وجهة نظر

أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(29):كفى من الديمقراطية المعلبة !

عندما حلت الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية الجزئية في الحسيمة ومكناس، لاحظنا انشغال الناس بالصيف بعيدا عن هموم الريف وشباب الريف المعتقلين. أما أقرب المرشحين إلى قلوبنا، فانشغلوا في حملتهم بصوت الناخبين في الصندوق، ونسوا أن الصندوق يصبح محج الناس إذا اهتمت الأحزاب والدولة بهموم الناس، وبأصواتهم يوم كانت صادحة تدعو إلى مناعة سياسية وتنموية حقيقية في التظاهرات السلمية.

في المقابل، أظهر الطعن في بعض نتائج الانتخابات علة بموجبها ترتبك السلطات المختلفة بصدد حيثية “المرسوم بقانون” المنظم لحالة الطوارئ الصحية.

فالمرسوم بقانون المنشور بالجريدة الرسمية يذكر بصريح العبارة أن تطبيق حالة الطوارئ الصحية لا يجب أن يعرقل سير المرفق العام في الإدارة والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية (المادة الثالثة)

بينما تطاولت رئاسة البرلمان على تراتبية القوانين والمؤسسات، فضربت رئاسة مجلس النواب عرض الحائط بمبدأ الحصانة البرلمانية في حق نبيلة منيب، بل وبحق نبيلة منيب في المهمة الرقابية للبرلمان ( بصفتها عضوا في مجلس النواب) على عمل الحكومة بصدد قانونية الاجراءات المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية. ولأن برلمانات العالم كلها أثارت تجاوزات السلطة التنفيذية بصدد الحريات والنشاط الاقتصادي، فقد عمدت رئاسة البرلمان على إسكات الصوت المعارض للحكومة وللأغلبية البرلمانية.

ولأن السابقة الخارجة عن القانون صدرت من رئاسة البرلمان، ولأن موقف النائبة البرلمانية نبيلة منيب من ظروف الجائحة، ضمن سياق جيوستراتيجي يطبعه الصراع حول أقطاب النظام العالمي ومقتضيات انتقاله من القطب الواحد الى تعدد الاقطاب، فقد مارست السلطات الضغط على النائبة المعارضة، فقد استند بعض الطاعنين في بعض نتائج الانتخابات التشريعية على مدى التزام خصومهم المرشحين بحالة الطوارئ الصحية.

ويظهر أن المحكمة الدستورية لم تر سند الطعن المرتبط بحالة الطوارئ الصحية كافيا لإلغاء بعض نتائج الانتخابات العامة في وقت سابق، إلا أنها رأت عكس ذلك فيما بعد بصدد دائرة الحسيمة. وكان ذلك، بصدد نائب من حزب رئيس البرلمان نفسه ونائب من الحركة الشعبية (وزير الثقافة السابق).

بحيث ذكر عضو بالكتابة الاقليمية للاتحاد بالحسيمة أن مهام الأحزاب “تأطير المواطنين وليس خرق القوانين وحالة الطوارئ الصحية” (جريدة الاتحاد يوم الإثنين 18 يوليوز). في حين ذكّر من جهته أستاذ القانون عبد الرحيم العلام أن الصيغة التي وردت في قرار المحكمة الدستورية صيغة مخالفة للقانون كونها ذكرت تنظيم انتخابات “جديدة” بينما يقر القانون المغربي صيغة انتخابات عامة وانتخابات جزئية. ولا يوجد منطوق قانون يذكر “انتخابات جديدة”. كما أورد تناقضا سجّله على قرارين من نفس المحكمة العليا حيث سبق رفض الطعن المستند على “خرق الطوارئ الصحية”.

هذا التدحرج المؤسساتي في التناقضات، سقوط في الفخ السياسي الذي أُريد أن تكون نبيلة منيب ضحيته، فأصبح تراتب القوانين هو الضحية الأولى. ولما سكتت الجهات المعنية بإنقاذ الموقف سقطت في نفس التناقض.

علما أن انعزالية رئاسة البرلمان، ظهرت لمَّا لم تطبق وزارة الداخلية تحريك الدعوى العمومية في حق نبيلة منيب كون المادة 4 تقضي بعقوبات وغرامات في حق من يُعتبر خارقا لحالة الطوارئ الصحية. كما أن القضاء بقي على مسافة حياد سلبي في حالة نبيلة منيب وهو شريك للداخلية بصدد السهر على تطبيق القانون. مما عنى أن رئاسة لم تمارس أقل من كيد سياسي ضد نائبة معارضة، وبالنتيجة ساهمت في تعكير تراتبية القوانين وعرقلة حق الرقابة على السلطة التنفيذية.

في حين سيأتي الوقت لمحاسبة تلكؤ رئاسة البرلمان في الاجتهاد للتنظيم الأمثل لعمل مجلس النواب للأعضاء غير المصابين بمرض كورونا بحجة مختبرية أنجزها مهنيون محلفون يمارسون مهنة الاختبار الطبي بصفة قانونية.

لقد تناسل هذا الجدل الطبي بناء على الاستقواء بموقع الرئاسة وليس بموجب الحيثيات المفروض تأكيد محاولة دخول نائب وهو مصاب إلى قاعة البرلمان. فلقد ضربت رئاسة البرلمان عرض الحائط بمهنة الفحص المختبري الطبي. وهي مهنة ثابتة ومستمرة وحيوية في تطويق الجائحة.

وكان، للسلوك الذي مارسته رئاسة البرلمان طعن للثقة التي وضعتها الدولة في نبيلة منيب يوم حمّلتها مسؤولية رئاسة الوفد المغربي للدفاع عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة في السويد. ولأن نبيلة كانت قد قامت رفقة الوفد المغربي بمرافعة ناجحة لفائدة المغرب أرضا وشعبا ودولة، فقد جنت على نفسها براقش، رئاسة مجلس النواب.

وظهر أن سلوك الراحل ادريس البصري الذي كان يؤذي المغاربة بالانتقام والكيد السياسي انتقلت عدواه الى رئاسة مجلس النواب. فبدأ تبخيس دور مجلس النواب من خلال المس بمهام أعضائه، بحيثيات قانونية، نفسها تحذر من عرقلة المرفق العام، بالأحرى عرقلة عمل البرلمان من خلال عرقلة نائبة من بين نواب الشعب المغربي.

الخلاصة: ما بين انتخابات 8 شتنبر 2021 العامة، وانتخابات 21 يوليوز الجزئية وليس الجديدة، كان على بعض المحامين الذين دخلوا لعبة “حالة الطوارئ الصحية”، والتي تتطلب جدية أكبر، أن يتذكروا الربح الذي حاز عليه المغرب ما بعد انتخابات 8 شتنبر 2021، فيعملوا على تلطيف الأجواء الداخلية، ويرافعوا من أجل إجراء الانتخابات الجزئية في الحسيمة، بما يثلج صدر الناخبين. فتلتمس الأحزاب المرشحة إصدار قرار عفو عام على من تبقى في السجن من شباب الحراك.

حتى يظهر المغرب قادرا على احتضان أصوات أهلنا في الريف، في صندوق الاقتراع وأيضا في المظاهرات السلمية طيلة شتاء وربيع 2017. والديمقراطية قوية باحتضان الأصوات السلمية كلها، في الصندوق وفي الشارع. أما قبول أصوات الشعب في الصندوق فقط، فتلك ديمقراطية معلبة وبمواد حافظة مضرة.

ولأن اليمين الطبقي، يريد لها، ان تبقى كذلك، فحتى قيادة الاتحاد الاشتراكي التي ذهبت الى الحسيمة، ضمن الحملة الانتخابية، لم تستطع أن تسكت عن مظاهر الديمقراطية المعلبة تلك.

وقد سجّل مرشح الاتحاد الاشتراكي معطيين اثنين:

المعطى الأول المستوى العالي للوعي السياسي للناس في المداشر الريفية التي زارها خلال الأيام الأخيرة في حملته الانتخابية.

والمعطى الثاني المستوى المتردي في المداشر، في مظهرين: “غياب صارخ للبنيات التحتية الأساسية”، والمظهر الثاني “تدهور حاد في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية”. فاستخلص خلاصتين: “تعثر واضح في تنفيذ برنامج فك العزلة عن العالم القروي” و”سيادة بنية سياسية عاجزة عن مواكبة انتظارات الساكنة، مبنية على الزبونية ومنطق الولاءات”.

إننا نعيش فعليا نظام الحزب الوحيد. والديمقراطية المعلبة شكله الممل. والتضارب في القرارات علامات بؤسه.

انظروا من حولكم، يتحايل الرأسماليون الكبار على الأوضاع في شمال العالم، ثم لا يجدون عن الحرب بديلا لحسم صراع المصالح. وتصمت الشعوب دهرا ثم تأتي ساعة الحقيقة.

في كل قارات الجنوب: أمريكا اللاتينية (الشيلي)، في افريقيا (السودان)، وفي آسيا (سريلانكا).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى