعداد لانتخاباتها الرئاسية. حتى لو كان نسيان هذا الحدث المؤثر في الخط الرئيسي لسياساتنا الخارجية والعمومية الداخلية، سابقة شرود وسهو خطيرة؟

لذلك، حتى وإن سهونا عن نجاح اليسار في الميكسيك قبل سنوات، ثم سهونا عن نجاح اليسار مرة أخرى في بوليفيا وأخيرا في الشيلي، لا يمكن للنخب المغربية أن تغيب عن لفت الانتباه لمحصلة الرئيس ماكرون. لا يمكن السهو عن درس دولة عريقة في تجديد نخب السلطة. لهذا وجبت المتابعة لهذا الحدث المؤثر الذي لا يتكرر سوى مرة واحدة كل خمس سنوات.

ما بين منتصف فبراير الحالي وعاشر ابريل القادم أقل من شهرين. انتخابات رئاسية يجري دورها الأول في غضون أقل من شهرين، من المفروض أن يكون الرأي العام الفرنسي متأهب يتابع أقطاب المرشحين بدقة.

السؤال الذي يمكننا أن نتأمل فيه جيّدا: ماهي الاستفادة التي حصل عليها الفرنسيون من السنوات الخمس (2017-2022)؟ هل صوَّتَ الفرنسيون على ماكرون بناء على بهرجة الحملة الانتخابية بالغيطة والطبل؟ أم صوّت الفرنسيون على وعود ماكرون مدعيّاً أنه سيحققها لهم؟

ما هي وعود ماكرون سنة 2017؟ وهل حققها لهم؟

وكيف سيعالج الانقلابات في افريقيا الغربية والساحل؟

كيف سيتحدث عن محو السمعة العلمية لفرنسا في مجال التلقيحات بصدد الجائحة؟

في برنامجه الانتخابي لسنة 2017، طرح ماكرون ستة أوراش كبرى سيعمل خلال رئاسته على تنفيذها، و13 مبدأ موجها لسياسته. وما يهمنا كمغاربة منها، المبدأ التوجيهي السياسي الثالث: اختراع نموذج تنموي جديد.

لا ننسى أن صعود ماكرون سنة 2017، تعبير فرنسي بديل عن انهيار النخبة السياسية الفرنسية التقليدية يمينا ويسارا. ويمكن التأمل فيما إذا كان ذاك الانهيار منتوج خالص للعولمة التي أعطت الهيمنة الشاملة للنموذج الامريكي طيلة عقدين من الزمن تقريباً(2000-2017). ولا ننسى أن النظام السياسي الأمريكي نفسه، خلال نفس الفترة، عرف انفجار الأزمة المالية العالمية (2008-2010)، ولما صعد اليمين الامريكي مرة ثانية في عهد ترامب، كاد النظام السياسي الامريكي نفسه ينفجر (الهجوم على الكونغريس: 6/01/2021). واليوم ونحن نتحدث عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية الوشيكة، من لا ينشغل باحتمال الحرب بسبب القضية الأوكرانية؟ كيف سيحدد الناخب الفرنسي موقفه من المرشحين للرئاسة؟

نعم، بعد خمس سنوات لم يخترع ماكرون أي نموذج تنموي جديد ! بل جاءت كورونا لتضع الطبقة الحاكمة في فرنسا أمام معادلة: “عند الامتحان يُعَزُّ المرأ أو يُهَان”. فيقيت التلقيات المتنافسة من حول فرنسا (ألمانيا وانجلترا) وليست نتاج مختبراتها. فحق فعلا، القول عندها هي قبلنا نحن التلاميذ، بفشل النموذج التنموي.

لقد أنتج مركز بحث أماديوز المغربي، تقريرا رائعا من حيث الأفكار والمنهجية والموقف، سنة 2020، ضمنه ضرورة المرور الى الاستقلال الصناعي المتدرج.

ولكننا، نخاف من الحديث عن الاستقلال الصناعي وذهننا ينتفخ كالبالون من فرط احتقار الذات الامازيغية العربية وتعظيم لغة المستعمر المُثَابِرة في التدحرج في الترتيب العالمي. لقد كتب معهد أماديوز تقريره بالفرنسية. وستبقى خلاصاته الجيّدة حبيسة الحواسيب ومواقع الانترنت. لأن خلاصة التقرير تهم المغاربة ومدتجيه المغاربة مصالحهم في كوكب زحل.  فرنسا نفسها عندما ركبت هوى الحروب في عهد نابليون، انتبهت إلى ضرورة تنقيح/تلقيح حصانها المحلي بجودة الحصانين العربي والانجليزي، ومع الوقت فقد الفرنسيون حصانهم الأصلي، وربحوا الحصان الهجين الجديد لكنهم خسروا كل الحروب التي خاضها نابليون الذي جرّ طيلة خمس عشرة سنة ثلاث مائة ألف شاب فرنسي الى كرنفال الموت (الحرب). وخسرت فرنسا الطاقة الشابة المنتجة في الصناعة والزراعة. لتكتشف بعد نصف قرن أنها غير قادرة على حفظ اقاليمها الشرقية من الاحتلال الالماني. ألمانيا التي ادعى نابليون أنه ذهب لتحرير شعبها من النظام القديم، تمكنت من الانتقام وتعلن امبراطورية الرايخ الثاني في قلب باريس المهزومة.

نعم، يجب علينا متابعة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وقد مرت قبل ثلاثة أشهر انتخابات رئاسية في الشيلي وصعد الى الحكم تحت سقف الديمقراطية شاب يساري أقفل فقط سنته 36 من العمر خلال يوم 11 من فبراير الحالي. يجب علينا متابعة الانتخابات حتى لا يبقى هواة السياسة يتلاعبون برؤوس الناخبين فيدعون تارة الى المشاركة وتارة اخرى يتضاحكون بالدعوة الى المقاطعة كما يحلو لكل هاوٍ أن يجاري تقلب الطقس اليومي في منطقة البحر الابيض المتوسط الباعثة على الكسل والمزاجية.

يجب أن نتابع الانتخابات الرئاسية الفرنسية لنتمعن كيف انقلب الوضع لدينا من تلقين الملك الانجليزي جاك الثاني الهارب الى باريس درس الحكم من طرف السلطان اسماعيل العلوي، ومن طلب جدته من قبله الملكة اليزابيت السكر المغربي الخالص دون غيره لتحلية مشروباتها،الى وضع لا يضعنا سوى في محل الببغاء المقلد لفرنسا التعيسة والمريضة بنخبها السياسيين.

رغم المأزق ما بين فرنسا المترهلة وبين فرنسا النموذج، فليس لنا سوى أن نتعلم ثم نتعلم، كي نعلم أن من دافع عنّا يوما بين الفرنسيين وكان موقفه “ضد الحرب على المغرب”، تم اغتياله مباشرة. الزعيم الاشتراكي جان جوريس أعني. ففي فرنسا الأبية من لا زالوا على عهد القدوة الانسانية والتضامن بين الشعوب.

أحمد الخمسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى