وجهة نظر

النخب السياسية في الحركة الوطنية والفرص الضائعة (1) -ذ محمد بنسعيد أيت إيدر

الفرصة الأولى:

ننشر ابتداء من اليوم الجزء الاول (الفرصة الأولى) من مقال للأستاذ محمد بنسعيد حول الفرص الضائعة وقد سبق أن نشر في مجلة الربيع العدد المزدوج 2-3 الخاص بسؤال ” كيف يصنع المغرب نخبه ص 60 وتجدونه بعنوان النخب السياسية و الفرص المهدورة ومعلوم ان الرفيق بنسعيد حاضر كثيرا حول هذا الموضوع خاصة خلال سنتي2014-2015 .

مدخل :

منذ فترة الحماية إلى اليوم مر المغرب بمحطات كانت الفرص فيها سانحة للتقدم والتطوير بالطفرات النوعية التي لو تحققت لكنا اليوم في وضع مريح .ولكنا أقرب ما نكون للدولة الديمقراطية المأمولة والمجتمع المتطور المنشودة. غير أن العديد من الفرض التي أتيحت وكانت حبلى بشروط التطور والتقدم الشامل أفلتت ، وتم تضييعها من قبل النخبة السياسية الوطنية التي كانت فاعلة بقوة في الكثير من اللحظات وكان بيدها زمام التحكم في الكثير من المسارات .

وسأكتفي هنا بالنماذج القوية والدالة من هذه الفرص التي تم تضييعها :

الفرصة الأولى:
لقد انطلقت الحركة الوطنية المغربية كرد فعل وطني على وضع الحماية منذ بداية الثلاثينيات بقيادة الشباب الوطني من أمثال علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني .وكان قد اشتد تأثير الأصوات الوطنية بقوة مع مرور الوقت على إعلان الظهير البربري(16 ماي 1930 )وفي حمأة الأحداث وتسارعها تم تشكيل كتلة العمل الوطني سنة1934مطالبة باالإصلاحات التي تعهد بها عقد الحماية .ثم برز الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية في ابريل 1937 و روعي في اسمه امتداد مطالب الكتلة ..غير أن الإعلان عن لائحة القيادة برئاسة علال الفاسي دفع بلحسن الوزاني إلى تأسيس حزب جديد هو الحركة القومية.. وتم تضييع فرصة التوحيد منذ الانطلاقة .

وفي الجهة الأخرى لم تكن لسياسة الإقامة الفرنسية مواقف واضحة تجاه كتلة العمل الوطني وخصوصا في عهد الجنرال نوكيس. فتارة تكون هذه السياسة منفتحة على مطالب الكتلة وتتجاوب معها بوعود لم تكن أبدا صادقة .وهو نوع من المناورة التي كثيرا ما استعملت.
وأحيانا تم اللجوء إلى المضايقات والتنكيل المباشر لعرقلة مسيرة الوطنيين و إسقاطهم في الإرباك . بل إن تلك المناورات وصلت حد اتهام قادة الحركة الوطنية بأنهم غير صادقين مع السلطان  محمد بن يوسف فيما يخص قسم الانخراط في الحزب الذي لم ترد فيه كلمة السلطان وهو ما أشار إلى ذ عبد الكريم غلاب في كتابه الحركة الوطنية .

إن هذا الحدث لم يكن قرارا شكليا بل يدخل في صلب سياسة اختارتها النخبة السياسية وما اعتمدته في مسيرتها النضالية. كما اختارت تقوية صلاتها وارتباطها بالسلطان. وهي رغبة كانت متبادلة بين الطرفين – وتذهب بعض التحليلات – إلى أن النخبة الوطنية كانت تنظر إلى السلطان ليس فقط كرمز للسيادة الشرعية المهددة. ولكنه ظل في نظرها ذا شخصية وطنية تؤهله لضمان مشاركة شعبية واسعة ووازنة في المعركة في ظرف لم تكن الكتلة قادرة على تعبئة الشعب لوحدها … في الوقت الذي عاش السلطان نفسه تلك اللحظات في عزلة عن الوطنيين .وكان محروما من كل الوسائل التي يمكن أن يعتمدها في ممارسة سلطاته المشروعة وصلاحياته المحددة. و كانت الحركة الوطنية تقوم بهذا الدور مستثمرة قدرتها على مساعدة السلطان الشرعي لإعادة نفوذه لحماية العرش. وهكذا كان الطرفان المتحالفان محتاجان لبعضهما . وقد انطلقت بوادر هذا التحالف بتبادل المراسلات والإشارات والمبعوثين بين السلطان وعناصر مختارة من قادة الصف الوطني خارج مراقبة أجهزة الاقامة العامة.
وفي بعض الحالات كان السلطان يتجرأ على استقبال وفد من العلماء حول المشاكل التي أثارها توقيع مرسوم للظهير البربري من انتهاكات لحرمة المسلمين. وفي تصريح لبعض ممن حضروا اللقاء بأن السلطان تأثر كثيرا لما سمعه إلى حد أنه لم يكن يملك حبس دموعه أمام خطاب العالم بلقرشي.

ولتدعيم تلك العلاقات اتخذت كتلة العمل الوطني قرارا لتحديد يوم 18 نونبر لعيد العرش يحتفل به كل سنة ابتداء من 18 نونبر 1933 تخليدا لتاريخ جلوس محمد بن يوسف على العرش خلفا لوالده يوسف بن الحسن الأول سنة .،1927 وخلال قيامه بزيارة إلى مدينة فاس في 08 ماي 1934 نظم فرع الكتلة استقبالا شعبيا حافلا هتفت فيه الجماهير لأول مرة بالحريات.

وقد أثارت مبادرة الشعب بفاس حفيظة أجهزة الإقامة العامة التي سارعت إلى اتخاذ إجراءات سريعة لإعادة السلطان إلى الرباط لقطع الطريق عن الالتحام المباشر بين السلطان وشعبه لكن الحركة الوطنية لم تنتظر وقتا طويلا فهيأت وفدا مختارا منها لزيارة السلطان بالرباط معبرة له عن تشبثها به والدفاع عن العرش. وتهدف هذه الزيارة إلى إثارة انتباه السلطان الشاب للقضايا الساخنة بين الحركة وسلطات الحماية، وفي هذا اللقاء أعلن السلطان للوفد التزامه بما يلي : “سأبذل كل جهودي لاسترجاع ما ضاع منا” وهي إحدى الوعود التي وردت في أدبيات الحركة الاستقلالية. ولهذا لا يمكن لأي منا أن ينكر بأن تجربة التحالف بين السلطان والحركة الاستقلا لية كانت لها مزايا إيجابية في تعزيز حركة التحرير وتحقيق شعارات ملموسة حتى عودة الملك إلى عرشه والاعتراف باستقلال المغرب.

وقد كانت هذه الفرصة التاريخية سانحة للدخول في تحالف واضح وعلى أساس برنامج مدقق ومعروف ومعلن بين الحركة الوطنية ومؤسسة القصر الملكي ممثلة بمحمد بنيوسف .غير أن هذا التحالف بني على العاطفة الوطنية واعتبار المستعمر عدوا يمثل طرده من البلاد أولوية الأولويات .وبالتالي تم نسج هذا التحالف بدون خطة مستقبلية وبدون برنامج.
وفي غياب ميثاق يتضمن برنامجا يحدد آفاق التحالف ونظام الحكم البرلماني. وبالتالى ضاعت الفرصة وحلت محلها البيعة وما يستتبعها من اختلال في العلاقة بين الطرفين …..وهكذا فقدت النخبة الوطنية الشيء الكثير الذي لم تنتبه إليه إلا بعد فوات الأوان.

يتبع ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى