وجهة نظر

التقرير العام للندوات السبع  حول  الحراك الشعبي للريف ذ. عبد الواحد حمزة

يتطرق هذا التقرير العام إلى مجموع التقارير السبعة وقراءة نظرية أولى فيها، وهي التقارير التي أقيمت –تباعا- على إثر الأسبوع الرقمي التضامني مع الحراك الشعبي للريف من 11 إلى 17 ماي 2020، وقُدِّمَ في ندوة حضورية وعن بعد بمقر الحزب الإشتراكي الموحد بتمارة، حيث بُسطت النتائج والخلاصات الأولى للندوات يومه 19 من شهر أكتوبر 2023 لتُطرح للنقاش العام، وكان ذلك بمناسبة ذكرى إستشهاد محسن فكري طحنا بالحسيمة.

هكذا سيعالج التقرير العام السياقات الفنية والسياسية للندوات السبع وللكِتَاب حول الريف، مُسْنِداً ذلك بفرضية مطروحة للنقاش تحت يافطة ” الناصرية الجديدة” في ظل نظام مخزني متجدد، وكذا إحتكام التشكيلة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المغربية إلى بنية نيوكولونيالية كابحة للتقدم والتحرر للبلاد.

أولا: السياقات الفنية والسياسية للندوات السبع وللكِتَابِ حول الريف

في 19 أكتوبر 2023، قدم فرع الحزب الاشتراكي الموحد بتمارة تقريرا عاما في المؤلف الجماعي حول حراك الريف الشعبي، والذي هو بمثابة تقديم وقراءة نقدية في الكِتَاب، حيث التقارير السبعة وحيث الملاحق والقراءة النظرية فيه، وهو الذي يحمل عنوان “حراك الريف الشعبي: مدرسة في النضال الديموقراطي الشعبي”، وما نقدمه في هذه الورقة عبارة عن تقرير عام للندوات السبع، خلاصاتها السبع، مع سياقات المؤلَّف، وهي ندوات نظمها وأشرف على تنسيق عملها ثلة من مناضلي الحزب بتيار “اليسار المواطن والمناصفة”، آنذاك – حيث وضع تيمات الندوات ودعى المدعوين / ات وجمع الوثائق، وسهر على السير العام والعادي كل من الرفاق العلمي الحروني وعبد العالي عطيف والمصطفى بنصباحية ومحمد الشطراوي، وآخرون /ات. أما القراءة الفكرية- السياسية التمهيدية والإستشرافية، فكانت للرفيق عبد الواحد حمزة، فضلا عن مشاركته الدائمة في تقرير أكثر من ندوة، منذ الإنطلاق ذات 11 من شهر ماي إلى 20 منه، من سنة 2020.

المؤلف الجماعي يضم 190 صفحة تقريبا وهو عبارة عن تقارير فيها، وقراءة أولية ونسبية لمجموع ندوات الأسبوع التضامني- الرقمي مع الحراك الشعبي للريف- ليلة اعتقال قيادييه الأشاوش. إنه مؤلف شارك مداخلاته –أغلب عروضها شفهي- وكلها عن بعد- زمان جائحة كرونا – ما يقارب (50) خمسين متدخلا /ات، من ناشط جمعوي –سياسي أو حزبي، إنها الندوات السبع التي شكلت التقارير والتفاعل الأول- زمان الندوات- والثاني بمناسبة خروج ” العدد صفر” من المؤلف الجماعي- مادة الكتاب الأساسية – كما هي.

 أما القراءة الإستشرافية فتظل نسبية، وهي أولا وقبل كل شيء “وجهة نظر” مطروحة للنقاش الرفاقي- الحزبي-النقدي، والذي قد يتقاسم مطلقا أو نسبيا أو جزئيا إحدى خلاصاتها، وخاصة بعض تأويلاتها(…)، لأن النقاش لا زال لم يـُحْسَم فيها. فهي مواد مطروحة على رفاق “تيار اليسار المواطن والمناصفة “، قبل غيرهم، الحاضر الفاعل باسم التيار قبل انشقاق “التيار الوحدوي” عن الحزب، وتأسيسه- بعذئذ- لـ” حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي”، حيث ساد “تقدير سياسي” لدى مناضلي /ت “تيار اليسار المواطن والمناصفة” على أن المرحلة التي يمر منها الحزب الاشتراكي الموحد، هي مرحلة “إعادة بناء ووحدة” (refondation et unité  )، تقتضي جمع شمل كل روافد الحزب، فكان موضوع النقاش يهم بالدرجة الأولى مثقفي التيار العضويين وسياسييه ومناضليه/اته ، وباقي أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد.

 لكنها أيضا أفكار نقدية مقترحة للتأمل والتفكير على مجموع المشاركين / ات في الندوات كلها، أكانوا منضوين تحت منظمات مستقلة أو أهلية، أو مستقلين، وغيرهم، من المهتمين بالشأن السياسي ببلادنا، وكل من يهمه صراحة نُصْرة قضية الريف وأهله، بالدرجة الأولى، وكل تلك التقاطعات السياسية التي تجعل من هذه القضية مسألة وطنية –ديموقراطية – شعبية، وتجعل منها خزانا ومدرسة للنضال، تنضاف إلى الإرث التاريخي لمعركة أنوال الخالدة، ولما أبدعته من فنون المقاومة والكفاح والصراع، (…)  أهمها  وأجداها في حرب الريف “حرب المدن والشوارع… والقرى ” الملهمة، لتعزيز الحرية، والكرامة والمواطنة الكاملة ببلادنا، في أفق ديمقراطي – اشتراكي صريح.

وهو العمل الذي أهداه الفريق/ التيار / الحزب إلى قادة الحراك الشعبي للريف، ناصر الزفزافي ومحمد جلول ولكل من أحمجيق والحاكي وأدهشور واغيد، وباقي رفقائهم في النضال، ممن أفرج عنهم، أو ممن لا زالوا يقبعون ظلما في سجون الذل والعار، وكذا إلى العائلات الصامدات وجمعيتهم  المكافحة “تافرا” والشباب في المهجر، في أفق إطلاق سراحهم، اليوم قبل الغذ .

لقد كانت التقارير السبعة وهي ستة من سبعة تفريغات لـ “فيديوات”، مما تعاون عليه الرفاق المقررون، وكذا المتابعة التقنية والفنية للندوات عن بعد، وصياغة الملصقات- “الأفيشات”، تباعا، وكذا التنظيم والتنسيق المحكم للتدخلات / الأوراق والوثائق، مما أُستطيع أن يـُجمع لحد الساعة، أكان قد نشر في الصحافة، أم لازال طي الغابر، (…)، كل ذلك تطلب الصبر والتؤدة و”المهنية”، من لدن المنظمين/ الذين عملوا- فوق الإمكان، خاصة وأن الحزب، وقتها، كان على مشارف مؤتمره الأخير / الخامس (2023 )، على إخراج هذا العمل / الإلتزام –اليوم –إلى الوجود، من الكتمان إلى التوثيق / التاريخ، إذ إعتبروه “تكلفة” قبل أن يكون “شرفا”، وإعتبروه دينْا عليهم، منذ أن إنطلقت أولى الندوات، ذات منتصف ماي من سنة 2020، و”إلتزام الحر دين عليه “.

جميع مواضيع الندوات السبع مهمة ومتكاملة، لكن ندوة “الريف كمدرسة للنضال”، و”دور اليسار” فيها، تُعتبر مُدَلَّلَتُهَا، فهي حفلتنا- اليوم- إذ حظيت وتحظى لدى فريق المُؤَلَّف بمكانة خاصة وفريدة. إنها الندوة العزيزة- المدللة لدى الجميع، “الندوة -الرجولة”… الندوة البطولة والشرف .. الندوة السلمية والسلوك الديموقراطي … الندوة الإبداع (…)، حتى أن مشروع الكتاب أخذها كعنوان له، ولأن المناضلين / ات أرادوا أن يتعلموا من تجربة الحراك الشعبي الدروس (…). وإن كان من المعلوم أن من لا يمارس لا يخطئ، فللنضال ثمنه وحدوده، وللملف المطلبي الإقتصادي- الإجتماعي والثقافي للحراك شرعيته وحدوده (…)، الذاتية منها والموضوعية، بما في الأمر من حدود للقراءة الفكرية المفتوحة، -نسبيا- على التقارير.

ثم، إذا كان من السهل إستجلاء القصور الجماعي – الذاتي النسبي لدى القادة، فلابد من الإشادة بالبطولة بداية، وبالإيثار والشكيمة والشموخ لدى شباب الحراك ونسائه وشيوخه ومواطنيه ومواطناته، عموما، في الداخل قبل الخارج، وفي ما يمكن أن يلعبه مغاربة / “دياسبورا” المغرب من دور فاعل في ما سيعرفه البلد في المستقبل من حراك (انظر الناشط السياسي عزيز المحب في نقاش هذا التقديم-ليلة/ يوم تقديم الكتاب)، لما تشكله من أهمية موضوعة “التهجير القسري ” لملايين المغاربة / ومنهم شباب الريف/ إلى الخارج / أوروبا وغيرها (….)، ولأثر مناخ الديموقراطية – الحرية- النسبي- الذي قد ينعموا به، هناك، وإن أصبح الغرب يتنكر أكثر فأكثر لقيم الديموقراطية عنده، بالذات، قبل غيره، انظر قائمته بعد السابع أكتوبر 2023 وإنتصار المقاومة الفلسطينية/ حماس في معركة /حرب التحرير، بما هي ليست فقط موضوع إنساني بحث يستدعي المعونات الغذائية والطبية، لتُقلب المفاهيم والإبدالات واللعبة السياسية رأسا على عقب ! وهي بالتمام والكمال مدارس للنضال، عن حق !

وهو ما يعني – أيضا إستبصار حدود الحراك الموضوعية، مع أخذ المسافة الضرورية والنسبية من الحدث التاريخي، بالذات، وما يستدعي ذلك من سبر لأغوار التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية للنظام الحاكم في بلادنا، وتقييم نقدي لسلوك القادة والجماهير في الريف، وفي بلاد المغرب عموما، وفي رسم الأفق السياسي الممكن للمغرب.

ثانيا: فرضية ” الناصرية الجديدة” في ظل نظام مخزني متجدد متحالف مع النيوكولونيالية

لقد قدمنا وطرحنا للمناقشة، وإن بَعْدَ قراءة أولى للأوراق/ التقارير فرضية “الناصرية الجديدة” في ظل “نظام مخزني متجدد”، وإن كان من صميم الصدف البحثة أن يأخذ إسم “ناصر” للمرة الثانية مع اسم ” ناصر الزفزافي”، الإسم المجدد لـ”جمال عبد الناصر”، وإن كان قد أخذه –قبلا وبعدا- في كل تجارب البورجوازية الصغيرة التحررية. في العالم العربي- الإسلامي، في محاولاتها المكرورة لـ”كسر شوكة التبعية للإمبريالية الغربية دون جدوى، فمن الملحوظ أن النظام السياسي، ببلادنا، ظل يعاود إنتاج البنية الكولونيالية، في تجديده للتبعية للغرب، وفي إستفحال تخلفه، إلى اليوم، أيما إستفحال.

 إنها الفرضية التي قدمناها – اليوم- للعمل للحراك ، برمته، وإن لا زالت لم تأخذ نصيبها في النقاش الرفاقي النقدي، ولدى المثقفين، عموما، ولدى العموم، وهي على رأس خاتمة الكتاب للمؤلَّف الجماعي. إنها الفرضية المتوجهة رأسا –إلى طبيعة الدولة – النظام الحاكم، وهو ما طرحناه في فرضية فرعية تحت اسم “خطر إنبعاث الدولة الطائفية في المغرب” وتفاقم “النـزعة الإنفصالية”، إذ أنه من المعلوم أن من أخطر ما تعرض له الحراك الريفي الشعبي- دون غيره- أكان في جرادة أو – خاصة – في الصحراء هو نعته بالإنفصال ، تمهيدا لضربه / الشرعنة، الضربة القاسمة / الرعناء.

وهو ما جعلنا نتساءل هل إحتكام المغرب إلى بنية نيوكولونيالية- مخزنية بكل هذه القوة – يجعله موقوف الإنتقال الديموقراطي، ويجعل قدر حراك الريف، وغيره من ألوان الإحتجاج والتشوف إلى التغيير، من أجل “سيادة شعبية”، أو ” التغيير الديمقراطي”،  أو ” الديمقراطية في أفق اشتراكي “، كقدر حركة 20 فبراير – ما قبلها وما تلاها وما سيتلوها من حراكات، هو الفشل ؟ ألا تكون القوى الحية ببلادنا، وما طمر من تذمر لدى الشعب الواسع، قد تراكمت وتراكم –جميعها- على طريق الإنعتاق نحو الحرية والعدالة الإجتماعية والمناطقية والديموقراطية ، ما ليس بالهين/ الهش، وأن تلك “القوة” من ورق، ليس إلا ؟ ! ألا تصطدم كل تلك المحاولات لفك التبعية والتأخر التاريخي لبلادنا “بحائط”، خاصة وأن تجارب الإنتقال وقيادات الحراكات في العالم العربي- الإسلامي ظلت تعاني من طابعها البورجوازي الصغير، ليكون قَدَرُ حراك الريف- ومن على شاكلته الطبقية، قدرها بالذات.

وللعلم فإن تلك وهذه الإنتفاضات والإنتقالات ظلت محجوزة، ولم يشفع لها أنها أعطت من طبقتها أجود ما عندها، من كوادر وكفاءات وطويات أخلاقية ودينية وإيديولوجية مناضلة، بحق. لقد إستطاعت أن تعبئ جماهير شعبية عريضة، تضعها في الصف الأول “للصراع القاتل”، غير أنها ظلت تعاني من عوائق بنيوية في صيرورة التحرر والديموقراطية، والتي هي بالضبط صيرورة تحول قاداتها إلى “بورجوازية كولونيالية” وصيرورة تحولها وتسلقها الطبقيين. لقد تعقبتها لعنة ” البورجوازية الكولونيالية”، حيثما حلت وإرتحلت عبر الزمكان (انظر تجارب مصر ولبنان والجزائر والمغرب (…)).

 وعليه، فتجربة المغرب تفيد بالضبط إلتحام واحتضان المخزن الاقتصادي والسياسي والثقافي لهذه “البورجوازية الرثة”- المراوحة لمكانها، ومعها، على طريق التبعية والتخلف، فتداخل مصلحة السلطة بمصلحة المال والريع. الهدف من ذلك- سياسيا- هو تحييد إرتباط  أولئك القادة مع باقي الطبقات الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير، وعلى رأسها الطبقة العاملة وإيديولوجياتها، وقطع الطريق على إتساع رقعة الإحتجاج والتأثير الجيوغرافي – السياسي إلى باقي ربوع المملكة / الأحياء والمناطق الشعبية.

 فسواء أكان في تجربة حركة 20 فبراير أو في باقي ألوان الحراكات الشعبية بالريف، أو جرادة، فلم تستطع تلك القيادات أن تجر باقي القوى الشعبية أو المنظمة – جغرافيا وسياسيا- إلى تبني مشروعها، وإن كانت قد إستطاعت أن تنظم – هنا أو هناك- مسيرات تضامنية على المستوى الوطني، كمسيرات الرباط أو الدار البيضاء (…)، وغيرهما، وإن لم يلتف عليها المخزن إلتفافا كاملا وعنيفا، إلا في ما بعد، أيضا، محاولا إختراقها منذ البداية.

هكذا وإنطلاقا من إستقراء سريع للتاريخ السياسي- الاجتماعي لتلك التجارب يمكن إيعاز وحجاج فشل التجربة الناصرية – الأصل- إلى فشل قيادتها في تحقيق طفرة تحررية نوعية، حقيقية وحاسمة، وإن ناضلت بوطنية صادقة، ووسمت ملفها السياسي – فضلا عن الملف المطلبي- الاقتصادي- الاجتماعي- الثقافي بالحد الأدنى الواقعي- في الريف مثلا- فإنه من الصعب كسر شوكة الخيانة الفعلية للطبقة السائدة- المسيطرة على الوطن وخيراته، بالإرتماء والتحالف الظاهر منه والباطن، مع قوى الاستعمار الجديد.

 وهُوَ هُوَ، بالضبط، الذي ما فتئ يُنْشِؤُهَا ويعمل على تحويلها بالتدريج إلى بورجوازية نيوكولونيالية متجددة، ما إستطاع. بل وإن تجربة حراك الريف يمكن أن تُعَدَّ من ضمن تلك التجارب التي تَمَّ قطع رأس قيادتها في المهد، حتى قبل أن تحقق أي شيء من ملفها الاقتصادي- الاجتماعي- الثقافي البديل، وبالأحرى القول قبل أن تَسْتَلِمَ أي سلطة محلية – جهوية مناطقية صريحة وشفافة، وأكثر من ذلك أن تتبوئ مكانة محددة على المستوى الوطني، وبالرغم من تراكم تجربتها، وحتى أصالتها.

 ونحن لما ندفع، بالطبع، بأطروحة- فرضية “خطر الدولة الطائفية في المغرب”، في حلة أخرى متجددة، فلا غرابة أن يختلف على المواطن “البَقَر”، لحدة وتعقد الصراع الإيديولوجي – التاريخي- حول “موضوعة الريف”، وإنما لتبيان حدود شعار “الدولة الوطنية –الديموقراطية- الحداثية” المزعوم، وليس للتنكر –أبدا –لطوية الحراك الريفي الوطنية، وإنما بمعنى ما يمكن أن يستثمره نظام مخزني محنك ومتجدد لإشعال فتيل/ “فتنة الإنفصال”، ورمي الحراك بها، مما يراد به باطل، عموما، قصد تجديد الإنقسام، ومن ثمة تجديد البنية والسلوك الكولونياليان- المخزنيان وتيسير السيطرة الطبقية والدولية.

ثالثا: خواتم الندوات السبع وبعض الخلاصات الأولية

أتت خواتم الندوات السبع والخلاصات الأولى- أو على الأقل ما ظهر منها- في دروس وفرضيات جزئية ومترابطة أو إرهاصات للتفكير، فكانت المداخلات شبه مرافعات في التحليل والنقد لمنظومة الحكم والقيم ببلادنا، ولتقييم سلوك الإحتجاج والمقاومة لدى قياديي وجماهير الحراك، يجمعها المطلب العاجل لإطلاق سراح ما تبقى – وكان أهم وأعظم ما تبقى- من معتقلي الحراك الشعبي للريف، وكذا تحقيق مطالبه العادلة دون تسويف. “ما تبقى؟ ! قُلنا ؟ من القيادة – الرائدة- الأساس للحراك !.

ويمكن إجمال ما جادت به الندوات السبع في الخلاصات- “المعلقات السبع” من الثمرات الآتية:

النَّفْس الاحتجاجي القصير والمتقطع الذي تعاني منه كافة الحراكات المغربية / المغاربية، الآنية والتاريخية، وهو راجع عموما إلى التطور البطيء للعقليات ولزمن اشتغال مخيال المغاربة، حيث العلاقات الإجتماعية السائدة غير ضاربة في الديمومة. فخصوصية تشكلها وتنظيمها الترابي لا يسمح بالوعي المبكر والممتد لديها “حول المشترك” بين مكوناتها. كما أن هناك العديد من الثنائيات والسقوف التي لا زالت تُكبح مد الحركات الاجتماعية بالمغرب، وتحد من إطلاق حركتها، وأن لا مندوحة عن تجاوز تلك السقوف لبناء مغرب معاصر.

كما أن حراك الريف لم يأت من عدم، وإنما هو امتداد لحراك 20 فبراير 2011 لحراكات أخرى عملت على توسيع إمتلاك الفضاء العام، إبتداء من سيدي إيفني وصفرو وزاكورة، وأخريات. لكنه ظل يشكو من هدر الزمن السياسي ومن إلتباس الهوية والقيادة.

سيكون حراك الريف من تميز منذ البداية، وبالرغم من جهويته، بانتظامية هائلة وضمن صيرورة متوحدة، أعادت إطلاقها شرارة تصفية الشهيد محسن فكري. أما الدوافع الأساسية للأزمة في الشمال، فقد تضمنها الفشل الذريع للمشاريع التنموية الرسمية وللإهمال المقصود لشرعية القانون وقدسيته، بما في هذا تمييع لمحاسبة المتورطين في الفساد بالمنطقة.

ولا شك أن هذا الغلو يندرج ضمن موجة عالمية صاعدة لليمين القومي وضرورة محاصرته من قبل القوى الحية، وذلك بإطلاق موجة ثانية للمطالبة بالديموقراطية. وهو الضغط الذي ينزل – بلا شك – بكلكله على ضلوع النظام المغربي، إذ يشكل حرجا لديه، خاصة في ما يتعلق بموضوع حقوق الإنسان.

وبالرغم من إنبثاق مقومات، هنا وهناك، وإن كانت بالنسبة للبعض غير واضحة المعالم، فإنها تشكل، بالنسبة للآخر وبالضبط في تجربة الحراك الريفي- المغربي، رأسمالا كبيراً رمزيا في قاموس النضال المغربي، إذ يمكن إعتباره اليوم في طليعة مطالب الشعب المغربي.

إنه ما لا يمكن أن يُسْمَحَ به لنظام دولي وتحالفاته المحلية، بأن يتمادى في أسلوب تغذية المخاطر. وهو أيضا ما يضع على جدول أعمال القوى الحية بالبلاد، مطلب وحيوية إستثمار نقط ضعف الخصوم ، وكذا العمل على إبداع حلول رشيدة، قد تعيد للأحزاب السياسية الديموقراطية –التقدمية بريقها ودورها في التغيير الديموقراطي- الحداثي.

ذلك أن يسار اليوم يبدو أكثر واقعية من سلفه، وهو “المغربي –المغربي”، المتحرر، شيئا فشيئا، من الثقل والأسلوب اليساري والنظامي الفرنسي. وهو بهذا في تطور ملحوظ بإعتماده مطلب “الملكية البرلمانية”، وكذا “مطلب الأوتونوميات”. ولهذا، فإذا كان لحل مستشرف ما للاعتقال السياسي بالبلاد، ولمطلب إطلاق معتقلي الريف، بالذات، أن يكونا، فليكن ضمن رؤية واقعية وشاملة للنظام السياسي المغربي ولتفاعلاته، وهي رؤية تسمح –قطعا- بالتعدد الجهوي للثقافات ولكل روافد الوطن المتعددة.

وإذا كان من المؤكد أن المعتقلين يكابدون الأسر اليوم، فلعلهم أيضا يتعلمون من مواقف ومسؤولية إتخذوها –جهارا وعلنا- في الميادين، من أجل مغرب متنوع، يحفظ المكانة اللائقة بأهله، ومنهم بالضبط سكان الريف، وكذا بذاكراته التاريخية الحية. فلم يكن أبدا في تركيز الحراك/ الأهل على “راية الجمهورية”، أي دعوة للإنفصال، إنما هي دعوة إلى الحق بالاعتراف ضمن الوحدة الوطنية.

بإمكان هذا المطلب أن ينسجم مع تحقيق “ملكية مغربية” طاعنة في التاريخ، متصالحة مع الشعب، صاحب السيادة الوطنية. وهو ما تدعو إليه –أيضا- “إشتراكية القرن 21” الصاعدة والمتجددة عبر العالم، إذ هي “تعاقد إجتماعي سلمي” بين الأطراف المتصارعة، متفادية كارثة العنف المحقق لكلا الدولة والمجتمع. ولهذا فإن إعمال العدالة هو الضامن لإحقاق انتقال ديموقراطي حقيقي شرعي “منفرج”، سياسيا، بالنظر الفوري لإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، ومنهم قياديو حراك الريف.

غير أن موازين القوى – اليوم – تبدو لصالح قوى السلطوية، ويبدو أن الأمل يكمن في تفعيل المشترك المغربي من أجل الإنتقال السياسي، الضامن للحريات والمقدر لمساهمة الجميع في تكوين الوطن المتعدد والشريك والفخور بمقدراته وكفاءاته وطموحاته.

إتضح بعد الضرر البين الذي ألحقه القمع والمحاكمات الغير العادلة بمعتقلي الريف أن لا رهان على المقاربة التقنوقراطية –الأمنية- السياسية السائدة لتدبير الأزمات بالبلاد، وإنما تقع المسؤولية التاريخية لفرض الإنفراج السياسي على أكتاف شباب الريف، نفسه، وعلى باقي القوى الحية بالبلاد.

إن تهميش وتردي أوضاع الريف يرجع إلى إستمرار نفس الإختيارات الرسمية. ولا يبدو أن دولة المخزن عازمة على تغييرها في المدى المنظور. لكن الغلو في إتباع ذلك لن يعمل إلا على تجذير الحراك. وعليه يمكن إستثمار التجربة الحالية في أفق حراك قادم لا محالة، وذلك من أجل إعادة طرح مطالب الحراك الحيوية، والتي قد تمتد شرارتها إلى مواقع أخرى جهوية ووطنية، والتي لن تسمح هذه المرة، وفق مبدئ التطور، بالإساءة والضرر المقصودين، كما أُسْتُبِيح بهما اليوم.

وفي ما يتعلق بدور اليسار في الحراك، ومن أجله، أثيرت مسألة “الدكاكين السياسية ” لدى الحراك، فيما ثـَمَّنَهَا البعض (من المتدخلين)، الذين سرعان ما أبانوا أن الفيصل في الأحكام هو الميدان والتاريخ، اللذان يفرزان الغث من السمين. أما البعض الآخر، فقد قلل من أهميتها، لأنها مفردة لا ترقى إلى “مقولة أساس” في إبدال الحراك، بالذات. أما النظام السياسي فقد أبان، بالمناسبة، لمن لا يفقه كنهه الجوهري، أنه ذو وجه قبيح، بحيث اهتزت المؤسسات وإنمسحت معظم الأحزاب، وهي المهمشة، -أصلا- في اتخاذ القرار السياسي.

ولهذا، فلعل خلاص المنطقة من خلاص البلاد، حيث أثير موضوع “الكتلة السياسية” القادرة على تغيير الموازين، فوجدها البعض في “الكتلة التاريخية”، مما حلله الجابري محمد، فيما تعقبها البعض الآخر في مفهوم “الكتلة التي تجمع قوى اليسار والحركة الأمازيغية الديموقراطية وباقي فعاليات المجتمع المدني” (الحروني العلمي)،  وإن ظلت الحدود الهيكلية لسلوك القادة، أكان في الريف خاصة أو في غيره، مشفوعة بنظام نيوكولونيالي متحكم وسائد وصعب التجاوز، يقطع الطريق- باستمرار- على تطور الوعي الجمعي لدى الساكنة وقواها المنتجة- حيث هُمِّشَت الحسيمة، فبناء قُطْبَيْ الناظور وطنجة  الصناعيين، لمعاودة إنتاج  التفقير والتهجير، درءا لكل توسع لرقعة الحراك إلى مناطق أخرى، معلنة أو كامنة الغليان، وإلى قوى منتجة منظمة- عاملة خاصة- ومتناقصة العدد والحضور والإقدام النضالي – فكل تلك الإستراتيجيات النظامية تعمل على تعطيل الطموح الديموقراطي- الشعبي لدى عموم الساكنة بالريف، ومن ثمة لدى عموم الشعب المغربي.

كان بإمكان “ندوة كورونا والمبادرات المواطنة” قصد التصالح مع منطقة الريف وأهلها، أن تسبب فرصة “يقظة” للسلطة لتعمل على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كافة، ولمعتقلي قادة حراك الريف، خاصة، إذ لم تشمل عملية السراح – بالتمام والكمال – مجموع أولئك المعتقلين، خاصة القادة.

وعليه لا يمكن التنكر، أبدا، لتاريخ المقاومة ببلادنا ولصحوة الممانعة، ولا أن يتم التصدي والشجب لفحوى الذاكرة الوطنية والجهوية الحية، ولا، أيضا، التنكر لمرامي معركة أنوال الخالدة. ثم أن لا جدوى من تصلب السلطوية وإستفحال التقنوقراطية في ممارسات  السلطة المركزية، تُذَكِّرُ –لا محالة- بمفعول سنوات جمر ورصاص”جديدة” ! إذ لا يمكن أبدا لكذا أسلوب في الحكم أن يستمر، وهي دعوة صريحة لصناع القرار بالبلاد للتراجع عن الغي والتعاطي الصحي مع جائحة كورونا 19، وملابساتها، من أجل مجتمع ودولة تسع الجميع.

كما أن الدعم والتضامن اللذان يسديانهما “مغاربة المهجر” ليس وليد اليوم، وإنما هو قديم وعميق لدى أهل الريف، وإن كان قد ظهر أكثر للعيان، مؤخرا، إثر عواقب زلزال الحسيمة، بالذات، وبعده إثر مقتل الشباب الخمس في رِكَاب وتداعيات إحتجاج حركة 20 فبراير.

غير أن الحراك الريفي الأخير يعتبر فارقا. لقد أذكى جدوة النضال لدى “مغاربة المهجر”، فكانت الدعوة، ولا زالت قائمة، لإستثمار التجربة وتنظيمها- في إطار تنسيقي موحد ودائم، لكل الحساسيات في الخارج، وكذا العمل على مأسسة فيديرالية للتنسيقيات الوطنية على الصعيد الأوروبي، إنطلاقا من تراكم تجربة العمل المشترك.

وفيما يتعلق بدور الشباب في الحراك الشعبي للريف، فكانت الدعوة صريحة لهيكلة تمثيل حقيقي للشباب، عموما، داخل الأجهزة المؤسسية والجماهيرية للحزب، إن محليا أو وطنيا أو دوليا، تماما كما تشير إلى ذلك مرجعية الحزب الفكرية والتنظيمية.

ويمكن إعتبار حراك الريف فرصة سانحة لتموقع الشباب، عموما، والريفي خصوصا، ضمن هذا الإختيار الجماهيري. إنه الطريق الذي سلكه، فكان “نموذجا للعقل”، ضدا على خدمة مصالح اللوبي- الفاسد- المحمي في المنطقة، وفي تحد صارخ للقانون، مما يسيء لصورة المغرب، كما لا يحفظ وجها للسلطة القائمة.

هكذا تتطلب المصالحة مع الريف وأهله الإعتراف بهويته التاريخية، وكذا بما إرتكبته السلطات من أخطاء في حقه، والبدئ بإطلاق سراح المعتقلين. وقد ظهر دور الشباب الحيوي من أجل إحقاق مؤسسات حقيقية تعمل على تأطير المواطنين والتمكين من الحقوق. وستأتي “جمعية تافرا” للوفاء والتضامن مع العائلات المكلومة والصامدة، ورغم كل التضييق الذي عرفته على مستوى التأسيس والفعل التضامني والتآزري مع المعتقلين للريف، لتعبر عن “مؤسسة مدنية، حاضرة “بقوة العمل”، من أجل نصرة المظلومين والمعتقلين على خلفية حراك الريف، وكل المعتقلين السياسيين بالبلاد-ضحايا الحراكات الاجتماعية وغيرهم من الصحفيين /ات والمدونين / ات (…).

 

خاتمة:

لقد أتت الندوات السبع، عن حق، بفرصة لافتة لتوليف تصورات الفعاليات المشاركة – مباشرة- أو متدخلة- بشكل غير مباشر، برمتها، من أجل صهر المبادرات السياسية ولخلق ميزان قوي جديد، قد يسمح بتحقيق إنفراج سياسي، وذلك بإطلاق فوري للمعتقل السياسي، ووضع سكة التغيير الديموقراطي في المدار الصحيح.

لقد أصبح جليا أن كل التهميش –المقصود- الذي لحق بالريف وأهله، وبمناطق أخرى ” غير نافعة” من المغرب، هو نتاج لسياسات سلطوية- مخزنية فاشلة، ما فتأت تغذي الإنتفاضات الشعبية، هنا وهناك، وهي الإنتفاضات التي تنتصر –حتما- لمغرب الكرامة.

ولذلك بدى من اللازم تفكيك لأزمة التخوين والتشهير والعمالة وكل تلك التهم الجاهزة التي تدبج –ليلا- في حق النشطاء- “طالبي حق”، وممثلي الضمير الجمعي لكل المغاربة التواقين للحرية والعدالة والسلام.

هكذا قدم التقرير العام للندوات السبع في التاسع عشر من شهر أكتوبر 2023، ليلة المؤتمر الخامس للاشتراكي الموحد، وفتح النقاش على مصراعيه، رقميا، ودُعيت إليه كافة المشاركات والمشاركين في تلك الندوات،  والمهتمين /ات، قصد إبداء الرأي والنقد، بعد أن أُرسلت “النسخة الرقمية صفر” من الكتاب لهم، وكان السؤال يوم تقديم التقارير والقراءة السريعة للكتاب كما يلي:

إلى أي حد استطاعت الندوات السبع، واستطاعت التقارير والملحقات والقراءة النظرية الأولى، قيد التقديم السريع، توليف نقدي حقيقي- “ومتواضع” لتصورات الفعاليات المشاركة –الحاضرة مشكورة في الندوات، وذلك من أجل صهر الفكر والنظر والممارسة السياسية المناضلة، ومن أجل تقعيد وتركيب المبادرات للقوى السياسية والحزبية والمدنية- وللمناضلين ورجال ونساء الفكر المستقلين – ببلادنا، ومن أجل – أيضا- تفكيك أكبر إتهام- وأخرقهم على الإطلاق – لَفَّقَهُ المخزن الجديد للريف وأهله وقادته، ألا وهو “العمالة المزعومة للخارج”، والتي كادت أن تشعل فتيل “الطائفية المبتذلة” في الريف، عطفا على ما جاء به “الكيل بمكيالين” في حق قضية المغرب في الصحراء”، ومن إستثمار سياسي وإيديولوجي ملغوم للمسألة الدينية، “فقضية الإمامة” (…)، لتأليب الرأي العام الوطني- ذو  المستوى الثقافي الهجين- مما كيل على الحراك وقيادته من تهم بليدة، خرقاء ورديئة الإخراج، لم تحد من بهلوانيتها القانونية والسياسية والثقافية ، لا “ملهاة كورونا 19″، ولا القمع الممنهج ولا الأحكام الجائرة (…)؟ !

ثم إلى أي حد يمكن لحصيلة الندوات، وهي الآن موضوعة في كتاب “الحراك الشعبي للريف: مدرسة للنضال الديموقراطي- الشعبي”، أن تكون مادة موثقة مفيدة للمناضلين وللقراء، عموما، وهل يستطيع طرحها للنقاش العمومي الأوسع- بعد تسلم وصلها القانوني للنشر- أن ينير طريقا نقديا ما،  على طريق الإنعتاق والتحرر، وأن تكون بعض دروس الحراك نبراسا لبراكسيس سياسي واعدا لدى قادة الحراك الريفي، القابعين اليوم في سجون المملكة، قبل غيرهم، ولدى مجموع مناضلي/ ات تيار اليسار المواطن، الذي سهر – وقتها- على تنظيم الندوات وتنسيق موادها، وتسهيل الربط بمشاركيها ومشاركاتها، وكذا مجموع رفاق الحزب الاشتراكي الموحد، وكافة النشطاء ومجموع اليسار المغربي –العربي- المغاربي- الإفريقي والعالمي؟

لقد فُتح باب التدخلات عن بعد، وإن لا زال تفريغ الفيديو لم يتم، فإن متابعته المباشرة سمحت بوضع تقديم التقارير والقراءة النقدية الأولية في سياق عربي – إسلامي شديد الجدة، تميز بصعود المقاومة الفلسطينية الباسلة، ذات سابع أكتوبر 2023، مما سيتطلب ربط شديد العلاقة مع قوى التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها قوى يسارها، بل وإخراج القضية الفلسطينية من الطابع التضامني “الباهت والمناسباتي” إلى استثمار زخمها الحالي، من أجل إذكاء النضال المحلي –المغربي، حول “قضايا مغربية- مغربية”،  فضلا على أنها كانت وأبدا “قضية وطنية” لكل المغاربة، الذين خرجوا- دائما وأبدا وحينها- بمسيرات قوية، في الرباط والبيضاء، خاصة، نصرة لها، ومن أجل التأكيد على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي، وإغلاق مكتبه (…). وانتصارا للمقاومة والتحرير.

وجاء زلزال 8 سبتمبر 2023 ليذكر بزلزال الحسيمة 2004، وبكل التماطل الرسمي، وتعليق مواجهة الدمار الذي خلفهما – تباعا – على منطقتي الحسيمة والحوز، إيذانا بتكلس وعطالة وثقل حركة المؤسسات الرسمية، وبدينامية خاصة وحيوية تضامنية بالغة للمجتمع المدني، منذرة بفراغ نظامي مهول، وبحقيقة الخراب العرضي وبوضعية مفجعة، في أن المجتمع المغربي يمكن أن يعيش هجانة تلك المؤسسات، ولربما بحد أدنى منها، أو بدونها  (!)، ومذكرة بالعجز والفشل البنيوي لبلد تابع ومتخلف، في البنية التحتية وفي آليات إتخاذ القرارات السياسية، في حينها، وهي الملاحظة الخطيرة على طول وعرض باقي الجهات والمناطق المهمشة بالمغرب.

لكن ألا تعيد أحداث 7 أكتوبر 2023 في فلسطين إلى الواجهة ضرورة اعتماد “جبهة  مغربية – قومية – شعبية- راديكالية- واسعة ” لكل القوى الحية من أجل التغيير الديمقراطي- الشعبي، وفك الارتباط بقوى الامبريالية والاستعمار الجديد، ونكس حلفائهم المحليين في كل الأمكنة، وقس أذنابهم وشطبهم من ما تبقى من أزمنة المستقبل؟ !.

وإذا أمكن للقوى الحية بالبلاد، ومن ضمنها تيار اليسار المواطن والمناصفة، أن تساهم في سيرورة التحرر والديمقراطية، حيث “تشكل التيارات الفكرية والسياسية داخل المنظمات الحزبية آلية للتعبير عن الاختلاف في ثلاث قضايا رئيسية، حيث تتمثل الأولى في التصور الفكري والإيديولوجي فيما تحدد الثانية في الخط السياسي والثالثة في الفلسفة التنظيمية (بنصباحية مصطفى) ، ألم تبين التجربة أن أرضية الأغلبية الحزبية لما قبل المؤتمر الخامس والمبنية على التركيب غير المنسجم، حيث تترجم تفكك تلك الأغلبية التي سرعان ما إنعكس على التدبير السياسي والتنظيمي للحزب الاشتراكي الموحد، لتأتي الدورة الخامسة للمجلس الوطني المنعقد ببوزنيقة في 30 نونبر 2019، لتعلن على الانقسام الواضح داخل الأغلبية وداخل المكتب السياسي السابق، بين من إلتحق عمليا بأرضية تيار اليسار المواطن والمناصفة الذي خاض الصراع للمحافظة على خط الحزب طيلة الولاية السابقة وبين من حاول تصريف أرضية الأغلبية، ليستمر الصراع إلى تاريخ الإعلان عن ما سموا أنفسهم بـ “التيار الوحدوي”، والذين عبروا بشكل واضح في أرضيتهم أن المؤتمر الرابع ما قبل الأخير أجاز أرضية الأغلبية، في حين أن الحزب يصرف أرضية الأقلية، نهاية بالانشقاق عشية انتخابات 2021.

وقد ساد تقدير سياسي أوضحت ملابسات المؤتمر الخامس وإنعقاد أول مجلس وطني للتصويت على المكتب السياسي الجديد، لمن لم يتبين ذلك بعد، أن جزء الأغلبية الذي خاض مع تيار اليسار المواطن والمناصفة المعركة ضد قرصنة الحزب قد إلتحق ضمنيا وعمليا بالخط السياسي الذي دافع عنه تيار اليسار المواطن، ما حتم على مناضليه ومناضلاته الإشتغال معا في التهييء الوحدوي للمؤتمر، حيث إعتبر هذا التيار أن لا داعي للاشتغال كتيار لم تعد مقومات وجوده قائمه، بعد الانشقاق. وقد خلص منسق التيار بـ” القوة” الرفيق بنصباحية مصطفى، إلى أن التيار إنتهى منطقيا بإلتحاق جزء من الأغلبية السابقة بالتيار، الـمُفْتَرَى عليه، ولهذا فمن يبرر أي شيء بإسم التيار، إنما يحاول مغالطة نفسه ومغالطة الرأي العام الحزبي ! ألا تساعد هذه السردية على توضيح بعض الملابسات التي بدأت بعض علاماتها تنكشف في أعقاب الولاية الحالية؟ ألم تـُحْدِث بعض سرايا وأجنحة الحزب ” الغليظة ” على الأقل فتقين في صرح “إعادة البناء والوحدة “المزعومة ؟

وفي الأخير إلى أي حد، يمكن إعتماد مقولة” الناصرية الجديدة”، كمقولة سياسية ونظرية  – لفهم مدى وحدود حراك قادة الريف، خاصة وأن السياقات التاريخية مختلفة والطموحات السياسية – ضمنيا أو صراحة – مختلفة، وإن كانت” الخيانات” متقاربة شكلا ومضمونا : دكاكين سياسية- إدارية- نظامية أو  إقليمية- دولتية (…)، والحدود البنيوية – الطبقية ملزمة ومحددة لسداد وإمكان ونجاح الفعل الإجتماعي النضالي – السياسي ؟.

-كاتب عام فرع حزب الاشتراكي الموحد- تمارة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى