ذ محمد صلحيوي :اليسار الكامن واليسار الكائن…(الجزء الاول)
تقديم…
في سنة1908،ومغرب ماقبل الحماية الرسمية، يعيش صراع أجنحة المحافظة والتقليد،برزت إشراقة حداثية،ومن الهامش،من طنجة العالية،،إنهاإشراقة أول نص دستوري مغربي، نشرته مجلة”لسان المغرب” التي كانت من إصدار الأخوين “نمور” اللبنانيين المسيحيين، ولم يعرف لا الذين كتبوا بنوده ولا الذين وقعوه، لحجم التستر والكتمان.
نعم،سيتوسع إشعاع تلك “الإشراقة”،لكن،ورغم حجم التضحيات الجسام للمجتمع المغربي، ومن جيل لجيل،فإنه لم يتوفق في معركة الحداثة والدمقرطة،ولم تنجح إنتلجنسياته السياسية والثقافية في مهمات التحول إلى “كشافات” قوية لطريق التحديث والحداثة.
وبعد قرن وثمان سنوات، برزت شمعة،تدعو/تضيئ طريق” وطن حاضن لكل أبناءه وبناته، و بوطنية جامعة”،شمعة، وقودها حركة إجتماعية،تحمل في أحشاءها خطاً يسارياً بديلاً…
فوحدها..هذه الشمعة.. التي قيل أنها في الهامش..مرة أخرى.. أضاءت فضاء أنوال.. وخيمة الخطابي..
نأمل أن يتقوى نورها..
لنقرأ زوايا العقلية المركزية.. نأمل ذلك…. نأمل….
الجزء الأول:
1-في معركة المعنى…
كانت الفكرة،تخصيص الكتابة خلال رمضان عامنا هذا،حول” نقطتي نظام” المعروفتين داخل “فيدرالية اليسار الديمقراطي”سابقاً،إلا أن التطورات بينت وجود احتمال”التقوقع”داخل منطقةسجاليةأوجدالية،ما سينتج حتماً قصوراً تواصلياً، بالإكتفاء فقط “بنقطة النظام القوية” التي طرحها المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد، ونفذتها الدكتورة نبيلة منيب،الأمينة العامة للحزب،والتي ووجهت، بحملة إعلامية غير مسبوقة،أواخر شهر يونيو2021.
أو تلك التي قدمتها خلال إنعقاد الهيئة التقريرية “لفيدرالية اليسار الديمقراطي” بتاريخ27-12-2020 “نقطة نظام” التي ووجهت بالإستخفاف من طرف المفروض أنهم”قادة”، بل،سمحوا بسبي وشتمي؛ولم تأخذ “نقطة نظام”تلك،بميزانها الحقيفي..
والمعروف أن قياديين حزبيين،منهم،محمد بولامي وأحمد السباعي وجمال العسري،كانوا،قد أثاروا وبقوة،خلال دورة الهيئة التقريرية “لفيدرالية اليسار الديمقراطي”قبل كورونا، مخاطر انزلاق المسار إلى التشتيت عوض التوحيد،ولم تأخذ التنبيهات بالجدية.
إعتباراً لذلك الإحتمال، فقداستقر الأمر على تفكيك وتشريح دلالات ماحدث داخل الفيدرالية في سياق تحليل طبيعة “المخاض”الذي يعرفه اليسار المغربي والمجتمع عموما؛المخاض الذي يشكل”معنى” مايجري،نقطة ارتكازه، وشرارة حيويته.
ولقد كانت لحظة أربعينية الفقيد نوبير الأموي، لحظة صدام مضمونين “لمعنى ماجرى ويجري” وبرزت ثلاث معادلات:
١-من العقلية المركزية إلى عقلية الوطنية الجامعة.
٢-من مركزية الطبقة إلى مركزية الحركة الإجتماعية.
٣-من إسقاط المعنى إلى استيعاب المعنى.
عبارتان مفتاحيتان مؤطرتان لأربعينية الفقيد محمد نوبير الأموي التي نظمتها الكدش يوم السبت27-11-2021،. ومحددتان،في نفس الآن، رؤية الحزب الإشتراكي ألموحد، لما سمته الأمينة العامة نبيلة منيب “بالمعنى” الذي حملته(ألصقته) الحركة الجماهيرية وفضاءها الشعبي النضالي،في مسيرتها ومنعرجاتها، للقائدالنقابي/السياسي، وللتنظيم النقابي/السياسي،ولطبيعة المهمة التاريخية الراهنة للنقابة والحزب.
إنه الإمساك و الإدراك والترهين النظري لذلك”المعنى” حتى يحصل ما سماه أنطونيو غرامشي” بالوعي الطابق” .
– العبارة الأولى :
“فهاهي ذي روح الفقيد المناضل الفذ، والقائد النقابي الصلب، الأستاذ محمد نوبير الأموي الكاتب العام السابق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، تأبي إلا أن تستمر في جمعنا – مرة أخرى- تحت سقف هذه القاعة.”
-العبارة الثانية:
” ما أحوجنا إلى حركة نقابية مترجمة ميدانياً لمعنى العدالة الاجتماعية و المناطقية، ولوطنية حاضنة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه.” وبذلك يكون”المعنى” هو رابط الخطاب بالممارسة، فبقدر استيعاب الخطاب لعمق التجربةومعناها، بقدر ما تكون الممارسة أكثر تقدماً وإنتاجاَ وبسلوك واضح بعيد عن التردد والإرتباك
.-بخصوص العبارة الأولى….
أن تفتتح الدكتورة نبيلة منيب، باعتبارها قائدة سياسية،وبدورها اليساري البارز وبإشعاعها الوطني، كلمة الحزب الإشتراكي ألموحد التأبينية بهذه العبارة،وفي سياق أقل مايقال عنه،أنه سياق”أزمة العلاقة” لقوى اليسار؛ وبتأكيد استمرارية محمد نوبير الأموي في جمع اليسار،وفي هذه المرة، يجمعه بغيابه الحاضر ، وهو قد رحل عن هذا العالم،أن تأكد ذلك، معناه،تبلور متغير جديد يعطي”المعنى” لتعاقد جديد ديموقراطي بين الدولة والمجتمع ،وهو الجواب/المدخل. لجبر”انكسار” بين الثقة بين الدولة والمجتمع من جهة، وبين المجتمع واليسار من جهة ثانية؛ والتأسيس للتغيير الشامل .
لقد حرصت الأمينة العامة،على تذكير الجميع بدور الكدش خلال أواخر الثمانينيات، وهي”المارد النقابي” بلغة الشهيد عبد السلام المودن، الذي أخرج الشعب المغربي من الوضعية العصيبة بعد القمع الرهيب لانتفاضة 1984؛بإعلانهاقرار الإضراب العام يوم 24أبريل 1990 والذي أجلته الكدش،لما رأت مؤشرات عمل نقابي تنسيقي، ونفذته يوم14 دجمبر1990.
إن ذلك القرار قد أعطى”للنضال” المعنى الذي تطلبته تلك الظرفية. (وقد أشارت كلمة المكتب التنفيذي للفكرة)؛والمعروف للجميع عدم قدرة بعض الأحزاب على استيعاب المعنى الكدشي، مادفع الشهيد عبد السلام المودن ليعنون مقالة
له(بين ماض بائد ومستقبل مشرق)منها :
“هذا النهوض السياسي التاريخي، يمكنه أن يتطور وينمو الى أن يحقق أهدافه، كما يمكنه أن يرتد ويتلاشى ويجهض. في رأيي، هناك نظريتان سياسيتان، يمكنهما أن تقودا الى الارتداد والتراجع
* النظرة الماضوية، من طبيعتها أنها تقرأ ميزان القوى بعين الماضي(…)وهي لذلك لا تدرك التحول النوعي الحاصل فيه.(…) وسلاحها هو الواقعية الزائفة والتبرير .
* النظرة المتدبدبة، ومن طبيعتها أنها في البداية تتموقع في الموقع الصائب وتتبنى المواقف السياسية السديدة وتنخرط في النضال بهمة وحماس واندفاع الا أن مواقفها غير راسخة ، وغير نهائية، وبالتالي هي قابلة للتقلب والتذبذب” (جريدة أنوال عدد 836).
إن النظرة الثاقبة التي قرأ بها عبد السلام المودن المواقف المكبلة “للمعنى” الكدشي وللنضال النقابي المرتبط بهموم الشعب،ومن طرف الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية،الذي شكل -آنذاك-سقفاً سياسياً للكدش، هو”التكبيل” الحاضر المطل برإسه في الظرفية الراهنة،وقد عرف النضال الشعبي تطوراً نوعياً،تقول الدكتوره نبيلة منيب:”ما أحوجنا اليوم لتطوير المعنى النضالي خصوصا وأن النضال الشعبي وفي مقدمته الحراك الشعبي بالريف،قد بلور درسا حقيقيا لطريق التغيير، وقيادته لازالت تقبع في السجون إلى جانب المعتقلين السياسيين وصحافيين ومدونين.ودرس الريف لم يستوعب بعد. “.
عطقاً على ماسبق…
يتضح أن المفاهيم، باعتبارها آليات للتفكيك والتشريح،هي،جانب من الجوانب المفسرة لاختلاف الرؤى داخل “فيدرالية اليسار الديمقراطي “؛لنتأمل التناقضات المفاهيمية التي برزت بوضوح بين الحزب الإشتراكي ألموحد من جهة،والمؤتمر والطليعة من جهة ثانية، ويمكن إجمالها كمايلي:
1-لايمكن التفكير بمنطق الأقواس(فتح القوس وإغلاق القوس) في وصف سلوك الدولة،
بل،باستراتيجية النضال الشعبي الديموقراطي السلمي الحضاري، كاختيار لمواجهة إختيار الطبقة السائدة.
2-تبنى مضمون العدالة الإجتماعية والجهوية والمناطقية وإحداث القطيعةالبانية مع المطلحات المضببة.
3-الإنفتاح السياسي التأسيسي لتكريس التعدد والإختلاف داخل الحقلين السياسي والإجتماعي،وبالقطيعة مع ثقافة المناشدة والتوسل بشعار الإنفراج أوالإنفجار.
4- تجاوز الإصلاحات الترقيعية من موقع الإعتدال كما روج لها ؛والدغوة لتعاقد جديد وشامل ومن موقع يساري،بين الدولة والمجتمع،يحدد وطن الغد.
5-الدعوة لإحداث القطائع مع الماضي،وبنقد وقراءة راديكالية لتجربة الحركة الوطنية و التقدمية واليسارية المغربية.
6-الدعوة الواضحة والمبدئية لحرية معتقلي الحراك الشعبي بالريف وكل المعتقلين السياسيين والصحافيين والمدونين،وفتح ورش المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة.
#ماسبق باعتماد بيان المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد لدورته الثامنة،والذي شرحته وبوضوح الأمينة العامة للحزب الرفيقة نبيلة منيب في الحوار مع قناة Rifision. TV
وفي سياق موضوع:
اليسار ومعنى ما يجري، أعيد نشر بمقالةللشهيد عبد السلام المودن،والتي عنونها:”في الحاجة لتغيير الروح”
[….] نعم اننا نعيش جميعا، في هذا الزمن الفوضوي حالة من الوعي الشقي. وشقاء وعينا يكمن، من جهة، في كون الحياة قد هزت قناعاتنا الفلسفية القديمة، وشككت في التصورات النظرية، التي طالما حملناها، عن الكون والتاريخ. ويكمن من جهة أخرى في استمرار تعلقنا بها، والخوف من القطيعة معها، نظرا لقوة وضغط العادة المترسخة فينا … هذا التمزق الفكري، بين النزوع الثوري نحو وعي فلسفي جديد، لم يترسخ بعد، والنزوع المحافظ نحو الوعي الفلسفي القديم، الذي لم يستسلم بعد، هو الوعي الشقي. الوعي الشقي، اذن، هي الحالة التي يمر منها بالضرورة كل مناضل، وكل مثقف، يستنفره هوس التساؤل النقدي، والذي يدفع بتفكيره الى أقصى درجات توتره المنطقي، وليس المناضل المتشبت بقناعات راسخة مزعومة …
أمام هذا التمزق الدرامي … ما العمل؟
التاريخ أعطانا نوعين من المواقف النموذجية :
الموقف الأول : موقف هيجل
لقد مات هيجل وهو يحمل معه الى قبره، وعيه الشقي، الذي لم يستطع أن يتحرر منه. ولهذا السبب نرى هيجل، في بعض كتبه، يدافع عن أطروحات ثورية تماما، و في كتب أخرى، يدافع عن أطروحات مناقضة تماما، ومحافظة تماما. هيجل هذا، المتناقض مع ذاته، المتردد، الوسطي في تفكيره، العاجز عن الحسم بشكل جذري … لسنا في حاجة اليه
الموقف الثاني : موقف القائد العسكري المغربي الكبير طارق بن زياد
لما ذهب طارق بن زياد لفتح لفتح الأندلس، اتخذ قرارا ثوريا حاسما : احراق سفن جنوده، لجعل كل تفكير يغري بالتراجع الى الوراء، يصبح أمرا مستحيلا …
ما أحوجنا اليوم الى درس طارق : احراق كل مفاهيمنا الفلسفية القديمة، لجعل التقدم نحو بلورة وعي فلسفي مادي جدلي جديد، أمرا ضرورياِ..”.
فكل الأطراف إذن مطالبة بتغيير روحها،إن أرادت تغيير حال الدولة والمجتمع.
أختم هذا الجزء الدي خصصته لمركزية، “المعنى”بطرح الأسئلة التأسيسية التي طرحها الحراك الشعبي المغربي وبمختلف دينامياته، السؤال التالي: كيف يمكن لحراك مناطقي وفئوي وقطاعي ومحلي، أن يكون أساس إستراتيجية وطنية لنهوض وطني ديموقراطي مواطن؟ تكون في صلبه مقولة “الوطنية” بحمولة جديدةوبعقليةجامعة؟
وهل يمكننا السؤال الآنف من تلمس طريق الجواب على سؤال ماسماه الرمز محمد بنسعيد أيت إيدر “بالفرص الضائعة”؟.
وهل مستقبل التغيير مرتبط بتجديد الخطاب السياسي ام بتجديد أسس الممارسة السياسية ؟