اخرى

الأستاذ لا يعنف بالعصا فقط

تعلمنا لما ولجنا كلية العلوم القانونية ، أن كل المواطنين سواسية أمام القانون، و كان ذلك من أول دروس القانون ، و أن لا سلطة فوق سلطة القانون ، و قبل ذلك تعلمنا تطبيقيا دون أن تعرض علينا كقاعدة أنه داخل المدرسة لا سلطة فوق سلطة العلم و المعرفة ، و لم نكن الوحيدين المؤمنين بهذا كتلاميذ و كطلبة لاحقا ، بل كان المجتمع ككل له قناعة راسخة أنه داخل المدرسة لا سلطة فوق سلطة العلم و المعرفة ، و هنا أدقق سلطة العلم و المعرفة لا سلطة الاستاذ ، بمعنى عندما نتحدث هنا عن السلطة، نتحدث عنها باعتبارها تلك الاهلية القانونية و العلمية و التربوية التي يتمتع بها الاستاذ في توجيه أبنائنا، و تقويم سلوكياتهم و تعلمهم ، لا السلطوية التي قد تتجسد في العنف الذي كان حاضرا في المدرسة باعتباره آلية حينها للتربية ، و التي رفضت و سترفض ، و الان هناك اجماع على عدم جدواها في التربية و التعليم ، حتى زمن وزير الداخلية الشهير ادريس البصري ، تمتع الاستاذ داخل المدرسة على الاقل ، بسلطة معنوية و تربوية تمنحه القيمة المجتمعية التي يستحق ، و كان ذلك نابع من قناعة مجتمعية للأمي قبل المتعلم أن الاستاذ محور صناعة الانسان ، بعد مرور سنوات على زمن ادريس البصري ، و بعد حكايات الحقوق و الحريات ، و برامج محاربة الامية ، و تجويد التعليم عبر عديد المخططات التي لا تنتهي ، سينهار ذلك الجدار الذي كان يحمي كرامة الاستاذ ، و سيتم تجريده من هذه السلطة عبر وسائل تبدو ناعمة و في أحيان اخرى بوسائل ادريس البصري نفسه ، داخل المؤسسات اليوم يمكن أن يتطاول كل من هب و دب على الاستاذ، ليجرده من اختصاصاته و ربما من حريته في اختيار المنهجية التي تناسبه ، و قد يحتج عن اختيارات الاستاذ ، مهددا في مؤسسات التعليم الحكومي بمتابعة الاستاذ، أو نقل ابنه إلى المدارس الخاصة، التي قد تستوعب ” فشوش ” ابنه ، و إن كان في الخاص سيهدد بالتوقف عن أداء الواجب الشهري ، و قد يمارس كل أشكال الابتزاز ضد المقاولة المدرسية ككل ، و قد يهدد أحدهم بتحريك لجان المراقبة ضد المؤسسة التي ينتمي لها ابنه ، و قد تخضع المؤسسة لإكراهات تجارية في الغالب ، فتداس كرامة الاستاذ إن لم يكن مسلحا بالبدائل ، و مسند اقتصاديا ، و يتمتع بقوة الشخصية القادرة على أن تجعله صاحب الشرط على المؤسسة أو رئيسه في العمل ، أو يتسلح بتحمل كل
العقوبات الادارية مقابل حفاظه على كرامته .

فلا مانع اليوم في ظل هذا الوضع ، أن تضاف لاختصاصات الولاة و العمال و رجال السلطة ، بل حتى قائد سرية الدرك و رئيس الدائرة الامنية، مراقبة البرامج المدرسة و توجيه أبنائنا ، طبعا وفق مزاجهم السلطوي ،و لما لا تعيين عون سلطة مكلف بالشؤون
التربوية في كل مؤسسة ،و الاستعانة برجال الاعمال في معرفة كم يساوي كل حرف و رقم يدرسه ابنه لربما نحقق فائضا في الانتاج ، و طبعا يمكن لمن يتوفر على المال أن يفاوض الاستاذ مباشرة عن ثمن كل امتحان ، فذلك ليس رشوة اعتمادا على النهج نفسه . .
إن فصل السلط الذي تحدث عنه فلاسفة العقد الاجتماعي مع عدم الجمع بينها ، يؤدي إلى الاستبداد في دولة ما، عبر الجمع بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و القضائية كارثة، الجمع بين المال و السياسية كما ينبه لذلك اخرون كارثة ، لكن أخطر ما في الشطط و السلطوية ، الجمع بين السلطوية و القوة و المال، للسطو على سلطة المعرفة ،فلا نصنع فقط دولة مستبدة بل مجتمع مستبد و مستقبل مستبد بأجيال من الاستبداد ، فتسود ثقافة الاستبداد و تتجدر السلطوية ، و تتقلص امكانيات الدمقرطة على كل المستويات .

أشرف بولمقوس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى