تأملات حول الحراك التعليمي بالمغرب بقلم الباحث منير الطا هري
الحراك الأساتذي في المغرب: نضال خبزي للشغيلة التعليمية أم تراه نضالا سياسيا مؤسسا لشروط الانتقال نحو الديموقراطية والمواطنة والاستقلال الوطني؟
لحد الآن الأمور عادية، إضراب لهيئات وتنسيقيات التدريس، تجندت لأجلها الأسرة التعليمية مهددة بسنة بيضاء، ودخلت بعد ذلك في حوار مع الحكومة لأجل التفاوض حول سحب النظام الأساسي والاستجابة لمطالب التنسيقيات التعليمية، وانحشر الصراع بعدها في طبيعة المطالب ومستوى العروض المقترحة من طرف الحكومة، وبطبيعة الحال ستختلط الأيادي القدرة بخيانة ونزق معهود، لتمزيق الجسد النضالي، سواء بادعاء انفصاله عن النقابات الأكثر تمثيلية أو بالتصريح العلني بعدم الاعتراف بشرعية التنسيقيات الغير نقابية وعدم قبول حضورها في أي حوار مع الحكومة، وبعد ذلك ، ستستمر الحكومة في ترفعها عن الهبوط من الشجرة بإجراءات الغدر والضغط، سواء بتفعيل الاقتطاعات من أرزاق الأساتيذ، بغية تنيهم عن معركتهم النضالية وإجبارهم عن الالتحاق بأقسامهم أو بتذكيرهم بأن الدولة لا يمكن لي أياديها الولائية المحمية بالله والبنك الدولي.
لحد الآن، الأمور مازالت عادية، صراع طبيعي بين الشغيلة التعليمية والحسابات الميزاناتية للسلة العمومية، لولا وقوف الدولة التي لا تريد أن يتم لي أياديها، واكتشافها في لحظة، أنها منخورة بمافيات تهريب المخدرات ولصوص المال العام والصفقات وهي نفس المافيا التي استطاعت شراء الأصوات الانتخابية والتحكم في المؤسسة البرلمانية وكذلك كان لها أن تضمن وجودها وسيطرتها على باقي السلطات التنفيذية والقضائية وأن تشرع في إشاعة ثقافتها وفرضها لأجل تتفيه الحياة العامة وفرض سيطرتها على السلطة الرابعة كذلك، لقد وجدت الدولة نفسها وجها لوجه أمام مافيات تدعي الملكية التنفيذية والتعليمات الفوقية وتعيش الملك وتقبل أياديه وتنحني أمامه كل يوم وتتمرغ تحث أقدام السلطان بولاء كاذب وبهتان مكشوف لأجل الاختلاء بالثروة الوطنية والتحكم في القرار السياسي وإعادة تأويل الدستور بما يضمن مصالحها وسيطرتها على مقدرات الوطن ومقوماته الأمنية والسيادية.
الصراع الأساتذي تفاجأ اليوم، بأن هناك أياد خفية ونافدة تهرب الأموال والثروات بتنسيق مع مافيات دولية وتضغط بأسلوبها كي تجعل من قضايا التعليم والتنشئة الاجتماعية ملفات تسليع قابلة للتسويق والعبث بإمرة المنضمة العالمية للتجارة وبإرادة البنك الدولي لتثبيت تقسيم دولي للعمل سيكون فيه المواطن المغربي كباقي مواطني الجنوب، مجرد بروليتاريا تقنية وعضلية داعمة لاستقرار نظام رأسمالي مستنزف ناهب للإنسان والبيئة ولو تطلب الأمر جعل الشغيلة التعليمية أداة لتثبيت هذا النظام وتسخيرها لتقديم الوسيلة البيداغوجية المناسبة لاستنباته .
نعم، نحن في مرحلة تاريخية مفصلية، وعلينا أن ننحني جميعا تحية إجلال واحترام للحراك الأساتيذي المبارك، وننبه إلى ما تجسده هذه المعركة الأساتيذية اليوم لشعبنا ولباقي شعوب بلدان الجنوب، من أنها مقاومة وطنية صادقة معارضة لإملاءات صندوق النقد الدولي والمافيات المتعاونة، كما أنها تحمل مشروعا تحرريا وطنيا مناقضا لكل هاته المحاولات اليائسة لإقبار المدرسة العمومية الحاضنة التقليدية والوطنية للتنشئة الاجتماعية.
أفق الصراع وغايته يجب أن يستوعب بالضرورة ألغاز وخبايا المرحلة، لاسيما إن كنا في مواجهة عدو افتراسي شرس، عدو مراهق تبعي هجين غابت عنه التقديرات السياسية والإيديولوجية للمرحلة لأنه لم يتعرف عن الوطن / الرقعة الجغرافية التي تجمعنا، بما يكفي من من إيمان ومعايشة لمشروع تاريخي مجتمعي قائم الذات ومعبر عن حاجيات وتطلعات أهله المغاربة، في هذا الصراع علينا أن نستوعب أننا أمام نقيض يستطيع أن يبيع كل شيء بما في ذلك الوطن لمصلحة آنية وغريزية ذاتية ضيقة، وعلينا أن نتهيأ جيدا للمعركة.
رفع السقف المطلبي أصبح غاية لا بد منها، وذلك بالترفع عن المطلبية الخبزية، وبالمطالبة، بصفة أساسية، بدسترة هيئة عليا للتقنين والتضبيط توكل إليها مهمة حماية المدرسة العمومية كراع ومتعهد تاريخي بالتنشئة الاجتماعية وفرض رسوم الخدمة الشاملة، لفائدة البيئة والمناطق النائية، رسوم يتوجب فرضها على باقي الفاعلين الخواص لضمان حق الولوج لخدمات التنشئة الاجتماعية والتعليم في جميع أرجاء الوطن والسماح بتسويق الخدمة التعليمية.
هيئة عليا دستورية، لتقنين تنافسية القطاع الخاص وتحديد شروط الجودة التعليمية في موضوع التنشئة الاجتماعية وتكوين الخبرات الوطنية وكذلك هيئة ضامنة للمرفق العمومي للتعليم والتعليم العالي حريصة على تكوين وتطوير الكفاءة الوطنية ومنفتحة على التجارب الإنسانية في بلدان العالم.
كذلك، نحتاج إلى دسترة الدور المعياري والمرجعي لهذه الهيئة الوطنية بجعلها حاميا ساميا و مراقبا لمفهوم التنشئة الاجتماعية والتكوين وراعيا دستوريا للمقررات المدرسية بما في ذلك مقررات إنضاج التكوين الأساسي على العلمنة والمواطنة والحرية العقائدية والمدنية المغربية وهيئة مفتحصة تاريخية للمرجعية التي تعتمدها الدولة في مفهوم التنشئة الاجتماعية والتكوين وترسيخ قيم التامغرابيت، ولو تطلب الأمر إلحاق مفتشي القطاع بهذه الهيئة ووضعهم تحت تصرفها.
دسترة هيئة عليا للتنشئة الاجتماعية والتعليم كهيئة حكامة دستورية، أصبح مطلبا ملحا في هذه المعركة، أولا لتقديس موضوع التنشئة الاجتماعية وتنزيهه عن البرامج الانتخابية المرحلية، ولا سيما تحصين موضوع تمرير مباديء العيش المشترك للأجيال القادمة عن الهواجس الانتخابية والحكومية الضيقة، وثانيا لوضع معايير مرجعية وطنية خاصة لضبط مهنة التدريس والاستثمار العمومي والخاص في موضوع التعليم والتنشئة الاجتماعية كمعايير مرجعية كجواب سيادي وطني عن متطلبات تحرير وتسليع السوق التعليمي، جواب يضمن سيادة الدولة وتحررها من إملاءات صندوق النقد الدولي في موضوع التقسيم الدولي للعمل كما يرتضيه ويريده صندوق النقد الدولي، جواب تنموي إرادي وطني يتيح الاستقلال والبقاء في اقتصاد عالمي تدافعي.
منير الطا هري ناشط حقوقي وباحث في علوم التدبير