وجهة نظر

نورالدين بلكبير : المغرب وبرنامج التجسس Pegasus

لم أرغب في الكتابة بشأن الموضوع رغم ما تم تداوله من إدعاءات بشأن استعمال المغرب لبرنامج التجسس Pegasus للشركة الإسرائيلية Nso Group، بدءا من تقرير منظمة العفو الدولية في 10 أكتوبر 2019 الذي ادعت فيه استهداف المغرب لمدافعين عن حقوق الإنسان باستخدام برنامج التجسس الإسرائيلي Pegasusبناء على الخبرة التي قالت المنظمة أنها أجرتها بمختبرها Amesty Tech، وما أثاره من جدل بين المنظمة الدولية المذكورة والحكومة المغربية التي نفت ذلك وطالبت المنظمة الدولية بالأدلة، مرورا بما عرف قبلها بتوصل بعض النشطاء المغاربة برسائل من إدارة موقع التواصل الاجتماعي واتساب تخبرهم فيها بأن هواتفهم مخترقة دون الإشارة إلى جهة معينة.
وصولا إلى التقرير الصادر بتاريخ 18 يوليوز 2021 عن تجمع الصحفيين consortium d’investigation Forbiden Stories، وهو تجمع من كبريات الصحف العالمية وهو غير ربحي، يحظى باحترام دولي وسبق أن قام ويقوم بتحقيقات مشتركة في عدة ميادين، ) وقد حاز Forbiden Stories على جائزة البرلمان الأوروبي لصحافة التحقيق لسنة 2021 )، وقد أحدث هذا التقرير ضجة كبيرة نظرا للعدد الكبير للدول المعنية بالتقرير، وآلاف المستهدفين المحتملين حسب التقرير.
والآن بعد التطورات الأخيرة للملف على المستوى الدولي، وتنويرا للرأي العام، فإنني أقدم الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى، هي رد فعل الدولة المغربية القوي والعنيف، اتجاه ما جاء في تقرير مجموعة Forbiden Stories ، نظرا للعدد المرتفع جدا للمستهدفين المحتملين الذين اتهم المغرب باستهداف حواسبهم، ومن مختلف الشرائح المهنية وحجم مسؤولياتهم وصلت حتى هرم السلطة بفرنسا، وهو رد الفعل الذي بدأ بالنفي وانتهى بتقديم شكايات التشهير لدى محكمة باريز ضد عدد من الصحف المشاركة في التقرير، وبخصوص هاته الدعاوي يجب الإشارة أن الدولة المغربية تعلم جيدا مصير هاته الدعاوي وذلك بالرجوع إلى قرار محكمة النقض الفرنسية وهو قرار رقم 644 بتاريخ 10 ماي 2019 القاضي بأن لا حق لدولة أجنبية في الإدعاء بالتشهير، (وليس من الصدف أن يكون هذا الحكم صادر ضد الدولة المغربية)، لأن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت ذلك يتناقض مع الحقوق الواردة في إعلان حقوق الإنسان والمواطنة الفرنسي لسنة 1789، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ومقتضيات قانون 29 يوليوز 1881 الفرنسي، وكذا العديد من قرارات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان التي سارت في نفس الاتجاه رغم كون الدول المشتكية كانت في هاته الحالة دولا أوربية( انجلترا مثلا)، إلا أن ما ستربح الدولة المغربية من رفع الدعاوي على الجرائد الناشرة للموضوع هو منعها مثلا في حالة فرنسا من الاستمرار في نشر كل ما يرتبط مباشرة بالموضوع لمدة سنتين لأن النقاش في الموضوع بالمحاكم الفرنسية سيكون في حدود أكتوبر 2023، كما أن تقديم المغرب لدعاوي ضد هاته الجرائد قطع على الذين وردت أسماؤهم في التقرير من تقديم شكايات ضد المغرب لدى المحاكم الفرنسية، إلا أن التطورات الأخيرة للملف والمتمثلة في استعداد المحكمة إصدار حكمها في شهر مارس المقبل والتي تشير كل القرائن أنه سيسير في مطالب وكيل الجمهورية القاضية برفض الطلب، ستعيد الملف إلى نقطة البداية( وللتذكير هذا المقال كان قبل الجلسة الأولى للمحكمة).
الملاحظة الثانية: لماذا صمتت الحكومة المغربية، في شخص كل من وزارتي الداخلية والخارجية لما نشر في دجنبر 2020، نتائج البحث التقني الذي قام مختبر The Citizen Labبجامعة تورنتو Toronto بكندا وهو مركز مختص في الأمن المعلوماتي( البحث صادر باللغة الانجليزية ) ، والبحث كان حول الدول التي تستعمل برنامج التجسس Pegasus، حيث أشار في الفقرة المخصصة للمغرب ما مفاده: ” أنه بعد المسح الذي أجراه المختبر المذكور توصل إلى هوية ثلاثة مؤسسات مغربية تستعمل هذا البرنامج وهي المكتب المركزي للأبحاث القضائية BCIJ وهو جهاز أمني متخصص في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظم، والقوات المساعدة، مشيرا إلى أنه هناك مؤسسة حكومية أخرى هي كذلك عميل لشركة NSO GROUPلم يتم تحديدها، مبينا أن الهوية المحتملة للجهة صاحبة الصفقة الموضحة في عناوين IP لبرنامج ScanFirewall هي وزارة الداخلية بتاريخ 14\3\2018 المرجع 28- 105.145.40.27 “،( وللأمانة فهذا البحث أشار فقط الى امتلاك البرنامج).
ومع ذلك لم يفهم سكوت كل من وزارتي الداخلية والخارجية المغربيتين على هذا التقرير، هل لأن البحث لم يحظى بتغطية إعلامية أم لأنه باللغة الإنجليزية، أم اعتبرتا أن لا تأثير له وبالتالي تجاهله سيكون أحسن، لأن الرد عليه سيعمل على تشجيع انتشاره بشكل واسع، وهنا ويجب أن نعلم أن هذه الخبرة التقنية تلتها دراسة أخرى أكثر تدقيقا تحدث عن الاستعمالات.
– الملاحظة الثالثة: لماذا يثير هذا البرنامج هذا النقاش، يجب أن نعلم أن برنامج التجسس Pegasus للشركة الإسرائيلية Nso Group هو ضمن أقوى خمس برامج للتجسس في العالم التي بواسطتها يتم اختراق الهواتف عن بعد عبر تقنية صفر نقرة Zero Clic أي أن عملية التحكم في الهاتف المستهدف تتم دون لجوء صاحبه إلى فتح أي رابط ما، وزيادة على تمكن البرنامج من الاطلاع على كل البيانات الموجودة بالهاتف يتم التحكم في مكرفون الهاتف وكاميراته عن بعد، مما يعني عمليات التنصت والتصوير في حينه، إضافة أنه حتى في حالة تغيير الهاتف، فإن الهاتف الجديد يجب اختراقه والتحكم فيه مباشرة بعد أول عملية mise à jour، وحسب الشركة المنتجة له معد لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ، ومن بين 90 دولة التي تقدمت بطلب الحصول عليه، فقط 40 التي حصلت عليه بعد موافقة وزارة دفاع الكيان الإسرائيلي، من بينها فرنسا وعدد من الدول الأوربية الأخرى والولايات المتحدة إلا أن بهذه الأخيرة مكتب التحقيقات الفدراليFBI منع استعماله، ورغم ادعاء استعماله ضد الإرهاب والجريمة المنظمة، إلا أن العديد من الأنظمة استعملته للتجسس على الصحافة والمعارضين، من بينها بالاتحاد الأوربي كل من هنغاريا على الصحفيين وبولونيا على المعارضين وإسبانيا على قيادة الحركة الانفصالية بإقليم كاتالونيا.
وبما أن الشركة الإسرائيلية Nso Group ملتزمة بعدم استعمال برنامج التجسس Pegasus على الأرقام والمواطنين الأمريكيين، ولأنه تبين التجسس على دبلوماسيين أمريكيين، فإن وزارة التجارة الأمريكية وضعت شركة Nso Group في اللائحة السوداء، مما جعل الحكومة الإسرائيلية تتدخل لطمأنة الولايات المتحدة والدول الغربية، فرنسا أساسا) حيث صرح كل من وزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس الشركة أن هواتف كل من الرئيس الفرنسي والنواب الفرنسيين لم يتم اختراقها( كما أفصحا عن الدول التي تستعمل هذا البرنامج، بل أكثر من ذلك طالبت بمعاقبة كل من خالف شروط الاستعمال، خاصة أن الشركة الإسرائيلية Nso Group أصبحت مهددة بالإفلاس لعدم قدرتها على أداء مبلغ الديون البالغ 500 مليون دولار، مما جعلها تفكر في وقف برنامج Pegasus وبيع الشركة لمجموعة استثمارية أمريكية، خاصة بعد الكم الهائل من الدعاوي ضدها من طرف كل من شركة Apple بتهمة اختراق هواتفها وشركة FacebookMeta بتهمة اختراق تطبيقها للتواصل WathSapp، إلا أن اعتراف الشرطة الإسرائيلية باستعمال Pegasus للتجسس على إسرائيليين معارضين لنتانياهو ومن بينهم زعيم الحركة الاحتجاجية وبدون إذن قضائي بل الأكثر من ذلك توريط القضاء، دفع رئيس الشركة إلى تقديم استقالته( الجدي هو قرار البرلمان الاوروبي إجراء تحقيق في الموضوع).
إلا أن الجديد هو ضبط برنامج جديد للتجسس بنفس مواصفات برنامج التجسس Pegasus ، ويسمى Cytrox تنتجه كذلك شركة إسرائيلية تسمى Intellexa ، لحد الساعة يعد من زبناء Cytrox كل من مصر- أرمينيا- اليونان- اندونيسيا- مدغشقر- عمان – العربية السعودية وصربيا
وعلى المستوى الحقوقي الدولي بعد مطلب العديد من المنظمات الحقوقية الدولية بحذر هذا النوع من برامج التجسس، المقررين الخاصين بحرية الرأي والتعبير ومناهضة التعذيب واستقلال القضاء والمحامين تبنوا هذا المطلب.
وللتذكير فقد سبق اتهام المغرب بعد 2011 باستعمال برنامج التجسس للشركة الإيطالية Hacking Team لمراقبة نشطاء ، وسنترك نتائج اختراق هاكر لقاعدة بيانات الشركة الإيطالية واطلاعه على زبنائها المباشرين وغير المباشرين في تدوينة قادمة.
نورالدين بلكبير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى