مسرحية “المركبة الاجتماعية” لفرقة مسرح نجبال تأليف سعد الله عبد المجيد وإخراج صالح الجبالي

في مزج بديع بين المسرح والسينما قدمت فرقة مسرح نجبال عرضها الأول لمسرحيتها الجديدة “المركبة” ، من تأليف الأستاذ سعد الله عبد المجيد وإخراج الأستاذ صالح الجبالي. تميز العرض بأسلوبه الخاص في تناول قضية مجتمعية عميقة التأثير في مسار حيوات الناس وتدبير علاقاتهم. تحط مركبة في كوكب غير الأرض بعد أن تفككت المنظومة الشمسية ودمرت كل الأفلاك ، ولم ينجو من الدمار العظيم الذي ضرب البشرية غير المغربيان عائشة وعيش ، زوجان رست المركبة التي كانت تقلهما في فضاء غير الذي اعتادوا الإقامة فيه. الزوج عيش يرغب في مواصلة الرحلة إلى الأرض والزوجة عائشة تشرط إعادة النظر في العلاقة التي كانت تربطهما قبل الانفجار العظيم. أثناء حوارهما يظهر شخص ثالث رافقهما ويحاول التأثير في قرارتهما . يعرف كل منهما حق المعرفة ويسعى إلى ضبط سلوكهما وفق ما يوسع التباعد بين تفكيريهما. في تقابل تصوراتهما للعلاقة يتضح رفض عائشة المرأة، للدونية التي ظلت تعامل بها ويتشبث عيش الرجل، بكل ما يجعله صاحب المكانة الأولى والأخيرة في العلاقة وفق ما هو محكوم به من أعراف وتقاليد. شخص ثالث يطوف حولهما ،يوسوس لهما يؤيد الرجل ويحرض المرأة حتى لا تستقيم أفكارهما ويتجاوزان خلافهما، او ما يمكن ان يقود إلى بلورة رابط علاقات متوازنة قوامها التقدير المتبادل وتحقيق المساواة. يقود الفهم العام للنص وكيفية تقديمه. إلى أن سبب الإشكال بين عائشة وعيش خارجي ويتجاوز إرادتهما ، فعيش تشكلت تصوراته للعلاقة مما حرض على الدفاع عنه كرجل له مسؤولية على المرأة في حمايتها ومدها بكل ما تحتاج إليه مقابل أن تمتثل لأوامره وتستجيب لرغباته، وهو ما تعتبره عائشة حيف جردها من إنسانيتها وجعلها عرضة للإدلال والتهميش ، شعور رافقتها وتسعى للتخلص من كل تبعاته بإعادة النظر في كل ما كان أساس العلاقة واستمرارها. حوار لم يسلم من تدخل الشخص الثالث الذي يظهر ويختفي في مظاهر مختلفة ، في سعي لتوسيع الهوة كلما اتضح أن عيش قريب من التنازل عن امتيازاته وحظوته الاجتماعية ، معتمدا في ذلك على كل وسائل التأثير التي تربط الذات بمحيط اجتماعي وتشكله التاريخي.
إن كان العرض بكل مقوماته الفنية قد استطاع أن يبرز الإشكال المجتمعي وأسسه التاريخية، فإنه لم يبتعد كثيرا عن بعض التفسيرات التي تعيد الأمر في أساسه إلى الأشخاص، عائشة وعيش، فهما فقط ضحية وسوسة الشيطان الذي يسكن في أعماق كل واحد منهما. وبالتخلص من مفعول تأثيره بما تحقق من طفرة علمية تكشف حقيقته، فإن العلاقة بينها تستعيد هدوءها. وتأهلهما للعيش في تطابق وانسجام، يرتديان نفس الهندام ويتحقق التقارب المطلوب. يبقى السؤال الذي يردده المتلقي في البحث عن حقيقة الاشكال. هل بناء العلاقات المجتمعية تحكمها شرطها التاريخي وأسسها الثقافية. أم هي نزوع ذاتي قوامه رد فعل نفسي وذاتي بتحريض من شخص لا مرئي؟ وهو سؤال من بين أسئلة توفق العرض في ان يجعل المتفرج أو المتلقي وجها لوجه أمامها. ليصبح الاشكال مجتمعيا يمتح من الواقع ويعطي للعلاقات بعدها الإنساني ويقرب المسافة بين كل مكونات المجتمع ، بما يوسع مساحة المساوات ويحفظ لكل مكون مجاله الإنساني. في إشارة أخيرة ، أن ما يثير الانتباه ، هو أن العرض ينتهي دون أن تقلع المركبة لتواصل مسيرتها نحو الأرض. وهو ما يحيل على التفكير في ان الأرض بما رحبت لا تتسع لمساواة حقيقية وشاملة بين المرأة والرجل ، وأن ما حصل هو اتفاق أو توافق بين عائشة وعيش اللذان تخلصا من وسوسة الشيطان وأفعاله ، بعد أن تسلحا بالعلم وسعة النظر. وفي دلك تأكيد على أن الأمر هو من مسؤولية الرجل والمرأة وان بإرادتهما يمكنهما تجاوز ما يفسد علاقاتهما من تدخل المجتمع والتشبت بما يعتبر قيم عامة وملزمة.
فتحية تقدير وإعجاب للفرقة وللمؤلف المواظب على تناول الإشكالات المجتمعية ، وللمجهود الفني الذي قدم به المخرج العمل بكثير من الإبداع.
لابد من التنويه بالوقفة التأبينية التي أقيمت في البداية تذكيرا بعطاء الفنان المبدع الفقيد نور الدين بكر والكلمة النافذة التي القاها رفيق دربه الفنان عبد الاله عاجل. فلروحه الطاهرة أزكى سلام.
أحمد حبشي
شتنبـــــر 2022