وجهة نظر

سباعية العد العكسي (4) مؤتمرات الأحزاب مدارس تكوين تعلَّمْنَا منها ولولاها ما كنا ما نحن عليه

في قلب الاوضاع 53 بقلم أحمد الخمسي

لماذا نتفاءل؟ الجواب= الضرورة الحيوية للمناضلين هو الحفاظ على نظافة النفسية من التسمم المعنوي. هو الوقاية المسبقة من التعفن النفسي. هو الحذر من السقوط في معارك جانبية مكشوفة وخاسرة. هو التعود على كون التنظيم الحزبي، مدرسة مغربية، نتعود فيها على صناعة غرفة عمليات لفائدة أرضية الشعب وسقف الدولة وما يربط المغاربة فيما بينهم وفق منظومة حديثة ديمقراطية. تحفظ للأفراد كرامتهم وحريتهم وحقوقهم، وتحفظ للدولة حقوقها على المواطنين، والقدرة على أداء واجباتها تجاههم.

لنتخيل أنفسنا وقد ورثنا مسؤولية ثقيلة، بحجم زمني يصل أربعة قرون. لم يعش الفرنسيون تحت سقف أسرة صمدت أربعة قرون. لا يوجد في العالم اليوم بلد بقي متماسكا بين الشعب والدولة مدة أربعة قرون. هذه الاستمرارية ليست علامة جمود. بل علامة تماسك. إذا رأيناها علامة جمود فكأنما مليار ونصف من الصينيين الذين صبروا ليبقى هذا العدد الضخم متماسكا في ظل حكومة واحدة لا يزيد عن كونه ركاما من بشر يشبهون أكياس بطاطس (التشبيه من عند لينين في حالة سلبية الناس)، والحال غير ذلك.

على اليساريين أن يشمروا على سواعدهم ليفهموا مجمل إيجابيات بلدهم. أما تياسريت فلا تشترط أكثر من النزاهة في القول والعمل ومن بذل النفس قبل النفيس من أجل الشعب والوطن والديمقراطية. تياسريت ليست شعارات. بل عمل يومي منسجم. بعد إظهار عمق الفهم لما لبلدهم من مكتسبات تاريخية وجغرافية، سينصت إليهم الفرقاء الآخرون لحظة اقتراح عقد اجتماعي سياسي أفضل. ذكرتني نجلاء المحترمة العزيزة بالمرات العديدة التي فشل أديسون في تجاربه المختبرية قبل اختراع المصباح الكهربائي. وكذا اليسار، لا ننظر إلى يسار المغرب سوى ما يتردد معاركه الخاسرة. بينما صرح مساهمة اليسار أكبر مما نردده. علما أننا بالنظرة السلبية التي نقرأ تجربة اليسار المغربي، نعين الليبراليين والأصوليين، على تضخيم دورهم وتقزيم دورنا.

وإذا كنا نرى دور اليسار ورصيده مجرد فرص ضائعة، فتلك صورة “مرئية” عن نفسيتنا المصابة بالتسمم التضليلي.

ومثل ما راجعنا تاريخ الدولة المغربية، وتوصلنا إلى خلاصة تقدم النظام المغربي منذ القرن 17، كون السلاطين ظلوا ملتزمين بمبدأ “السلاطين على مذهب شعبهم”، وراجعنا بناء عليه، كيف ردَّ الشعب التحية بمثلها، بل بأحسن منها عندما بقي وفيا لأسرة مناضلة أثناء نصف قرن من الفتنة بين الأمراء، لأن له نخب علماء في جامعة القرويين، وفي مداشر الجبال، يجعلون من نظره “للأمور” (مرة أخرى كما يقول مصطفى بوعزيز)، بعيدا وعميقا. ولأن الشعب ظل مناضلا. ويعلم من نتشارك في النقاش حول الصلابة الديمغرافية للمغاربة حديثنا حول المعادلة بين الأمازيغ الذين حافظوا على لغتهم الأم، رغم كل الفاتحين الذين توالوا على دخول المغرب، وبين الفاتحين العرب الذين لم يصل منهم إلى المغرب، ولم يتوقف تعبا لا في مصر ولا في تونس ولا في الجزائر سوى أقوياء الإرادة من قبائل المشرق.

وبالعودة إلى رصيد اليسار في المغرب، يكاد يحصل على أكبر حصة من التضحيات وأيضا المنجزات والمسؤوليات العظيمة طيلة التاريخ المستقل. أول رئيس للبرلمان المؤقت في المغرب المستقل (المجلس الوطني الاستشاري) هو المهدي بنبركة الذي لم يكن سنه أكثر من 37 سنة. وأول رئيس لحكومة مؤسِّسة للاقتصاد الوطني، عملته، وأبناكه، ومؤسسات الطاقة، وميزانيته السنوية أيضا برئاسة عبد الله ابراهيم الذي لم يصل ساعتها سن الأربعين، وكذا وزير الاقتصاد عبد الرحيم بوعبيد ومستشاره ابراهام السرفاتي الذي له قصب السبق في أرفع دبلوم مهندس في تاريخ المغرب الحديث. كلهم دون الأربعين، وكلهم رموز السياسة النظيفة في المغرب المستقل ورموز اليسار. لقد اتهمت فرنسا منذ الحماية الملك محمد بن يوسف كونه شيوعيا، فقط لأنه خلال الفترة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وسنة 1955، كانت الحقوق النقابية للعمال المغاربة جزءا من مطالبه للإقامة العامة الفرنسية. يكرر هذا الأمر إطار الحماية الفرنسية جورج سبيلمان في كتابه.

لقد تمكنت فرنسا من شق دار المخزن بداية الستينات. وتمكنت من جر التيار اليميني في المخزن إلى جانبها، فمن يتمعن فيما حاق بالعائلة الملكية منذ تأليب الجيلالي الروكي الذي أفتى عليه الفرنسيون كي يدعيَ أنه يسمى مولاي امحمد وأنه ابن الحسن الأول، لكي يخدع القبائل ويحدث حربا أهلية ساعدت فرنسا على نشر أكذوبة “بلاد المخزن وبلاد السيبة”، من عرف ما تسببته فرنسا لملوك المغرب، عبد الحفيظ، يوسف، محمد بن يوسف، يعذر خوف الحسن الثاني من تدبير الغرب وفرنسا خصوصا، أمر إنهاء وحدة الدولة والشعب بعد القرون الثلاثة ونيف.

لكن ما كان للحسن الثاني أن يتيقن من انتقال العرش بسلام بعد غيابه، إلا في هيئة يسارية وشخصية يسارية. لقد سبقت الاشارة إلى استخلاص السلطة الاستعمارية المقارنة بين بلدين يتميزان بصلابة العلاقة بين الشعب والملكية= المغرب والكامبودج. واليوم، حيث النظام الكامبودي يقوده حزب يساري منذ عشرات السنين، فما زال هذا البلد العريق يرأسه الملك ويقوده حزب اشتراكي. ضمن الملكية البرلمانية. وشعار الدولة ثلاثي الأركان مثل الشعار في المغرب. لقد حسب الاتحاديون لمدة طويلة تيار عبد اللطيف المانوني تيارا ماركسيا في الاتحاد، وهو الذي ترأس لجنة الدستور سنة 2011، وما زال أحد أقطاب الاستشارة الملكية. وليسأل اليساريون ما إذا كان عبد اللطيف المانوني المكناسي شخصا وصوليا أو مرتشيا أو انتهازيا. وليقارن الناس اليوم بين ممتلكاته اليوم وبين ممتلكات الراحل عبد الواحد الراضي وقد مر كاتبا أول للاتحاد الاشتراكي.

عندما كنا في الرباط ضيوفا عند فرع الرباط والعزيز محمد العوني، كان مقر الاجتماع مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ويقع في شارع علال بن عبد الله؟ من هو علال بن عبد الله حتى يكون الشارع الموازي لأحسن شارع في الرباط شارع محمد الخامس. تلك رمزية تجسد اعتراف الدولة بجميل تضحية أبناء الشعب. إنه مواطن بسيط فقير من كرسيف. حتى عمر بن جلون الذي اغتيل من طرف غربان الظلام، في مدشر جبلي في الشمال، لما اقترحت الجماعة الترابية القروية إطلاق اسمه على مؤسسة تعليمية، فالمسافر يقرأ اسم عمر بنجلون في جبال شمال المغرب في مؤسسة عمومية وفي التعليم.

وشخصيا كنت في السنة الأخيرة ما قبل كوفيد، أتعلم السياقة قبل انتهاء صلاحية حقي في الحصول عليها بسبب السن (65)، فلاحظت ضمن الدروس المصورة عبر الحاسوب، في شارع من شوارع المدن المغربية، كل متعلمي السياقة في المغرب، يلاحظون ملصق حملة انتخابية للأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب. فكرت ساعتها= إن الدولة لم تنس مهمة نبيلة منيب في السويد. فهمت ساعتها لماذا جاء إلى مقر تطوان أحد أرباب مدارس تعليم السياقة في تطوان. وعندما صادفني أتعلم قال لصاحبة المدرسة = هذاك السيد راه في حزب سياسي محترم.

بهذه الروح نتنفس كيساريين لنا موقعنا في تاريخ المغرب الحديث، نمر أمام الناس برؤوس مرفوعة وبتواضع المناضلين. ولعلم المتشائمين، يكفي أن يعلم بعض رموز السلطة أنك مخلص ليساريتك بما يعني النزاهة في القول والعمل، وأنك تحترم خصومك السياسيين وتختار دائما ألفاظ خطابك ولا تخلط بين قضاياك العادلة، وبين كرامة المغاربة مهما كانت مواقعهم ووظائفهم. أذكر مرتين خاطبني فيها أعلى موظف في السلطة الترابية ومرة أخرى ضابط شرطة وقد جئت عنده لاستكمال التحقيق في ملف إصدار جريدة الملاحظ الأسبوعية سنة 2009، لقد أخجلني بما أخذ يردد من إطراء. وهم جميعا يعلمون أن الخمسي يساريا شرسا لا يتنازل خط الحزب الذي ينتمي له. كلما كان النقاش العمومي بصدد قضية من القضايا العادلة.

يكون ردي بسيط للغاية= أنا فقط مغربي يستحيي من الذين يضحون بأرواحهم من أجل القضايا العادلة، وأحذر من أن أتحول إلى انتهازي أو وصولي وراء قناع التقدمية.

في الحقيقة وكما قلت في حلقة سابقة، أنا منسجم مع التغيير الديمقراطي الذي يسعى إلى إرساء السيادة الشعبية أساسا متينا للملكية البرلمانية.

وبهذا القول، أجدني أمام تراكم إيجابي من موقع تطوان، الذي يشتغل بمقر، تتزعم مكتبه المحلي نعيمة آيت ابراهيم، يمثله في الجماعة الترابية أحسن منتخبين في المدينة بشهادة الجميع= أنس وجويرية، يوجد داعما له أفضل الأطباء سمعة في الاقليم أحمد القايدي، له أكثر المناضلين سلاسة في العلاقات العامة، فكاك لوحايل، عبد الاله. لما كانت الحملة لدعم ضحايا الزلزال وجدت رفقة نعيمة كريمة الحداد المناضلة الصبورة، ولأن الحرص بينهم كشباب على المناصفة والتشبيب أيضا فلا يسعني سوى الاطمئنان على شباب مثل بدر بايصا، اسم اسباني أندلسي يرمز لملخص الشمال. ثم أن تشتغل في مكتبه مغربية صموتة منصتة عاقلة مواظبة، تعترف أنها تتعلم من عبد الاله وأنس ومحمد؟ تلك سلوى المبتسمة دوما، الخبيرة في صمت بما يعانيه فقراء المغرب في السجل الوطني والسجل الاجتماعي. اقترح عليها ادريس من ذاته كي تتبوأ رئيسة تحرير لأنوار نيوز الالكترونية. تلك مأثرة أخرى لمعرفة كيف يبادر الناس لدعم الاشتراكي الموحد. وكم تزهو نعيمة بنفسها لما يخاطبها حميد، ويقول لها = تهاللاو ف الشمعة راه هي للي باقية فهاد البلد السعيد. ولأن بشرى لم تنس موقعها السابق منسقة للقطاع النسائي قبل سلوى، فقد انفطر قلبها واستدعت رفاقها لتجديد المودة بين الأسماء المذكورة أعلاه اعتبارا ومحبة.

وإذا كان الاشتراكي الموحد جاء من تطوان إلى المؤتمر الخامس بحصة وافية من حيث المناصفة والتشبيب، فالتلفزة تعرض مسلسل الحرة، وللاشتراكي الموحد شبه بتاريخ مغرب الشمال حيث تفرد اليسار بتبويء المغربية على أعلى سلطة حزبية في شخص نبيلة منيب مثلما رأت تطوان في تاريخها حكم السيدة الحرة بلا تعقيد ولا غرابة، وبالتالي، فالنظر إلى اليسار في موقع جيد ومشرف للحصيلة السياسية، ضمن المدرسة التي تنظم مؤتمرها اليوم حيث نشأت أول حركة نسائية حزبية حديثة وأول جريدة نسائية حاملة لهموم المغربيات وحالمة بأسرة ديمقراطية بعد الاستقلال وأبهى اسم جريدة لها ارتباط بشهامة الريف= أنوال.

ليكن المؤتمر خطوة في مسيرة التغيير الديمقراطي لإرساء ملكية برلمانية تشتغل وفق قواعد السيادة الشعبية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى