وجهة نظر

جواب العدالة و التنمية أهو محاولة تطهير من رجس توقيع اتفاقية التطبيع ؟؟

ذ.جمال العسري

بلاغ … فبلاغ … ثم بلاغ … بين إعلان العودة للدستور العرفي … و الذيب حلال … الذيب حرام
“إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك، نصره الله، بحكم الدستور” … في فصل من فصول الدستور من فضلكم ؟؟؟
تؤكد الأمانة العامة بأن “السيد وزير الشؤون الخارجية، باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة، للنقد والمراقبة على أساس البرنامج الحكومي، الذي يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الحكومي في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.” … و أين كان هذا و رئيس الحكومة/الأمين العام للحزب … يوقع اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني …؟؟؟ نفاق … نفاق … نفاق …
أثار بلاغ الديوان الملكي … و جواب العدالة و التنمية ببلاغ ثاني … و لازال يثيران … و سيثيران … الكثير من النقاش و الردود … و أخرج و سيخرج الكثير من التحليلات … خاصة و أنه حمل أكثر من رسالة … لأكثر من عنوان … انطلاقا من الرسائل الدستورية … و وصولا إلى رسائل التطبيع … مرورا بحقل السياسة الداخلية …
المهم ما يهم خربشتي لنهار اليوم … هي الرسالة الدستورية … و التي جاءت واضحة جلية في النقطة الثانية من البلاغ … و التي قالت بالحرف “إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك، نصره الله، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.” …
كما جاءت واضحة في بلاغ الأمانة العامة للعدالة و التنمية و خاصة في الفقرة الرابعة التي قالت ” تؤكد الأمانة العامة أن ممارسات الحزب ومواقفه وبلاغاته مقيدة بما يخوله الدستور لأي حزب سياسي من كون الأحزاب تؤسس وتُمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، وفي إطار حرية الرأي والتعبير المكفولة بكل أشكالها بمقتضى الدستور، ومن منطلق القيام بالواجب الحزبي والوطني في احترام تام للمؤسسات الدستورية ومراعاة للمصالح الوطنية العليا، وتنفي نفيا قاطعا علاقة ذلك بأي أجندة حزبية داخلية أو انتخابية ولا بأي مغالطات أو مزايدات سياسوية أو أي ابتزاز.”
استرعتني كثيرا هذه الفقرة الثانية من بلاغ الديوان الملكي .. و استوقفتني أكثر عبارة ” إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك نصره الله ، بحكم الدستور ” …
كما استوقفتني مجموعة من عبارات بلاغ العدالة و التنمية المتحدثة عن دستورية ما أقدموا عليه من انتقاد لوزير الخارجية … من هذه العبارات مثلا ، قول البلاغ ” تنفي الأمانة العامة نفيا مطلقا كل ما يمكن أن يفهم من بلاغها المذكور أنه تدخل في الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك وأدواره الاستراتيجية… ” و عبارات ” تؤكد الأمانة العامة أن ممارسات الحزب ومواقفه وبلاغاته مقيدة بما يخوله الدستور لأي حزب سياسي من كون الأحزاب تؤسس وتُمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون…
و هنا تساءلت مع نفسي و أنا الذي قرأت الدستور عشرات المرات … و أعود لقراءته كل مرة وحين … هل فعلا يوجد هذا الأمر في الدستور المغربي ؟؟ كيف يمكن أن يكون فاتني هذا الأمر ؟؟ أيمكن أن يخطئ مستشارو الملك و موظفو الديوان الملكي في أمر كهذا … و هم على ما هم عليه من نباهة و فطنة ؟؟ و هل يمكن لزعماء العدالة و التنمية و هم الذين خبروا دواليب الحكومة بل كانوا على رأسها لأزيد من عقد من الزمن أن يفوتهم هذا الأمر ؟؟ أمر السياسة الخارجية و المسؤولية الدستورية عنها ؟؟ فقررت العودة لقراءة فصول الدستور علني أعثر على ضالتي و على أجوبة عن تساؤلاتي … و بقراءتي المتواضعة لم أجد أي ذكر لما قاله البلاغ ” أن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك بحكم الدستور ” …
فماذا يقول الدستور المغربي عن السياسة الخارجية ؟؟ و ما قوله عن الدور الذي يجب أن يلعبه رئيس الحكومة؟؟ بل و ماذا تقول القوانين المنظمة للسياسة الخارجية للدولة ؟؟ و ما موقع رئيس الحكومة في رسم معالم السياسة الخارجية ؟؟؟
تعالوا نرى ما يقوله الدستور المغربي عن السياسة الخارجية و عن دور وزير الخارجية … بل تعالوا لنرى حتى القوانين ماذا تقول :
أولا : هذا ما يقوله الدستور المغربي :
⁃ يقول الفصل 88 : ” بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين و يعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه و يجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني و بالأخص في ميادين السياسة …. الخارجية “
و هكذا فهذا الفصل يفرض على رئيس الحكومة أن يعرض برنامجه الذي يجب و أسطر على كلمة ” يجب ” بما تفرضه من صيغة الوجوب و الإلزام … يجب أن يتضمن ما تنوي الحكومة القيام به في ميدان السياسة الخارجية … و عليه فالسياسة الخارجية هي من مهام الحكومة و رئيسها … و تدخل ضمن البرنامج الحكومي المقدم أمام مجلسي البرلمان لتنال الحكومة ثقتهما
⁃ الفصل 89 : ” تمارس الحكومة السلطة التنفيذية .
تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي “
إذن و حسب هذا الفصل فالسيد وزير الخارجية يعمل تحت السلطةالمباشرة لرئيس الحكومة ، حيث لم يستثني هذا الفصل وزير الخارجية من وقوعه تحت سلطة رئيس الحكومة
⁃ الفصل 92 : ” يتداول مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة في القضايا و النصوص التالية :
• المعاهدات و الاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري “
و عليه فمن الصلاحيات الدستورية للحكومة التداول في الاتفاقيات و المعاهدات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك …
⁃ الفصل 93 : ” الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به و في إطار التضامن الحكومي .
يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة و يطلعون مجلس الحكومة على ذلك “
و عليه فوزير الخارجية مسؤول على تنفيذ السياسة الحكومية … و هو لا يقوم إلا بأداء المهمة التي أسندت له من قبل رئيس الحكومة و هذا حسب منطوق الدستور … فبوريطة إذن عليه دستوريا أن يطلع مجلس الحكومة على كل أنشطته بل و أكثر من ذلك عليه أداء المهام المستدة إليه من قبل رئيس الحكومة و ذلك حسب دستور 2011
هذا ما يقوله الدستور المغربي عن الحكومة و عن رئيسها .. و دوره في رسم السياسة الخارجية للوطن … و عن دور وزير الخارجية .. الذي لم يخصصه الدستور بأي استثناء أيا كان نوعه …
و مع ذلك بقي في نفسي شيء من حتى … و كثير من الشك … حيث قلت مع نفسي : إذا كان هذا ما قاله الدستور المغربي … أكيد ما تقوله القوانين المنظمة لوزارة الخارجية هو عكس ذلك … حتى و إن كان هذا القول مردود عليه لسمو الدستور على كل القوانين … و مع ذلك قلت ليس هناك ما يمنع من إلقاء نظرة على ما يقوله ” المرسوم 2.11.428 الصادر بتاريخ 6 شتنبر 2011 بشأن اختصاصات وزارة الشؤون الخارجية ” فماذا يقول هذا المرسوم ؟؟
ثانيا : المرسوم الخاص باختصاصات و تنظيم وزارة الشؤون الخارجية :
⁃ المادة 1 : ” تناط بوزارة الشؤون الخارجية و التعاون مهمة إعداد و تنفيذ سياسة الحكومة في الميادين التي تهم العلاقات الخارجية للمملكة المغربية “
إذن فهذه المادة تتماشى مع فصول الدستور المشار إليها أعلاه ، و تشير بوضوح إلى مهام وزارة الخارجية … أي تنفيذ سياسة الحكومة في الميادين التي تهم العلاقات الخارجية …
⁃ المادة 1 : تمضي المادة الأولى دائما في التنصيص على ” يعهد إلى وزارة الخارجية و التعاون بما يلي :
• الإشراف على المفاوضات المتعلقة بإبرام المعاهدات و الاتفاقيات و الاتفاقات و البروتوكولات و الوثائق القانونية الدولية الأخرى ذات الطابع السياسي و الديبلوماسي
• القيام ، ما عدا فيما يخص المعاهدات بالتوقيع بالأحرف الأولى على مختلف الاتفاقات المذكورة أو بإمضائها أو تجديدها أو فسخها باسم الحكومة أو التفويض التام إن اقتضى الحال ذلك من أجل التفاوض و التوقيع
• السهر على تنمية التعاون في الميادين الاقتصادية و التجارية و التقنية و المالية و الثقافية و الاجتماعية و توجيه العلاقات المرتبطة بهذه القطاعات توجيها مطابقا للسياسة الخارجية التي ترسمها الحكوم
• إطلاع الحكومة بانتظام على وضعية العلاقات الخارجية للمغرب و جميع الأعمال المنجزة في هذا الميدان “
و عليه و بناءا على بنود هذه المادة من المرسوم المذكور أعلاه نستنتج و نخلص إلى ما يلي :
⁃ أن وزارة الخارجية تنفذ سياسة الحكومة
⁃ أنها هي المشرفة على المفاوضات لابرام الاتفاقات و الاتفاقيات …
⁃ أن وزارة الخارجية توقع مختلف الاتفاقات باسم الحكومة …
⁃ أن وزارة توجه العلاقات … توجيها ” مطابقا للسياسة الخارجية التي ترسمها الحكومة ” …
⁃ تعمل وزارة الخارجية و بانتظام على اطلاع الحكومة على وضعية العلاقات الخارجية للمغرب ، و جميع الأعمال المنجزة في هذا الميدان … و
و الآن و بعد هذه الوقفة السريعة … و الملخصة على دور وزير الخارجية … و علاقته برئيس الحكومة … بل و علاقة الحكومة برمتها بالسياسة الخارجية … أليس من حقنا أن نتساءل و نحن نقرأ بلاغ الديوان الملكي هل أصبحنا و من جديد أمام دستورين : دستور مكتوب و دستور مسكوت عنه … دستور منطوق و دستور العرف … و أنه في ظل الضعف الذي تعيشه المعارضة … و تراجع الشارع … و انحسار التنظيمات الجماهيرية الشعبية بل و ضعفها البين ( النقابات – الاتحاد الوطني لطلبة المغرب … ) نعود رويدا رويدا … إلى ما قبل دستور 2011 .. و نعود لترسيم الدستور غير المكتوب … دستور العرف ؟؟؟
و أخيرا أليس من حقنا أن نقول لقادة حزب العدالة و التنمية كفاكم نفاقا و بهتانا … و كفاكم من تحليل ما يحرم و تحريم ما يحرم وقتما شئتم … و في السياق الذي تشاؤون … ألم تقولوا في بلاغكم أن ” وزير الشؤون الخارجية، باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة، للنقد والمراقبة على أساس البرنامج الحكومي، الذي يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الحكومي في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.” ؟؟ فلماذا تحاولون تبرئة أنفسكم من توقيع اتفاقيات التطبيع … و ما رافقها من اتفاقيات و معاهدات مشؤومة ؟؟ ألم تكونوا تعلمون و أنتم على رأس الحكومة أن السياسة الخارجية تخضع للبرنامج الحكومي ؟؟ و أن وزير الخارجية باعتباره عضوا في الحكومة يخضع كباقي زملائه في الحكومة للنقد بل و للمراقبة على أساس البرنامج الحكومي ؟؟ فهل كان التطبيع مع الكيان الصهيوني ضمن البرنامج الحكومي؟؟ فإن كان الأمر كذلك فالتطبيع كان ضمن برنامجكم … و إن كان الأمر غير ذلك فلماذا لم تمارسوا حقكم في النقد و المراقبة ؟؟ أم هي سياسة الذيب حلال … الذيب حرام … ؟؟؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى