نعم، أنا متفائل
عندما يبدأ العد العكسي للمؤتمر في الأسبوع الأخير، لا مجال للسلبية. إنجاح المؤتمر هو الشعار. هذا المنطلق لا يعني بني وي وي. ولا يعني التصفيق. يعني تسهيل المامورية على منظمي المؤتمر، حتى تنطلق أشغاله بسلام. وتصبح جلساته سارية المفعول، ويشعر مسؤولو الحزب أنهم ليسوا وحدهم في محن الحاجيات وتسوية العراقيل التي تطرأ. مؤتمرات اليسار ليست مناسبة للوكس.
في المقابل، ليس العمل الجماعي اليساري أقل من عمل مواطن، يشعر فيه المؤتمرون، خصوصا الذين يحضرون أول مرة، إن علاقات اليساريين فيما بينهم علاقات مودة، علاقات العائلة من زاوية الدفء والمروءة، وفي نفس الوقت علاقات المؤسسة الحديثة من حيث المواطنة والندية والاحترام المتبادل. لا نميمة أثناء لحظات التغذية، ولا تجافي علاقات مقاولة أو تعاقد المؤاجرة. والضمانة هو أن النيات لم تكن قط سيئة لدى الساهرين على التنظيم. هذا عشريات من الشغل المشترك. لكن “ترابي الوالدين” في مجتمع مغلق شرقي ليست دائما نموذجية. كما أن “تياسريت” ما كانت يوما رعونة ولا “قلة الحيا” فيما بين مغاربة لا يجمعهم في الحزب– مبدئيا- سوى القضايا العادلة والقيم والأساليب النموذجية، ورَدّ الدَيْن لبلدهم الذي يعيشون تحت سقف مؤسساته وفي أحضان أهله.
من حسن حظ المؤتمر أن تعقيدات عديدة انتهت بعد الانشقاق. مما يوفر ظروفا أفضل للإنصات. والإنصات المتبادل يخصّب التفكير العميق المنتج. منتوجه الهدوء والوضوح وصفاء الذهن وحسن تصرف المؤتمرين. ويساعد المنظمين على إيجاد الحلول للطوارئ. وفي كل مؤتمر طوارئ. يردد العرب “من تجرأ لك، تجرأ عليك”. لكن العشرة الطويلة تحول هذه الحكمة الوحيدة الاتجاه إلى دياليكتيك في اتجاه مقلوب بما يفيد التفاعل الايجابي أيضا.
المؤتمرات عادة ما تكون فرصة ناذرة في عمر المؤتمِر الأصغر سنا أوالمبتدئ سياسة و تنظيما حزبيا. وإذا وعى عتاة أطر الحزب هذا الأمر، يجعلون من أيام المؤتمر فترة خصوبة ينشأ خلالها حزب جديد جميل الملامح في الفهم والمعاملة. وينشأ لدى المؤتمِر مثلث رائع= الطاقة والإرادة والقدرة.
يرجع المؤتمرون بنماذج المعاملة والأساليب الديمقراطية المرنة في الصناعة الجماعية للموقف والقرار والتنفيذ. فتتجدد طاقتهم الحزبية.
ويرجع المؤتمرون بصورة مخملية عن روح التضامن والمودة فتتجدد لديهم الإرادة في النضال اليومي، ويمتد في مخيلتهم حبل الربط بين ما ساهموا به محليا قبل المؤتمر وفرصة الاستماع وفضيلة الانصات لهم، فيتجدد عزمهم ويتأكدون أنهم لا يضيعيون الوقت في العمل الحزبي.
يؤجع المؤتمرون إلى مناطقهم وقد تربصوا بسلوكات القياديين فلاحظوا أن لديهم الخبرة في الحديث المقنِع وفي المبادرة الملائمة في التوقيت المناسب، وأن مستوى القيادة يعني ليس فقط طاقة الصبر والإرادة القوية بل يعني أيضا القدرة على حل المشاكل وعلى إنجاز مؤتمر وطني نموذجي من حيث التصرف.
فالمؤتمر نفسه ورشة صناعة الطاقة الحزبية والإرادة الحزبية والقدرة الحزبية. فإذا كان العمل الحزبي المحلي الدؤوب يساعد الأعضاء على اكتشاف ما لديهم هم من إمكانات هائلة لم يتيقنوا منها سوى عبر الحزب، فمنصة المؤتمر تصبح دافعة نحو الثقة بالنفس بما لا يقاس.
لكن منصة المؤتمر بالنسبة للحياة الحزبية على قدر فوائدها تكمن مخاطرها. لأنها بمثابة مفاعل نووي في الحياة السياسية التنظيمية للحزب. مقلصة في الوقت ومكثفة المهام وثقيلة المتاعب. فمنصة نووية لا تحتاج إلى تجهيزات إطفاء الحرائق بسرعة، بل يفكر القائمون عليها في الاشعاعات الخفية التي ستظهر لاحقا إن وقع عطب ما في أشغال المؤتمر.
هذه هي الهواجس التي تجعلني واصلا لحظة التفاؤل، لكن مع الإعداد لما يزكي التفاؤل. والثقة في النفس توفر زاد التفاؤل. والايمان بإمكان استدراك جوانب النقص، هو ما يبرر تموقعنا في التفاؤل بدل الطمأنينة المسترخية.