مناقشة كتاب سبع رسائل إلى صالح بن طريف في أرض أولاد حريز
متابعة: زكرياء عريف
أستاذ و باحث في الدراسات الفكرية والحضارية
في إطار فعاليات المنتدى الفكري والثقافي والعلمي الذي تنظمه جمعية تياترو الهدد ببرشيد، تم تنظيم قراءة في كتاب سبع رسائل إلى صالح بن طريف(الصادر عن نادي القلم المغربي، ط1، نونبر 2022/ ط2، يناير 2023) للأستاذ الجامعي والروائي ومنسق مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك الدكتور شعيب حليفي. وذلك مساء السبت 25 فبراير 2023، سير أطوار اللقاء الأستاذ عفيف نصر الدين، وقدمه وقام بقراءة فيه الدكتور عمر امرير الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
استهل الدكتور امرير تقديمه للكتاب بقراءة سيمولوجية للغلاف – الذي أعده الفنان التشكيلي خلدون بوشعيب- مبينا ما ينطوي عليه من دلالات ورموز(شكل الكتاب كرسالة، الطوابع البريدية، الأختام، صورة الديك،..)، وهي رموز تنبأ عن مضمون الكتاب باعتباره مجموعة رسائل(سبع رسائل) إلى الرجل الثاني في الإمارة البورغواطية “صالح بن طريف” الذي حكم منطقة تامسنا (من 743 م إلى 788م).
وفي ثنايا تقديمه لهذا العمل أبرز المتحدث أن د.حليفي يوظف الجنس الروائي من أجل تصحيح المغالطات التاريخية، مؤكدا أن قراءة هذا العمل تقتضي استحضار تماهي ثلاثي (الخيال المبدع، التاريخ المكتوب، الإحساس الذاتي).
وقد طرح امرير العديد من التساؤلات التي تبدت له أثناء تفحصه الأولي لهذا النص، ومنها: ما هي المضامين والتقنيات الفنية التي سيمررها الكاتب إلى صالح بن طريف؟، لماذا كتب هذه الرسائل إلى صالح بالضبط؟، لماذا مثلا لم ترسل إلى آخر ملوك الامارة البورغواطية (أي ملكهم السابع عبد الله أبو حفص المتوفى سنة 1063م)؟، ما هي الرسالة التي ينطوي عليها توظيف الرقم 7 في أكثر من موقع في متن هذا النص(7 رسائل، 7 ملوك، ثبت المصادر والمراجع في 7 صفحات، الرسالة الأولى في 7 صفحات، ختم الكاتب آخر الرسائل بعبارة (..سبعة أيام)؛ ليفسر ذلك صاحب أطروحة “رموز الشعر الأمازيغي وتأثيرها بالإسلام” بأن الأمر يرتبط بتوظيف الكاتب لتقنية الرمز؛ فالرمز 7 يرمز للتفاؤل، البركة والعديد من المعاني الإيجابية، وذلك على غرار 7 رجال ركراكة، 7 رجال بمراكش، بخلاف ما ترمز له أرقام أخرى من معاني سلبية (الرقم 9 مثلا: تسعة رهط).
وختم الباحث قراءته باعترافه بأننا بصدد عمل جديد في التأليف المغربي، ينقلنا من الخيال إلى الحقيقة، ومن الزيف إلى الصحة، وقد أسعف تمكن الكاتب من التقنيات الأدبية في تقديم مادة تاريخية تضاهي كتابات المؤرخين، لذلك فشعيب حليفي –بحسب امرير- مؤرخ كما هو روائي.
بعد ذلك، تناول الكلمة مؤلف الكتاب الأستاذ شعيب حليفي، الذي بين من خلالها سياق هذا الكتاب الذي يندرج في إطار اهتمامه بالتاريخ الجهوي والمحلي منذ سنة 1995 وهو الاهتمام التي أثمر مجموعة من الأعمال العلمية والأدبية سواء في إطار مؤسساتي(مؤسسة تامسنا للأبحاث والدراسات حول الشاوية، نادي القلم المغربي، مختبر السرديات بكلية الآداب ابن مسيك) أو بشكل فردي في إطار الكتابة الأكاديمية والإبداعية، ابتداء برواية زمن الشاوية(1994)، كتاب سطات، في تأريخ مصير الأزل بالشاوية وما في الألواح الضائعة لممالك تامسنا(2017)،رواية لا تنس ما تقول الفائزة بجائزة المغرب للرواية لسنة 2020 ، وأخيرا كتاب سبع رسائل إلى صالح بن طريف(2022)؛ هذا المسار الذي يبرز أن ما يقوم به حليفي هو مشروع معرفي وروائي تراكمي للتعريف بتاريخ الشاوية لا زال مستمرا إلى الآن من خلال تنظيم ملتقيات الذاكرة والتراث الثقافي بالشاوية التي ستحط رحالها(النسخة 18) في أرض أولاد حريز(برشيد) في غضون شهر أبريل أو ماي 2023.
وفي سياق تقديمه للكتاب أبرز الباحث دور الاستعمار في طمس معالم التراث الإسلامي عامة والبورغوطي خاصة، في مقابل إبرازه للتاريخ الروماني، مؤكدا على أن جزءا كبيرا من تاريخنا لم نكتبه بعد، ومنه التاريخ البورغواطي الممتد عبر 4 قرون؛ مدافعا عن هذا التاريخ باعتباره جزءا من ذاكرتنا وهويتنا، وليس سبة. كما حث الحضور من باحثين ومثقفين على أهمية البحث في التاريخ الاجتماعي اليومي من خلال تسليط الضوء على الشخصيات البسيطة والأعلام من الرجال والنساء، بما في ذلك تاريخ منطقة تامسنا وإمارة بورغواطة..، مؤكدا أن هذه هي الكتابة التي نحتاج إليها اليوم من أجل صون ذاكرتنا ورصيدنا الحضاري.
وتفاعلا مع تقديم وقراءة الدكتور امرير لكتابه أكد حليفي أنه بحث في اختيارات جمالية(اللوحة، المصادر و المراجع..)، قائلا بأن عددا من الباحثين لم يبيعوا نفسهم للخيال كما فعل الكاتب و صرح بذلك في بداية كتابه (ص 5) بل باعوا نفسهم للسلطة الزمنية الحاكمة آنذاك مثل الفاطميين قاصدا بذلك ابن حوقل المؤرخ والرحالة (ت988م)، أو للأمويين في الأندلس (يقصد الجغرافي البكري، ت1094) من خلال رواياتهم التاريخية المتحيزة للبلاط، وهي النصوص التي استحضرها الكاتب في متنه بنفس نقدي ومنهج تساؤلي، داعيا في الوقت نفسه إلى أهمية استثمار نتائج البحث الأثري(الحفريات) لتمحيص هذه الروايات وبيان صحيهها من سقيمها.
وفي ختام تفاعله، أكد شعيب حليفي على أهمية الثقافة باعتبارها جزءا من الهوية والمعيش اليومي، وسبيل من سبل تفادي الفصام الذي بتنا نعاينه اليوم، والمتمثل في كون الكتابة في واد والمجتمع في واد آخر؛ لكن الحل يبقى بنظره دائما هو الكتابة بوصفها جسر عبور زمننا الصعب، كما ينبغي بحسب وجهة نظره أن يضطلع المثقف بدوره في التعاطي مع التاريخ، والانخراط في رفع الحيف عن المغاربة عبر الكتابة والتأريخ والأدب..
وفي ختام المداخلتين، أغنى الحضور النوعي النقاش بإضافاتهم وأسئلتهم.