حوارات

عبد الرزاق بن شريج : مشاورات المنظومة التربوية والآفاق المسدودة

حوار عبد الرزاق بن شريج بجريدة الاحداث المغربية عدد الخميس 6/7/2022

س= انطلقت مؤخرا المشاورات الوطنية من أجل تجويد المدرسة العمومية ماهي آفاق هذه المشاورات؟
ج= ما أصبح بديهيا وراسخا عندي بعد أكثر من 40 سنة من الاشتغال بقطاع التربية والتعليم، أن الآفاق مسدودة، والنتائج معروفة مسبقا، والتاريخ يعيد نفسه في كل ما يسمى بالإصلاحات التربوية، وهذه المشاورات برنامج استعجالي بصيغة جديدة مآلها كسابقاتها من البرامج.

س= ألهذه الدرجة أنت متشائم؟
ج= هذا ليس تشاؤما، لنكن واقعيين، هذه حقائق موثقة ويعلمها كل مهتم وتشهد بها كل المؤسسات المعنية، فقراءة بسيطة لتاريخ الإصلاحات التربوية بالمغرب منذ 1958 إلى الآن تعطيك صورة واضحة على أن واقع المنظومة التربوية يشبه قصة «سروال علي” من ضمن قصص كتاب القراءة للمستوى 3 ابتدائي في سلسلة “اقرأ” من إبداع الكاتب المرحوم “أحمد بوكماخ”، في فترة السبعينات، إذ تحكي القصة عن طفل اسمه “علي” اشترى له أبوه سروالا ولما لبسه اكتشف بأنه طويل – بمقدار شبر- عن قدميه، فطلب من أمه ثم من أخته ثم من جدته أن يقمن بقص السروال بمقدار الشبر وخياطته، فاعتذرت كل النسوة الثلاث عن القيام بالمهمة بحجة أنهن مشغولات، لكن لما جاء الليل، تذكرت الأم طلب ولدها فقامت في لحظتها فقصرت السروال بمقدار شبر وخاطته، ثم تذكرت الأخت أيضا رجاء أخيها وقامت من نومها وفعلت نفس الشيء وبعد ذلك، عند الفجر كان دور الجدة قد حان إذ استيقظت من نومها لتلبي طلب حفيدها، وعند الصباح لبس “علي” السروال للذهاب إلى المدرسة فوجده قصيرا جدا، وغير قابل للاستعمال نهائيا، و هكذا ببلادنا فالمنظومة التربوية تخضع لأهواء ورغبات وتمثلات المسؤولين، كل مسؤول يقص منها ما لا يحب؛

س= ماهي في نظركم الحاجة التي دعت إلى إطلاق هذه المشاورات؟
ج= إذا علمنا أن هذه المشاورات حسب تصريحات المسؤولين وحسب الوثائق المروجة لهذه العملية تروم تجويد المدرسة وأنها في تأتي إطار تنزيل ما يسمونه بمشروع الإصلاح المرتكز على «الرؤية الاستراتيجية 2015/2030″ والقانون الإطار 51/17 والنموذج التنموي الجديد، وإذا علمنا كذلك أنه مر على بداية ما تسميه الوزارة “الرؤية الاستراتيجية 2015/2030” 7 سنوات أي نصف المدة المقررة للتنفيذ والتنزيل، فالمنطقي والعلمي أن نكون في مرحلة التقييم وليس مرحلة البحث عن طريق جديدة للتنزيل، وبذلك فالمشاورات إما عبثية صورية ومضيعة للوقت والجهد والمال، أو إن الوزارة اكتشفت فشل انطلاق مشروع الإصلاح بناء على تقارير سرية داخلية أو خارجية وأرادت القيام ببرنامج استعجالي جديد دون الإفصاح عنه، والتوقع الأخير هو الأقرب للصواب خاصة أن هذه المشاورات يسميها الوزير بنموسى بخريطة الطريق 2022/2026، ومن المعلوم أن فكرة البرنامج الاستعجالي جاءت لتصحيح أو تسريع ما لم ينزل من الميثاق الوطني في3 السنوات الثلاث المتبقية من عمره.

س= ماهي أهمية هذه المشاورات خاصة وأن التشخيص معروف في كل تفاصيله من خلال الدراسات التقويمية والتقارير المنجزة في هذا الإطار؟
ج= حسب جواب وزير التربية الوطنية بنموسى عن سؤال شفوي حول “المشاورات الجديدة لإصلاح المدرسة المغربية” في جلسة من الجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، فالغرض هو إشراك كافة الفاعلين في صياغة وتنفيذ خارطة الطريق 2022-2026 التي تعتبر جوهر هذه المشاورات الوطنية. لأن إصلاح المدرسة العمومية شأن يخص المجتمع المغربي بكل مكوناته، إلا أن المتتبع لأجوبة السيد الوزير يلاحظ العديد من التناقضات فبعد اعتبارها إشراكا في الصياغة، يعود في سياق جوابه ليؤكد أن هذه المشاورات الوطنية، لا تنصب على تشخيص واقع المنظومة التعليمية، لأن هذا الأخير معلوم في مجمل تفاصيله من خلال مختلف الدراسات التقويمية المنجزة، وعبر مختلف آليات الإنصات واللقاءات التواصلية مع المواطنات والمواطنين، بما فيها تلك التي تمت في إطار صياغة النموذج التنموي الجديد، بل تم استثمار خلاصات مختلف عمليات التشخيص في صياغة مشروع خارطة الطريق التي تعقد حولها هاته المشاورات، والتي تستشرف المستقبل، برسم الفترة 2022- 2026، بأولويات وأهداف استراتيجية محددة، وبالإضافة إلى التناقض في التبرير فالتسريبات و الميدان يقولان عكس ما صرح به السيد الوزير، وهو ما يؤكد واقعيا أن هذه المشاورات جاءت لقص جزء أو إضافة رقع في “سروال علي” حسب القصة.

س= ولكن السيد الوزير يصرح بأن الهدف هو إِعمال الذكاء الجماعي في إغناء مشروع خارطة الطريق، وتعزيزها بمقترحات نابعة من الميدان، أليس كذلك؟
ج= أعتبر ذلك مجرد كلام قيل له من طرف الرباعي المركزي، الذي يتحكم في دواليب العملية واستطاع إقناعه بقدرته على بناء قاعدة بيانات ومعطيات جديدة من الميدان، ولكن ما لم يستوعبه السيد الوزير بنموسى أن من أفشل المنظومة وشارك بل خطط ودبر ونفذ مشاريع الإصلاح منذ أزيد من 12 سنة لن يبدع إلا في إفشالها وقتلها من جديد، وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟
أعتقد أن آخر موظف بوزارة التربية الوطنية يعلم جيدا وبقناعة تامة أن نتائج المشاورات وتقاريرها أعدت قبل البدء فيها، ويكفي أن تقومي بجولة في أقصى القرى أو أقرب المؤسسات لمقر الوزارة لتعلمي أن العملية شكلية وأن النتائج التي يسعى إليها الرباعي لإقناع الوزير وغيره جاهزة ومعدة سلفا و الأمر لا يغذو أن يكون مجرد مسرحية للاستهلاك الإعلامي لا أقل و لا أكثر.
لقد صرح بنموسى أن من بين الأهداف التي تسعى الوزارة إلى تحقيقها هي خلق نقاش مؤسساتي مفتوح مع مختلف الفاعلين والمتدخلين، حول أولويات الإصلاح خلال السنوات الخمس المقبلة، وضمان تملك مضامين مشروع خارطة الطريق من طرف الجميع، إلى جانب حفز الفاعلين الأساسين والشركاء على كافة مستويات المنظومة، على الانخراط الفعال وعلى الالتزام، كل حسب مسؤولياته، في تفعيل خارطة الطريق، وتناسى أن مضامين استمارات المشاورات فارغة بل ترجمة مشوهة من مصادر أجنبية، و قد استعملت فيها كلمات لا تستعمل ضمن الجهاز المفاهيمي للنظم التربوية، بالإضافة إلى الأخطاء الإملائية والتركيبية، فكيف نثق في وثائق مليئة بالأخطاء أنها ستصلح المنظومة؟
وأما الاعتماد على نفس الوجوه المثقل تاريخها التدبيري بالخيبات والفشل فلن يزيد نساء ورجال التعليم سوى اليأس وانعدام الثقة و النفور في كل شيء.

س= ما مآل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي يروم تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية التي لازالت تنتظر التفعيل؟
ج= لو تحدثنا عن الرؤية الاستراتيجية بناء على تجربتنا وما عايناه وعشناه في الميدان، لاتهمنا بالعدمية وتبخيس المجهودات التي تقوم بها الوزارة، ولكن اليوم يؤكد كل المهتمين والباحثين ومؤسسات الدولة المتخصصة في التقييم أن التصور الموجود على الأوراق في واد والواقع في واد ثان، ويمكن الرجوع لتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين في هذا الشأن، وتقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر مؤخرا سنة 2022، فالتقارير واضحة وتؤكد أن مشروع الرؤية يعرف ما عرفه سابقوه من المشاريع الإصلاحية

س= يفهم من كلامك أن الوقت حان لإنجاز تقييم حقيقي لأوراش الاصلاح المهيكلة لمنظومة التربية والتكوين؟
ج= صحيح، نحن اليوم في مرحلة التقييم وليس البحث من جديد على حلول بالطرق نفسها والمنهجيات والوجوه ذاتها، البحث عن الحلول يأتي بناء على نتائج تقييم علمي وعملي من الميدان، وبتقارير حقيقية، والابتعاد عن التقارير الجاهزة والتي تروق الرباعي المركزي الجاثم على صدور نساء ورجال التعليم، بنفس المنهجية والعقلية والتكتيك المائع، فلكل مشروع مراحل، والخطوة التي يجب القيام بها اليوم هي تقييم السبع سنوات الماضية، لتليها مرحلة التعديل والتطوير والاستدراك والتدقيق، أو ما يسمى بالتقييم المرحلي.
عبد الرزاق بن شريج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى