وجهة نظر

ذ.عبد الواحد حمزة :أدوات لتحليل قضايا في قلب الصراعات الطبقية الجديدة في المغرب (2/3)

ذ .عبد الواحد حمزة

ضرورة التدقيق المنهجي – النقدي في قضايا احتجاجية اجتماعية جديدة

ونحن على مشارف تحقيق ذلك “الإمكان الاجتماعي” الصعب قد لا يسع الباحث/ الملاحظ الاجتماعي إلا أن يستدل على نتائج حصلت بأسباب يمكن استبيانها، أن يعرف الحقيقة بأثر رجعي كنتيجة لما حدث بالفعل في الماضي القريب/ أو البعيد. كل ذلك يتم وكأن العالم لا يبحث إلا في ما مضى، أي في الأموات لا في الأحياء، ليكون بهذا علما وضعانيا، لا يهتم بالتنبؤ وبصيرورة الفعل الجماعي – الحي، في ديناميتهّ. ولعل ما يجب الاحتراز منه، في هذه الأثناء، هو مقتل “التفكير الدائري” المكرور (ميشيل دوبري، (1986).

وحري بنا أن نتحلى بمزيد من التدقيق المنهجي – النقدي كلما عالجنا موضوعا حركيا – اجتماعيا بامتياز– بعيدا عن “المراوحة المستمرة” و”السببية الميكانيكية” التي تنزلق إليها -احيانا كثيرة- غالب روافد العلوم الاجتماعية، ومنها الاقتصاد ذو الهوى العقلاني – النفعي الطاغي-بالرغم من اهمية- ربط الفوائد /النتائج بالكلفات والوسائل، إلخ (انظر Becher في الاستثمار في التعليم كخيار استراتيجي). ثم إنه لا يمكن الإغفال التام لما تحبل به -هكذا حركة- من ارتباك وعشوائية فعليين، وبحث صريح وحقيقي عن الذات، تجرها إليها صعوبة التقدير والاحتمال والفوضى وعنف الدولة والسلطوية الصاعدة، من جهة، وصمود الفعل الجماعي – الفئوي والشامل، في ظل اختلالات سياسية للقوى، محل التشكل، من جهة أخرى.

ومن بين ما يتطلبه هذا المبحث الاجتماعي، الجديد نسبيا، هو رصد “آثار الجيل” على نفسه وعلى من لحقه، كأن نتحدث -مثلا- عن مصير جيل الحركة الوطنية وما قد يصيبه من انشقاقات وانسحابات وضرورة اعتماد “الوطنية الجديدة”، اليوم، ضدا عن وطنية الحركة الاستقلالية، وكذا جيل اليسار الجديد، مثلا، وانحباسات وحدته ونضالاته. ويمكن اعتماد إعادة تشكيل مصطلح “احتلال المواقع” ومدى تطور المفهوم في العالم وفي بلادنا، على ضوء تاريخ الإضرابات العفوية – الجماهيرية. (انظر النقابية العمالية في المغرب عند المنوني عبد اللطيف 1979، والحركات الاحتجاجية والأحزاب السياسية في المغرب عند كل من عبد الرحمن رشيق 2016 ومونية الشرايبي بناني 2020).

ويمكن إعادة قراءة الأعمال النظرية والتاريخية  التي عالجتها روزا لوكسمبورغ في كتابها “الإضراب الجماهيري والحزب السياسي والنقابات (1906)” أو في مقالين مشهورين لها جرى جمعهما في كتاب “الإضراب الفجائي وعفوية الجماهير (1902 و1913)”؛  الخ أو كما جاء في كتاب هنري لوفيفر “انفجار نونتار عند القمة” من تفسير مبتكر لأحداث مايو 1968، الخ، وكذا تلك المقالات والدراسات التي عالجت “حركة 20 فبراير (2011) في المغرب وباقي تمظهرات ما يعرف “بالربيع العربي-الديمقراطي”(…)، إلى اليوم.

نفس الاهتمام يجب أن ينصب عن “الاعتصامات” و”التمردات” و”الانتفاضات” و”الأزمات” و”الانتقالات” من طور إلى آخر ومن نظام إلى آخر. كما تجب الإشارة إلى “الحركات المضادة”، كحركة الشباب الملكي في المغرب وفي باقي أصقاع البلدان العربية – الإسلامية والعالم – ثالثية، عموما، وتلك التي اخذت مكانا مشبوها لها داخل النسق السياسي الرسمي (…).إنها تعمل على خلط الأوراق والأولويات وتشويه الرؤية، كلما كادت قوى الاحتجاج والتغير الديموقراطي أن تحقق تقدما او تنتصر على قوى التراجع و”الرجعية” والردة! ومما لا شك فيه أن كل تلك الحركات قد تعرف نجاحات نسبية أو محدودة في الزمكان، بالقدر الذي تعرف فيه إخفاقات أو تراكمات للمواعيد الموءودة (…).

ومما يمكن ان يغني هذا المبحث أيضا الانتباه إلى جدوى “صياغة المشاكل العامة” بناء علميا، بعيدا عما تقدمه الصحافة – أصفراء كانت -خاصة- أو مستقلة – حيث يتم إبراز لتفاهات عمومية عامة او لمشاكل هامشية أو مشاكل جزئية دون غيرها، بالرغم من جدوى الصحافة، ومما يمكن ان يسديه ذلك التنويه الجزئي أو العابر من نفع تارة وتشويه أو إجلاء الاهتمام والتستر على معضلات بعينها، تارة أخرى.

كما تُجدي الإشارة أيضا لأهمية تحديد “بنية الفرص السياسية” المتاحة تاريخيا، والكشف عن “دينامية النشطاء/ الفاعلين” ضمنها وضدها، وضبط حالات “الاستمرار” و”الانسحاب” و”وقف الانخراط في المؤسسات الوطنية والدولية”، فضلا عن “الانخراط” في ظروف الذروة، غالبا ما تكون فترة انتخابات ! ومن المفيد ربط ذلك بطبيعة وأطوار “النظام السياسي” السائد (ماركس، ذوتوكفيل، بودون،…)، أي إشكالات تطوره وانتقالاته وحجوزيته، فضلا عن جدوى “تحليل الأحداث” والإلمام بتقنيات وأدوات “التحليل الشبكي- الاجتماعي”.

ويمكن الاهتمام أيضا “بِسِيَر النشطاء” وفعالية “التدخل السوسيولوجي” و”تحليل الأطر” والأخذ بما يعرف بـ”الهلع الأخلاقي”، فيما انبرت إليه السلطات القمعية دائما من فبركة لفضائح-  مكروهة اجتماعيا- تتم إشاعتها للتنكيل والعزل والتشهير بالمعارضين، أكانوا صحفيين، مدونين أو نشطاء حقوقيين أو سياسيين، الخ، بالإمعان في فضائح الجنس والإرهاب والانفصال، وغيرها. ولا شك أن اعتماد “الآثار البيوغرافية للنشطاء” يفيد كذلك  التحليلات أكانت من هذه الزاوية أو الزاوية المضادة! وكذا كل ما كُتب عن “النضالات من أجل الاعتراف ولترسيخ “الهوية الجماعية” للأفراد والمجموعات والشعوب، بأكملها (انظر كتابات بورديو الأولى حول الجزائر وكذا بروبا كير 2001 وتيللي 2005 وتايلور 1992…).

يتبع

ذ.عبد الواحد حمزة

سوسيو -اقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى