وجهة نظر

أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(18):المغاربة ما بين روحانية العشر الأواخر ومتطلبات البذل للترتيب في العشر الأوائل

وسط القهقهة والبسملة والحوقلة والعوذلة ضمن السهر الرمضاني، كنا تلة من الأصدقاء، فتحدث أحدنا بما يلي يحكي عن جلسة أمس الأول، قال:

ورش فلندي في قلب تطوان، على الصعيد الحزبي بجناحيه: التنظيمي والمنتخبي. كيف؟ (سأله أحد أصدقائه)الله يسمعنا خير !!!

تداولت الصحافة الدولية اسم بلد فنلندا في قضيتين: قضية عزمها على الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي، وتفوقها في مجال التعليم. وذلك لأنها تتبع معايير فريدة من نوعها في العالم على مستويات البيداغوجيا والبرامج والتقويم. تُرتّبُ التاسعة عالميا في مستوى التنمية البشرية. فنلندا صانعة الهاتف النقال نوكيا، بينما لم يصل عدد سكانها سوى خمسة ملايين ونصف. في عهد الكتب والوثائق الادارية الورقية كانت فنلندا المصدر الاول للورق في العالم. ترجع هذه المراتب الرائدة، كون فنلندة كانت أول دولة في العالم تنتزع نساؤها حق التصويت وحق الترشح للانتخابات. لها اليوم المسؤول السياسي الأول في الدولة امرأة. البروتستانت ديانة الدولة، والإسلام الدين الثاني، متقدما على الأورثودوكسية بثلاثة أضعاف ومتقدما على الكاثوليكية بعشرة أضعاف.

***

عندما انتهى المتحدث من الكلام أعلاه، استفسره صديقه في المقهى بعد صلاة التراويح: وايلي؟ آش جاب فنلندا للمغرب؟

فردّ عليه المتحدث الأول وكنت حاضرا على ما مرّ أعلاه وما سوف تقرأون، فقال:

عندما تابعت بقلق أنشطة فرع الحزب الاشتراكي الموحد، منذ المشاركة في الانتخابات بتنسيقية مؤقتة، وحصل على عضوين منتخبين في الجماعة الحضرية، ثم بعد مجلس الفرع الانتخابي وتجديد المكتب، انحزت تجاه الأعضاء القلقين المتشائمين. كنت أعبر عن ذلك تلقائيا بالحضور في الاجتماعات في الوقت المحدد ثم أنسلُّ قبل انتهاء الاجتماع.

ما زال في خاطري فقدان أصدقاء أعزاء أكن لهم الاحترام الكبير والمودة ما زالت بيننا هي هي كما كانت قبل ما جرى قبيل الانتخابات.

تجشمت كاتبة الفرع الجديدة مشقة البحث عن المقر الجديد. وظهر من بعد أن ثلة من الأعضاء، يراهنون على خلق تجربتهم الجديدة، تاركين “القدماء” أمثالي “على خاطرهم”.

لاحظت التنسيق المحكم بين مكتب الفرع وبين العضوين المنتخبين في الجماعة الترابية للعاصمة الخليفية. تابعت ما يقوله الناس عن منتخبي البلدية الخمسة والخمسين من مختلف الأحزاب، أكثر من مرّة فاجأني أصدقاء من الأحزاب الأخرى بفصيح العبارة: “الجوج للي عندكم في البلدية كيطرزوا التدخلات، كيجيوا موجدين”. حضورهما النوعي يحفظ لهما نقطتين، بصدد جداول الأعمال في الدورات الاستعجالية القليلة التي نظمتها الرئاسة. تمكنا من خلق علاقات احترام نوعية مع السلطتين المنتخبة (الرئاسة وأغلبيتها) والوصية (الباشا ومكتبه).

للفرع امتدادات في النقابات (ك.د.ش/إم ش) من داخل المكتب. وكذلك في العمل الجمعوي من بين أعضاء مجلس الفرع. لعب وجود أنثى على رأس مكتب الفرع دورا كبيرا في الاقتراب من المناصفة من حيث العضوية والحضور في الأنشطة. بل وامتاز الفرع بالحفاظ على مكونات الأطر من مختلف المشارب الحزبية التي كانت مؤسسة للحزب الاشتراكي الموحد منذ سنة 2007. غير أن اللافت هو بروز أعضاء جددا في الديناميكية الحالية، سواء المنتخبَيْن أو أطر المكتب الحالي في جزء منه. قلة قليلة ما قبل المندمجين في السياسة ما قبل الربيع العربي. وقلة قليلة أخرى ما بين 2011 و2021. والجزء الجديد يكاد يصل 40 في المائة ما بعد الانتخابات الأخيرة (8 شتنبر 2021).

من الملامح السوسيولوجية، تراجع فئة التعليم، مقابل إقبال ممثلي قطاعات أخرى لم تكن مألوفة في الحزبيات والنقابيات: من بين الفئات الجديدة: الأبناك والمحافظة العقارية والسياحة وموظفو الجماعات والمقاولات الحرة ومكاتب الخدمات.

من مكاسب التنسيق المحكم بين مكتب الفرع والمنتخبَيْن الإثنين، التوصل إلى برنامج تكوين أعضاء الحزب في الحاكمة الترابية. سواء على السياسات العمومية أو على مستوى اختصاصات الجماعات التربية.

تجاوز المكتب تقليد تحكم أعضائه في تسيير الأنشطة وفي احتكار كتابة تقاريرها. وبرزت قدرات ومهارات مشارِكة من جانب الأعضاء الجدد. مما يترك الغريب عاجزا عن استخلاص من هم الأعضاء القدماء ومن هم الجُدُد. كما تمّ الانفتاح على الأطر الباحثة من خارج الحزب لتقديم خبرتها في القضايا المبرمجة في التكوين.

ولأن المقر جديد، فقد اشتغل أطر فرع الاشتراكي الموحد لتنظيم دروس الدعم لأقسام الباكالوريا في المواد العلمية التي تدر الارباح على ممتهني الساعات الاضافية المنزلية. وذلك بالمجان طبعا ليجسد الحزب مبدأه القاضي بالدفاع عن مجانية التعليم كقطاع استراتيجي.

لقد أظهر الحزب في تجربته التي الشهور التسعة الأخيرة أنه مرتبط بالمواطنين وبالمؤسسات، متجاوزا بذلك تقاليد النقاش المثقفي المغرق في النظريات التي لا تغري سوى النخبة غير المندمجة في العمل السياسي المواطن القريب من همومهم ومن المؤسسات التي تمسك بقضاياهم الادارية.

طبعا تبقى القضايا العامة الاستراتيجية هدف التثقيف السياسي الذي ينشغل الحزب بتعميمه بين أعضائه وبين محيطه الاجتماعي، لكن المفقود في العمل الحزبي اليساري هو تنشئة الأطر بمستوى جيد لمتابعة عمل المؤسسات التي شأنها العمل الوظيفي لتدبير الشأن العام.

هذا العمل يقارب التوازن بين دور الأحزاب في تشكيل قوتين: القوة الاعتراضية نغم ولكن وأيضا وعلى قدم المساواة في الأولوية والجديّة القوة الاقتراحية.

ولنتخيل أننا نطرح مرة أخرى أي حزب نريد؟ مثلما طرح الأستاذ السي محمد لمباركي في الصيف الماضي، والآن وقد أصبح أعضاء من المكتب السياسي للحزب منتخبين في الجماعات الترابية، سيلمسون العطب السابق الذي وجد الحزب نفسه منغمسا، وهو إهمال الجماعات الترابية كموقع تهيء الدولة كل الوسائل القانونية والإدارية للاشتغال الحزبي من خلاله، لكن إبليس المقاطعة للانتخابات بشكل ثابت في رؤوس هواة اليسار، ظل يشغل الحزب عن الاهتمام الجدّي بما ينفع الناس، ليهتم بزبد الثرثرة النظرية المجردة معيارا مثقفيّا ثورويا واهما في حالة شرود مزمنة.

ومن خلال الاقتراب من الأعضاء الذين يفضلون الإنصات، عندما تجعل نفسك في لحظة الإنصات لهم، تكتشف مناجم من الخبرة في الاطلاع على المساطر والكيفيات الإدارية يجهلها المنظرون. وبالتالي، دون أن يدوي، يستقطب الحزب من حيث لا يدري أعضاء من بين أحسن الأطر العضويين (بعبارة غرامشي)، الذين تلتصق خبرتهم بقوتهم اليومي. مما يجعلهم ينصتون بجدية لبرامج التكوين ويلقحون ما خبروه عن دراية وممارسة يومية بما يوجد في النصوص القانونية.

ولأن الأطر الحزبية تضم مواطنات ومواطنين لهم علاقة عضوية في أحيائهم وزملائهم في العمل، تجد الاهتمام ذي طبيعة فعلية حياتية يومية وليست فقط تخصصا مهنيا أو نظرية سياسية مجردة.

مما يوفر للشعب المغربي من بين بناته وأبنائه من لا تستهويه لا الإذعانية والسلبية ولا العدمية والسلبية من الطراز الرفضوي. وتصبح التربة السياسية لتحقيق “ثلاثية الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية” ملقحة في شرايين الحزب من خلال التشرب المتبادل ما بين التجارب الفردية لإعضائه حيث هم يعيشون وما بين جهود وجهاد أطره وقيادته.

إذن، الجواب عن سؤال “أي حزب نريد؟” موجود في كل مكان يشتغل فيه الحزب.

العمل الحزبي، إذن يشتغل اشتغالا جديدا للحث عن السباق الايجابي المنتج لاكتساب شروط ترتيب المغرب في العشر الأوائل في مختلف الميادين مثل نموذج فنلندا الذي طرحته في البداية، بينما تنشئتنا الأولى وقف نمط وفن عيشنا المغربي لا تتعبنا للقيام بطقوس العشر الأواخر.

فالذاكرة والهوية مكلفة بالعشر الأواخر، لكن العقل الباحث في مختلف مجالات الحاضر والمستقبل، يقتضي وضع بوصلته ليؤهلنا كي نصبح مستقبلا في كوكبة العشر الأوائل، فإذا كان وصول صناعة السيارات مثلا لنسبق الدولة التي كانت عملاقة في الاقتصادات الافريقية (جنوب افريقيا)، فلو أنزلت الحكومة عينها إلى الأرض، واكتشفت أن التدين –ولله الحمد- انتشر أكثر، لكن الرشوة لم تتخلف عن الانتشار، ولاحظنا أيضا أن اليقين بمستقبل زاهر زاد خطابه على صعيد الاذاعة والتلفزة وفي نفس الوقت مظاهر الهشاشة الاجتماعية الاقتصادية المؤلمة هي أيضا تدعو خطاب الإعلام العمومي إلى قليل من التواضع ومن الاقتراب من الحالة الدامية من الفقر التي بدت قاسية مع كوفيد.

ذ.أحمد الخمسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى