العلمي الحروني :الوضع الاجتماعي بالمغرب والأجوبة المطلوبة *
بداية، أثمن هذا اللقاء الذي يجمع حصرا مكونات يسارية وديمقراطية ، سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية.. .. هذا اللقاء الذي يصادف الذكرى 52 لتأسيس منظمة إلى الأمام وحركة 23 مارس والدلالات العميقة لذلك التأسيس لحد اليوم.. وبالمناسبة أهنئ باسمي وباسم المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد الرفيقات والرفاق في النهج الديمقراطي العمالي على نجاح مؤتمرهم رغم ظروف المنع.
سوف لن أتحدث كثيرا عن التشخيص.. تشخيص الوضع الاجتماعي بالمغرب المتأزم كما وصفته دعوتكم الكريمة لأن هناك تضخم/ تخمة في التشخيص لدى اليسار. كما ان مهمة تشخيص الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزمين تقر به الدولة أيضا.
فالحاكمون أنفسهم سبق أن اعترفوا ضمنيا بذلك في عهد الحسن 2 فيما يعرف ب ” السكتة القلبية ” كما أقرت الدولة اليوم عبر تصريحات أعلى مسؤوليتها وعبر تقارير أهم مؤسساتها بعدم نجاعة سياساتها العمومية وسيادة التدبير السيئ للشأن العام وثبوت تبذير كبير للمال العام وتحالف المال والسلطة وتوزيع غير عادل للثروة الوطنية والإقرار بمحدودية أو فشل كل ادعاءات محاولات الإصلاح.
هناك إجماع مؤسسات الدولة (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، المندوبية السامية للتخطيط ، المؤسسة الملكية للدراسات الإستراتيجية ، بنك المغرب ، المجلس الأعلى للحسابات …) على عمق الأزمة وديمومتها.
وبإيجاز كبير، يتخبط المغرب في أزمة شاملة ومركبة منذ عقود مست كل قطاعات الحياة العامة والخاصة مما ساهم في انخفاض إنتاج الثروة الوطنية وتقليص مريع لسوق الشغل وتدهور مهول في الخدمات الاجتماعية (الصحة التعليم السكن ) وتنامي ظاهرة الفساد بكافة أشكاله.
فالوضع الاجتماعي، على وجه التحديد، يعرف اختلالا عميقا لصالح طبقة تغتني ليس فقط على حساب ” الطبقة العاملة وعموم الكادحين ” كما يصفهم الرفاق في النهج د العمالي، بل تغتني على حساب طبقات اجتماعية عريضة مهمشة/هشة لا تتمتع بحقوقها المواطنة، وهم جيش من المعطلين والمعطلات حاملي الشواهد وأصحاب السواعد الذين لا يجدون فرصة لشغل يضمن عيشا كريما في حدوده الدنيا، وفئات من الضحايا والمعطوبين الغير قادرين مطلقا على الإنتاج، وعموم النساء في المدن وفي البوادي على وجه الخصوص.
بإيجاز شديد: مطالب الشعب المغربي معبر عنها في ملفات مطلبية معلنة ومتواجدة في صفحات التواصل الاجتماعي ( عبرت عنها دينامياته الاجتماعية الوطنية والمناطقية والفئوية: حركة 20 فبراير- حراك الريف- ح جرادة- تنسيقية الاساتذة المفروض عليهم التعاقد- تنسيقيات أكال للدفاع عن حق الساكنة في الارض والثروة- طلبة الجامعات- الجمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطلين وغيرها).. عبرت عنها النخبة الواعية للشعب المحلية والفئوية والوطنية وتناضل من اجل تحقيقها.
وتتم محاصرة كل هذه الديناميات في مربع بمعادلة صعبة: المطالب المتراكمة معلنة دون استجابة من طرف الحاكمين – النضالات السلمية قائمة لكنها تجد امامها آذان صماء – المتابعات القضائية والاعتقالات سائرة – الحوار الاجتماعي والمجتمعي غائب وشكلي / صنمي.
أمام هذا الوضع الاجتماعي المأزوم والمختل، ما العمل؟ وما العمل لتحويل الأزمة الاجتماعية الحالية الى دينامية سياسية بخلق موجة ديمقراطية سلمية للتغيير الديمقراطي الجذري في المغرب ؟ وما دور اليسار على وجه الخصوص في ذلك.
طبيعة النظام السياسي المغربي نظام طبقي وهجين يجمع بين الدولة السلطانية المستبدة والدولة الحديثة التي لا تتجاوز فيها الحداثة النصوص والهياكل الشكلية. من هذا المنطلق، فإن النظام يستغل الجانب الاجتماعي والاقتصادي لخلق توازنات تضمن استمراريته ليس إلا.
تكرس ذلك مع تهجين وإضعاف الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية المناضلة سواء من خلال شراء ذمم بعض القيادات وتحريف خطها السياسي وخيانة بعض القيادات، وبالتالي فإن الاجوبة المطلوبة لهذه المرحلة هي:
– أن تعي تلك الهيئات بوضعها الهجين والمخترق، وتقديمها لنقذ ذاتي قوي حتى تتمكن من الرجوع إلى طابعها الأصلي الذي تأسست من أجله ( منطلقات التأسيس).
– وعند تحقيق هذا الشرط، يمكن الحديث عن خلق جبهة وطنية قادرة على قيادة النضال المجتمعي وتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة،
– ضرورة أن تتخلص جميع الهيئات اليسارية والديمقراطية من نزعتها الذاتية وتتحلى بنكران الذات الجماعية والفردية وتنبذ مرض الأنا العليا وتشتغل على ملفات قضايا الشعب بشكل مشترك وهذا يقتضي الجلوس للحوار والنقاش الرفاقي وتؤمن بتكامل نضالاتها على المستوى السياسي وعلى المستوى الحقوقي وعلى المستوى النقابي،
من جهة أخرى، أحزاب الحركة الوطنية منغمسة ومندمجة مع النظام بشكل سلبي ومتواطئة معه في الفترات الحاسمة مما يضيع فرصا حقيقية للتغيير الديمقراطي ، ويبدو أن روافد هذه الحركة تتبع نفس النهج لتبقى وصية على الشعب ومتعالية عليه وتشتغل بثقافة الشيخ والمريد مع المناضلين ومع الجماهير الشعبية حيث تعتبرهم كومبارس،.
السيادة الشعبية التي نقولها ونرددها جميعا، لا يجب أن تبقى فقط كلاما سياسويا للاستهلاك بل علينا أن نفعلها ونشتغل مع الشعب في الميدان ونستمع بإمعان لنبضه، وأن نقطع مع أسلوب الوصاية والتعالي والمساومات: ليس ما نريد كذوات جماعية أو فردية هو بالضرورة ما يريد الشعب المغربي المكافح مالك السيادة، وهنا لا بد لنا أن نقرأ مطالب الشعب الواردة بالملفات المطلبية المعلنة التي رسمتها نخبه ممثلة بدينامياته الاجتماعية ( حركة 20 فبراير وحراك الريف وغيرها)،
– مواجهة هذا الوضع المتأزم، تحتاج لقوة كبيرة ولتنظيم او تحالف يساري منطقي طبيعي واسع. وطبعا فالحزب الكبير أو التحالف الكبير لا يتم بجمع الأرقام ومحترفي السياسة، بل هو يكبر في تربته الطبيعية: تربة الحركات الاجتماعية بالانغراس فيها ودعمها والحشد لها. وحدة اليسار التي نرددها يجب أن تجد لها مكانا في الساحات والميادين.. وحدة الميادين والساحات.
– بالمناسبة، والمناسبة شرط، ففي عز القمع والاضطهاد ( سنوات الجمر والرصاص) استطاع الشعب المغربي خلق أداته النضالية البديلة: أقصد حركتي 23 مارس وإلى الأمام اللتين توحدتا في فترة ما في إطار جبهة واستطاعتا بذلك تحقيق مكاسب نضالية وزعزعت أركان النظام السياسي بالتحامها مع الجماهير والنضال بجانبها لتغيير موازين القوى فووجهت بالقمع الشرس والاعتقالات والنفي، إلى أن تفرقت بها السبل بسبب الاختلاف حول قضية الصحراء الغربية المغربية، كل ذلك خلافا للثقافة السياسية لأحزاب الحركة الوطنية وروافدها وخاصة المنغمسة بشكل سلبي في النظام السياسي،
– التنظيم او التحالف (السياسي) المطلوب لمواجهة الازمة الاجتماعية المركبة ليس طبعا قضية تقنية أو قضية عملية محضة، وإنما هي قضية فكرية تستدعي الحد الأدنى من الانسجام الايديولوجي: فالتنظيم أو التحالف هو في العمق نظام Système يلبي حاجة ويؤدي وظيفة ويتجه إلى هدف. التنظيم أو التحالف الذي نتحدث عنه هو ” تنظيم إرادي وغير المحايد” يقوم بالضرورة على أساس فضاء مرجعي هو الحرية الذاتية والموضوعية،
– ما ينطبق على التنظيم أو التحالف السياسي، من زاوية ضرورة / شرط الحد الأدنى من الانسجام الايديولوجي و شرط “التنظيم الإرادي وغير المحايد “، ينطبق أيضا على التنظيم/التحالف الحقوقي، أقصد ضرورة رد الاعتبار للتصور الماركسي في العمل الحقوقي: فالنضال الحقوقي لا يمكن أن يكون محايدا ولا خاليا من الايدولوجيا
– كل ذلك يتطلب وضوحا تاما ودقيقا في المطالب والأهداف والإستراتيجية كما يتطلب قيادة مقدامة شجاعة مستعدة للتضحية. القيادة المؤهلة لقيادة النضال المجتمعي الشامل
– من خلال هذه الرؤية/الزاوية نرى في الحزب الاشتراكي الموحد أن على اليسار يتعلم من حركة 20 فبراير ومن الحراك الشعبي للريف كمدرسة الحراك المغربي كمدرسة للنضال السياسي الذي بلور مشتركا موضوعيا شعبيا ديمقراطيا يساريا يتسم بالالتزام والنضج الكبير والوعي الحقيقي بمتطلبات المرحلة.
الوضع الاجتماعي متأزم لا شك، لكن السؤال المطروح هو كيف نحول تلك الأزمة إلى طاقة إيجابية .. إلى موجة سلمية للتغيير الديمقراطي الشعبي؟
علما أن فرص نجاح الحراك الشعبي السلمي أعلى من فرص نجاح الاحتجاج غير السلمي في تحقيق أهدافه بمقدار الضعف، وأن مشاركة 3.5 في المئة من المواطنين مشاركة فعالة في الاحتجاجات تضمن حصول تغيير سياسي حقيقي .. ذلك ما خلصت إليه دراسات علم الاجتماع. . ولن يتأتى ذلك إلا بتحالف يكون فيها المواطن، من خلال نخبته/ دينامياته الاجتماعية وبالتواصل مع اليسار غير المهيكل.
وما نيل المطالب بالتمني ** لكن تؤخد الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال ** إذا الاقدام كان لهم ركابا
3 غشت 2022
العلمي الحروني- المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد.
- تدخل في الندوة التي نظمها حزب النهج الديمقراطي العمالي يوم 23 غشت 2022 بالرباط