وجهة نظر

ذ.عبد الواحد حمزة :أدوات لتحليل قضايا في قلب الصراعات الطبقية الجديدة في المغرب

ذ .عبد الواحد حمزة

جرت العادة، ببلادنا، أن تتم دراسة قضايا التعليم والتكوين والصحة والتشغيل وغيرها، في أحسن الأحوال، من خلال تقييم السياسات العامة للدولة في تلك الميادين، وأحيانا كثيرة بشكل ينفصل بعضها عن البعض، ودون أن يستتبع ذلك تصحيحا ما أو إصلاحا حقيقيا او تغييرا فعليا في البنيات والسلوكيات الاجتماعية، لكي تبقى الأمور كما هي عليه، إن لم تزد استفحالا!

والحال أن الممارسة السياسية–الاستراتيجية – النقيض، من جانب آخر، جانب القوى الديمقراطية – التقدمية ببلادنا، تستدعي تقييم تلك المواضيع/ كمشاكل/ و”مسائل اجتماعية” تأخذ في صلبها دينامية الحركات الاجتماعية الواعدة، “القديمة الممتدة” منها، نسبيا، والمتجددة/ الجديدة، على اعتبار تداخلها وتفاعل واحتضان بعضها البعض،لأنه ليس كل جديد بالضرورة جديد وليس كل قديم قديم (…).

كما يمكن التساؤل عن “تقدمية” حدث/ ظاهرة اجتماعية ما، من عدمها، أو “رجعيتها” من عدمها، بالرغم من جدتها على الساحة الاجتماعية أو قدمها.(انظر “عرائض” الحركات الأمازيغية، البيئوية، النسوانية، المعطلين، المقصيين،السلاليات، المهاجرين “البدون أوراق” السود، إلخ)، وكذا التزام بعض المحامون في ما يعرف بـ”محامين من أجل قضية” ، إلخ. نجد هؤلاء النشطاء غالبا في قطاع محامي الأحزاب السياسية اليسارية الديمقراطية، اتحاد العمل النسائي، مثلا، أو محامون – أفراد مناضلون، إلخ.

فهل يمكن اعتبار تحرك/ حركة “مواطنون ضد التلقيح الإجباري” ، مثلا، “رجعية” متى قامت، أو تقدمية؟ وقس على ذلك من الحركات الجديدة المناهضة لـ”الأبرتايد”

والعنصرية والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مثلا؟ ( المغرب، الاتحاد الإفريقي…)، والأخرى المناهضة للعولمة أو الداعية لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، الخ. كما سبق للمغاربة أن قاطعوا منتوجات في السوق المغربي رفضا وكناية بزواج السلطة بالمال والريع، في زمن ينخرط فيه بلدنا جهاراً في تلك الديناميات الوطنية – الإقليمية والدولية الكاسحة؟…الخ. وسنعالج هاته الإشكالات في ثلاثة نقط:

الحركات الاجتماعية الجديدة في ركاب النيوليبرالية وأزمتها)2007(….

يبدو أن النيوليبرالية توجد – كإيديولوجيا – في أساس مشاكلنا كلها (جورج مونبيوت 2017 في كتابه الأخير “الخروج من الخراب…”)، مسببة خراب العالم. إنها المؤطرة اليوم لكافة أشكال هيمنة الرأسمال العولمي وكافة أنواع البؤس والحرمان والمنع والتهديد (ماسلاو ابراهام 1941)، وهي -بهذا- مؤطرة لكافة أنواع الصراع الطبقي الجديد ببلادنا وفي العالم.

وقبل الغوص في الهيمنة الثقافية والعلمية التي يمارسها أصحاب الفكر النيوليبرالي (فونهايك، فريدمان، تاتشر،…)، يمكن التذكير بأن النيوليبرالية تقوم على مركزية السوق التنافسية ومجابهة قيم المساواة بقيم الحرية، وهي بذلك تنحو منحى أصوليا. والحال أن بعض الدارسين ينظرون فيها مذهبا اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، من الأكيد أن تحُدّ من فلسفته “التداعيات البنيوية لاقتصاد السوق” (جيسيكا وايت في كتابها الأخير “أخلاقيات السوق”… 2019). إنها تدعو للتقليص بقسوة للقطاع العام، لأنه لا ولن يعمل بالمنافسة الضرورية لكل اقتصاد ناجع، قصد الربح وانتزاع حصة من السوق (سوزان جورج 2021).

فمنذ الحرب الباردة والنيوليبرالية تأخذ الوجه الاقتصادي للإمبريالية الأمريكية الجديدة (توماس فريدمان 2021)، وهي تعمل باستمرار على كسر النقابات وتحويل الثروة من الخزينة العامة للدولة إلى حفنة من الخواص. وليست “الخصخصة” شيء آخر غير نقل تلك الثروة من أسفل شعبي عريض إلى نخبة أعلى، دون أن يسفر ذلك على تحسين فعلي بالضرورة للجودة. فجوهر النيوليبرالية هو تحكم آليات السوق في مصائر العباد، وفرض الاقتصاد لإرادته على المجتمع والتراجع عن دولة الرعاية (سوزان جورج 2021)، بل والإقدام على “إبادة الكوكب” (إدواردو غليانو، 2017) على يد حفنة من كبريات الشركات العالمية وتواطؤ من سياسيين محليين، كأن تجعل من بلدان الجنوب “مكبا للنفايات الإشعاعية” (تذكر فضيحة نفايات السيدة الوزيرة الحيطي…).

ونحن على مشارف احتمال إدماج مجموعة/ “تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” في سلك الوظيفة العمومية (انظر اتفاق 18 فبراير 2022) “كإمكان اجتماعي” (برنار لاكروا، 1981)، على علته، إذ أثمر على رفض واسع داخل القطاع التعليمي الوطني، وأنتج في صفوف بعض قواه الحية (انظر ما عرف بالفظاعات السبع التي تورطت فيها الدولة بقطاع التعليم (2022)( “خيبة أمل”، ذكَّرت البعض باتفاقات سابقة مع الدولة – على عهد اليوسفي عبد الرحمن – لم تزد المشهد السياسي، ببلادنا، إلا تشرذما وانقساما و“إهدارا للصمود“ وتحييداً للصراع الاجتماعي– النقابي والسياسي الوطني (انظر العلمي الحروني والعسري جمال (2022)(.

كما يمكن اعتبار ذلك استكمالا لاستراتيجية عمومية بدأتها السلطات منذ مدة (انظر اتفاق أبريل 2019 مع النقابات الأكثر تمثيلية، عدا ك.د.ش) وتريد أن تُكَمِّلَها وتنهيها وتقفلها اليوم، بأي ثمن ! ولهذا، فعند معالجة “فعل جماعي”  -كالذي تقوم به تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”- مثلا، حري بالملاحظ والباحث أن ينتبه إلى ما أنتجته العلوم الاجتماعية المعاصرة من نظريات وأدوات قد تسعف المناضلين قبل الباحثين في حقل الاحتجاج الاجتماعي.

ومن هنا يمكن القول ان ما قد يحرك تلك الحركة الواعدة هو مجموع تلك “الإحباطات النسبية” التي تلم بها، تلك “الخيبة الجماعية” لمشمول أعضاء المجموعة والتي خلفتها “تربة اجتماعية” غير سليمة، غير عادلة وغير ناجعة. ونذكر، على سبل المثال لا الحصر، “الغيرية” التي يسببها التساكن، البيِّن في التوظيف لهيكلين، على الأقل، حيث يتم التوظيف بسرعتين: العقود المحدودة والعقود “القديمة”/ الطويلة المدى، إقصاء القابعين في الزنزانة رقم 10 وأصحاب الدرجة الممتازة، مما لم يشملهم “الاتفاق المرحلي”، إلخ. وحري بالحركة أن تدقق في المآلات والهوامش الحدية  ومدى الصمود أمام الإحباط المستشري قصد رصّ الصفوف وتقوية القرار النضالي – المطلبي الضاغط والشامل.

والحال أن تلك “الخيبة” تجد جذورها، كما يقول بورديو بيير في كتابه معاودة الإنتاج (1979) في الهوة السحيقة بين الهياكل الاجتماعية، مثلما يستبطنُها الفاعلون، مواطنون أو مستهلكون،أي في التطلعات المنشأة اجتماعيا، من جهة والهياكل الاجتماعية الخارجية، أي في طبيعة العلاقات بين الشهادات الدراسية والوظائف التي تتيح الالتحاق بها، من جهة أخرى. وهو ما قد يشمل ويدفع بالعداء نحو جميع المؤسسات من طرف الفاعلين، من جهة أخرى.

ومن الممكن طبعا أن ندقق في أطوار ذلك التقابل في المدى الطويل (أنظر كارل ماركس وذوتوكفيل وريمون بودون- فيما أسماه “قانون التوكفيلية”- في دراساتهم لعلاقة الحرمان باندلاع الثورات. وهو ما يحيل إلى دراسة أدق لأطوار وطبائع الدول، فنكون إما أمام دولة قوية ومستبدة وأخرى ديمقراطية هجينة وأخرى ديمقراطية حقة، إلخ)، في ارتباط بإشكالية حقوق الإنسان. فليس ما سمح به النظام السياسي قبل 23 مارس 1965 -عقب الاستقلال لبلادنا – هوما سيسمح به -بالضرورة- بعدئذ، في هوامش اجتماعية حدية أخرى، ومن ربط آلي ضروري بين التكوين والتشغيل.(وقد سبق لرئيس الحكومة بن كيران عبد الإلاه -في عهدته- أن أعلن طلاقهما). والحال أن نسب النمو الاقتصادي ليست بقوية والديمغرافيا والدبلومات في تضخم !

إن محاولة التسلق الاجتماعي تبدو أكثر فاكثر مستحيلة إذ أن ديناميات النشطاء تصطدم بما أسماه بورديو بـ”القيود البنيوية” الفاصلة بين الطبقات/ الشرائح الاجتماعية، في آخر المطاف . وهو جدار – قاعدة لن ولا تستثني الحالات الخاصة، بالرغم من استشراء مستمر للخوصصة، بما تعني من نزع صريح للملكية العمومية وضخها لصالح الخواص، دون تحسين ملحوظ -بالضرورة- لجودة الخدمات.

ضرورة التدقيق المنهجي – النقدي في قضايا احتجاجية اجتماعية جديدة

ونحن على مشارف تحقيق ذلك “الإمكان الاجتماعي” الصعب قد لا يسع الباحث/ الملاحظ الاجتماعي إلا أن يستدل على نتائج حصلت بأسباب يمكن استبيانها، أن يعرف الحقيقة بأثر رجعي كنتيجة لما حدث بالفعل في الماضي القريب/ أو البعيد. كل ذلك يتم وكأن العالم لا يبحث إلا في ما مضى، أي في الأموات لا في الأحياء، ليكون بهذا علما وضعانيا، لا يهتم بالتنبؤ وبصيرورة الفعل الجماعي – الحي، في ديناميتهّ. ولعل ما يجب الاحتراز منه، في هذه الأثناء، هو مقتل “التفكير الدائري” المكرور (ميشيل دوبري، (1986).

وحري بنا أن نتحلى بمزيد من التدقيق المنهجي – النقدي كلما عالجنا موضوعا حركيا – اجتماعيا بامتياز– بعيدا عن “المراوحة المستمرة” و”السببية الميكانيكية” التي تنزلق إليها -احيانا كثيرة- غالب روافد العلوم الاجتماعية، ومنها الاقتصاد ذو الهوى العقلاني – النفعي الطاغي-بالرغم من اهمية- ربط الفوائد /النتائج بالكلفات والوسائل، إلخ (انظر Becher في الاستثمار في التعليم كخيار استراتيجي). ثم إنه لا يمكن الإغفال التام لما تحبل به -هكذا حركة- من ارتباك وعشوائية فعليين، وبحث صريح وحقيقي عن الذات، تجرها إليها صعوبة التقدير والاحتمال والفوضى وعنف الدولة والسلطوية الصاعدة، من جهة، وصمود الفعل الجماعي – الفئوي والشامل، في ظل اختلالات سياسية للقوى، محل التشكل، من جهة أخرى.

ومن بين ما يتطلبه هذا المبحث الاجتماعي، الجديد نسبيا، هو رصد “آثار الجيل” على نفسه وعلى من لحقه، كأن نتحدث -مثلا- عن مصير جيل الحركة الوطنية وما قد يصيبه من انشقاقات وانسحابات وضرورة اعتماد “الوطنية الجديدة”، اليوم، ضدا عن وطنية الحركة الاستقلالية، وكذا جيل اليسار الجديد، مثلا، وانحباسات وحدته ونضالاته. ويمكن اعتماد إعادة تشكيل مصطلح “احتلال المواقع” ومدى تطور المفهوم في العالم وفي بلادنا، على ضوء تاريخ الإضرابات العفوية – الجماهيرية. (انظر النقابية العمالية في المغرب عند المنوني عبد اللطيف 1979، والحركات الاحتجاجية والأحزاب السياسية في المغرب عند كل من عبد الرحمن رشيق 2016 ومونية الشرايبي بناني 2020).

ويمكن إعادة قراءة الأعمال النظرية والتاريخية  التي عالجتها روزا لوكسمبورغ في كتابها “الإضراب الجماهيري والحزب السياسي والنقابات (1906)” أو في مقالين مشهورين لها جرى جمعهما في كتاب “الإضراب الفجائي وعفوية الجماهير (1902 و1913)”؛  الخ أو كما جاء في كتاب هنري لوفيفر “انفجار نونتار عند القمة” من تفسير مبتكر لأحداث مايو 1968، الخ، وكذا تلك المقالات والدراسات التي عالجت “حركة 20 فبراير (2011) في المغرب وباقي تمظهرات ما يعرف “بالربيع العربي-الديمقراطي”(…)، إلى اليوم.

نفس الاهتمام يجب أن ينصب عن “الاعتصامات” و”التمردات” و”الانتفاضات” و”الأزمات” و”الانتقالات” من طور إلى آخر ومن نظام إلى آخر. كما تجب الإشارة إلى “الحركات المضادة”، كحركة الشباب الملكي في المغرب وفي باقي أصقاع البلدان العربية – الإسلامية والعالم – ثالثية، عموما، وتلك التي اخذت مكانا مشبوها لها داخل النسق السياسي الرسمي (…).إنها تعمل على خلط الأوراق والأولويات وتشويه الرؤية، كلما كادت قوى الاحتجاج والتغير الديموقراطي أن تحقق تقدما او تنتصر على قوى التراجع و”الرجعية” والردة! ومما لا شك فيه أن كل تلك الحركات قد تعرف نجاحات نسبية أو محدودة في الزمكان، بالقدر الذي تعرف فيه إخفاقات أو تراكمات للمواعيد الموءودة (…).

ومما يمكن ان يغني هذا المبحث أيضا الانتباه إلى جدوى “صياغة المشاكل العامة” بناء علميا، بعيدا عما تقدمه الصحافة – أصفراء كانت -خاصة- أو مستقلة – حيث يتم إبراز لتفاهات عمومية عامة او لمشاكل هامشية أو مشاكل جزئية دون غيرها، بالرغم من جدوى الصحافة، ومما يمكن ان يسديه ذلك التنويه الجزئي أو العابر من نفع تارة وتشويه أو إجلاء الاهتمام والتستر على معضلات بعينها، تارة أخرى.

كما تُجدي الإشارة أيضا لأهمية تحديد “بنية الفرص السياسية” المتاحة تاريخيا، والكشف عن “دينامية النشطاء/ الفاعلين” ضمنها وضدها، وضبط حالات “الاستمرار” و”الانسحاب” و”وقف الانخراط في المؤسسات الوطنية والدولية”، فضلا عن “الانخراط” في ظروف الذروة، غالبا ما تكون فترة انتخابات ! ومن المفيد ربط ذلك بطبيعة وأطوار “النظام السياسي” السائد (ماركس، ذوتوكفيل، بودون،…)، أي إشكالات تطوره وانتقالاته وحجوزيته، فضلا عن جدوى “تحليل الأحداث” والإلمام بتقنيات وأدوات “التحليل الشبكي- الاجتماعي”.

ويمكن الاهتمام أيضا “بِسِيَر النشطاء” وفعالية “التدخل السوسيولوجي” و”تحليل الأطر” والأخذ بما يعرف بـ”الهلع الأخلاقي”، فيما انبرت إليه السلطات القمعية دائما من فبركة لفضائح-  مكروهة اجتماعيا- تتم إشاعتها للتنكيل والعزل والتشهير بالمعارضين، أكانوا صحفيين، مدونين أو نشطاء حقوقيين أو سياسيين، الخ، بالإمعان في فضائح الجنس والإرهاب والانفصال، وغيرها. ولا شك أن اعتماد “الآثار البيوغرافية للنشطاء” يفيد كذلك  التحليلات أكانت من هذه الزاوية أو الزاوية المضادة! وكذا كل ما كُتب عن “النضالات من أجل الاعتراف ولترسيخ “الهوية الجماعية” للأفراد والمجموعات والشعوب، بأكملها (انظر كتابات بورديو الأولى حول الجزائر وكذا بروبا كير 2001 وتيللي 2005 وتايلور 1992…).

التحليل الماركسي الطبقي الجديد أداة الممارسة السياسية الواعية

والأجدر بقوى اليسار الديموقراطي -بشكل خاص- أن تولي بالاهتمام، فضلا عن غنى كل ما سبق، “الامتدادات المعاصرة للتحليل الماركسي- الطبقي” بالرغم مما تكتسي البنية الاجتماعية وسلوكات الفاعلين في البلدان المتأخرة – المتخلفة اقتصاديا من هجانة، مما يساهم في تفسير ظاهرة الانقلابات العسكرية وأشباهها إفريقيا (مغرب السبعينات، تونس، السودان ومالي وغيرها). وهذا فضلا عن التركيز على الكتابات الأقل اقتصادوية عند ماركس كارل (1848) وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي ولوكاش وغرامشي ولينين، وغيرهم.

كما يجدر بالدرس التحليلات المبتكرة لكل من لوسيان سيف وجاك تيكسي وأندرسون بيري، من الماركسيين المعاصرين في المركز الرأسمالي– الإمبريالي، وكذا في المحيطات من أمثال سمير أمين وغندر فرانك و آلان ليبيتز و روبير بويير، وآخرون، ممن سلطوا أضواء جديدة على ما اعتبروه “صراعات وتناقضات وأزمات صغيرة وكبيرة، طبقية جديدة” (انظر كتاب لوجكين جان – بيير كور-سالييس وآخرون 2009) في العالم. ويمكن أن تفسر حركات بوديموس في إسبانيا وسيريزا في اليونان وحركة السترات الصفراء في فرنسا وقافلات الحرية في كندا وأوروبا، أولا بأول، وكذا حركات الريف وجرادة وغيرها في المغرب انطلاقا مما استجد في التحليل الماركسي الخلاّق.

ويمكن اعتبار التاريخانية 1967/2011 بمثابة الانتقال الصعب والمحجوز لوضعية البلدان العربية الإسلامية وللمغرب. هكذا فـ “الماركسية الموضوعية”، مما أبدعه العروي، تشخيص ووصف شديد الخصوصية يجتازه المجتمع العربي الحالي من دون أن يستطيع تجاوزه نهائيا، وهو وضع مجتمعي تدعو إليه حاجة ملحة فكرية وعملية إلى انتقاء وتوظيف فكر ومفاهيم ونظريات غير متسقة تعود – بشكل أو آخر – إلى أصول ماركسية. وهكذا يتم التحدث بلغة ماركس دون الوعي بفحوى ذلك، ودون أن يستطيع أي بلد عربي على الإطلاق إلى اليوم بتحقيق النقلة الضرورية، لتبقى الماركسية المعتمدة عند المثقفين والسياسيين “ماركسية لا واعية” وعقيمة، جوفاء وبدون أثر في أعماق المجتمع، إذا لم تنقلب وبسرعة إلى ماركسية واعية بذاتها (انظر الإيديولوجية العربية المعاصرة، ص 31، ط 2011).

لا شك أن الأخذ بمقاربات الحدث/ الفعل الجماعي المتنوعة في تحليلاتنا النظرية – السياسية – العملية والعلمية سينير الفعل الحزبي والسياسي والحركي، عموما، وسيساعد مهنيي السياسة والحزبية والنقابية والجمعوية على التدبير – ببيض النمل- لكل تلك الموارد الجديدة – القديمة الفعلية؛ سيساهم ذلك لا محالة على تعبئتها تعبئة فعالة، كلما تم رصد دوراتها والتحديد بما يلزم من الدقة لـ”ريبرتوار” المرحلة/ الفعل الجماعي، إن على  الصعيد الوطني – الجهوي أو العولمي (عبور القوميات).

إن اعتبار “الأغلبية الحكومية” اليوم “حكومة منسجمة” ليس إلا ادعاء مفرط “للاستفراد الانتخابي المشروع” وإحكام قبضة القطب الطبقي – المخزني المسيطر بمقاليد التدبير العمومي. وقد تم التمهيد لذلك، أولا بأول، بإرساء “إجماع – اتفاق قسري” حول” النموذج التنموي الجديد” (2021) في أفق 2035، وكذا تقديم نسخة أقل طموحا له في “البرنامج الحكومي” (2022)، وما سيستتبع ذلك من قوانين مالية نيولبرالية في الأمد المنظور.

وسيكون من الصعب بمكان أن يترجم استمرار الاختيارات الاستراتيجية تلك في مطلب “الدولة الاجتماعية” والراعية لمصالح أغلب الفئات/ الطبقات الشعبية، إلا ما فضل من تشغيل هش وبرامج تنمية بشرية سيئة التسيير و”راميد” مرهون بضعف البنية التحتية وحماية اجتماعية تراهن على التمويل بالمديونية! والحال أن استفحال الدين وغياب إصلاح ضريبي منتج والرهان على تحويلات مغاربة الخارج والتساقطات المطرية، ونفاذ دعوات يد الله الخفية (…) لن يزيد إلا على غُلوّ التحكم في بلادنا ولن يعمل إلا على تأجيج صراعات طبقية من نوع جديد، ليَسْقُطَ حمل الأثقال على كاهل الطبقات الشعبية الوسطى والفقيرة وجرها إلى الحضيض.

فإلى متى سيتم الانعتاق والحرية في بلادنا من كلّ أشكال الاستغلال والاستعباد؟ فهل حقا يمكن أن توجد الحرية في تعارض تام مع العدالة والمساواة الاجتماعية (كما نجد ذلك عند فون هايك، المفكر الليبرالي النمساوي 1899-1992)؟ هل من علاقة إيجابية ضرورية بين النيوليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ كما نجد ذلك عند جيسيكا وايت 2019؟ أليس لنا الحق جميعا في الحياة أم أن روح العصر تقتضي بالضرورة فصل الغنم عن الماعز؟ ! (الداروينية الاجتماعية)؟

تمارة في 11/02/2022

ذ.عبد الواحد حمزة

سوسيو -اقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى