وجهة نظر

سعيد السعدي: إيديولوجيا عصيد لم تصمد أمام الواقع العنيد والزلزل المدمر

أحمد رباص

جعل الكاتب والروائي سعيد السعدي من أحمد عصيد موضوع الفيديو الأخير من فيديوهاته المنشورة على قناة “الحكمة العربية” التي أفردها لتاريخ المغرب. اختار سعيد لهذا الفيديو عنوانا دالا ومثيرا: صدق أو لا تصدق، أحمد عصيد يؤمن بالمعجزات، في إشارة مبطنة إلى ازدواجية موقفه منها؛ إذ نراه مؤخرا ينتقد الشيوخ والفقهاء لإيمانهم بالمعجزات واعتقادهم فيها، بعد أن سبق له أن اعتبر اللغة لأمازيغية معجزة. لنتابع الموضوع بكل تفاصيله.
ينطلق فيديو سعيد من مقطع يظهر فيه عصيد وهو يقول: “ما زال هناك من يعتقد في المعجزات، وينتظر المعجزات. المعجزات هي خوارق العادة تخرق قوانين الطبيعة والكون، وهي خرافات يصنعها الناس ليفسروا بها أشياء لا يفهمونها، اشياء يمكن فهمها بشكل علمي وواقعي. استمرار اعتقاد الناس في المعجزات وانتظارهم لها هو من مظاهر التخلف الفكري الفاضح”.
بعد ذلك، يعرض علبنا صاحب القناة مقطعا قصيرا ينطق فيه عصيد بهذه الجملة: “اللغة الأمازيغية معجزة حقيقية”. ثم يليه مقطع آخر لشيخ ملتح يقول فيه: “نعم، إنها المخدرات”.
يبدأ سعيد السعدي حديثه بالإشارة إلى انه عادة عندما تطرأ أزمة من المفروض على المثقفين والإعلاميين ورجال السياسة وكل الفاعلين في تلك البلاد التي حلت بها الأزمة النزول بكل ثقلهم إلى حيث توجد تلك الأزمة للمساهمة في مناقشتها أو معالجتها. بمعنى آخر، لما حدث هذا الزلزال بمنطقة الحوز ونواحيها كان من المفروض أن تنصب كل الجهود على معالجة ومحو آثار تلك الكارثة العظمى التي ألمت بوطننا الحبيب.
يوضح سعيد بأن المقصود هنا هو السيد أحمد عصيد الذي كلما وقعت فاجعة، عوض تركيز كل جهوده على كيفية التعامل معها، نجده يتجه إلى تصفية حساباته مع فئة أخرى هي في نظره سبب كل الوباء والبلاء. لذا، حري بنا أن نتساءل عن مدى صحة منهجية السيد أحمد عصيد.
ومهما وقعت من واقعة، يتابع سعيد، لابد وأن يقحم الفقهاء. فعل نفس الشيء عندما سقط الطفل رايان في البئر، وعندما استشهدت شيرين عاقلة الصحافية الفلسطينية، وعندما تفشى وباء كورونا وغرقت سفينة تيتانيك..
ثم يقول: “أنا غير معني بالمرافعة عن الفقهاء، لكن كباحث مطلوب مني بالضرورة أن أقوم بتحليل أي خطاب والمساهمة في النقاش العمومي. السيد أحمد عصيد، كما يعلم الجميع، خصمه الأساسي الأول هو الفقهاء. من حقه أن يوجه إليهم خطابا يراه صحيحا، لكن ما يجب أن نحذر منه وأن ننبه إليه هو مثل هذه النقاشات بعيدة عن صلب الموضوع، وتحرف النقاش، وتستفيد منها بدون شك جهات أخرى، قد تكون هي رئاسة الحكومة التي لم يذهب رئيسها إلى مكان الزلزال”.
عن عصيد، يقول السعدي إنه اتجه بنا هذه المرة إلى أصحاب المعجزة ليحذرنا من فكرهم الخرافي والظلامي، محاولا إيهامنا بأنه يتحدث بمنطق علمي وكأنه عالم في الجيولوجيا أو في السوسيولجيا. لكن كل هذا غير صحيح. فالسيد عصيد كما هو معلوم انطلق من أحواش وأحيدوس وهذا شيء جميل، لكن يجب ألا نخلط بين الأمور. فشتان بين منطق أحواش وأحيدوس ومنطق العلوم ومنطق المعجزة.
هنا، يدلي صاحب قناة “الحكمة العربية” بنقطة نظام مبدئية، وهي أن كل من اراد أن يعتقد في المعجزة له ذلك، فليس لديه اي اعتراض على ذلك، ومن لم يرد تصديق المعجزات واعترض عليها، فهو حر في ذلك ولا دخل له في تصديقه او تكذيبه. لكن الأساسي، بالنسبة إلى المتحدث، هو الكشف عن هذه التناقضات وهذه السكيزوفرينيا وهذه اللخبطة وهذا التخبط العشوائي الذين وقع فيهم السيد أحمد عصيد في حديثه في كل فرصة وفي كل وقت وحين.
ولاحظ سعيد السعدي أنه في الوقت الذي وضع فيه المغاربة، فقهاء وغير فقهاء، متدينين وغير متدينين، يؤمنون بالمعجزات أو لا يؤمنون، يدا في يد وتضامنوا، ورفعوا أكف الضراعة في المساجد تضامنا مع محنة إخوانهم مع الزلزال، وجدنا السيد عصيد يكتفي بنشر الخواطر على صفحته وفي فيديوهاته، ولم يقدم شيئا ذا بال. ثم يتساءل: من المعني بهذا الهجوم؟ حتى لا نقول الانتقاد لأنه اعتاد استعمال مثل هذه الكلمات. أعتقد أن الجواب واضح وصريح.
ومرة اخرى، يسأل صاحب الفيديو أحمد عصيد: من يفرق بين ابناء الوطن ويفكك هذه الوحدة الوطنية وهذا الإجماع الوطني الذي حدث بعد الفاجعة؟ وجوابا على ذلك السؤال، يقول سعيد: “الذي حدث هو أن المغاربة بكل أطيافهم وديتناتهم وانتماءاتهم القبلية نبذوا كل ما يفرق بينهم، الكل القى بثقله على المناطق المنكوبة”. لكن يظهر لسعيد أن الوحدة المغربية والوحدة الوطنية هي ما يزعج السيد عصيد. ضروري أن يتحدث إلينا عن شيء يفرق بيننا: الناس الذين يؤمنون بالمعجزة والتاس الذين لا يؤمنون بها، لاىبد من أن يقترح علينا في كل مرة موضوعا للنقاش بعيد كل البعد عن موضوع الوحدة الوطنية.
ويتساءل سعيد عن هؤلاء الفقهاء الذين يؤمنون بالمعجزة والذين يجلدهم السيد عصيد دائما: هل هم مسؤولون سياسيون في تلك المناطق عن الزلزال او عن الخسائر التي يمكن ان يتفاداها المواطنون او عن البنية التحتية الهشة، أو عن الفقر، او عن كل ذلك؟ هل السيد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، فقيه؟ وهل السيد عبد اللطيف وهبي، رئيس جماعة تارودانت ووزير العدل، فقيه؟
عوض ان يتوجه السيد عصيد بالنقد إلى المسؤولين دون إخطاء الهدف نجده يخوض في نقاش مفتعل ليغطي على النقاش الأساسي. المسؤول عن تلك المنطقة هو الذي يلزم ان نفتح معه تحقيقا في ما إذا كانت هناك مشاريع تنموية لم تحقق أهدافها أو لم تكتمل، أو في ما إذا كان المخطط الأخضر مآله الفشل ولم يترك بصمة إيجابية. هذا هو النقاش الصحيح، لكن دائما الفقهاء هم ذلك الحائط القصير.
هذه الهلوسة الفكرية او هذه الشعوذة الفكرية يواصلها السيد عصيد دون أن يحمر وجهه خجلا. فهو نفسه يعتقد في معجزة أو خرافة معاكسة. الفرق هو أنه ينتقد المعجزة الدينية ويتقبل معجزة من طبيعة أخرى. فإذا كانت المعجزة الأولى من غير مسببات وتفتقد للسببية والعقلانية، فلعصيد معجزته وخرافته، غير أنه يسير في اتجاه آخر، اتجاه مؤدلج، عرقي، إثني وغارق في شرنقة التأدلج الضيق والعرقي.
في هذه اللحظة من زمن الفيديو يعرض السعدي مجددا على المتتبعين تلك اللقطة التي يقول فيها عصيد إن اللغة الأمازيغية معجزة حقيقية.
من ذلك، يستنتج سعيد أن السيد عصيد يؤمن بمعجزة، وإن كانت غير دينية. وهذا يعني بالنسبة إلى عصيد أن المهم هو أن تكون غير متدين ولك أن تؤمن بما شئت من المعجزات، وهذا إلجام للعقل والعقلانية إذا كانت الأخيرة تقبل الاختلاف والتعدد. لكن السيد عصيد يقبل الواحدية والتشرنق واليعقوبية، وهذه مسألة خطيرة جدا.
قال السيد عصيد إن الأمازيغية معجزة، لكن واقع الزلزال نسف، إلى جانب المباني المهترئة والآيلة للسقوط، مجموعة من الخرافات والإيديولوجيات الرثة والمترهلة والآيلة هي الأخرى للسقوط. كيف حدث ذلك؟ أي مواطن طلب منه الحديث إلى ميكروفون (بي بي سي؟ أو (فرانس 24) او (سكاي نيوز) أو (العربية) او (الجزيرة) أو (المغربية) او (القناة الثانية) أو (الأولى) أو (الأمازيغية) إلا ويتحدث باللغة التي نفهمها جميعا من المحيط إلى الخليج، لغة دارجة مشتقة من اللغة العربية. إذن، أين هو المشكل؟ خطاب السيد عصيد الذي كرس له سنوات، بل عقودا من الزمن، للدفاع عن اللغة الأمازيغية لم يعد ذا موضوع. هل هؤلاء الناس القاطنون بالجبال في حاجة إلى لغة او خط او ترسيم؟ يتساءل سعيد.
لتعزيز استنتاجه الأخير، قام صاحب الفيديو بعرض مقطع مصور يظهر فيه نساء دوار أمازيغي منهمكات في حمل الآجور على ظهورهن والصعود به إلى مكان في الجبل خصص لبناء مسجد. ترافقت هذه الصور مع تعليق يمجد فيه صاحبه هؤلاء النسوة، ذاكرا أن سكان هذا التجمع في حاجة إلى تغطية إعلامية وطريق معبدة ومؤسسة استشفائية ومحاربة الأمية. وتساءل المعلق عن بعض الجمعيات التي تتدعي الدفاع عن حقوق المرأة او عن القضية الأمازيغية قائلا: أين أنتم من مطالب التسلء؟
في تعليقه على هذا المشهد، قال سعيد السعدي: “هؤلاء التاس يريدون فقط أن يعيشوا. إنهم يريدون مرافق صحية ووحدات سكنية مريحة وملاعب وما يقيهم قر البرد في الشتاء وحر الصهد في الصيف.
إيديولوجيا السيد عصيد لا تصمد أمام الواقع العنيد وأمام قوة الزلزال المدمر الذي نسف الخرافات والإيديولوجيات المهترئة التي عفا عليها الزمن واصبحت في متحف التاريخ. نحن أمام حالة من اليأس الثقافي التي وصل إليها استاذنا الكريم، لذلك اقول إن العقل كفيل بأن يجرف ويستأصل كل الخرافات والهلوسات والسكيزوفرينيات التي تتحدث بها بعض المنابر الإعلامية المغربية وغير المغربية، يختم سعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى