وجهة نظر

أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(25):سلسلة السي محمد صلحيوي جديرة بالقراءة

يجب الاعتراف أن للمكتب السياسي (الاشتراكي الموحّد) مُنَظّره، اسمه محمد صلحيوي. بل للمكتب السياسي مثقفه العضوي. مثقف مناضل من الأوساط الشعبية التي ارتبطت باليسار ولم تنفصل عنه. بقيت ملاحظة واحدة وهي جدلية الانفصال والاتصال مع المحيط الاجتماعي القريب. هذا لا يمنع من تكرار حالة صاحبها مشهور عند الفرنسيين والذي قيل عنه أنه امتلك خمس نظريات في التربية ولكن أولاده الخمسة اعترضتهم ظروف كأنَّ أباهم لم تكن له يوما أية علاقة بالنظريات التربوية. تلك مشكلة أخرى لدى المثقف مع الفقر والاضطهاد والترحال والنفي (جان جاك روسو).

لقد اختار محمد صلحيوي أن يتبوأ موقع المكتب السياسي. ولمّا يتابع القارئ سلسلة مقالاته بصدد “اليسار الكائن واليسار الكامن” يستخلص القارئ ما يعبر به المغاربة عند كل استخلاص: “مشي خسارة”. لم يختر محمد صلحيوي الثقافة المؤسساتية عبر الدبلومات لكن اختار الثقافة العضوية التي يقتسمها مع أعضاء الهيئة الحزبية التي انتمى إليها ومع المحيط اليساري، وهو في ذلك، يدخل ضمن الأطر الذين يكتبون وهي خاصية الحداثة في كل مجتمع. فالفارق شاسع بين من ينقل تجربته الكفاحية عبر الكتابة وبين من لا يكتب حرفا واحدا وحياته زاخرة بالتضحيات.

إلى الآن يلخِّصُ صلحيوي حالة المغربي الملتزم داخل قطب اليسار، وحالة اليساري الذي زاوج بين حركيته وكتابة حصيلته ليُعَمِّمَ تجربة رفيقاته ورفاقه من خلال المكتوب بتوقيعه. طوبى له إذن. و”الله يكثّر من أمثاله” كما يأمل المغاربة.

هل يستشفُّ من الفقرتين السابقتين نزوعا سلبيا تجاه المناضل الكاتب في شخص محمد صلحيوي؟ أبدا، وما كان لسيف على الرقبة أن يلزم كاتب هذه السطور بكتابة هذه القراءة لو لم يكن مقتنعا بالأهمية القصوى لما كتبه محمد صلحيوي. نعم، ما كتبه محمد صلحيوي له أهمية قصوى من عدة زوايا:

من زاوية أنه يكتب عمق قناعاته وليس عند الطلب، ومن زاوية الهدف المتوخى، وهو هدف كفاحي بحث، ومن زاوية التوقيت الذي بذل الجهد المضني لتكون مقدماته وخلاصاته بالوضوح الكافي المتسلسل في حلقاته الست. فللمكتوب ما يكفي من الجديّة، وللمكتوب ما يكفي من الفائدة على صعيد الحزب الاشتراكي الموحد.

على مستوى التشخيص لا جدال مع محمد صلحيوي. فقد حصل على مكرمة كتابة ما جرى. ولا يمكن لأي قارئ إلا أن يشكره لأنه تحدث باسم الجميع فيما هو حاصل ومشترك. ولأن الحركية الدؤوبة التي ميّزت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب وجدت من يرصد الخطوات البسيطة في يوميتها، والجبَّارة في نضاليتها وتراكمها. ومعها كل اللواتي والذين فضلوا قطع المسافات الجغرافية وأوقات الاجتماعات وجهد التفكير ومفاوضات اللحظات التي كتبت فيها المواقف الرسمية للحزب الاشتراكي الموحد. فالحلقات الست تقرير مفصل يتكون من 15 ألف كلمة ونيف. ومن يقرأ بتمعن وأناة يستخلص أن محمد صلحيوي تحمّل عبء مراجعة وثائق الحزب الاشتراكي الموحد إبّان الانشقاق الأخير. ومع وثائق الحزب المذكورة أنصف مثقفين انتموا إلى حركة اليسار ومنهم من قضى في ظروف مأساوية وتم طي الملف منهم الراحل القائد المثقف العضوي الذي ما استكان يوما قبل الاعتقال وبعد الخروج من السجن (عبد السلام المودن الطيب الودود الصلب الشهم المتواضع) إلى أن رحل مبكرا.

موجبات التقدير لمحمد صلحيوي أن القارئ وهو يقرأ ما كتبه، يستحضر حكمة بنسعيدآيت يدر بصمته وصموده وحكمة القليل من تصريحاته. ذلك الجدار الذي أسند اليساريين بقدوته كلما استعصى عليهم الأمر في اللحظات الصعبة المريرة. يستحضر التعب الذي لم يهزم نبيلة منيب، والتي بوَّأهَا صبرُها الحديدي صفة الشخصية السياسية القائدة التي سجلها التاريخ في أرشيف ذاكرة المغاربة.

والقارئ يقرأ ما كتبه محمد صلحيوي يستحضر نموذج المغرب العميق، البعيد عن المثلث الذي تركته هندسة ليوطي ما بين طنجة وفاس/مكناس ومراكش/أكادير. من حول المركز الذي عززه الاستعمار منذ دخوله سنة 1912: محور الرباط الدار البيضاء. ولأنه يذكر المؤرخَيْنِ ابراهيم ياسين ومصطفى بوعزيز يستحضر مغرب سوس ومغرب فكيك.

نعم، ركز محمد صلحيوي على الريف العسكري القبلي المقاوم بداية القرن العشرين وعلى الريف المدني الشعبي المناضل بداية القرن الواحد والعشرين، وللقارئ أن يتساءل عن صلابة الوحدة الوطنية والمناعة التي توفرها المناطق الخارجة عن هندسة ليوطي، من سوس إلى الصحراء الشرقية (فكيك) إلى الريف بمقاومته وحراكه. تلك جدلية بناء الوحدة الترابية بترسيخ النضال الشعبي الذي يصنع مغرب المواطنين بدل مغرب الرعايا.

من الخلاصات الجيّدة لمحمد صلحيوي:

  • ضرورة تقريب بل ردم المسافة بين الذاكرتين المركزية والمناطقية، أو الرسمية والشعبية
  • ضرورة قراءة التدرج والتركيب الجدلي، من النضال من أجل الوحدة الترابية بدل وهم وحدة اليسار بداية السبعينات، إلى النضال من أجل الانصهار بين اختيارات اليسار والحراكات الشعبية في القرن 21،
  • ضرورة التمييز بين حركة 20 فبراير التي كانت من خلال الشباب نضالا بشعارات الطبقة الوسطى المتمثلة في الفئة الرخوة الشجاعة المعطاءة مع ما نتج عنه من خروج سكة النضال الجماهيري الرائع عن نضج امتلاك الوعي باللحظة المؤسساتية بصدد الدستور والانتخابات التشريعية. وبين الحراك الشعبي في الريف الذي تميّز بثلاث مواصفات (الاستقلالية/البرنامج/القيادة) والذي صاغ برنامجا فوق طبقي. مفيد للشعب والوطن والتاريخ باستدراكاته الحيوية.

هل للحديث بقية؟ طبعا، فخصوبة رحم الاشتراكي الموحد في أعلى درجاتها كونه يهيء لمؤتمره الخامس في وضع أفضل لكن المهام أصعب.

لذا، نستحضر كلام أحمد فؤاد نجم وصوت الشيخ إمام

مر الكلام زيّ الحسام

يقطع مكان ما يمر

أما المديح سهل ومريح

يخدع لكن بيضر

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى