مجتمع

ملاحظات شبكة “تَقَاطُع” حول الاتفاق الاجتماعي الموقع في 30 أبريل 2022

طيلة الفترة الممتدة بين 24 فبراير و30 أبريل 2022، جرت جولة جديدة من الحوار الاجتماعي بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا وممثلي الباطرونا. وبالنظر للظروف الاستثنائية الراهنة المتميزة بالآثار الوخيمة لجائحة كوفيد19 على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد وتفاقم البطالة وتدهور القدرة الشرائية للمأجورين ولعموم الكادحين من جراء الارتفاع الرهيب لأسعار المواد والخدمات الأساسية، فقد علقت الشغيلة آمالا كبيرة على نتائج هذا الحوار لتحسين أوضاعها وتلبية مطالبها العالقة منذ سنوات. كما تتبعت شبكة “تَقَاطُع” للحقوق الشغلية مختلف مراحل الحوار الاجتماعي وحللت محتوى الاتفاق الصادر عنه والمؤرخ في 30 أبريل 2022، وسجلت بشأنه الملاحظات التالية:

  • إن الاتفاق المذكور لم يستجب لأغلب المطالب التي رفعتها المركزيات النقابية المشاركة في الحوار الاجتماعي، والمتعلقة بتحسين القدرة الشرائية عبر زيادة ملموسة في الأجور والمعاشات واحترام الحريات النقابية مع إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي والمصادقة على الاتفاقيات الدولية للشغل ودعم جهاز تفتيش الشغل وتنفيذ ما تبقى من الاتفاقات السابقة…
  • إن أجواء التذمر والخيبة التي خيمت على مختلف مواقع الإنتاج والإدارات والمؤسسات العمومية، بعد توقيع محضر 30 أبريل 2022، نابعة من إحساس أغلب أجراء القطاعين العام والخاص بكونهم خارج هذا الاتفاق الذي تجاهل مطالبهم الأساسية برفع الأجور والترقية والحماية الاجتماعية وتحسين شروط العمل…
  • تعرض محضر الاتفاق للحشو والإطناب (14 صفحة!)، حيث تم شحنه بإجراءات جد ثانوية لن يكون لها وقع كبير على أوضاع الشغيلة، وقد جرت العادة أن تصدر الحكومة في شأنها قرارات وزارية أو مراسيم دون أن تكون موضوعا لتفاوض مع النقابات. مثلا: إقرار رخصة الأبوة مدتها 15 يوما لن يستفيد منها الأجير سوى مرة أو مرتين في الحياة بالنظر لانخفاض الخصوبة وتقلص حجم الأسر، وكذا زيادة 64 درهما في الشهر في التعويضات العائلية بالنسبة للأبناء الرابع والخامس والسادس لن تهم سوى نسبة قليلة جدا من المأجورين. فكم يمثل المأجورون الذين لهم 4 أو 5 أو 6 أبناء؟ إنهم يمثلون،على التوالي، في القطاع الخاص: (13.9% و9.4% و6.4%) وفي القطاع العام: (11.1% و5.5% و3.3%).
  • رغم التنصيص في مقدمة الاتفاق على أن مسألة التشغيل ضمن الملفات الاجتماعية المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي فإن الاتفاق الأخير لم يشر إلى أية إجراءات فعلية لمحاربة البطالة الجماهيرية وخصوصا وسط الشباب وحاملي الشواهد.
  • مجموعة من المطالب النقابية أحيلت في نص الاتفاق على “مفاوضات” لاحقة غير مضمونة النتائج (مثلا: الزيادة العامة في أجور القطاع العام)، أو أجلت إلى مواعيد بعيدة دون تحديد طريقة تنفيذها (مثلا: توحيد الحد الأدنى للأجور).
  • إن الزيادة الهزيلة المعلنة في الحد الأدنى للأجور لا تراعي مستوى التضخم المتراكم منذ سنوات والغلاء الفاحش المسجل في الفترة الأخيرة في أسعار المواد والخدمات الأساسية. لذا كان يجب التنصيص على إعادة إقرار السلم المتحرك للأجور والأسعار ومراجعة الأجور سنويا وفقا لمؤشر الأسعار عند الاستهلاك.
  • مجموعة من الالتزامات الواردة في الاتفاق الجديد هي في الحقيقة التزامات قديمة وردت في اتفاقات سابقة ولم تنفذها الحكومة والباطرونا. والأفظع من ذلك أن توحيد الحد الأدنى للأجور الذي كان يفترض تحقيقه في أفق 2013 بمقتضى اتفاق 26 أبريل 2011، أعيد إدراجه في الاتفاق الجديد مع إرجاء تحقيقه إلى سنة 2028. أي أن فترة الانتظار التي حددت في 3 سنوات ابتداء من 2011 تم تمديدها إلى 18 سنة (2011-2028).
  • بعض النقاط الإيجابية الواردة في هذا الاتفاق يلفها الغموض من حيث أجرأتها في المستقبل. مثلا: بأية نسبة سنوية سيتم تحقيق توحيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص في أفق 2028؟ ما هي نسب وأشطر الضريبة على الدخل المقترحة في قانون المالية 2023؟ كيف سيتم إلزام 100 مقاولة سنويا بإبرام اتفاقيات جماعية للشغل؟ ما هي نسبة ومبلغ معاش الشيخوخة عند تخفيض شرط الاستفادة من 3240 إلى 1320 يوم اشتراك؟…
  • إن تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 إلى 1320 يوم اشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يبدو إيجابيا، لولا أنه يخفي جوهر المشكل المطروح منذ سنين والمتمثل في كون آلاف العاملات والعمال يفاجأون عند بلوغهم سن التقاعد بعدم توفرهم على شرط الاستفادة (3240 يوما). وهنا تطرح مسؤولية أجهزة تفتيش الشغل ومصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فضلا عن القضاء. وكان الأجدر إيجاد صيغة لتمكين هؤلاء العمال والعاملات من معاش يحفظ كرامتهم بدل إلزامهم بالعمل لسنوات إضافية أو سحب مبلغ الاشتراكات الهزيلة.
  • الصيغة المعتمدة في فقرة “إصلاح أنظمة التقاعد” اعتمدت لغة العموميات دون طمأنة المأجورين حول الحفاظ على مكاسب التقاعد. ويخشى أن اعتماد الغموض في هذه الفقرة يهدف إلى استفراد الحكومة بتأويل “الإصلاح” على أنه مزيد من تمديد سنوات العمل والرفع من الاقتطاعات وتخفيض المعاشات…
  • بخصوص المؤسسات والمقاولات العمومية التي توجد فعليا خارج مراقبة الحكومة، لم يتم تحديد آليات أجرأة اتفاق 30 أبريل 2022 بالنسبة لمستخدميها، سواء فيما يتعلق بالأجر الأدنى أو إحداث درجة جديدة أو ما يهم التفاوض مع النقابات القطاعية وإبرام اتفاقات جماعية للشغل…
  • الاتفاق الحالي تجاهل أيضا العديد من المطالب والملفات القطاعية والفئوية وضمنها ملف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وعددهم 102.000 والذين يستبعد تلبية مطلبهم الأساسي في إطار “الحوار القطاعي”. هذا المطلب المتمثل في الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية كخطوة لإلغاء التعاقد في الوظيفة العمومية أي إلغاء الفصل 6 مكرر الذي أضيف للقانون الأساسي للوظيفة العمومية بتاريخ 18 فبراير 2011.
  • بصدد المحور المعنون ب “استكمال الترسانة القانونية لتشريعات العمل وملاءمتها مع سوق الشغل الوطنية والدولية”:

بالنظر للظروف الراهنة المتميزة بتشديد الاستغلال وتدهور ظروف العمل، كانت الشغيلة المغربية تنتظر ملائمة التشريعات المحلية مع معايير الشغل الدولية بدء بضمان الحريات النقابية وإقرار أجر عادل يضمن الكرامة للعامل ولأسرته وحماية صحة وسلامة العاملات والعمال ضد الأخطار المهنية وضد انتشار الأوبئة والحفاظ على الاستقرار المهني وتشديد الإجراءات العقابية ضد المشغلين المنتهكين لقانون الشغل. والحال أن مشاريع القوانين المشار إليها في المحور السادس من هذا الاتفاق تنذر بأن المقصود ب”الملائمة مع سوق الشغل” هو تكريس هشاشة الشغل وإضفاء الشرعية القانونية على الانتهاكات العديدة لحقوق العاملات والعمال فضلا عن التضييق القانوني على الحريات النقابية وعلى حق الإضراب.

إن الهدف من تعديل مدونة الشغل هو الإجهاز على بعض الضمانات القانونية التي تضمن استقرار العمل وحرية ممارسة العمل النقابي. ونخشى أن تكون المواد التالية مستهدفة: المادة 16 التي تقيد العمل بالعقدة المحدودة المدة، والمواد 66 إلى 71 التي تقيد التسريح الجماعي للعمال وإغلاق المقاولات، والمادة 496 التي تحدد حالات تشغيل عمال من طرف “مقاولات التشغيل المؤقت” للقيام ب”أشغال غير دائمة”، والمادة 414 التي تلزم السلطة بتسليم وصل الإيداع فورا للنقابات عند تأسيسها أو تجديد مكاتبها النقابية، إلى غيرها من المواد المشابهة.

إن ملائمة قانون الشغل مع تحولات سوق الشغل بهذا المعنى، مطلب من مطالب الباطرونا التي تهدف إلى تكريس التراجعات الحالية العديدة على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة.

  • بخصوص “مراجعة منظومة التنقيط والتقييم”: يسود تخوف مشروع وسط الموظفين من أن التعديلات المقترحة من طرف الحكومة تستهدف بعض مكاسبهم وضمنها الحق في الترقية بالأقدمية.
  • بعض الالتزامات السابقة التي لم يتم تنفيذها من طرف الحكومات المتعاقبة اختفت تماما في الاتفاق الجديد. وهكذا لم يتم التنصيص، مثلا، على المصادقة على اتفاقية الشغل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي المنافي لحق الإضراب…،
  • ومن أغرب ما تضمنه اتفاق 30 أبريل 2022 الفقرة المعنونة ب “التزامات الاتحاد العام لمقاولات المغرب” والتي تنص في جوهرها على التزام الباطرونا بتطبيق الحد الأدنى للأجور (!) والتصريح بالعمال أدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (!)… والحال أن الأمر يتعلق هنا بمقتضيات قانونية تدخل في النظام العام وملزمة للجميع بقوة القانون وغير مشروطة بتوقيع هذا الالتزام ضمن بنود الاتفاق الاجتماعي.

إن وجود هذه الفقرة يفضح واقع الحال بالمغرب ويؤكد من جديد على إنكار قانون الشغل من طرف أغلب المشغلين، وذلك على الرغم من توسل مصالح وزارة الشغل لهم. فهل كان “لزاما” أن تؤكد الباطرونا “حسن نيتها” بالتوقيع على الالتزام بتنفيذ هذه المقتضيات القانونية (!)؟.

لجنة المتابعة

لشبكة “تقاطع” للحقوق الشغلية

06 ماي 2022

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى