اخرىقناة تنوير

محمد صلحيوي”الحراكات الاجتماعية والجواب السياسي لليسار ” (+ فيديو )

من الأسئلة التأسيسية التي طرحها الحراك الشعبي المغربي وبمختلف دينامياته،  السؤال التالي: كيف يمكن لحراك مناطقي وفئوي وقطاعي ومحلي، أن يكون أساس إستراتيجية وطنية  لنهوض وطني ديموقراطي مواطن؟ تكون في صلبه  مقولة “الوطنية” بحمولة جديدةوبعقليةجامعة؟
وهل يمكننا السؤال الآنف من تلمس طريق الجواب على سؤال ماسماه الرمز محمد بنسعيد أيت إيدر “بالفرص الضائعة”؟.
وهل مستقبل التغيير مرتبط بتجديد الخطاب السياسي ام بتجديد أسس الممارسة السياسية ؟

1-ظرفية 2011-2021.
شكلت حركة 20فبراير إعلانا رسمياَ عن موت”المسلسل الديموقراطي” ،والذي إنطلق اواسط سبعينيات القرن العشرين،وانتهى عملياِ في2002بإلغاء ماسمي”بالمنهجية الديموقراطية”؛إلا أن حركة 20 فبراير لم تسنطع،كأول تدخل شعبي/إجتماعي،السير بعيداً سياسياً وشعبياً،فكان التشبث بروحها التغييري افقاَ منتظرا؛جاء  الحراك الشعبي المغربي، خصوصاً نموذجه بالريف،فقدم ما لم تتمكن الحركة من تقديمه، وعلى ثلاث مستويات:
مستوى الإستقلالية عن الأحزاب،ومستوى وحدة البرنامج(عريضة المطالب)،ومستوى القيادة الموحدة المنتخبة من داخل الحراك الشعبي.
وبذلك،نستطيع الجزم بأن الحراك الشعبي المغربي،هو،تطور نوعي لروح حركة 20فبراير،وبذلك،تكون دروس الحراك دروساَ وطنية،وهي أربعة:

أولا: شكل الحراك الشعبي المغربي إعلانا قطعي الثبوت بفشل السياسات العمومية  بكل خططها التنموية. ثانيا :انتهاءإستراتيجية خلق الأحزاب الإدارية وتوظيفها للعب دور الوسيط السياسي  والاجتماعي.

ثالثا:دفع الأحزاب الحقيقية اليسارية لمواجهة سؤال العلاقة مع النضال الشعبي ومع الحركةالإجتماعية .        رابعاً: بروز نوع جديد من القادة، وبوعي قيادي بعيد عن المال والجاه، وكذا، عن المركزية الجغرافية والوطنية.
فنحن إذن أمام ظرفية إجتماعية مؤسسة،داخلها يصنع مستقبل الوطن، محركها القوي هو الحراك الشعبي كما يقول المؤرخ إبراهيم ياسين وإشعاعها مختلف الديناميات، ولسنا أمام ظرفيةعابرة.
لنلاحظ أن الحزب الإشتراكي ألموحدقد التقط روح حركة 20فبراير خلال مؤتمره الثالث2012، ويصدر في نهاية عشرية الظرفية بيان مئوية أنوال الخالدة (6غشت 2021)،والذي يؤكد -البيان- من حيث الجوهر الفكري،تاريخ بداية مسلسل “تضييع الفرص” الذي كان الموقف السلبي من خط الخطابي التحرري بدايته،موقف الحركة الوطنية-آنذاك- يؤكد أنها مساهمة في ضياع الفرص وعلى طول قرن من الزمن.
ولنلاحظ أيصاَ،وعلى سبيل التمثيل لا الحصر،كيف همش وحورب  وأفصي، أبو الحركة الوطنية عبد السلام بنونة من طرف قادة الحركة في ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد قرابة قرن، تعايش الحملة الشرسة والممنهجة لإقصاء و تهميش الدكتورة نبيلة منيب،الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد،لانها،بإشعاعها وبكاريزميتها وقوتها في التعبير عن مواقف الحزب المتبية للحراك الشعبي بالريف ومعتقليه، ومنذ إنطلاق الحراك،وبذلك أعادت المصداقية لدور القائد السياسي غير المزدوج في خطابه و ممارسته،ولذلك،تسعى الكثير من الجهات محاصرتها و إبعادها.

2-إرتدادات الحراك الشعبي المغربي…
تتيح العناصر  الأربعة السابقة، إمكانيات تحليلية من زوايا مختلفة ومتعددة، لكن السؤال الدقيق هو : هل طريقها مستقيمة لإحداث رجتها المأمولة، أم أن العقلية “الوطنية” المغربية ستكون عصية عليها، وبالتالي تعود من جديد إلى الاستبطان الشعبي لمراكمة الغضب الشعبي والمناطقي (الريف)؟ ونعيد إنتاج مقولة”لن يكون للحراك الشعبي المغربي غد، ولكن له مستقبل” .
واضح، أن الموضوع، بكل أسئلته يفرض مقاربة أبعد من سياسية واجتماعية وحقوقية، إنها تتعدى تلك المستويات إلى مستوى ثقافي / قيمي، ما يستدعي تحليلياً وتركيباَ،وبالضرورة، أسئلة أخرى من قبيل: لماذا كلما تحرك الريف، يواجه بتهمة الانفصال ؟  إن السؤال السابق، يشكل المفتاح لفهم  وجود”عتادين ذهنيين وسرديتين ” أطرتا وسيجتا تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن. وقبل تفصيل هذه النقطة أفرغ أولا من محور ” الحراك الشعبي المغربي “وصدام التسميات.
من باب تأكيد المؤكد، أن الحراك قد أحدث اختراقا حقيقيا وكبيرا، وعميقا أيضا، من حيث حمولاته، في السقف السياسي الوطني، بكل تعارضاته وتلاقياته..  يمين/يسار.. رجعي/ تقدمي.. إصلاحي/جذري.. حداثي/ سلفي.. الشرعية التقليدية/ الشرعية الديمقراطية. جاء الحراك الشعبي وأحدث ثقوبا في سقوف كل هذه القوى والتيارات. لقد بدا جليا، وعلى أرض الواقع،
أن الدولة قد حسمت أمر مسح كل المساحات النضالية التي خلقتها/ أوجدتها حركة 20 فبراير 2011، وذلك بخطة إغلاق كل الحقول . بمعنى أن الدولة قد اختارت ركوب إستراتيجية الهيمنة التامة على المجتمع، والتسييد التام لكل ما هو تقليدي محافظ. السقف السياسي الوحيد والمعارض الذي تكرس كإستراتيجية ديمقراطية من موقع يساري، كان في حاجة إلى الزخم الحراكي شعبي.
في ظل شروط هذا الوضع الوطني
كانت خلاصة “الردة الثقافية”والسياسية إحدى التوصيفات المفسرة، أو التي حاولت تفسير وضعية تحمل من “السريالية” الشيء الكثير دولة تجري انتخابات لتثبيت إستراتيجيتها  فيها سياسيا، وحقل إجتماعي متنوع الديناميات مقاوم من أجل التغيير؛ ونخب سياسية وثقافية  لازالت مترددة.
الوضعية المغربية، إذن حبلى بسؤال ” تخصيب” السياسة لمواجهة إستراتيجية  الهيمنة الشاملة على المجتمع وتكريس منظومة قيم الزبونيةوالفساد.           -جاءت تسمية الحراك الشعبي السلمي المغربي جمعاَ بصيغة المفرد، بكل تنوعه ودينامياته،بعد انتقاله من مستوى الاحتجاج إلى مستوى حراك اجتماعي منظم، لتؤكد – التسمية‐ أن الحراك فعل شعبي فوق‐ طبقي، وهذه نقطة قوته، على عكس ما تذهب إليه بعض القراءات التي   تؤكد أن عدم ارتكاز الحراك على طبقة اجتماعية محددة، وتقصد الطبقة الأكثر تضررا اقتصاديا، هو نقطة ضعف  “الحراك” والقراءات المشار إليها تنحو منحى اقتصادوي، والحال أن تسمية الحراك يعبر عن فعل ودينامية شعبية غير مؤطر بشعارسياسي معين وطبقة اجتماعية محددة كما كان الشأن مع حركة 20 فبراير، باعتبارها حركة سياسية معبرة عن أفق الطبقة الوسطى.

-الحراكات الاجتماعية: تستعمل هذه التسمية من طرف المنظمات النقابية بشكل خاص، وخلفية التسمية، كون المطالب  هي مطالب المجتمع المغربي برمته، وعندما يتطور النقاش صوب الإشكالات العميقة لكل موقع من مواقع الحراك  الشعبي، يحضر الإصرار على التعويم.

-الحراكات الشعبية: وتستعمل من طرف الأحزاب السياسية،كتسمية للحراك الشعبي،مع وجود استثناء، والخلفية هنا – إعتقاداَ منها-هي عدم تبخيس نضالات الشعب المغربي، بالنسبة إليها، التركيز على الحراك الشعبي بالريف بحمولاته وسيرورته وصيرورته هو التبخيس بعينه للنضالات الشعبية، وعندما تواجه بالوقائع المادية على الأرض تلجأ لخطاب الوطنية، هنا نجد أنفسنا مع منطق التعويم المضمر لموقف ثاو في مكان  آخر، وهنا أؤكد مسألة وجود الإستثناء الحزبي الذي يمثله الحزب الإشتراكي ألموحد.

-حراك الحسيمة: ويستعمله الإعلام الرسمي تسمية ” أحداث الحسيمة” والتسمية  تهدف إلى عزل الحسيمة عن محيطها،وتفادي تسمية البعد المناطفي   التي يعني ورودها ورود الكثير من الإشكالات غير المرغوب في التعاطي معها. وإذا كان واضحا(تجنب البعد المناطقي)كهدف لدى الالتفافيين على الحراك الشعبي، فإن استعمالها‐ التسمية‐ من طرف مهتمين صادقين يستلزم إثارة الانتباه إلى ما يلي: إن الحسيمة تاج وعقل الحراك الشعبي بالريف، الدريوش       والناظور رئتاه، والوطن المغربي شرايينه وشبابه قلبه النابض.
وسؤال المتابعة هنا هو : ما الذي جعل من الريف نقطة ارتكاز للحراكالشعبي؟
إن إعادة صياغة مجموعة من الثنائيات، توضح أن الحدود المسيجة للوطنية والعقلية المغربيتين لا تتعلق فقط بالدولة، بل تطال الانتلجنسيات المغربية خصوصا تلك التي تصنف نفسها منتمية للحركة “الوطنية المغربية” أو التي تصنف نفسها سليلة لها من القوى التقدمية واليسارية. إن سقوط كل الوسائط بين الحراك والدولة أنتج مواجهة مكشوفة: الدولة بإستراتيجيتها والحراك الشعبي بالريف بحمولة الحاضر المسيج  بالتاريخ و المسألة أساسية  هناهي: أن الرهان على الزمن لإجهاض الحراك وقمعه وفرض التراجع على قيادته، قد باءت بالفشل، وعلى العكس من ذلك، فقد انتقل الحراك من الفعل في الحاضر إلى الفعل في طرق باب المستقبل، مستقبل الوطن المغربي. إن الرجة الحقيقية التي أحدثها الحراك تطال منظومة القيم المؤطرة  للوطنية.
لخص المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز في أطروحته حول “الوطنيون المغاربة خلال القرن العشرين”، في الفقرة التالية  ” لماذا لم تتوفق الانتلجنسيات الوطنية الحداثية المغربية في إحداث قطيعة مع المحافظة كثقافة وكسلوك سياسي؟ ولماذا تصاب في مسيرتها من هامش الحقلين الثقافي والسياسي نحو مركزيتهما بالارتباك والتردد، وتنزلق في ظرفيات إلى راديكالية مانوية تنسيها منظومة قيمها الحداثية، وتساهم بذلك في إعادة إنتاج المحافظة، وبالتالي تسهل مهمة تموقعها في الهامش.
إن هذه الخلاصة التركيبية، تمكن من فهم ما يمكن أن تؤول إليه مواقف مختلف القوى السياسية، وخاصة نخبها الثقافية من ظرفية الحراك الشعبي بالريف. فإذا كانت الدروس الاربعة مستوعبة بهذا الشكل أو ذاك ( الإقرار بما يشبه إجماع بفشل النماذج التنموية السابقة، وسقوط الوسائط الادارية الحزبية، وما يمثله الوعي الجديد للقيادة )، خصوصا وأنها تحمل طابع التوطين، فإن حضور خط الخطابي القوي داخل الحراك الشعبي بالريف، ما ترجم في شعارات من قبيل ” من أجل مصالحة حقيقية مع الريف” و “إنصاف المنطقة ورد الاعتبار لتاريخها ورموزها”.

3-صدام إستبطانين…
لنلاحظ أن حملة الدعم الوطنية الكبيرة للحراك، ليست فقط نتيجة ما تعرض له الحراك وقياداته، بل أيضا، لاستبطان المغاربة العميق لروح المقاومة والاستشهاد، لكن حين تكون الوضعية مناطقية يخرج اللاوعي   البعد الاقصائي “للحركة الوطنية” (الذي ساد منذ ثلاثينيات القرن الماضي) ، يتدخل “الالتباس” التاريخي حول مكانه خط الخطابي والريف كطرف من طرفي “الوطنية المغربية”كما اكد الأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي أن تجربة الخطابي هي حركة وطنية اولى،وأن الحركة الوطنية المعروفة هي الثانية، مستعملاَ تسمية “الشرخ الوطني”وهو يتحدث عن تاريخ الريف،وهو  ما وقع بعد انتصار أنوال، إذ يؤكد المؤرخ المصطفى بوعزيز أن أجواء تمجيد و الاعتزاز بثورة الخطابي وانتصارها كان سائدا وسط الوطنيين المغاربة، لكن عندما تحول الخطابي من قائد عسكري إلى ” رمز أسطوري” وخوفا من أن تطال ميولات هذه التجربة مستوى القطيعة مع سقوف الممارسة السياسية والثقافيةللانتلجنسيات،  لجأت هذه الاخيرةآلى تحويل هذا التخوف إلى “توجس” من التجربة؛ إن التوجس من هذه الميول هو الذي سيدفع الوطنيين في الثلاثينيات إلى التأكيد على الطابع الشرعي لممارستهم السياسية، وعلى العمل لتجنب أي مواجهة عسكرية مع المستعمر تجنبا لأي” مغامرة”؛فبين “تمجيد الثورة” و “التوجس من المغامرة” استقر الالتباس في  ذهنية الحركة الوطنية كعقلية وممارسة. فما أشبه الأمس باليوم.
إن مفهوم “العقلية” كعتاد ذهني موجه للممارسة، كتشكل في المدى الطويل، أي في الزمن التاريخي، يمكن تقريبها بمفهوم “المخيال الجماعي”.
إن التوجس من سرديات المناطق والجهات المهمشة، هو الذي تعيد القوى الوطنية إنتاجه  على مدى أجيال، وبها ‐العقلية‐  حاربت كل مقترب من سقوف الوطنية المغربية الثلاثة  التي حددتها خلال ثلاثينيات القرن الماضي(رسالة عمر بن الجليل إلى عبد السلام بنوتة).
لنلاحظ ثانية، أن الحركة الوطنية قبلت الاستقلال،ولم تأبه بمغرب الأربع مناطق (الصحراء بقيت محتلة‐ مركز المغرب كان تحت الحماية الفرنسية‐ شمال المغرب كان تحت الحماية الاسبانية‐ سبتة و مليلية والجزر بقيت محتلة و إلى اليوم من طرف إسبانيا). انتظر الشعب المغربي عشرين (20) سنة حتى تتعرض مقولة الوطنية للتطور مع استرجاع الصحراء المغربية، ويضاف “بعد” التراب الوطني للمقولة، وتتعرض “العقلية المركزية” للحركة الوطنية لرجة عميقة. فأي زمن سينتظره الريف حتى تدمج ذاكرة الريف وتاريخه في تاريخ الوطنية المغربية، وتقبر إلى الأبد تهمة “الانفصال” . وهذا هو المعنى العميق لعبارة ” الحراك الشعبي بالريف” فرصة تاريخية للمغرب لتجديد العتاد الذهني للعقلية المركزية وتحويلها إلى عقلية وطنية جامعة. ولمعالجة ما يجب تغييره على مستوى العتاد الذهني الموجه للممارسة السياسية، لمصالحة المغاربة مع تاريخهم  المشترك .

4-أليسار الكامن واليسار الكائن…

حاولت هذه المساهمة، الإمساك قدر المستطاع بجوهر حمولات الحركة الإجتماعية كتيار عام، طرح، بديناميات مختلفة، أقواها وأبرزها الحراك الشعبي بالريف، أجوبته على الإختلالات الاربعة:الطبقية والنوعية والبيئية والمناطقية، مترجماَ ذلك بالعدالة بمختلف مستوياتها؛إلا أن المفارقة تكمن في مواجهة دولة غير مستعدة للتغيير، وفي نفس الوقت “إنكسار” العلاقة مع قوى سياسية رافضة المطلوب لتجاوز إرث سياسي وفكري متمنع عن تجديد مقولاته وتصوراته.
طريقان إثنان ،إذن،أمام نخب التغيير وبمختلف مستوياتها:
إما الإمساك بالمضمون اليساري الكامن في الحركة الإجتماعية وبلوزته سياسيا و أدائياً وبعقلية ممارسة جديدة، وإما الإستقرار في وضعية”البقاء كهدف” والسير البطيئ صوب فرصة للتدبير.
إن ترديد معادلة”الإنفراج أوالإنفجار” تتضمن موقفاً حيادياً من تنامي النضال الشعبي، وبذلك يعاد إنتاج موقف قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة1960،عندما راهنت على تفسخ الأوضاع، ماسيؤدي إلى سقوط النظام، ولعبد الله العروي  موقف حاد من هذا الموقف.
إن اليسار يناضل من أجل فرض التعدد والإختلاف بالأسلوب السلمي الحضاري، أي النضال من. أجل إنفتاح سياسي وليس أخذ مسافة عن النضال الشعبي بلغة”بيناتكم” التي تعبر عنها معادلة “الإنفراج أو الإنفجار”.
في المقابل  وفي خضم ظرفية 2011-2021،بدا واضحاَ،خصوصاً بعد إنطلاق الحراك الشعبي بالريف،أن الحزب الإشتراكي ألموحد يسير، وبهدوء،صوب إحداث القطيعة الفكرية البانية مع الماضي؛مركباَ-بشكل ثري-في سيره، ومن خلال مواقفه ومختلف بياناته، سرديات الوطن، خصوصاً سردية الريف والصحراء وسردية الحركة الوطنية،إن التأكيد على العدالة المناطقية تكثيف لمطلب معالجة الشرخ الوطني.
إن العدالة المناطقية مكنت الحزب من طرح مسألة المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة،وبذلك يدفع في اتجاه إعادة النظر في علاقة المركز و الهامش (الهامش هو مركز الحراك الشعبي المغربي). تلك العلاقة المختلة بين المركز و الهامش مكن الحزب من طرح فكرة إعادة وتجديد مقولة الوطنية المغربية لتصبح حاضنة وجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه. وبذلك،خطا الحزب الإشتراكي ألموحد، خطوة غير مسبوقة حزبياً،وأعطى للحركة الإجتماعية معناها،وقد مشروع معنى لمضمون يسار الغد؛وبذلك أيضاَ، يعطي الترهين المغربي لتطور حركة اليسار العالمي الجديد؛وأعطى ثالثة،معنيَ لشعارات الدمقرطة والمواطنة.

ختاماً أقول مع قائل:

وحدها.. شمعة.. قيل أنها في الهامش.. أضاءت فضاء أنوال.. وخيمة الخطابي..

نأمل أن يتقوى نورها.. لنقرأ زوايا العقلية المركزية.. نأمل ذلك.. نأمل.. .

محمد صلحيوي عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد.

26-02-2022.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مداخلتي في الندوة الحزبية :بوزنيقة 26-02-2022.
الموضوع:الحراك الشعبي المغربي بين يسار كامن ويسار كائن..
من الأسئلة التأسيسية التي طرحها الحراك الشعبي المغربي وبمختلف دينامياته،  السؤال التالي: كيف يمكن لحراك مناطقي وفئوي وقطاعي ومحلي، أن يكون أساس إستراتيجية وطنية  لنهوض وطني ديموقراطي مواطن؟ تكون في صلبه  مقولة “الوطنية” بحمولة جديدةوبعقليةجامعة؟
وهل يمكننا السؤال الآنف من تلمس طريق الجواب على سؤال ماسماه الرمز محمد بنسعيد أيت إيدر “بالفرص الضائعة”؟.
وهل مستقبل التغيير مرتبط بتجديد الخطاب السياسي ام بتجديد أسس الممارسة السياسية ؟

1-ظرفية 2011-2021.
شكلت حركة 20فبراير إعلانا رسمياَ عن موت”المسلسل الديموقراطي” ،والذي إنطلق اواسط سبعينيات القرن العشرين،وانتهى عملياِ في2002بإلغاء ماسمي”بالمنهجية الديموقراطية”؛إلا أن حركة 20 فبراير لم تسنطع،كأول تدخل شعبي/إجتماعي،السير بعيداً سياسياً وشعبياً،فكان التشبث بروحها التغييري افقاَ منتظرا؛جاء  الحراك الشعبي المغربي، خصوصاً نموذجه بالريف،فقدم ما لم تتمكن الحركة من تقديمه، وعلى ثلاث مستويات:
مستوى الإستقلالية عن الأحزاب،ومستوى وحدة البرنامج(عريضة المطالب)،ومستوى القيادة الموحدة المنتخبة من داخل الحراك الشعبي.
وبذلك،نستطيع الجزم بأن الحراك الشعبي المغربي،هو،تطور نوعي لروح حركة 20فبراير،وبذلك،تكون دروس الحراك دروساَ وطنية،وهي أربعة:

أولا: شكل الحراك الشعبي المغربي إعلانا قطعي الثبوت بفشل السياسات العمومية  بكل خططها التنموية. ثانيا :انتهاءإستراتيجية خلق الأحزاب الإدارية وتوظيفها للعب دور الوسيط السياسي  والاجتماعي.

ثالثا:دفع الأحزاب الحقيقية اليسارية لمواجهة سؤال العلاقة مع النضال الشعبي ومع الحركةالإجتماعية .        رابعاً: بروز نوع جديد من القادة، وبوعي قيادي بعيد عن المال والجاه، وكذا، عن المركزية الجغرافية والوطنية.
فنحن إذن أمام ظرفية إجتماعية مؤسسة،داخلها يصنع مستقبل الوطن، محركها القوي هو الحراك الشعبي كما يقول المؤرخ إبراهيم ياسين وإشعاعها مختلف الديناميات، ولسنا أمام ظرفيةعابرة.
لنلاحظ أن الحزب الإشتراكي ألموحدقد التقط روح حركة 20فبراير خلال مؤتمره الثالث2012، ويصدر في نهاية عشرية الظرفية بيان مئوية أنوال الخالدة (6غشت 2021)،والذي يؤكد -البيان- من حيث الجوهر الفكري،تاريخ بداية مسلسل “تضييع الفرص” الذي كان الموقف السلبي من خط الخطابي التحرري بدايته،موقف الحركة الوطنية-آنذاك- يؤكد أنها مساهمة في ضياع الفرص وعلى طول قرن من الزمن.
ولنلاحظ أيصاَ،وعلى سبيل التمثيل لا الحصر،كيف همش وحورب  وأفصي، أبو الحركة الوطنية عبد السلام بنونة من طرف قادة الحركة في ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد قرابة قرن، تعايش الحملة الشرسة والممنهجة لإقصاء و تهميش الدكتورة نبيلة منيب،الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد،لانها،بإشعاعها وبكاريزميتها وقوتها في التعبير عن مواقف الحزب المتبية للحراك الشعبي بالريف ومعتقليه، ومنذ إنطلاق الحراك،وبذلك أعادت المصداقية لدور القائد السياسي غير المزدوج في خطابه و ممارسته،ولذلك،تسعى الكثير من الجهات محاصرتها و إبعادها.

2-إرتدادات الحراك الشعبي المغربي…
تتيح العناصر  الأربعة السابقة، إمكانيات تحليلية من زوايا مختلفة ومتعددة، لكن السؤال الدقيق هو : هل طريقها مستقيمة لإحداث رجتها المأمولة، أم أن العقلية “الوطنية” المغربية ستكون عصية عليها، وبالتالي تعود من جديد إلى الاستبطان الشعبي لمراكمة الغضب الشعبي والمناطقي (الريف)؟ ونعيد إنتاج مقولة”لن يكون للحراك الشعبي المغربي غد، ولكن له مستقبل” .
واضح، أن الموضوع، بكل أسئلته يفرض مقاربة أبعد من سياسية واجتماعية وحقوقية، إنها تتعدى تلك المستويات إلى مستوى ثقافي / قيمي، ما يستدعي تحليلياً وتركيباَ،وبالضرورة، أسئلة أخرى من قبيل: لماذا كلما تحرك الريف، يواجه بتهمة الانفصال ؟  إن السؤال السابق، يشكل المفتاح لفهم  وجود”عتادين ذهنيين وسرديتين ” أطرتا وسيجتا تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن. وقبل تفصيل هذه النقطة أفرغ أولا من محور ” الحراك الشعبي المغربي “وصدام التسميات.
من باب تأكيد المؤكد، أن الحراك قد أحدث اختراقا حقيقيا وكبيرا، وعميقا أيضا، من حيث حمولاته، في السقف السياسي الوطني، بكل تعارضاته وتلاقياته..  يمين/يسار.. رجعي/ تقدمي.. إصلاحي/جذري.. حداثي/ سلفي.. الشرعية التقليدية/ الشرعية الديمقراطية. جاء الحراك الشعبي وأحدث ثقوبا في سقوف كل هذه القوى والتيارات. لقد بدا جليا، وعلى أرض الواقع،
أن الدولة قد حسمت أمر مسح كل المساحات النضالية التي خلقتها/ أوجدتها حركة 20 فبراير 2011، وذلك بخطة إغلاق كل الحقول . بمعنى أن الدولة قد اختارت ركوب إستراتيجية الهيمنة التامة على المجتمع، والتسييد التام لكل ما هو تقليدي محافظ. السقف السياسي الوحيد والمعارض الذي تكرس كإستراتيجية ديمقراطية من موقع يساري، كان في حاجة إلى الزخم الحراكي شعبي.
في ظل شروط هذا الوضع الوطني
كانت خلاصة “الردة الثقافية”والسياسية إحدى التوصيفات المفسرة، أو التي حاولت تفسير وضعية تحمل من “السريالية” الشيء الكثير دولة تجري انتخابات لتثبيت إستراتيجيتها  فيها سياسيا، وحقل إجتماعي متنوع الديناميات مقاوم من أجل التغيير؛ ونخب سياسية وثقافية  لازالت مترددة.
الوضعية المغربية، إذن حبلى بسؤال ” تخصيب” السياسة لمواجهة إستراتيجية  الهيمنة الشاملة على المجتمع وتكريس منظومة قيم الزبونيةوالفساد.           -جاءت تسمية الحراك الشعبي السلمي المغربي جمعاَ بصيغة المفرد، بكل تنوعه ودينامياته،بعد انتقاله من مستوى الاحتجاج إلى مستوى حراك اجتماعي منظم، لتؤكد – التسمية‐ أن الحراك فعل شعبي فوق‐ طبقي، وهذه نقطة قوته، على عكس ما تذهب إليه بعض القراءات التي   تؤكد أن عدم ارتكاز الحراك على طبقة اجتماعية محددة، وتقصد الطبقة الأكثر تضررا اقتصاديا، هو نقطة ضعف  “الحراك” والقراءات المشار إليها تنحو منحى اقتصادوي، والحال أن تسمية الحراك يعبر عن فعل ودينامية شعبية غير مؤطر بشعارسياسي معين وطبقة اجتماعية محددة كما كان الشأن مع حركة 20 فبراير، باعتبارها حركة سياسية معبرة عن أفق الطبقة الوسطى.

-الحراكات الاجتماعية: تستعمل هذه التسمية من طرف المنظمات النقابية بشكل خاص، وخلفية التسمية، كون المطالب  هي مطالب المجتمع المغربي برمته، وعندما يتطور النقاش صوب الإشكالات العميقة لكل موقع من مواقع الحراك  الشعبي، يحضر الإصرار على التعويم.

-الحراكات الشعبية: وتستعمل من طرف الأحزاب السياسية،كتسمية للحراك الشعبي،مع وجود استثناء، والخلفية هنا – إعتقاداَ منها-هي عدم تبخيس نضالات الشعب المغربي، بالنسبة إليها، التركيز على الحراك الشعبي بالريف بحمولاته وسيرورته وصيرورته هو التبخيس بعينه للنضالات الشعبية، وعندما تواجه بالوقائع المادية على الأرض تلجأ لخطاب الوطنية، هنا نجد أنفسنا مع منطق التعويم المضمر لموقف ثاو في مكان  آخر، وهنا أؤكد مسألة وجود الإستثناء الحزبي الذي يمثله الحزب الإشتراكي ألموحد.

-حراك الحسيمة: ويستعمله الإعلام الرسمي تسمية ” أحداث الحسيمة” والتسمية  تهدف إلى عزل الحسيمة عن محيطها،وتفادي تسمية البعد المناطفي   التي يعني ورودها ورود الكثير من الإشكالات غير المرغوب في التعاطي معها. وإذا كان واضحا(تجنب البعد المناطقي)كهدف لدى الالتفافيين على الحراك الشعبي، فإن استعمالها‐ التسمية‐ من طرف مهتمين صادقين يستلزم إثارة الانتباه إلى ما يلي: إن الحسيمة تاج وعقل الحراك الشعبي بالريف، الدريوش       والناظور رئتاه، والوطن المغربي شرايينه وشبابه قلبه النابض.
وسؤال المتابعة هنا هو : ما الذي جعل من الريف نقطة ارتكاز للحراكالشعبي؟
إن إعادة صياغة مجموعة من الثنائيات، توضح أن الحدود المسيجة للوطنية والعقلية المغربيتين لا تتعلق فقط بالدولة، بل تطال الانتلجنسيات المغربية خصوصا تلك التي تصنف نفسها منتمية للحركة “الوطنية المغربية” أو التي تصنف نفسها سليلة لها من القوى التقدمية واليسارية. إن سقوط كل الوسائط بين الحراك والدولة أنتج مواجهة مكشوفة: الدولة بإستراتيجيتها والحراك الشعبي بالريف بحمولة الحاضر المسيج  بالتاريخ و المسألة أساسية  هناهي: أن الرهان على الزمن لإجهاض الحراك وقمعه وفرض التراجع على قيادته، قد باءت بالفشل، وعلى العكس من ذلك، فقد انتقل الحراك من الفعل في الحاضر إلى الفعل في طرق باب المستقبل، مستقبل الوطن المغربي. إن الرجة الحقيقية التي أحدثها الحراك تطال منظومة القيم المؤطرة  للوطنية.
لخص المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز في أطروحته حول “الوطنيون المغاربة خلال القرن العشرين”، في الفقرة التالية  ” لماذا لم تتوفق الانتلجنسيات الوطنية الحداثية المغربية في إحداث قطيعة مع المحافظة كثقافة وكسلوك سياسي؟ ولماذا تصاب في مسيرتها من هامش الحقلين الثقافي والسياسي نحو مركزيتهما بالارتباك والتردد، وتنزلق في ظرفيات إلى راديكالية مانوية تنسيها منظومة قيمها الحداثية، وتساهم بذلك في إعادة إنتاج المحافظة، وبالتالي تسهل مهمة تموقعها في الهامش.
إن هذه الخلاصة التركيبية، تمكن من فهم ما يمكن أن تؤول إليه مواقف مختلف القوى السياسية، وخاصة نخبها الثقافية من ظرفية الحراك الشعبي بالريف. فإذا كانت الدروس الاربعة مستوعبة بهذا الشكل أو ذاك ( الإقرار بما يشبه إجماع بفشل النماذج التنموية السابقة، وسقوط الوسائط الادارية الحزبية، وما يمثله الوعي الجديد للقيادة )، خصوصا وأنها تحمل طابع التوطين، فإن حضور خط الخطابي القوي داخل الحراك الشعبي بالريف، ما ترجم في شعارات من قبيل ” من أجل مصالحة حقيقية مع الريف” و “إنصاف المنطقة ورد الاعتبار لتاريخها ورموزها”.

3-صدام إستبطانين…
لنلاحظ أن حملة الدعم الوطنية الكبيرة للحراك، ليست فقط نتيجة ما تعرض له الحراك وقياداته، بل أيضا، لاستبطان المغاربة العميق لروح المقاومة والاستشهاد، لكن حين تكون الوضعية مناطقية يخرج اللاوعي   البعد الاقصائي “للحركة الوطنية” (الذي ساد منذ ثلاثينيات القرن الماضي) ، يتدخل “الالتباس” التاريخي حول مكانه خط الخطابي والريف كطرف من طرفي “الوطنية المغربية”كما اكد الأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي أن تجربة الخطابي هي حركة وطنية اولى،وأن الحركة الوطنية المعروفة هي الثانية، مستعملاَ تسمية “الشرخ الوطني”وهو يتحدث عن تاريخ الريف،وهو  ما وقع بعد انتصار أنوال، إذ يؤكد المؤرخ المصطفى بوعزيز أن أجواء تمجيد و الاعتزاز بثورة الخطابي وانتصارها كان سائدا وسط الوطنيين المغاربة، لكن عندما تحول الخطابي من قائد عسكري إلى ” رمز أسطوري” وخوفا من أن تطال ميولات هذه التجربة مستوى القطيعة مع سقوف الممارسة السياسية والثقافيةللانتلجنسيات،  لجأت هذه الاخيرةآلى تحويل هذا التخوف إلى “توجس” من التجربة؛ إن التوجس من هذه الميول هو الذي سيدفع الوطنيين في الثلاثينيات إلى التأكيد على الطابع الشرعي لممارستهم السياسية، وعلى العمل لتجنب أي مواجهة عسكرية مع المستعمر تجنبا لأي” مغامرة”؛فبين “تمجيد الثورة” و “التوجس من المغامرة” استقر الالتباس في  ذهنية الحركة الوطنية كعقلية وممارسة. فما أشبه الأمس باليوم.
إن مفهوم “العقلية” كعتاد ذهني موجه للممارسة، كتشكل في المدى الطويل، أي في الزمن التاريخي، يمكن تقريبها بمفهوم “المخيال الجماعي”.
إن التوجس من سرديات المناطق والجهات المهمشة، هو الذي تعيد القوى الوطنية إنتاجه  على مدى أجيال، وبها ‐العقلية‐  حاربت كل مقترب من سقوف الوطنية المغربية الثلاثة  التي حددتها خلال ثلاثينيات القرن الماضي(رسالة عمر بن الجليل إلى عبد السلام بنوتة).
لنلاحظ ثانية، أن الحركة الوطنية قبلت الاستقلال،ولم تأبه بمغرب الأربع مناطق (الصحراء بقيت محتلة‐ مركز المغرب كان تحت الحماية الفرنسية‐ شمال المغرب كان تحت الحماية الاسبانية‐ سبتة و مليلية والجزر بقيت محتلة و إلى اليوم من طرف إسبانيا). انتظر الشعب المغربي عشرين (20) سنة حتى تتعرض مقولة الوطنية للتطور مع استرجاع الصحراء المغربية، ويضاف “بعد” التراب الوطني للمقولة، وتتعرض “العقلية المركزية” للحركة الوطنية لرجة عميقة. فأي زمن سينتظره الريف حتى تدمج ذاكرة الريف وتاريخه في تاريخ الوطنية المغربية، وتقبر إلى الأبد تهمة “الانفصال” . وهذا هو المعنى العميق لعبارة ” الحراك الشعبي بالريف” فرصة تاريخية للمغرب لتجديد العتاد الذهني للعقلية المركزية وتحويلها إلى عقلية وطنية جامعة. ولمعالجة ما يجب تغييره على مستوى العتاد الذهني الموجه للممارسة السياسية، لمصالحة المغاربة مع تاريخهم  المشترك .

4-أليسار الكامن واليسار الكائن…

حاولت هذه المساهمة، الإمساك قدر المستطاع بجوهر حمولات الحركة الإجتماعية كتيار عام، طرح، بديناميات مختلفة، أقواها وأبرزها الحراك الشعبي بالريف، أجوبته على الإختلالات الاربعة:الطبقية والنوعية والبيئية والمناطقية، مترجماَ ذلك بالعدالة بمختلف مستوياتها؛إلا أن المفارقة تكمن في مواجهة دولة غير مستعدة للتغيير، وفي نفس الوقت “إنكسار” العلاقة مع قوى سياسية رافضة المطلوب لتجاوز إرث سياسي وفكري متمنع عن تجديد مقولاته وتصوراته.
طريقان إثنان ،إذن،أمام نخب التغيير وبمختلف مستوياتها:
إما الإمساك بالمضمون اليساري الكامن في الحركة الإجتماعية وبلوزته سياسيا و أدائياً وبعقلية ممارسة جديدة، وإما الإستقرار في وضعية”البقاء كهدف” والسير البطيئ صوب فرصة للتدبير.
إن ترديد معادلة”الإنفراج أوالإنفجار” تتضمن موقفاً حيادياً من تنامي النضال الشعبي، وبذلك يعاد إنتاج موقف قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة1960،عندما راهنت على تفسخ الأوضاع، ماسيؤدي إلى سقوط النظام، ولعبد الله العروي  موقف حاد من هذا الموقف.
إن اليسار يناضل من أجل فرض التعدد والإختلاف بالأسلوب السلمي الحضاري، أي النضال من. أجل إنفتاح سياسي وليس أخذ مسافة عن النضال الشعبي بلغة”بيناتكم” التي تعبر عنها معادلة “الإنفراج أو الإنفجار”.
في المقابل  وفي خضم ظرفية 2011-2021،بدا واضحاَ،خصوصاً بعد إنطلاق الحراك الشعبي بالريف،أن الحزب الإشتراكي ألموحد يسير، وبهدوء،صوب إحداث القطيعة الفكرية البانية مع الماضي؛مركباَ-بشكل ثري-في سيره، ومن خلال مواقفه ومختلف بياناته، سرديات الوطن، خصوصاً سردية الريف والصحراء وسردية الحركة الوطنية،إن التأكيد على العدالة المناطقية تكثيف لمطلب معالجة الشرخ الوطني.
إن العدالة المناطقية مكنت الحزب من طرح مسألة المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة،وبذلك يدفع في اتجاه إعادة النظر في علاقة المركز و الهامش (الهامش هو مركز الحراك الشعبي المغربي). تلك العلاقة المختلة بين المركز و الهامش مكن الحزب من طرح فكرة إعادة وتجديد مقولة الوطنية المغربية لتصبح حاضنة وجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه. وبذلك،خطا الحزب الإشتراكي ألموحد، خطوة غير مسبوقة حزبياً،وأعطى للحركة الإجتماعية معناها،وقد مشروع معنى لمضمون يسار الغد؛وبذلك أيضاَ، يعطي الترهين المغربي لتطور حركة اليسار العالمي الجديد؛وأعطى ثالثة،معنيَ لشعارات الدمقرطة والمواطنة.

ختاماً أقول مع قائل:

وحدها.. شمعة.. قيل أنها في الهامش.. أضاءت فضاء أنوال.. وخيمة الخطابي..

نأمل أن يتقوى نورها.. لنقرأ زوايا العقلية المركزية.. نأمل ذلك.. نأمل.. .

محمد صلحيوي عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد.

26-02-2022.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مداخلتي في الندوة الحزبية :بوزنيقة 26-02-2022.
الموضوع:الحراك الشعبي المغربي بين يسار كامن ويسار كائن..
من الأسئلة التأسيسية التي طرحها الحراك الشعبي المغربي وبمختلف دينامياته،  السؤال التالي: كيف يمكن لحراك مناطقي وفئوي وقطاعي ومحلي، أن يكون أساس إستراتيجية وطنية  لنهوض وطني ديموقراطي مواطن؟ تكون في صلبه  مقولة “الوطنية” بحمولة جديدةوبعقليةجامعة؟
وهل يمكننا السؤال الآنف من تلمس طريق الجواب على سؤال ماسماه الرمز محمد بنسعيد أيت إيدر “بالفرص الضائعة”؟.
وهل مستقبل التغيير مرتبط بتجديد الخطاب السياسي ام بتجديد أسس الممارسة السياسية ؟

1-ظرفية 2011-2021.
شكلت حركة 20فبراير إعلانا رسمياَ عن موت”المسلسل الديموقراطي” ،والذي إنطلق اواسط سبعينيات القرن العشرين،وانتهى عملياِ في2002بإلغاء ماسمي”بالمنهجية الديموقراطية”؛إلا أن حركة 20 فبراير لم تسنطع،كأول تدخل شعبي/إجتماعي،السير بعيداً سياسياً وشعبياً،فكان التشبث بروحها التغييري افقاَ منتظرا؛جاء  الحراك الشعبي المغربي، خصوصاً نموذجه بالريف،فقدم ما لم تتمكن الحركة من تقديمه، وعلى ثلاث مستويات:
مستوى الإستقلالية عن الأحزاب،ومستوى وحدة البرنامج(عريضة المطالب)،ومستوى القيادة الموحدة المنتخبة من داخل الحراك الشعبي.
وبذلك،نستطيع الجزم بأن الحراك الشعبي المغربي،هو،تطور نوعي لروح حركة 20فبراير،وبذلك،تكون دروس الحراك دروساَ وطنية،وهي أربعة:

أولا: شكل الحراك الشعبي المغربي إعلانا قطعي الثبوت بفشل السياسات العمومية  بكل خططها التنموية. ثانيا :انتهاءإستراتيجية خلق الأحزاب الإدارية وتوظيفها للعب دور الوسيط السياسي  والاجتماعي.

ثالثا:دفع الأحزاب الحقيقية اليسارية لمواجهة سؤال العلاقة مع النضال الشعبي ومع الحركةالإجتماعية .        رابعاً: بروز نوع جديد من القادة، وبوعي قيادي بعيد عن المال والجاه، وكذا، عن المركزية الجغرافية والوطنية.
فنحن إذن أمام ظرفية إجتماعية مؤسسة،داخلها يصنع مستقبل الوطن، محركها القوي هو الحراك الشعبي كما يقول المؤرخ إبراهيم ياسين وإشعاعها مختلف الديناميات، ولسنا أمام ظرفيةعابرة.
لنلاحظ أن الحزب الإشتراكي ألموحدقد التقط روح حركة 20فبراير خلال مؤتمره الثالث2012، ويصدر في نهاية عشرية الظرفية بيان مئوية أنوال الخالدة (6غشت 2021)،والذي يؤكد -البيان- من حيث الجوهر الفكري،تاريخ بداية مسلسل “تضييع الفرص” الذي كان الموقف السلبي من خط الخطابي التحرري بدايته،موقف الحركة الوطنية-آنذاك- يؤكد أنها مساهمة في ضياع الفرص وعلى طول قرن من الزمن.
ولنلاحظ أيصاَ،وعلى سبيل التمثيل لا الحصر،كيف همش وحورب  وأفصي، أبو الحركة الوطنية عبد السلام بنونة من طرف قادة الحركة في ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد قرابة قرن، تعايش الحملة الشرسة والممنهجة لإقصاء و تهميش الدكتورة نبيلة منيب،الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد،لانها،بإشعاعها وبكاريزميتها وقوتها في التعبير عن مواقف الحزب المتبية للحراك الشعبي بالريف ومعتقليه، ومنذ إنطلاق الحراك،وبذلك أعادت المصداقية لدور القائد السياسي غير المزدوج في خطابه و ممارسته،ولذلك،تسعى الكثير من الجهات محاصرتها و إبعادها.

2-إرتدادات الحراك الشعبي المغربي…
تتيح العناصر  الأربعة السابقة، إمكانيات تحليلية من زوايا مختلفة ومتعددة، لكن السؤال الدقيق هو : هل طريقها مستقيمة لإحداث رجتها المأمولة، أم أن العقلية “الوطنية” المغربية ستكون عصية عليها، وبالتالي تعود من جديد إلى الاستبطان الشعبي لمراكمة الغضب الشعبي والمناطقي (الريف)؟ ونعيد إنتاج مقولة”لن يكون للحراك الشعبي المغربي غد، ولكن له مستقبل” .
واضح، أن الموضوع، بكل أسئلته يفرض مقاربة أبعد من سياسية واجتماعية وحقوقية، إنها تتعدى تلك المستويات إلى مستوى ثقافي / قيمي، ما يستدعي تحليلياً وتركيباَ،وبالضرورة، أسئلة أخرى من قبيل: لماذا كلما تحرك الريف، يواجه بتهمة الانفصال ؟  إن السؤال السابق، يشكل المفتاح لفهم  وجود”عتادين ذهنيين وسرديتين ” أطرتا وسيجتا تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن. وقبل تفصيل هذه النقطة أفرغ أولا من محور ” الحراك الشعبي المغربي “وصدام التسميات.
من باب تأكيد المؤكد، أن الحراك قد أحدث اختراقا حقيقيا وكبيرا، وعميقا أيضا، من حيث حمولاته، في السقف السياسي الوطني، بكل تعارضاته وتلاقياته..  يمين/يسار.. رجعي/ تقدمي.. إصلاحي/جذري.. حداثي/ سلفي.. الشرعية التقليدية/ الشرعية الديمقراطية. جاء الحراك الشعبي وأحدث ثقوبا في سقوف كل هذه القوى والتيارات. لقد بدا جليا، وعلى أرض الواقع،
أن الدولة قد حسمت أمر مسح كل المساحات النضالية التي خلقتها/ أوجدتها حركة 20 فبراير 2011، وذلك بخطة إغلاق كل الحقول . بمعنى أن الدولة قد اختارت ركوب إستراتيجية الهيمنة التامة على المجتمع، والتسييد التام لكل ما هو تقليدي محافظ. السقف السياسي الوحيد والمعارض الذي تكرس كإستراتيجية ديمقراطية من موقع يساري، كان في حاجة إلى الزخم الحراكي شعبي.
في ظل شروط هذا الوضع الوطني
كانت خلاصة “الردة الثقافية”والسياسية إحدى التوصيفات المفسرة، أو التي حاولت تفسير وضعية تحمل من “السريالية” الشيء الكثير دولة تجري انتخابات لتثبيت إستراتيجيتها  فيها سياسيا، وحقل إجتماعي متنوع الديناميات مقاوم من أجل التغيير؛ ونخب سياسية وثقافية  لازالت مترددة.
الوضعية المغربية، إذن حبلى بسؤال ” تخصيب” السياسة لمواجهة إستراتيجية  الهيمنة الشاملة على المجتمع وتكريس منظومة قيم الزبونيةوالفساد.           -جاءت تسمية الحراك الشعبي السلمي المغربي جمعاَ بصيغة المفرد، بكل تنوعه ودينامياته،بعد انتقاله من مستوى الاحتجاج إلى مستوى حراك اجتماعي منظم، لتؤكد – التسمية‐ أن الحراك فعل شعبي فوق‐ طبقي، وهذه نقطة قوته، على عكس ما تذهب إليه بعض القراءات التي   تؤكد أن عدم ارتكاز الحراك على طبقة اجتماعية محددة، وتقصد الطبقة الأكثر تضررا اقتصاديا، هو نقطة ضعف  “الحراك” والقراءات المشار إليها تنحو منحى اقتصادوي، والحال أن تسمية الحراك يعبر عن فعل ودينامية شعبية غير مؤطر بشعارسياسي معين وطبقة اجتماعية محددة كما كان الشأن مع حركة 20 فبراير، باعتبارها حركة سياسية معبرة عن أفق الطبقة الوسطى.

-الحراكات الاجتماعية: تستعمل هذه التسمية من طرف المنظمات النقابية بشكل خاص، وخلفية التسمية، كون المطالب  هي مطالب المجتمع المغربي برمته، وعندما يتطور النقاش صوب الإشكالات العميقة لكل موقع من مواقع الحراك  الشعبي، يحضر الإصرار على التعويم.

-الحراكات الشعبية: وتستعمل من طرف الأحزاب السياسية،كتسمية للحراك الشعبي،مع وجود استثناء، والخلفية هنا – إعتقاداَ منها-هي عدم تبخيس نضالات الشعب المغربي، بالنسبة إليها، التركيز على الحراك الشعبي بالريف بحمولاته وسيرورته وصيرورته هو التبخيس بعينه للنضالات الشعبية، وعندما تواجه بالوقائع المادية على الأرض تلجأ لخطاب الوطنية، هنا نجد أنفسنا مع منطق التعويم المضمر لموقف ثاو في مكان  آخر، وهنا أؤكد مسألة وجود الإستثناء الحزبي الذي يمثله الحزب الإشتراكي ألموحد.

-حراك الحسيمة: ويستعمله الإعلام الرسمي تسمية ” أحداث الحسيمة” والتسمية  تهدف إلى عزل الحسيمة عن محيطها،وتفادي تسمية البعد المناطفي   التي يعني ورودها ورود الكثير من الإشكالات غير المرغوب في التعاطي معها. وإذا كان واضحا(تجنب البعد المناطقي)كهدف لدى الالتفافيين على الحراك الشعبي، فإن استعمالها‐ التسمية‐ من طرف مهتمين صادقين يستلزم إثارة الانتباه إلى ما يلي: إن الحسيمة تاج وعقل الحراك الشعبي بالريف، الدريوش       والناظور رئتاه، والوطن المغربي شرايينه وشبابه قلبه النابض.
وسؤال المتابعة هنا هو : ما الذي جعل من الريف نقطة ارتكاز للحراكالشعبي؟
إن إعادة صياغة مجموعة من الثنائيات، توضح أن الحدود المسيجة للوطنية والعقلية المغربيتين لا تتعلق فقط بالدولة، بل تطال الانتلجنسيات المغربية خصوصا تلك التي تصنف نفسها منتمية للحركة “الوطنية المغربية” أو التي تصنف نفسها سليلة لها من القوى التقدمية واليسارية. إن سقوط كل الوسائط بين الحراك والدولة أنتج مواجهة مكشوفة: الدولة بإستراتيجيتها والحراك الشعبي بالريف بحمولة الحاضر المسيج  بالتاريخ و المسألة أساسية  هناهي: أن الرهان على الزمن لإجهاض الحراك وقمعه وفرض التراجع على قيادته، قد باءت بالفشل، وعلى العكس من ذلك، فقد انتقل الحراك من الفعل في الحاضر إلى الفعل في طرق باب المستقبل، مستقبل الوطن المغربي. إن الرجة الحقيقية التي أحدثها الحراك تطال منظومة القيم المؤطرة  للوطنية.
لخص المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز في أطروحته حول “الوطنيون المغاربة خلال القرن العشرين”، في الفقرة التالية  ” لماذا لم تتوفق الانتلجنسيات الوطنية الحداثية المغربية في إحداث قطيعة مع المحافظة كثقافة وكسلوك سياسي؟ ولماذا تصاب في مسيرتها من هامش الحقلين الثقافي والسياسي نحو مركزيتهما بالارتباك والتردد، وتنزلق في ظرفيات إلى راديكالية مانوية تنسيها منظومة قيمها الحداثية، وتساهم بذلك في إعادة إنتاج المحافظة، وبالتالي تسهل مهمة تموقعها في الهامش.
إن هذه الخلاصة التركيبية، تمكن من فهم ما يمكن أن تؤول إليه مواقف مختلف القوى السياسية، وخاصة نخبها الثقافية من ظرفية الحراك الشعبي بالريف. فإذا كانت الدروس الاربعة مستوعبة بهذا الشكل أو ذاك ( الإقرار بما يشبه إجماع بفشل النماذج التنموية السابقة، وسقوط الوسائط الادارية الحزبية، وما يمثله الوعي الجديد للقيادة )، خصوصا وأنها تحمل طابع التوطين، فإن حضور خط الخطابي القوي داخل الحراك الشعبي بالريف، ما ترجم في شعارات من قبيل ” من أجل مصالحة حقيقية مع الريف” و “إنصاف المنطقة ورد الاعتبار لتاريخها ورموزها”.

3-صدام إستبطانين…
لنلاحظ أن حملة الدعم الوطنية الكبيرة للحراك، ليست فقط نتيجة ما تعرض له الحراك وقياداته، بل أيضا، لاستبطان المغاربة العميق لروح المقاومة والاستشهاد، لكن حين تكون الوضعية مناطقية يخرج اللاوعي   البعد الاقصائي “للحركة الوطنية” (الذي ساد منذ ثلاثينيات القرن الماضي) ، يتدخل “الالتباس” التاريخي حول مكانه خط الخطابي والريف كطرف من طرفي “الوطنية المغربية”كما اكد الأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي أن تجربة الخطابي هي حركة وطنية اولى،وأن الحركة الوطنية المعروفة هي الثانية، مستعملاَ تسمية “الشرخ الوطني”وهو يتحدث عن تاريخ الريف،وهو  ما وقع بعد انتصار أنوال، إذ يؤكد المؤرخ المصطفى بوعزيز أن أجواء تمجيد و الاعتزاز بثورة الخطابي وانتصارها كان سائدا وسط الوطنيين المغاربة، لكن عندما تحول الخطابي من قائد عسكري إلى ” رمز أسطوري” وخوفا من أن تطال ميولات هذه التجربة مستوى القطيعة مع سقوف الممارسة السياسية والثقافيةللانتلجنسيات،  لجأت هذه الاخيرةآلى تحويل هذا التخوف إلى “توجس” من التجربة؛ إن التوجس من هذه الميول هو الذي سيدفع الوطنيين في الثلاثينيات إلى التأكيد على الطابع الشرعي لممارستهم السياسية، وعلى العمل لتجنب أي مواجهة عسكرية مع المستعمر تجنبا لأي” مغامرة”؛فبين “تمجيد الثورة” و “التوجس من المغامرة” استقر الالتباس في  ذهنية الحركة الوطنية كعقلية وممارسة. فما أشبه الأمس باليوم.
إن مفهوم “العقلية” كعتاد ذهني موجه للممارسة، كتشكل في المدى الطويل، أي في الزمن التاريخي، يمكن تقريبها بمفهوم “المخيال الجماعي”.
إن التوجس من سرديات المناطق والجهات المهمشة، هو الذي تعيد القوى الوطنية إنتاجه  على مدى أجيال، وبها ‐العقلية‐  حاربت كل مقترب من سقوف الوطنية المغربية الثلاثة  التي حددتها خلال ثلاثينيات القرن الماضي(رسالة عمر بن الجليل إلى عبد السلام بنوتة).
لنلاحظ ثانية، أن الحركة الوطنية قبلت الاستقلال،ولم تأبه بمغرب الأربع مناطق (الصحراء بقيت محتلة‐ مركز المغرب كان تحت الحماية الفرنسية‐ شمال المغرب كان تحت الحماية الاسبانية‐ سبتة و مليلية والجزر بقيت محتلة و إلى اليوم من طرف إسبانيا). انتظر الشعب المغربي عشرين (20) سنة حتى تتعرض مقولة الوطنية للتطور مع استرجاع الصحراء المغربية، ويضاف “بعد” التراب الوطني للمقولة، وتتعرض “العقلية المركزية” للحركة الوطنية لرجة عميقة. فأي زمن سينتظره الريف حتى تدمج ذاكرة الريف وتاريخه في تاريخ الوطنية المغربية، وتقبر إلى الأبد تهمة “الانفصال” . وهذا هو المعنى العميق لعبارة ” الحراك الشعبي بالريف” فرصة تاريخية للمغرب لتجديد العتاد الذهني للعقلية المركزية وتحويلها إلى عقلية وطنية جامعة. ولمعالجة ما يجب تغييره على مستوى العتاد الذهني الموجه للممارسة السياسية، لمصالحة المغاربة مع تاريخهم  المشترك .

4-أليسار الكامن واليسار الكائن…

حاولت هذه المساهمة، الإمساك قدر المستطاع بجوهر حمولات الحركة الإجتماعية كتيار عام، طرح، بديناميات مختلفة، أقواها وأبرزها الحراك الشعبي بالريف، أجوبته على الإختلالات الاربعة:الطبقية والنوعية والبيئية والمناطقية، مترجماَ ذلك بالعدالة بمختلف مستوياتها؛إلا أن المفارقة تكمن في مواجهة دولة غير مستعدة للتغيير، وفي نفس الوقت “إنكسار” العلاقة مع قوى سياسية رافضة المطلوب لتجاوز إرث سياسي وفكري متمنع عن تجديد مقولاته وتصوراته.
طريقان إثنان ،إذن،أمام نخب التغيير وبمختلف مستوياتها:
إما الإمساك بالمضمون اليساري الكامن في الحركة الإجتماعية وبلوزته سياسيا و أدائياً وبعقلية ممارسة جديدة، وإما الإستقرار في وضعية”البقاء كهدف” والسير البطيئ صوب فرصة للتدبير.
إن ترديد معادلة”الإنفراج أوالإنفجار” تتضمن موقفاً حيادياً من تنامي النضال الشعبي، وبذلك يعاد إنتاج موقف قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة1960،عندما راهنت على تفسخ الأوضاع، ماسيؤدي إلى سقوط النظام، ولعبد الله العروي  موقف حاد من هذا الموقف.
إن اليسار يناضل من أجل فرض التعدد والإختلاف بالأسلوب السلمي الحضاري، أي النضال من. أجل إنفتاح سياسي وليس أخذ مسافة عن النضال الشعبي بلغة”بيناتكم” التي تعبر عنها معادلة “الإنفراج أو الإنفجار”.
في المقابل  وفي خضم ظرفية 2011-2021،بدا واضحاَ،خصوصاً بعد إنطلاق الحراك الشعبي بالريف،أن الحزب الإشتراكي ألموحد يسير، وبهدوء،صوب إحداث القطيعة الفكرية البانية مع الماضي؛مركباَ-بشكل ثري-في سيره، ومن خلال مواقفه ومختلف بياناته، سرديات الوطن، خصوصاً سردية الريف والصحراء وسردية الحركة الوطنية،إن التأكيد على العدالة المناطقية تكثيف لمطلب معالجة الشرخ الوطني.
إن العدالة المناطقية مكنت الحزب من طرح مسألة المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة،وبذلك يدفع في اتجاه إعادة النظر في علاقة المركز و الهامش (الهامش هو مركز الحراك الشعبي المغربي). تلك العلاقة المختلة بين المركز و الهامش مكن الحزب من طرح فكرة إعادة وتجديد مقولة الوطنية المغربية لتصبح حاضنة وجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه. وبذلك،خطا الحزب الإشتراكي ألموحد، خطوة غير مسبوقة حزبياً،وأعطى للحركة الإجتماعية معناها،وقد مشروع معنى لمضمون يسار الغد؛وبذلك أيضاَ، يعطي الترهين المغربي لتطور حركة اليسار العالمي الجديد؛وأعطى ثالثة،معنيَ لشعارات الدمقرطة والمواطنة.

ختاماً أقول مع قائل:

وحدها.. شمعة.. قيل أنها في الهامش.. أضاءت فضاء أنوال.. وخيمة الخطابي..

نأمل أن يتقوى نورها.. لنقرأ زوايا العقلية المركزية.. نأمل ذلك.. نأمل.. .

محمد صلحيوي عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد.

26-02-2022.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مداخلتي في الندوة الحزبية :بوزنيقة 26-02-2022.
الموضوع:الحراك الشعبي المغربي بين يسار كامن ويسار كائن..
من الأسئلة التأسيسية التي طرحها الحراك الشعبي المغربي وبمختلف دينامياته،  السؤال التالي: كيف يمكن لحراك مناطقي وفئوي وقطاعي ومحلي، أن يكون أساس إستراتيجية وطنية  لنهوض وطني ديموقراطي مواطن؟ تكون في صلبه  مقولة “الوطنية” بحمولة جديدةوبعقليةجامعة؟
وهل يمكننا السؤال الآنف من تلمس طريق الجواب على سؤال ماسماه الرمز محمد بنسعيد أيت إيدر “بالفرص الضائعة”؟.
وهل مستقبل التغيير مرتبط بتجديد الخطاب السياسي ام بتجديد أسس الممارسة السياسية ؟

1-ظرفية 2011-2021.
شكلت حركة 20فبراير إعلانا رسمياَ عن موت”المسلسل الديموقراطي” ،والذي إنطلق اواسط سبعينيات القرن العشرين،وانتهى عملياِ في2002بإلغاء ماسمي”بالمنهجية الديموقراطية”؛إلا أن حركة 20 فبراير لم تسنطع،كأول تدخل شعبي/إجتماعي،السير بعيداً سياسياً وشعبياً،فكان التشبث بروحها التغييري افقاَ منتظرا؛جاء  الحراك الشعبي المغربي، خصوصاً نموذجه بالريف،فقدم ما لم تتمكن الحركة من تقديمه، وعلى ثلاث مستويات:
مستوى الإستقلالية عن الأحزاب،ومستوى وحدة البرنامج(عريضة المطالب)،ومستوى القيادة الموحدة المنتخبة من داخل الحراك الشعبي.
وبذلك،نستطيع الجزم بأن الحراك الشعبي المغربي،هو،تطور نوعي لروح حركة 20فبراير،وبذلك،تكون دروس الحراك دروساَ وطنية،وهي أربعة:

أولا: شكل الحراك الشعبي المغربي إعلانا قطعي الثبوت بفشل السياسات العمومية  بكل خططها التنموية. ثانيا :انتهاءإستراتيجية خلق الأحزاب الإدارية وتوظيفها للعب دور الوسيط السياسي  والاجتماعي.

ثالثا:دفع الأحزاب الحقيقية اليسارية لمواجهة سؤال العلاقة مع النضال الشعبي ومع الحركةالإجتماعية .        رابعاً: بروز نوع جديد من القادة، وبوعي قيادي بعيد عن المال والجاه، وكذا، عن المركزية الجغرافية والوطنية.
فنحن إذن أمام ظرفية إجتماعية مؤسسة،داخلها يصنع مستقبل الوطن، محركها القوي هو الحراك الشعبي كما يقول المؤرخ إبراهيم ياسين وإشعاعها مختلف الديناميات، ولسنا أمام ظرفيةعابرة.
لنلاحظ أن الحزب الإشتراكي ألموحدقد التقط روح حركة 20فبراير خلال مؤتمره الثالث2012، ويصدر في نهاية عشرية الظرفية بيان مئوية أنوال الخالدة (6غشت 2021)،والذي يؤكد -البيان- من حيث الجوهر الفكري،تاريخ بداية مسلسل “تضييع الفرص” الذي كان الموقف السلبي من خط الخطابي التحرري بدايته،موقف الحركة الوطنية-آنذاك- يؤكد أنها مساهمة في ضياع الفرص وعلى طول قرن من الزمن.
ولنلاحظ أيصاَ،وعلى سبيل التمثيل لا الحصر،كيف همش وحورب  وأفصي، أبو الحركة الوطنية عبد السلام بنونة من طرف قادة الحركة في ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد قرابة قرن، تعايش الحملة الشرسة والممنهجة لإقصاء و تهميش الدكتورة نبيلة منيب،الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد،لانها،بإشعاعها وبكاريزميتها وقوتها في التعبير عن مواقف الحزب المتبية للحراك الشعبي بالريف ومعتقليه، ومنذ إنطلاق الحراك،وبذلك أعادت المصداقية لدور القائد السياسي غير المزدوج في خطابه و ممارسته،ولذلك،تسعى الكثير من الجهات محاصرتها و إبعادها.

2-إرتدادات الحراك الشعبي المغربي…
تتيح العناصر  الأربعة السابقة، إمكانيات تحليلية من زوايا مختلفة ومتعددة، لكن السؤال الدقيق هو : هل طريقها مستقيمة لإحداث رجتها المأمولة، أم أن العقلية “الوطنية” المغربية ستكون عصية عليها، وبالتالي تعود من جديد إلى الاستبطان الشعبي لمراكمة الغضب الشعبي والمناطقي (الريف)؟ ونعيد إنتاج مقولة”لن يكون للحراك الشعبي المغربي غد، ولكن له مستقبل” .
واضح، أن الموضوع، بكل أسئلته يفرض مقاربة أبعد من سياسية واجتماعية وحقوقية، إنها تتعدى تلك المستويات إلى مستوى ثقافي / قيمي، ما يستدعي تحليلياً وتركيباَ،وبالضرورة، أسئلة أخرى من قبيل: لماذا كلما تحرك الريف، يواجه بتهمة الانفصال ؟  إن السؤال السابق، يشكل المفتاح لفهم  وجود”عتادين ذهنيين وسرديتين ” أطرتا وسيجتا تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن. وقبل تفصيل هذه النقطة أفرغ أولا من محور ” الحراك الشعبي المغربي “وصدام التسميات.
من باب تأكيد المؤكد، أن الحراك قد أحدث اختراقا حقيقيا وكبيرا، وعميقا أيضا، من حيث حمولاته، في السقف السياسي الوطني، بكل تعارضاته وتلاقياته..  يمين/يسار.. رجعي/ تقدمي.. إصلاحي/جذري.. حداثي/ سلفي.. الشرعية التقليدية/ الشرعية الديمقراطية. جاء الحراك الشعبي وأحدث ثقوبا في سقوف كل هذه القوى والتيارات. لقد بدا جليا، وعلى أرض الواقع،
أن الدولة قد حسمت أمر مسح كل المساحات النضالية التي خلقتها/ أوجدتها حركة 20 فبراير 2011، وذلك بخطة إغلاق كل الحقول . بمعنى أن الدولة قد اختارت ركوب إستراتيجية الهيمنة التامة على المجتمع، والتسييد التام لكل ما هو تقليدي محافظ. السقف السياسي الوحيد والمعارض الذي تكرس كإستراتيجية ديمقراطية من موقع يساري، كان في حاجة إلى الزخم الحراكي شعبي.
في ظل شروط هذا الوضع الوطني
كانت خلاصة “الردة الثقافية”والسياسية إحدى التوصيفات المفسرة، أو التي حاولت تفسير وضعية تحمل من “السريالية” الشيء الكثير دولة تجري انتخابات لتثبيت إستراتيجيتها  فيها سياسيا، وحقل إجتماعي متنوع الديناميات مقاوم من أجل التغيير؛ ونخب سياسية وثقافية  لازالت مترددة.
الوضعية المغربية، إذن حبلى بسؤال ” تخصيب” السياسة لمواجهة إستراتيجية  الهيمنة الشاملة على المجتمع وتكريس منظومة قيم الزبونيةوالفساد.           -جاءت تسمية الحراك الشعبي السلمي المغربي جمعاَ بصيغة المفرد، بكل تنوعه ودينامياته،بعد انتقاله من مستوى الاحتجاج إلى مستوى حراك اجتماعي منظم، لتؤكد – التسمية‐ أن الحراك فعل شعبي فوق‐ طبقي، وهذه نقطة قوته، على عكس ما تذهب إليه بعض القراءات التي   تؤكد أن عدم ارتكاز الحراك على طبقة اجتماعية محددة، وتقصد الطبقة الأكثر تضررا اقتصاديا، هو نقطة ضعف  “الحراك” والقراءات المشار إليها تنحو منحى اقتصادوي، والحال أن تسمية الحراك يعبر عن فعل ودينامية شعبية غير مؤطر بشعارسياسي معين وطبقة اجتماعية محددة كما كان الشأن مع حركة 20 فبراير، باعتبارها حركة سياسية معبرة عن أفق الطبقة الوسطى.

-الحراكات الاجتماعية: تستعمل هذه التسمية من طرف المنظمات النقابية بشكل خاص، وخلفية التسمية، كون المطالب  هي مطالب المجتمع المغربي برمته، وعندما يتطور النقاش صوب الإشكالات العميقة لكل موقع من مواقع الحراك  الشعبي، يحضر الإصرار على التعويم.

-الحراكات الشعبية: وتستعمل من طرف الأحزاب السياسية،كتسمية للحراك الشعبي،مع وجود استثناء، والخلفية هنا – إعتقاداَ منها-هي عدم تبخيس نضالات الشعب المغربي، بالنسبة إليها، التركيز على الحراك الشعبي بالريف بحمولاته وسيرورته وصيرورته هو التبخيس بعينه للنضالات الشعبية، وعندما تواجه بالوقائع المادية على الأرض تلجأ لخطاب الوطنية، هنا نجد أنفسنا مع منطق التعويم المضمر لموقف ثاو في مكان  آخر، وهنا أؤكد مسألة وجود الإستثناء الحزبي الذي يمثله الحزب الإشتراكي ألموحد.

-حراك الحسيمة: ويستعمله الإعلام الرسمي تسمية ” أحداث الحسيمة” والتسمية  تهدف إلى عزل الحسيمة عن محيطها،وتفادي تسمية البعد المناطفي   التي يعني ورودها ورود الكثير من الإشكالات غير المرغوب في التعاطي معها. وإذا كان واضحا(تجنب البعد المناطقي)كهدف لدى الالتفافيين على الحراك الشعبي، فإن استعمالها‐ التسمية‐ من طرف مهتمين صادقين يستلزم إثارة الانتباه إلى ما يلي: إن الحسيمة تاج وعقل الحراك الشعبي بالريف، الدريوش       والناظور رئتاه، والوطن المغربي شرايينه وشبابه قلبه النابض.
وسؤال المتابعة هنا هو : ما الذي جعل من الريف نقطة ارتكاز للحراكالشعبي؟
إن إعادة صياغة مجموعة من الثنائيات، توضح أن الحدود المسيجة للوطنية والعقلية المغربيتين لا تتعلق فقط بالدولة، بل تطال الانتلجنسيات المغربية خصوصا تلك التي تصنف نفسها منتمية للحركة “الوطنية المغربية” أو التي تصنف نفسها سليلة لها من القوى التقدمية واليسارية. إن سقوط كل الوسائط بين الحراك والدولة أنتج مواجهة مكشوفة: الدولة بإستراتيجيتها والحراك الشعبي بالريف بحمولة الحاضر المسيج  بالتاريخ و المسألة أساسية  هناهي: أن الرهان على الزمن لإجهاض الحراك وقمعه وفرض التراجع على قيادته، قد باءت بالفشل، وعلى العكس من ذلك، فقد انتقل الحراك من الفعل في الحاضر إلى الفعل في طرق باب المستقبل، مستقبل الوطن المغربي. إن الرجة الحقيقية التي أحدثها الحراك تطال منظومة القيم المؤطرة  للوطنية.
لخص المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز في أطروحته حول “الوطنيون المغاربة خلال القرن العشرين”، في الفقرة التالية  ” لماذا لم تتوفق الانتلجنسيات الوطنية الحداثية المغربية في إحداث قطيعة مع المحافظة كثقافة وكسلوك سياسي؟ ولماذا تصاب في مسيرتها من هامش الحقلين الثقافي والسياسي نحو مركزيتهما بالارتباك والتردد، وتنزلق في ظرفيات إلى راديكالية مانوية تنسيها منظومة قيمها الحداثية، وتساهم بذلك في إعادة إنتاج المحافظة، وبالتالي تسهل مهمة تموقعها في الهامش.
إن هذه الخلاصة التركيبية، تمكن من فهم ما يمكن أن تؤول إليه مواقف مختلف القوى السياسية، وخاصة نخبها الثقافية من ظرفية الحراك الشعبي بالريف. فإذا كانت الدروس الاربعة مستوعبة بهذا الشكل أو ذاك ( الإقرار بما يشبه إجماع بفشل النماذج التنموية السابقة، وسقوط الوسائط الادارية الحزبية، وما يمثله الوعي الجديد للقيادة )، خصوصا وأنها تحمل طابع التوطين، فإن حضور خط الخطابي القوي داخل الحراك الشعبي بالريف، ما ترجم في شعارات من قبيل ” من أجل مصالحة حقيقية مع الريف” و “إنصاف المنطقة ورد الاعتبار لتاريخها ورموزها”.

3-صدام إستبطانين…
لنلاحظ أن حملة الدعم الوطنية الكبيرة للحراك، ليست فقط نتيجة ما تعرض له الحراك وقياداته، بل أيضا، لاستبطان المغاربة العميق لروح المقاومة والاستشهاد، لكن حين تكون الوضعية مناطقية يخرج اللاوعي   البعد الاقصائي “للحركة الوطنية” (الذي ساد منذ ثلاثينيات القرن الماضي) ، يتدخل “الالتباس” التاريخي حول مكانه خط الخطابي والريف كطرف من طرفي “الوطنية المغربية”كما اكد الأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي أن تجربة الخطابي هي حركة وطنية اولى،وأن الحركة الوطنية المعروفة هي الثانية، مستعملاَ تسمية “الشرخ الوطني”وهو يتحدث عن تاريخ الريف،وهو  ما وقع بعد انتصار أنوال، إذ يؤكد المؤرخ المصطفى بوعزيز أن أجواء تمجيد و الاعتزاز بثورة الخطابي وانتصارها كان سائدا وسط الوطنيين المغاربة، لكن عندما تحول الخطابي من قائد عسكري إلى ” رمز أسطوري” وخوفا من أن تطال ميولات هذه التجربة مستوى القطيعة مع سقوف الممارسة السياسية والثقافيةللانتلجنسيات،  لجأت هذه الاخيرةآلى تحويل هذا التخوف إلى “توجس” من التجربة؛ إن التوجس من هذه الميول هو الذي سيدفع الوطنيين في الثلاثينيات إلى التأكيد على الطابع الشرعي لممارستهم السياسية، وعلى العمل لتجنب أي مواجهة عسكرية مع المستعمر تجنبا لأي” مغامرة”؛فبين “تمجيد الثورة” و “التوجس من المغامرة” استقر الالتباس في  ذهنية الحركة الوطنية كعقلية وممارسة. فما أشبه الأمس باليوم.
إن مفهوم “العقلية” كعتاد ذهني موجه للممارسة، كتشكل في المدى الطويل، أي في الزمن التاريخي، يمكن تقريبها بمفهوم “المخيال الجماعي”.
إن التوجس من سرديات المناطق والجهات المهمشة، هو الذي تعيد القوى الوطنية إنتاجه  على مدى أجيال، وبها ‐العقلية‐  حاربت كل مقترب من سقوف الوطنية المغربية الثلاثة  التي حددتها خلال ثلاثينيات القرن الماضي(رسالة عمر بن الجليل إلى عبد السلام بنوتة).
لنلاحظ ثانية، أن الحركة الوطنية قبلت الاستقلال،ولم تأبه بمغرب الأربع مناطق (الصحراء بقيت محتلة‐ مركز المغرب كان تحت الحماية الفرنسية‐ شمال المغرب كان تحت الحماية الاسبانية‐ سبتة و مليلية والجزر بقيت محتلة و إلى اليوم من طرف إسبانيا). انتظر الشعب المغربي عشرين (20) سنة حتى تتعرض مقولة الوطنية للتطور مع استرجاع الصحراء المغربية، ويضاف “بعد” التراب الوطني للمقولة، وتتعرض “العقلية المركزية” للحركة الوطنية لرجة عميقة. فأي زمن سينتظره الريف حتى تدمج ذاكرة الريف وتاريخه في تاريخ الوطنية المغربية، وتقبر إلى الأبد تهمة “الانفصال” . وهذا هو المعنى العميق لعبارة ” الحراك الشعبي بالريف” فرصة تاريخية للمغرب لتجديد العتاد الذهني للعقلية المركزية وتحويلها إلى عقلية وطنية جامعة. ولمعالجة ما يجب تغييره على مستوى العتاد الذهني الموجه للممارسة السياسية، لمصالحة المغاربة مع تاريخهم  المشترك .

4-أليسار الكامن واليسار الكائن…

حاولت هذه المساهمة، الإمساك قدر المستطاع بجوهر حمولات الحركة الإجتماعية كتيار عام، طرح، بديناميات مختلفة، أقواها وأبرزها الحراك الشعبي بالريف، أجوبته على الإختلالات الاربعة:الطبقية والنوعية والبيئية والمناطقية، مترجماَ ذلك بالعدالة بمختلف مستوياتها؛إلا أن المفارقة تكمن في مواجهة دولة غير مستعدة للتغيير، وفي نفس الوقت “إنكسار” العلاقة مع قوى سياسية رافضة المطلوب لتجاوز إرث سياسي وفكري متمنع عن تجديد مقولاته وتصوراته.
طريقان إثنان ،إذن،أمام نخب التغيير وبمختلف مستوياتها:
إما الإمساك بالمضمون اليساري الكامن في الحركة الإجتماعية وبلوزته سياسيا و أدائياً وبعقلية ممارسة جديدة، وإما الإستقرار في وضعية”البقاء كهدف” والسير البطيئ صوب فرصة للتدبير.
إن ترديد معادلة”الإنفراج أوالإنفجار” تتضمن موقفاً حيادياً من تنامي النضال الشعبي، وبذلك يعاد إنتاج موقف قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة1960،عندما راهنت على تفسخ الأوضاع، ماسيؤدي إلى سقوط النظام، ولعبد الله العروي  موقف حاد من هذا الموقف.
إن اليسار يناضل من أجل فرض التعدد والإختلاف بالأسلوب السلمي الحضاري، أي النضال من. أجل إنفتاح سياسي وليس أخذ مسافة عن النضال الشعبي بلغة”بيناتكم” التي تعبر عنها معادلة “الإنفراج أو الإنفجار”.
في المقابل  وفي خضم ظرفية 2011-2021،بدا واضحاَ،خصوصاً بعد إنطلاق الحراك الشعبي بالريف،أن الحزب الإشتراكي ألموحد يسير، وبهدوء،صوب إحداث القطيعة الفكرية البانية مع الماضي؛مركباَ-بشكل ثري-في سيره، ومن خلال مواقفه ومختلف بياناته، سرديات الوطن، خصوصاً سردية الريف والصحراء وسردية الحركة الوطنية،إن التأكيد على العدالة المناطقية تكثيف لمطلب معالجة الشرخ الوطني.
إن العدالة المناطقية مكنت الحزب من طرح مسألة المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة،وبذلك يدفع في اتجاه إعادة النظر في علاقة المركز و الهامش (الهامش هو مركز الحراك الشعبي المغربي). تلك العلاقة المختلة بين المركز و الهامش مكن الحزب من طرح فكرة إعادة وتجديد مقولة الوطنية المغربية لتصبح حاضنة وجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه. وبذلك،خطا الحزب الإشتراكي ألموحد، خطوة غير مسبوقة حزبياً،وأعطى للحركة الإجتماعية معناها،وقد مشروع معنى لمضمون يسار الغد؛وبذلك أيضاَ، يعطي الترهين المغربي لتطور حركة اليسار العالمي الجديد؛وأعطى ثالثة،معنيَ لشعارات الدمقرطة والمواطنة.

ختاماً أقول مع قائل:

وحدها.. شمعة.. قيل أنها في الهامش.. أضاءت فضاء أنوال.. وخيمة الخطابي..

نأمل أن يتقوى نورها.. لنقرأ زوايا العقلية المركزية.. نأمل ذلك.. نأمل.. .

محمد صلحيوي عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد.

26-02-2022.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى