أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(37):لماذا مع مركزية الحركة؟
داخل اليسار يجري الحديث عن الاستراتيجيات السياسية التي تلعب دورين: دور التلاحم النضالي مع المجتمع، ودور تفكيك منظومة السياسوية التي تنهجها أحزاب الحكومة بهدف تحصين الفساد والهجوم الضريبي بدعوى تقوية مداخيل الميزانية.
وقد تقدمت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي بأطروحة أولية ضمنها وضع الأداة النضالية على سكة مركزية الحركة بدل الخطاب الطبقي العام. وبدل احتمال ما قد يبدو انحرافا عن النظرة العلمية لتحليل المجتمع والدولة الخاضعين للنظام الرأسمالي العالمي، يحسن الإنصات الجيّد لفعالية الحركة (ضمن الحياة السياسية اليومية) بدل الخطاب الخشبي (باسم الصراع الطبقي).
فالحديث بالصراع الطبقي يجري على مستوى التفكير، بينما الحديث بالحركية المجتمعية يجري على مستوى التعبير والتفسير والتدبير التنظيمي والتعبوي والعملي إجمالا.
أولا لأن الأمر لا يتعلق بالتناقض الأساسي مع الطبقة، بل بجبهة واسعة للنضال ضد الجشعين من بين الرأسماليين،
ثانيا، لأن الثورة التكنولوجية جعلت المهارة أفضل من التملك
ثالثا، لأن الليبرالية المتوحشة وسعت دائرة أعدائها الطبقيين ومن خلال الافتراس الطبقي بلا رحمة طرحت القضية المركزية كقضية مجتمع برمته، بل وقضية بقاء الكوكب الأزرق ومستقبله
رابعا، تشخيص الوضع كما هو، له نتيجة مباشرة قوامه تضييق الخناق على فئات الريع والمسندين بالقمع بمطرقته البوليسية وسندانه الضريبي، بفضحهم وتطويق سياستهم المدمرة بحركات احتجاجية وسلمية وممانعة تحت شعار “الضرائب على الفئات المتوسطة والفقيرة لن تمر”
خامسا، لأن الصراع الطبقي اليوم يعرف تمركزا بين زواج المال الكبير والسلطة من جهة وبين كل الطبقات المتضررة من أشكال الغلاء والضرائب والفساد.
سادسا، يتجسد التراجع الكبير في تحصين الفساد بالهجوم السافر على مختلف فئات المجتمع لتركير كل طلائع الطبقات المتوسطة.
سابعا، لا يمكن إغماض العين على خروج المحاسبين والمحامين ضد الحكومة والبرلمان، وخروج الفئات المتضررة من الفساد الاداري بصدد هدم المنازل مقابل الارتشاء
ثامنا، الاحتجاجات والحراكات دينامية مجتمعية أكثر فعالية من مجرد خطاب طبقوي محسوب على يسار إما أصبح أورثوذكسيا انعزاليا وإما حكوميا منفصل الفعل عن القول.
تاسعا، أصبح الخطاب الطبقي تعلة سهلة للقمع لأن استفحال التضليل الاعلامي يربط بين “العدمية” والخطاب الطبقي.
عاشرا، لا يستفيد الصراع الطبقي الطبقات المتضررة من حيث الخطاب الطبقي الموروث بل يتقدم الصراع الطبقي لفئات الفئات والطبقات المتضررة من خلال الخطاب المجتمعي المجمع والذي ينزل الكتلة الطبقية المتعددة المستويات إلى فعل المعارضة الميدانية، ليس بالمطالب فقط وليس بالترافع فقط فقط ولكن بالمزاوجة بين مسلسل الكفاح الاعتراضي وبرنامج الحلول الاقتراحي.
إن التركيز على هدف تفكيك التحالف الثلاثي الحكومي، ودفع الدولة إلى إقالة وزير “العدل” بائع منتوجه الضريبي” ضد المحامين اليوم ستدفع النظام السياسي في الزمن السياسي الموالي مباشرة، إلى مراجعة سياسة “زواج السلطة والمال”، وسيجد النظام نفسه وجها لوجه مع لصوص أرباح المحروقات وستفرض حركية المجتمع طرح الضريبة على الثروة على الطاولة.
لقد نشرت إحدى الصحف هذا “الأسبوع” كون الاشتراكي الموحد جدد التذكير بقضية اختطاف المهدي بنبركة. وبالمناسبة وما يجب التذكير به، كون المهدي كان الرئيس لأول برلمان استشاري في المغرب المستقل، ومعه الحكومة التي أرست أسس اقتصاد المغرب المستقل وقوانين الحريات العامة وقانون الشغل، وهو الذي أطلق القوات الشعبية من قمقم اللامبالاة، وضخ زخمها في الحياة السياسية للمغاربة، فلا يمكن تصور الديمقراطية جسما ضعيف العضلات. فلا ضمانة لاستمرارية الدولة بمناعة سياسية مجتمعية دون تجديد الحراك المجتمعي لحفظ التوازنات الكبرى من انتهازية المال الكبير الذي لا يهاب تحالف الشعب والدولة. ولا شعب مهاب ولا دولة منيعة على الاختطاف من طرف المال الكبير دون حركية مجتمعية شعبية من مختلف الفئات المتضررة من الفساد والغلاء والضرائب.
وكل الأحزاب التي تريد أن تجدد قوتها التنظيمية لا بد أن تحدد موقعها ضمن حركات المجتمع وتدقق المطالب السياسية بتطابق مع ما يفقأ العين من سياسات ظالمة.
نعم، مع مركزية الحركة، لأن الفكرة ستتحول إلى منظومة سياسية، تغطي مرحلة مقبلة بكاملها، تستفيد منها الحركة الديمقراطية كونها ستجد الصياغة السياسية لتحالف مغربي لا أوهام له ولكن له برنامج سياسي أول ما يفكر فيه وبه هو تفكيك زواج المال والسلطة.
فانقضاض أقوى مال محلي على السلطة في البلاد، سيرهن كل الفرص المفتوحة في المغرب أمام العالم بمن يقبض على القرار المالي والاقتصادي والسياسي. فما طفا من كلام مؤسستي النزاهة وكذا المنافسة ما بين 2019 و2022 هو تخوف من داخل مؤسسات الدولة من زواج المال والسلطة. أما حركات المحامين والمحاسبين والمتعاقدين وصرخات عموم الناس ضد مظاهر الفساد الاداري فهي مؤشرات الخسارة السياسية التي بدأت تنضج ثمارها الفاسدة التي يملأها الدود.
لذا على أحزاب اليسار الاستعداد لإيجاد البرنامج والأداة لتفكيك زواج السلطة والمال.