وجهة نظر

احمد الخمسي :أين اللاعب الحادي عشر المخصص للهجوم وتسجيل الأهداف

في قلب الاوضاع (41)

نتحدث اليوم القلب النابض للأوضاع وليس عن قلب الأوضاع. القلب الجامع بين العمل الحزبي وبين الهم الشعبي.

      التحضير للمؤتمر يجري بعشر لجان فقط. لجان الوسط والدفاع. بينما تغيب لجنة الهجوم ودراسة كيفية تسجيل الأهداف في السياسة. نعم يغيب اللاعب الحادي عشر في فريق لجان التحضير. وهو عيب مزمن في الحزب الاشتراكي الموحد ولو أنه غريب وليس من طبيعة اختيارات الحزب الداعية الى غرس الديمقراطية في الوسط المؤسساتي انبثاقا من التربة الشعبية.

ماذا يعني لعضو حزب ما أن يكون عضوا في جماعة ترابية من الجماعات المنتخبة؟ أمَّا أن يكون عضوا في البرلمان بصبر وحكمة وتتبع، فمحمد بن سعيد آيت يدر، فقد كان صمته فضة ونطقه ذهب كما علمنا جميعا من خلال السؤال الاستراتيجي العملي حول تازمامارت في عهد الراحل الحسن الثاني. ونضال نبيلة منيب أثناء عبث كوفيد حجة ثانية ما زالت طازجة.

عندما نتناول تقييم المجلس الأعلى للحسابات للحملة الانتخابية النظيفة للحزب الاشتراكي الموحد، وعندما نقرأ الخانة المخصصة للمستوى التعليمي لمرشحي الحزب الاشتراكي في الانتخابات، وعندما نقارن بين المحتوى السياسي لحملة الحزب الاشتراكي الموحد في الانتخابات، مقارنة مع دفق المال جاذب الانتهازيين للانتخابات، وعندما نقارن الفروع الحزبية التي تشتغل طول الحياة السياسية داخل المقرات المفتوحة والمؤدى ثمن كراؤها أو شراؤها، وليس فقط دكاكين الحملة الانتخابية، ساعتها يظهر التعامل الجدي مع الانتخابات أو التعامل الانتهازي مع أصوات المغاربة في الانتخابات.

هذا كله يشكل فقط مقدمة ونبذة من الحياة الانتخابية للحزب اليساري المستميت في عمله التنظيمي التأطيري للمغاربة من وجهة نظره السياسية بين مختلف الأحزاب الحاضرة في الانتخابات.

هل نتذكر انبهار النخب المحلية والوطنية والسلك الدبلوماسي بالنوعية التي اتصف بها الحزب، منذ قيادة ابن سعيد لأحد التيارات المساهمة في الحزب المعروف اليوم باسم الاشتراكي الموحد؟ هل نتذكر سنة 2015 بعد مرور الأمينة العامة نبيلة منيب بقناة دوزيم؟ هل نقرأ تعليقات المغاربة على فيديوهات نبيلة منيب؟ هل نتوقف عند عدد الزيارات لفيديوهاتها؟

إن كتابة اسم أمين عام لحزب شقيق أصبح ضمن مكونات حزب يساري جديد مؤخرا، على اليوتوب، سيجد الباحث أن عدد المشاهدات لفيديو الزعيم (الذي لا يعرف المواطن العام أنه أمينا عاما للحزب المنحل المؤسس سنة 2001) لن يجد أكثر من 180 مشاهدة لفترة تمتد ما بين 2012 و2022. مشاهدة كل 22 يوما، مقابل آلاف المشاهدات في يوم واحد للأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد.

هناك حضور دائم للحزب الاشتراكي الموحد في الأحداث العامة الكبرى في البلاد أيضا. سواء عبر الأمينة العامة للحزب أو لأعضاء المكتب السياسي في اللجن التنسيقية للقضايا الاجتماعية الاقتصادية أو لقضايا الأمة التي ينتمي إليها المغرب.

لكن المفارقة أن الدولة تغلق أبواب المؤسسات الإعلامية في وجه الحزب ومناضلاته ومناضليه، وهو الذي يشرف المغرب بربطه بالتيارات الحية في المجتمع وفي القضايا العربية وفلسطين منها في المركز.

يكاد الحزب يشبه ذاك الشتات من أبطال مغاربة العالم، الذين اجتمعوا في فريق ناهض وطني قوي العزيمة. ولكن بعدما تجرأت الدولة واختارت المدرب المناسب في اللحظة المناسبة، بالمشروع المناسب للمونديال….وبالأفكار القادرة على زرع الروح الوطنية المنسجمة بين الذين ازدادوا في بلدان غربية مختلفة وبين الذين ازدادوا في أرض الوطن. ما كانت عجينة كرة القدم المغربية لتوفر هذا المنتوج ذي المواصفة العالمية الرفيعة دفعة واحدة لولا عوامل عدة تهيأت من قبل. خصوبة رغبة الجمهور في الذهاب إلى قطر، تسهيل المامورية من طرف الجامعة الملكية لكرة القدم، مدرسة التنشئة والتدريب المغربية (مؤسسة محمد السادس لكرة القدم)، وأخيرا القرار السياسي بإجازة مشروع وليد الركراكي إلى حيز التطبيق.

بقاء الحزب الاشتراكي الموحد في صنف الأحزاب الصغيرة قرار سياسي عقابي من الدولة وليس فقط مؤامرة عابرة. لكن العنصر الذاتي في كل هذا له دوره. ومنه علاقة الحزب الاشتراكي الموحد بالانتخابات.

لقد سبق أن نشرنا دراسة حول مواد القانون الأساسي الذي يشتغل به الحزب بصدد الانتخابات.

واليوم، يقتضي التحضير للمؤتمر الوطني الخامس للحزب المذكور، العودة إلى هذه القضية التي تعتبر الجسر الرابط بين هموم المغاربة اليومية وبين اهتمامات الحزب وهموم قيادته وأعضائه. لقد جاورت أحد المناضلين الشباب الذين يمثلون الشمعة المضيئة فعلا لنضال مشتعل لا يفتر في مدينة عريقة وراسخة في الحياة السياسية المغربية مثل مدينة فاس. كانت مرارته ظاهرة وهو يعتبر ملحوظته جوهرية كون أغلب أعضاء الحزب دأبوا على الاهتمام بالقضايا العامة بينما لا تشكل لهم المؤسسات المنتخبة (الجماعات الترابية نموذجا) أي هم من همومهم الحزبية اليومية. مضيفا أن “اندماج” الحزب مع هموم المغاربة يمر كل عبر الأعطاب التي يعرفها تدبير الجماعة الترابية المنتخبة لشؤون نظافتهم ونقلهم الحضري وفواتير الماء والكهرباء ومحطات الطاكسيات والطوبيسات والاكتظاظ في الخدمات الادارية…رغم حوسبة الكثير من الخدمات…مقارنة مع ما سبق من الوقت.

عندما نأتي إلى الفرن الذي يطبخ خبز السياسة الحزبية للفترة الموالية، نجد الحزبيون ككل الناس تغلب عليهم الاختلافات الجزئية حول من سيتولى أمور الزعامة والقيادة. يكادون ينسون ما يطالبون به الدولة عندما تسن سياسة من السياسات العمومية. فيكون نقدهم لها حادّا وفي محله. وينسون كم من نقد وجهوه إلى زعيم حزب الاستقلال سابقا (عباس الفاسي) عندما مدد زعامته لأمر كان يهم رئاسة الحكومة، وعندما مدّد البيجيدي لبنكيران، وعندما مدد مسيو “بوتيتر” لنفسه لحظات الصراع حول “الاندماج”….ولو أن هذا الأمر محسوم من طرف الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، لأن سمعتها وريادتها لم تعد مشروطة بتمديد ولاية ثالثة.

لكن جوهر الأمر المطروح اليوم، وبعد فشل التوحيد داخل التجمع اليساري السابق، هو فحص القانون الأساسي المعمول به لتجاوز الهشاشة الذي تعامل بها الحزب في صيغته السابقة (قبل الانشقاق)، مع قضية الانتخابات.

هل تكون أشغال التحضير للمؤتمر الخامس على الأبواب استمرارا للهشاشة التي صبغت برنامج الحزب بصدد الانتخابات؟

هل يكون تقسيم المكتب السياسي، أو اللجنة التحضيرية نفسها، لا ندري، أعمال التحضير إلى عشر لجان تغيب بينها لجنة الانتخابات، مؤشراً على ترك قضية الانتخابات جانبا دون هندسة مسبقة؟

لو نعود إلى تشبيه التحضير لصياغة البرنامج السياسي العام للحزب ببرنامج المدرب الوطني للمونديال، نجد أن المدرب/المحضر للمؤتمر، اهتم بعشرة لاعبين، وأهمل اللاعب الهدّاف الذي يسجل النقط لصالح الجمهور في شباك الخصم.

وخصم الجمهور في السياسة هو صعوبات العيش في مرافق ناقصة التجهيز أو مهترئة ومنتهية الصلاحية أو معطوبة أصلا تؤدي وظيفتها…مثل مصابيح الدرب المطفأة والطرق غير المسفلتة أو غياب المستوصف أو سوق القرب او المقاطعة الجماعية أو الدائرة الأمنية…أو شبكة الماء الشروب…الخ

نعم، بيانات اليساريين تكون دقيقة وبليغة في القضايا الكبرى، ولكن هنا نأتي إلى راعي الغنم الذي اكتشف المذياع لاحظ أن المذياع لم يذكر في أخباره خبر الخروف الذي أكله الذئب، فاعتبراختراع المذياع بالنسبة لهمومه غير مفيد.

وقطيع الغنم بالنسبة للمواطن هو مجموع همومه في السكن والشغل ودراسة أبنائه واستشفاء المرضى من عائلته. واختراع الأحزاب غير مهمة له إذا كان مذياع بياناتها لا يذاع داخل الجماعة الترابية من طرف من صوت عليهم بعلامة الحزب.

على النقيض من حالة الراعي مع المذياع، يبذل منتخبو الحزب المستحيل (حالة تطوان التي أتابعها عن قرب)، كي تكون الحلول حاضرة لهموم الناس في المدينة. والحال، أن المردودية لمنتخبي الحزب في الجماعة الترابية، وهي كبيرة لمصادفة نوعية من ترشحوا باسم الحزب وأجاز نظام الاقتراع الحالي حضورهم في الجماعة الترابية بالمدينة.

من تجربة سنة وربع في الجماعة الترابية، نستخلص الدروس الكبيرة في التسيير اليومي لجداول أعمال الجماعة الترابية في الدورات.

لقد كانت تجارب أحزاب شقيقة مريرة بين سنة 1983 و1992 في الجماعة الترابية. خلقت هوة بين التنظيم الحزبي وبين بعض المنتخبين. بحيث غضب البعض من أعضاء الحزب من سلوكات بعض المنتخبين. في المقابل، اعتبر بعض المنتخبين إرادة الوصاية المفرطة من التنظيم الحزبي على المنتخبين… وتراكمت الصراعات أفضت سنة 2009 إلى انسحاب أشهر المنتخبين اليساريين وتغيير انتماءهم الحزبي نحو قطب لا ينتمي الى اليسار. ونفس الأمر حصل لحزب العدالة والتنمية قبيل انتخابات 2021، بحيث أصبح أغلب أطره المنتخبة منتخبين اليوم باسم حزب الاستقلال.

لكن الأحزاب التي اشتغلت على موضوعة الانتخابات أصبحت تملك آليات وميكانيزمات لخوض الانتخابات بأعداد كبيرة من المواطنين. نذكر هنا الأحزاب الوطنية ولا نهتم بالأحزاب التي تستثمر المال في الحملة الانتخابية لتسترجع المصاريف في أشكال من الريع والفساد لتحقيق المصالح الشخصية للمنتخبين.

كان من أول مؤتمر، وليس حتى المؤتمر الخامس للحزب الاشتراكي الموحد، أن ينشغل الحزب اليساري بتجارب أشقائه في الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال في علاقتهم بالانتخابات والمؤسسات المنتخبة.

ولأمر أكيد كان التوصيف المشهور من طرف مناضلي حراك الريف للاحزاب بالدكاكين. لم يكن التوصيف ايديولوجياً. بل كان التوصيف محصّلة للممارسة الحزبية بالضبط في المؤسسات المنتخبة الأكثر قربا للناس وهي الجماعات الترابية.

يلخص تنظيم الجماعات الترابية واقع “النخب” الحزبية. و”النخب” الحزبية التي تمارس السياسة في اليومي من خلال التعامل مع جداول أعمال الدورات، وما يطرح فيها من القضايا، على المؤتمرات الحزبية أن تطرح معادلة نقط القوة ونقط الضعف. كما لها طرح لنقد المزدوج الذاتي والموضوعي بصدد الأهلية الانتخابية لمنتخبيها، وقدراتهم ومهاراتهم.

ليست القدرات اليسارية كافية في تدبيج البيانات والشعارات العامة. بل تقتضي الخبرة في التفكير والتعبير (أمام الحاضرين مواطنين ومنتخبين وسلطة معينة)، والتفسير لمواقفها ضمن الحيثيات التي يبني وفقها رؤساء الجماعات منطق المشاريع وشروط ايجاد الحلول للمشاكل والميزانيات وسلوك الاطراف الشريكة خصوصا مع انتشار شركات المناولة عن طريق التدبير المفوض. وضمن أشغال الجماعات الترابية هناك معايير مشتركة جامعة وهناك معايير مواطِنَة لليسار تجعل أولوياته في تصور المشاريع مختلفة عن مشاريع اليمين وتجار الانتخابات.

ومن خلال العضوية في تشكُّل منتخبي الجماعات الترابية يأتي وقت اكتشاف نوعية من يأتون للعضوية في أحزاب اليسار قبل العضوية في الجماعات الترابية المنتخبة.

بحيث يظهر الفارق بين الأعضاء الحزبيين الذين يتقنون الكلام الايديولوجي العام الشبيه بالكلام في العمل الجمعوي، كما يظهر الفارق بين العضو الحزبي الذي يتقن الاقتراحات والمواقف ولا يتوقف عند المواقف العامة. كما تكشف الجماعات الترابية درجة الحصانة عند اليساريين من السقوط في مثالب المنافع الشخصية عبر الفخاخ وأساليب نصبها في المنعطفات الإدارية واللجان الوظيفية المتفرعة وبين من يرسلهم الشعب واليسار لتجسيد قيم المواطنة المترفعة عن انتهاز الفرص.

وهنا يأتي الكلام عن إفلات الموعد مع الفرص النافعة لليسار للارتباط مع الشعب. وإهمال قضية الانتخابات من اليساريين في تصوراتهم الحزبية التي تتشكل خلال التحضير للمؤتمرات إفلات بنيوي لموعد ربط الصلات العضوية مع هموم المغاربة. مما يسهّل تحول اليساريين الى مناضلي الصالونات. يعتقدون التصريحات الإعلامية كافية للارتباط الحزبي العضوي مع هموم المغاربة. فتلك سياسة عاطفية شعورية لا جدور بنيوية لها مع القضايا العادلة للمغاربة. لكن اليساريين ما زالوا يكتفون بمنطق البحث والحديث عن القضايا العادلة. بينما صاغت أنـوال منذ عددها الأول صرخة مدوية لحث اليساريين على الابتعاد عن السياسة الهاوية غير المتجدرة: “لا يكفي أن تكون قضيتنا عادلة”.

فالتحضير للمؤتمر يقتضي اليوم الاهتمام باللاعب الحادي عشر الغائب عن الأشغال: لجنة الانتخابات. ففي السياسة لحظة الهجوم وتحقيق الهدف هي لحظة الانتخابات. عدا ذلك، مجرد  دونكيشوطية وهوايات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى