ثقافة و فن

د ادريس بنسعيد – عنف الشباب و أزمة القيم (الانوميا) اسامة البحري

بالعودة الى مقالة التشرميل تعبير عنيف للمراهقين المقصيين ، وهو نص استجوابي اجري مع د ادريس بنسعيد ، سنجده يتفق مع بيار بوديو في فكرة ان مراحل العمر ليست مراحل بيولوجية بل هي مراحل اجتماعية ، أي ان مجمل مراحل الكائن الاجتماعي هي تخضع بشكل او باخر لعملية بناء اجتماعي مستمر ، و يعتبر عنف الشباب حسب د ادريس بنسعيد محصلة بنوية للاجتماعي ، فلا شيء حسب الباحث هو خارج الاجتماعي ، و يتحدد هذا الاخير بكونه ممارسات و طقوس تخضع بدورها لبناء تاريخي ، فظاهرة السلوك المراهق حسب د بنسعيد هي ليس بظاهرة شادة بل هي قديمة ، فقط ما يميزها هو انها ظاهرة تأخذ تلاوين جديدة من فترات زمية لفترات اخرى ، فبعد الحرب العالمية الثانية حسب دبنسعيد و خاصة في مرحلة الستينات بدا ظهور الشباب في المجتمع ، كفئة قائمة بالذات لهم لغتهم و رموزهم و طقوسهم الخاصة ، و يرتبط السلوك المراهق حسب الباحث ، بهاتين الفئتين العمريتين (المراهقة و الشباب) ، كما ان هذا السلوك يتميز بكونه سلوكا يتحرك وفق تكتل ، زد على ذلك ان هذه الفئة التي يتراوح عمرها بين 15 و 21 ، هي تعبر عن نفسها حسب الباحث بكيفية يتحول فيها العنف الى تواصل ، فاغلب التعبيرات العنيفة في المهرجانات او التجمعات او التظاهرات العمومية نابعة عن هذه الفئة ، فنحن اذن كما قال د بنسعيد امام ظاهرة مركبة لها ابعاد سوسيولوجية تمتد الى ما هو تاريخي و اقتصادي و تربوي ، فالمدرسة المغربية على سبيل المثال ، بكونها جزء من هذه الامتدادات هي كما بين الباحث : “تعلم و لا تربي ” ، فقد تحولت عبر تاريخها شيئا فشيئا الى منظومة ضعيفة ، يحصر دورها في تعليم القراءة و الكتابة وفق مبادئ كلاسيكية ، فيعتبر هذا الغياب للتربية في المدارس حسب د الباحث جزء لا يتجزا من عوامل بناء العنف ، علاوة على ذلك الطريقة الكلاسيكية المعتمدة في التنشئة الاجتماعية ففي هذا الصدد يقول د بنسعيد : نعيش في تنام خطير لقيم تساهم في اننتفاء قيمة الحوار و الميل الى تعويضها بقيم العنف الذي يصبح هو اللغة السائدة للتعبير عن الوصول الى الحق ، سواء كان هذا العنف بين الزوج او الزوجة او في الشارع .. “، فيعتبر العنف حسب الباحث من الظواهر المركبة ، التي تأخذ تسامي متعددة و من بينها كلمة التشرميل ، التي لا تعني فقط حسب د بنسعيد سلوكا موحدا بل انها تتعدى ذلك الى ما هو بنيوي مركب ، فحينما نقول في اللغة الدارجة شرمولة فنحن نقصد مكونات وجبة معينة ، فكذلك المشرمل او الشاب،ة المنحرف،ة فهو محصلة مكونات تتفاعل مع بعضها ، و من بينها مكون الرمز و الخطاب ، و الذي ينعكس في العلاقة مع الجسد كضرب اليدين ، التكلم بطريقة التملك ، التهور ، وشم ، الأسلحة البيضاء ، تعاطي المهلوسات ، زد على ذلك نمط اللباس كالألبسة الرياضية التي تعبر على الاستعداد الدائم لخرق القانو ن ثم الهروب ، علاوة على ذلك بنية الكلام التي تميل الى تقليد لغة السجناء ك الكروا ـ التعنصير ـ الضحية .. ، زد على ذلك مستوى السلوك و الذي يتمثل غالبا حسب د بنسعيد في التعبير عن تجاوز القوانين المسيرة ، مما يجعله تعبيرا رمزيا عن التعبير عن التهميش و الاقصاء ، فكانهم يقولون حسب الباحث نحن ضحايا الكل ، و يعتبرون بذلك انهم يقومون باسترجاع حقهم الذي لم يتمكن المجتمع بمؤسساته ان تعطيه لهم ، فما الفعل العنيف حسب الباحث الا محصلة بنيوية للبناء الاجتماعي ، و خاصة عن ازمة القيم ، ففي هذا الصدد يقول د بنسعيد : “خطورة ازمة القيم تنتج العنف كبديل يملا الفراغ ” ، و هذا ناتج حسبه عن ازمة معرفتنا بمن نحن و ما هي نماذجنا ؟ و على اي اساس او خلفية يجب ان نقود حياتنا الاجتماعية ؟ و ما هي خلفيتنا الموحدة ، و هذا ناتج اساسا حسب الباحث عن مجتمعنا المركب الذي لا يجد الفاعلون عبره ، قيما تابثة يحتمون بها و هذا اقرب كما سلم د بنسعيد الى مفهوم الانوميا عند إميل دوركهايم ، بحيث تصبح القيمة الاساسية داخل المجتمع ، هي غياب قاعدة القيم ، و هذا ما رصده د بنسعيد في دراسته للشباب و الحجاب ، مسلما بان معظم المحجبات لهم معارف متناثرة و جزئية عن الاحاديث النبوية المتعلقة بفعل احتجابهم ، اي اننا نعيش في ازمة معرفتنا بمن نحن و ما هي قيمنا ، و لهذا فحينما نشاهد منحرفين في الشارع او نسمع الفاظ قدحية او نرى مشاجرة في الاحياء او نرى ظواهر اجتماعية تعزى اجتماعيا الى خانة الانحراف ، فاننا بطريقة ضمية نعي ان ما نراه امامنا او ما نسمعه هو ليس معطى طبيعي بل هو جزء من العالم الاجتماعي الذي نعيشه و خاصة عن منظومة القيم ، أي ان الفعل هو محصلة اجتماعية لطبيعة قيم المجال الاجتماعي الذي يتواجد فيه الافراد ، و هذا ما تعبر عنه تعابير من قبيل : ناقصاكم التربية ـ كون رباوك والديك ماديرش هاكا ـ واليديا كانو بغاوني نخدم عليهم ولكن الظروف هي لي وصلاتي لهاكا ـ ، بمعنى ان الافراد بطريقة ضمنية كما اتفق على ذلك د بنعسيد يندوون باعادة النظر في ازمة القيم ، فهم يقولون ” ناقصاكم التربية ” رغم انهم جزء من نظام قيم هذه التربية ، فهم بذلك يستشعرون أزمة القيم و خاصة بعلاقتهم مع التاريخ بكونه منبع القيم ، فهناك انفصالات تقع اليوم كما قال الباحث بين الافراد و تاريخهم ، لانهم استشعروا نتائجها و انفصالها و هذا اقرب الى نظرية الانتقال الجنسي التي اسس لها د الديالمي ، فما ينتج عن الفرد اذن هو محصلة طبيعة المجال الذي يتواجد فيه ، و هذا ما عبر عنه بورديو قائلا الجسد يتواجد داخل المجال الاجتماعي و كذلك المجال الاجتماعي فانه يتواجد داخل الجسد ، بمعنى ان ما نلاحظه من ظواهر اجتماعية هي ليست طبيعية وليست ماورائية بل هي حسب د بنسعيد اجتماعية و بالتحديد ثقافية أي من التاريخ ، فحينما نعود على سبيل المثال الى الاسر المغربية ، فاننا سنجدها تسمح لاطفالها ان يلعبوا في الشارع ، تحت دعوى خليهم يقصاحوا ، و هي مرادفة لفكرة اتركه يصبح خشنا ، و التي تعني اتكره يصبح رجلا ، فهي اذن رمز ثقافي تاريخي يربط الذكر بالعلو ، و هو ما يعطيه اجتماعيا صفات الخشونة ، القوة ، الشجاعة و هي صفات ترتبط بالعنف ، فعنف الشباب اذن هو ناتج عن لا وعي المجتمع باستعدادته التي يتلقونها من نظام التنشئة و كذلك من ازمة القيم ، فكان د بنسعيد يقول لنا ما سبق أن قاله ميشال فوكو ، و هو ان الانسان المعاصر ، هو انسان مسلوب التاريخ ، فازمة معرفتنا بتاريخنا حسب الباحث هو اساس ازمة القيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى