وجهة نظر

ذ محمد صلحيوي :مخاض يساري كامن..

هناك خلاصة جوهرية وقوية “الوقع” للحراك الشعبي على البنية الحزبية المغربية، خصوصاً شقها اليساري، فبروز حراك ثقافي وفكري ومفاهيمي داخل الحزب الإشتراكي ألموحد،حراك أدخل، وبقوة،مفاهيم ومقولات من قبيل المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة،والبعد المناطقي للعدالة لتتطور إلى عدالةاجتماعية وجهوية ومناطقية.  أدخل الحراك،وبقوة ووضوح،تلك المفاهيم إلى حقل التداول السياسي والإجتماعي  و بارتباط مع منظور تجديدي لمقولة”الوطنية المغربية”،بأفق معالجة  الهرس(الإنكار الكبير) للثقة بين المجتمع والدولة،و للعبور إلى وطن المواطنة وبتعاقد إجتماعي جديد والذي يجب أن يؤطر الإصلاح الفكري والدستوري والسياسي.
إن هذا الحراك الحزبي الذي عنون وميز دينامية الحزب السياسية والتنظيمية بعد مؤتمره الرابع،وهي الدينامية التي مكنت التيار الديموقراطي الشعبي من الخروج من الإنشقاق المدير، موحداً، واضحاً في مواقفه؛ لكن ذلك لا يعني أنه مكرس ومرسخ في الوعي الجماعي الحزبي والوطني والمواطناتي،فالحزب يناضل/يوجد ضمن فضاء يساري لم ينجز بعد القطيعة الضرورية مع العقلية المركزية، باعتبارها بنية موروثة عن “حركة وطنيةإقصائية في عمقها،ومترددة في سلوكها السياسي؛وتجربة فيدرالية اليسار الديمقراطي،باعتبارها سليلة تلك الحركة،أقوى دليل على ذلك، إذ شكل الحراك الشعبي وارتداده السبب الأساسي والحقيقي في انتهاء وفشل تجربة فيدرالية اليسار الديمقراطي.
مطروح إذن على عموم المثقفين واليساريين والديموقراطيين ، كتيار مجتمعي الإنتباه إلى الدلالة الكبرى لهذا المخاض السياسي والفكري.
من الدروس التي يجب التذكير بها،درس فشل اليسار المغربي في تجربتين”للوحدة”، ويكون التيار الشعبي الذي يشكل”النواة الصلبة” للحزب الإشتراكي ألموحد طرفاً في التجربتين.
*تجربة السبعينيات بين منظمة 23مارس ومنظمة إلى الأمام،إذ شكل الموقف من الوحدة الترابية نقطة خلاف مبدئية وجوهرية بين التنظيمين،وكانا قد قطعاً شوطاً كبيراً للتوحيد،نشرة”الوحدة” الداخلية،وجريدة”إلى الأمام”الإعلامية؛وقد برز داخل المكتب السياسي لمنظمة 23 مارس رأي يطرح ويدافع عن فكرة التضحية بالوحدة الترابية من أجل الوحدة مع”إلى الأمام”.
لقد عرفت منظمة 23مارس صراعاً مريراً بين الموقوفين، وفي ظل ميزان القوى الإيديولوجي مختل، وبشكل كبير، لصالح أطروحة”تقرير المصير” التي كانت الشعار العام لكل الحركات الثورية عالمياً، وقراءة دوغمائية للماركسية اللينينية؛كان التيار العام لليسار مؤمن بالحقيقة الثورية الحتمية، وأي خروج عنها،خيانة للطبقة العاملة؛كان الموقف الداخلي للمنظة والمنحاز إلى “إلى الإمام” مسنوداً بذلك الجو العام المنتصر لتقرير المصير؛طرحت على تيار الوحدة الترابية مهمة الإجتهاد و التنظير للوحدة الترابية كمهمة ثورية.
واجه مثقفو منظمة 23مارس أطروحات تقرير المصير،من داخل نفس المرجعية الماركسية اللينينية التي ينطلق منها دعاة”وحدة البروليتاريا مقدمة عن وحدة الأوطان”؛عادوا إلى لينين والتجربة الصينية بمقولة ماوتسي تونغ”الأممية هي الوطنية الحقة” وأيضاً إلى مختلف التجارب،خصوصاً الألمانية و الإيطالية، وبشكل بارز”المسألة الإيرلندية” ،إستطاع مفكرو 23مارس دحض كل أطروحات” البؤرة الثورية”و” الإنفصال”   و”تقرير المصير”؛وشكل المجهود الفكري للمنظومةمدخلاً لتبلور تيار فكري ديموقراطي متميز،دون إغفال دور محمد بنسعيد أيت إيدر الوطني في هذا التطور؛ نعم فقدت منظمة 23مارس نشرة “الوحدة” الداخلية و جريدة إلى الأمام ومواقع جماهيرية،لكنها، أسست خطاً فكرياً بمثابة رجة في الفكر السياسي المغربي.
*التجربة الثانية،هي تجربة”فيدرالية اليسار الديمقراطي”الثلاثية المكونات،التي أخرج منها مكون أساسي، هو، الحزب الإشتراكي ألموحد،لما تأكد لحليفيه أن” محو”وجوده مستحيل،رغم استنادهم على تيار كاسح “للوحدة المضببة، تم توظيف هذا التيار لفرض”الوحدة”؛وتشكلت داخل المكتب السياسي مجموعة ضاغطة وبقوة لفرض الوحدة،مسنودة،.  والتاريخ يعيد نفسه،مسنودة ومدعمة من الحليفين،بالتنسيق والعمل التكاملي؛بل تم اللجوء إلى استراتيجية الحملات الإعلامية المتواصلة على الحزب وعلى أمينته العامة الدكتورة نبيلة منيب.
المثير للإنتباه، أن يكون موضوع الوحدة الترابية أساس الإختلاف المبدئي في تجربة اليسار الجديد خلال السبعينيات،وأن يكون موضوع الحركة الإجتماعية وفي قلبها الحراك الشعبي بنموذجه الأبرز بالريف،وأن يكون دور الأمينة العامة للحزب،الدكتورة نبيلة منيب دوراِ بارزاً في انحياز الحزب لمرجعية الحركة الإجتماعية،كما كان دور الرمز محمد بنسعيد أيت إيدر دوراً بارزاً في الإنحياز وتبني الوحدة الترابية؛فإذا كان محمد بنسعيد أيت إيدر هو قائدخط الوحدة الترابية،الدكتورة نبيلة منيب تقود خط الحراك الشعبي والحركة الإجتماعية حالياً.
لقد سعى الحزب الإشتراكي ألموحد لتدقيق رؤيته التأسيسية”للوحدة الشعبية”الواردة في بيانه بيان17-01-2021
وهي:
<<1ـالقيام بقراءة تحليلية  للأوضاع  الدولية و تأثيرها على أوضاعنا الوطنية و قراءة عميقة  في نهضة اليسار العالمي مع ضرورة نقد تجربة اليسار المغربي و ضمنه فيدرالية اليسار الديمقراطي.
2ـ  تحديد المشروع البديل  و تقديم الجواب الفكري و الإيديولوجي والسياسي و الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي و الثقافي، و الإعلامي
3ـ تقديم الجواب على  الشكل التنظيمي الذي سيتم  اعتماده للحزب اليساري  الجديد و طريقة العمل بالتيارات و مأسستها
4ـ تحديد أولويات النضال الميداني و موقعنا في  الحراكات الشعبية و الاجتماعية و داخل مختلف مؤسسات المجتمع المدني المناضلة و فتح نقاش رفاقي  حول الفعاليات الديمقراطية المفروض الانفتاح عليها و إشراكها في عملية بناء الحزب اليساري الجديد
5 ـ   الجواب على سؤال  جدلية النقابي و السياسي و علاقة الحزبي بالنقابي و ضمنه علاقة الحزب الجديد بالعمل النقابي و موقع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فيه>>.
ولأن التجربة وصلت إلى الوضعية المعروفة،فإن توضيح الإختيارآت كان ضرورياً،وهذا ماتوضحه الفقرة التالية:
<<1-لاتفكر بمنطق الأقواس(فتح القوس وإغلاق القوس) في وصف سلوك الدولة، بل،باستراتيجية النضال الشعبي الديموقراطي السلمي الحضاري، كاختيار لمواجهة إختيار الطبقة السائدة.
2-نتبنى مضمون العدالة الإجتماعية والجهوية والمناطقية ويتجاوز للمصطلحات المضببة.
3-الإنفتاح السياسي التأسيسي لتكريس التعدد والإختلاف داخل الحقلين السياسي والإجتماعي،(لا نناشد ونتوسل بشعار الإنفراج أو الإنفجار ).
4- لا ندعو إلى مجرد إصلاحات ترقيعية من موقع الإعتدال كما روج لها ؛نحن ندعو لتعاقد جديد وشامل ومن موقع يساري،بين الدولة والمجتمع،يحدد وطن الغد.
5-نحن ندعو لإحداث القطائع مع الماضي،وبنقد وقراءة راديكالية لتجربة الحركة الوطنية و التقدمية واليسارية المغربية.
6-نحن ندعو لحرية معتقلي الحراك الشعبي بالريف وكل المعتقلين السياسيين والصحافيين والمدونين،وفتح ورش المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة.
مع ملاحظة أن ماسبق باعتماد بيان المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد  لدورته الثامنة،والذي شرحته وبوضوح الأمينة العامة للحزب الرفيقة نبيلة منيب في الحوار مع قناة Rifision. TV.>>.
المشترك الأساسي للتجربتين (تجربة اليسار الجديد وتجربة الفيدرالية) هو الكلفة التي تحملتها منظمة 23مارس في الأولى،والحزب الإشتراكي ألموحد في الثانية،إذ فقد الرمز الإنتخابي (الرسالة) وفقد الإسم(فيدرالية اليسار الديمقراطي) واختار عدم الدخول في القضايا السجالية، وفضل التشبث والسير قدماً في طريق الإجتهاد لصياغة أسس اليسار البديل.
إن استحضار بيان المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد بتاريخ24-04-2022، لإرث مثقفيه دفاعا عن الوحدة الترابية:
<<- يؤكد، وباستحضار إرث مفكريه ومثقفيه دفاعاً عن الوحدة الترابية ودحضاً لكل أطروحات الإنفصال،أن الوحدة الترابية مشترك وطني عام، لا يخضع لحسابات و موازين الصراع السياسي،ويعتبر دور ومبادرات الحزب وأمينته العامة داخل الوطن وخارجه،سيستمر بالوضوح وبالمسؤولية الوطنية الصادقةمؤكدا على المدخل الديمقراطي.>>.
فإذا كانت الوحدة الترابية هي نقطة افتراق أطراف  تجربة السبعينات،فإن الحركة الإجتماعية وحراكها هو السبب في افتراق فرقاء تجربة الفيدرالية.
إن الوعي حاصل بطبيعة تطوير وتجديد العقلية، لإرتباطه بالزمن الطويل(الزمن الفكري) ، لكن رحلة الألف ميل، تبدأ بالخطة الأولى، والحزب الإشتراكي ألموحد قد خطا خطوة كبرى طارحة على المفكرين والمثقفين معركة التجديد..معركة تجديد الإستبطان الجماعي لدلالة الوطنية المغربية..بكلمة واحدة تجديد العقلية الوطنية للعبور إلى الحداثة والدمقرطة والعدالة الاجتماعية والجهوية والمناطقية..تلك هي أسس اليسار الكامن والذي يتشكل من داخل الحركة الإجتماعية وحراكها الشعبي..وهذا هو المخاض الذي يعتمل داخل الحزب الإشتراكي ألموحد….

محمد صلحيوي عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الموحد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى