ما هي الفلسفة؟ وما الفائدة منها؟ أحمد رباص
بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، أقترح الإحابة عن ذينك السؤالين دون ادعاء بأنها جامعة وشاملة؛ ذلك أن الفلسفة، حسب طه هبد الرحمان، اشتهرت بممارسة السؤال بقناعة عدم الاكتفاء بالجواب المتخذ كعتبة مفضية لسؤال آخر، وهكذا دواليها. كما يحدثنا هذا الفيلسوف المغربي عن شكلين من أشكال السؤال الفلسفي وهما السؤال الفلسفي اليوناني القديم الذي كان يعتمد على الفحص، والذي جسده سقراط، معتمدا في ذلك على الحوار، وطرح الأسئلة على المُحاوَر، من أجل تفنيذ أفكاره واعتقاداته. ثم هناك السؤال الفلسفي الأوربي الحديث الذي يعتمد على النقد، والذي جسده كانط، بحيث أن النقد كان ينصب حول الشروط التي تجعل المعرفة ممكنة.
1) ما هي الفلسفة؟ سؤال فلسفي بامتياز، على أي حال يمكن أن يكون كذلك (لا يوجد سؤال فلسفي في حد ذاته: بل هو يندرج ضمن إشكالية معينة، ما يعطيه معناه ومناطه) وهذا ما يفسر وجود العديد من الإجابات المختلفة، أو ما يقرب من ذلك، مثل الفلسفات المختلفة.
الحب، الشر، الموت، العدل، الفرح، الأخلاق…: تكلم الفلاسفة وكتبوا عن كل شيء. ولكن ماذا عن شعبتهم؟ كيف يرونها؟ ما فائدة الفلسفة بالنسبة لهم؟ ما الجدوى من الفلسفة؟ إذا كان هذا السؤال موضوعيا في عام 1980، بعد 40 عاما، في خضم إصلاح التعليم والمدرسة الثانوية، بما في ذلك إصلاح الفلسفة، فلا يزال الآن كذلك.
وما زال من الأفضل، للإجابة عليه، اللجوء إلى الأطراف المهتمة الرئيسية: الفلاسفة، “هؤلاء الناس الغريبو الأطوار قليلاً، بلغتهم الخاصة جدا” كما قال برنارد بيفو.
ما هي فلسفة أرسطو؟ كيف نمارسها وفقا للفيلسوف سنيكا؟ ماذا يعني العيش بدون فلسفة، بحسب ديكارت؟ كيف تبدو فلسفة برغسون؟ أو أيضا، ما الذي جاء به روسو لكانط وسيمون ويل لألبير كامو؟ هذه بعض الأسئلة التي يمكن لنا أن نطرحها بهذا الصدد.
إذا تتبعنا أجوبتها سنعرف أن الفلسفة تبدأ بالدهشة، وأن علينا أن نكرس لها أنفسنا بالكامل، وأن اللاتفلسف هو الاحتفاظ بالعينين مغلقتين، فيما التفلسف إنجاز عمل بسيط بعين مفتوحة.
من خلال تتبعنا لتلك الأجوبة ندرك، أخيرا، أن روسو يعلمنا كيف نسير على الطريق الصحيح وأن عزلة سيمون ويل لم تكن بدون أمل. ولكن هل هذا يكفي ليقول لنا لماذا تصلح الفلسفة؟
2) ما الفائدة منها؟ هذه هي المشكلة الأولى، وكان جانكيليفيتش هو من أثارها، على وجه التحديد، في بث إذاعي عام 1980. إليكم جوابه على السؤال المطروح: “الفلسفة غير مجدية. يمكننا أن نرى فيها جواب فيلسوف، فكك السؤال حتى لا يجيب عليه. صحيح أن هذه الإجابة جذابة، وأن المرء يميل إلى تصديقها: أنا لا أقرأ كتابا في الفلسفة لأفكر، ولا أستمع لمفكر معين لتكون لدي فكرة أو لأتفوق في التأمل، كما لو كنت أستخدم خلاطا لصنع الهريسة.”
مع ذلك، يجب إدراك أن العديد من النصوص الفلسفية تكشف لنا عن فائدة الفلسفة.
بالنسبة لمارك أوريل، يمكن للفلسفة وحدها أن ترشدنا في متاهات مطبات الوجود. بالنسبة إلى فولتير، هي ترياق ضد التعصب. أما بالنسبة لسارتر وبوفوار، هي التي تكشف عن العالم وتسمح لنا بالمضي فيه قدما.
والأكثر إثارة للاهتمام، روسو الذي تعتبر الفلسفة بالنسبة إليه بمثابة خزان للأفكار، كما لو أنها سمحت لنا فجأة بالنجاح في التفكير وتثقيف ذواتنا. في بقية حواره مع بيفو، قال جانكيليفيتش إن الفلسفة غير مجدية، ولكنها من ناحية أخرى تفترض ممارسة: إنها تمارس، بدلاً من أن تقال. إذا كان لها فائدة، دون أن تقع تحت النفعية، أو تعتبرالأداة الخالصة، فذلك لأنها تمارس، لا يتم استخدامها للحصول على سلعة معينة، ولكن لشيء أكثر أهمية لذاته وفي نفس الوقت يومي للغاية؛ ألا وهو النقد … التفلسف لا فائدة منه، لكنه يؤدى ويمارس، في الواقع، طوال الوقت، حتى عندما يتم تحديه. هكذا، ليس فعل التفلسف هو ما يتعين التشكيك فيه، والتساؤل عن الغرض منه، بل يجب التساؤل عن وجود هذه النصوص نفسها التي تجعل الفلسفة تتحدث وتظهر فائدتها.
ما الفائدة من الحديث عن الفلسفة عندما تكون فيلسوفا؟ ألسنا مقتنعين بالفعل بضرورتها؟ من الذي نحاول إقناعه؟ هذا سؤال آخر … مفيد بنفس القدر.