جمعية إشعاع للثقافات والفنون تضيء ليالي العرائش بالسينما
العرائش-متابعة
احتضنت قاعة العروض بالمركز الثقافي ليكسوس باب البحر بالعرائش أيام 22 / 25 / 26 مارس 2024 ، النسخة الأولى لليالي السينما ، المنظمة من طرف جمعية إشعاع للثقافات والفنون بتنسيق مع المركز الثقافي .
في معرض كلمته التقديمية ، لم يفت رئيس الجمعية الشاعر محمد عابد أن يشير إلى تزامن النشاط مع الاحتفاء باليوم العالمي للشعر ، حيث اقترح أن يتفضل المخرج محمد الشريف الطريبق بقراءة رسالة خاصة بهذه الاحتفالية الهامة ، التي ينخرط فيها شعراء وشاعرات العالم وكل محبي الشعر في جهات الكون ، حملت هذه السنة توقيع الشاعر الإيطالي جوسيبي كونتيي ، وهي رسالة مفعمة بإحساس إنساني رهيف ومستاء في نفس الٱن ، حين قال كأنه يدق ناقوس الخطر أمام الفظاعات اليومية التي يشهدها العالم ، وخاصة في فلسطين المحتلة :
” ماذا يمكن للشعراء أن يفعلوا في عالم يبدو سائرا نحو الكارثة … ”
وقد افتتحت الجمعية لياليها السينمائية بالفيلم الروائي الطويل ” مرجانة ” بحضور مخرجه جمال السويسي ، حيث كانت مناسبة لمناقشة الفيلم والتفاعل مع ملاحظات الجمهور وتساؤلاته حول تجربة المخرج السبنمائية والإبداعية بشكل عام .
يحكي الفيلم قصة مهاجرة مغربية شابة بفرنسا (مرجانة) مهووسة بفن الأوبرا، تعيش بباريس وترغب في العودة إلى مسقط رأسها طنجة ، لتحقيق حلمها المتمثل في ترسيخ هذا الفن بوطنها الأم بعد إقامة حفل أوبرالي ، يحيلنا على “ أوبرا كارمن ” المشهورة عالميا ، تشخص من خلاله الدور الرئيسي إلى جانب شاب يحبها وتحبه . إلا أن هذا الحلم لم يتحقق في البداية بسبب حريق شب في مكان العرض وأودى بحياة حبيبها .
ورغم ذلك لم تستسلم مرجانة ، وحاولت بكل قواها ، وبدعم من أمها أستاذة الموسيقى وأبيها المؤلف الدراماتورجي وأستاذ المسرح ، أن تواجه مختلف العراقيل ، ومن بينها نظرة المجتمع القاسية والعقليات غير المتفهمة لحملها بعد وفاة حبيبها ، الذي كان على وشك الزواج بها لولا الموت الذي اختطفه مبكرا .
يمكن اعتبار هذا الفيلم المغربي الجديد بمثابة احتفاء بمجموعة من الفنون كالموسيقى والرقص والغناء والمسرح والتشكيل … ويتضمن إشارة بمثابة تكريم لبعض رواد المسرح المغربي كالطاهر واعزيز وعبد الصمد الكنفاوي وغيرهما.
في اليوم الثاني ، كان للجمهور موعدا مع الفيلم الطويل الوثائقي ” بيت الحجبة ” للمخرجة جميلة عناب ، والذي لقي استحسانا من الجميع ، خاصة من المهتمين بعوالم الموسيقى ، ليس فقط كلحن وغناء ، بل بنقلنا إلى تتبع مجموعة من التفاصيل والمعلومات المهمة المرتبطة بصناعة ٱلة موسيقية .
يحكي هذا الفيلم قصة العلاقة التي تربط المعلم الگناوي ” الصديق” وٱلته ” السنتير” ، وكيف تولدت تلك العلاقة الوطيدة إلى أن جعلت من الٱلة امتدادات له وجعلت منه ” معلم ” مكرس .
وفي الأخير، اختتمت الجمعية لياليها السينمائية بليلة الفيلم القصير، حيث تم عرض خمسة أفلام قصيرة تحصلت على جوائز مهمة في المهرجانات الوطنية .
في معرض تقديمه لفيلمه ” بالكون أطلنتيكو” أشار المخرج محمد الشريف الطريبق إلى ما تشكله الشرفة الأطلسية من إمتدادات وجدانية ورمزية في الذاكرة الجمعية للمدينة ، رغم مرور أكثر من 20 سنة على إنتاجه ، ليس لكونه المكان الأكثر ارتيادا من قبل ساكنة المدينة ، بحكم موقعه المتفرد والمنفتح مباشرة على شساعة الأطلسي ، بل كثراث طبيعي وثقافي يجب إبرازمعالمه ، ضمن مشروع تأهيل الشرفة الأطلسية ، بما يحفظه من عوامل التشوه والاندثار ، وكذا بما يعزز روح الإبداع ويعمل على تحسين جاذبية السياحة البديلة بالمدينة .
لقد عرف المخرج كيف يشتغل بذكاء على المكان ، ويمنحه حياة مفعمة بالمشاعر والٱمال ، عبر حوارات ، متفرقة هنا وهناك على امتداد الشرفة ، مليئة بالانتظارات والوعود والأحلام ، أحلام شابات وشبان يحذوهم توق شديد إلى ماهو بعيد ومجهول ، وتدفق مضطرد لأمنيات تسافر مع كل غروب نحو الضفة الأخرى . وما بين الحلم الراقد في المدى وبالكون أطلنتيكو مسافة ملغومة ، لأمنيات قد تتحقق ، أو تتحول إلى توابيت مائية تلتهم بشراسة كل الحالمين الذين ٱثروا ركوب قوارب الموت .
في فيلم ” زياد ” للمخرج ياسين المجاهد ، يستيقظ الطفل زياد صباحا على زخات المطر الغزير . يريد الخروج ، لكنه يجد مظلته قد كسرت ، يشتري واحدة أخرى بمدخراته ، يقطع مسافات طويلة ، دون أن يستعملها ، متوجها للقاء شخص يحبه كثيرا ، في قفلة رائعة وصورة معبرة للطفل وهو يظلل قبر أمه العاري .
وفي فيلم ” حكاية ” يتحفنا المخرج محمد بوحاري بحكاية الطفل رضا ، الذي ينتظر بشوق كل مساء عودة أبيه الصياد ليستمع إلى حكاياته البطولية ، لكن الأب الشجاع قاهر أعتى الحيتان يرفض اصطحاب الطفل معه إلى البحرحتى لا ينكشف أمر اختلاقه لحكايات من صميم الخيال كنوع من التعويض عن وضعهما المزري .
في فيلم ” أيام الربيع ” يتحول الربيع عند المخرج عماد بادي إلى جفاف وقحط ، في جغرافيا موغلة في الخلاء والغبار والبؤس والمرض ، وتصبح فاطمة مثل الدابة تماما مدمنة على الشقاء لتعيل أبناءها من خلال بيع الحطب .
وفي فيلم ” ذاكرة للنسيان ” يدفعنا المخرج هواري غباري للوعي بأننا نحاول أحيانا الغوص في ذكريات لنسيانها أو للتصالح معها بشكل صحيح . إنها مواجهة بين الأنا وذاكرته ، بحيث أن بطلة الفيلم تعيد تفقد ذاكرتها ، من خلال التصوير، عندما كانت طفلة ترزح تحت وصاية مجتمع ذكوري إستغلالي ، في قرية جدباء ، الحيطان فيها صفراء يعلوها الغبار والأبواب مهترئة والخرب المنسية وصندوق الذكريات ، ويصبح التسجيل هنا ليس بعين الكاميرا ، بل من خلال الظلال والأضواء المنبعثة من شقوق الذاكرة .
ويمكن القول إن فيلم ” ذاكرة للنسيان ” يظهر لنا وضعا نسائيا مثيرا للتساؤل والجدل ، عرف المخرج كيف يتناوله سينمائيا .
أخيرا وفي معرض كلمته الختامية ، أكد رئيس الجمعية الشاعر محمد عابد على أهمية تكثيف العروض السينمائية بالمدينة ، لبعث الحياة في الدينامية التي كانت تضطلع بها الأندية السينمائية ، وكذا لإحياء طقوس الفرجة الجماعية بقاعات السينما التي افتقدناها منذ سنوات . كما أشار إلى أن هذه النسخة لقيت استحسانا من الجميع ، رغم الإمكانيات البسيطة جدا ، مما سيدفع الجمعية مستقبلا إلى التفكير في تنظيم النسخة الثانية بؤية واضحة وحلة فنية جديدة تتمنى أن تكون في المستوى المطلوب .