30-التجديد الفكري بين التوطين والإجهاض…محمد صلحيوي

قدمت في حلقة أمس، ثلاث زوايا نظر ،ناقدة لطبيعة الثقافة السياسية مايسمى بالحركة الوطنية والتقدمية واليسارية المغربية ،وأقدم اليوم الزاوية، والموجهة أساساَ للحزب الإشتراكي ألموحد ومحيطه.
4-الزاوية الرابعة:
*الحزب ومحيطه أمام خيارين:
إما توطين رؤيته الإجتهادية،وإما،النكوص والإجهاض..
لقد حاولت،ومن الفقرة الأولى لهذه المساهمة، مقاربة ثنائية التوطين والإجهاض للرؤية الاطروحاتية التي بلورها الحزب الإشتراكي ألموحد،والتي تشكلت كجواب على الإعاقة الكبرى في تفكير قوى اليسار المغربي؛َويمكن إجمال تلك الإعاقة في الاعطاب التالية:
1-التقوقع داخل العقلية المركزية والإرتباك أمام مستلزمات العقلية الوطنية الجامعة.
2-التشبث اللفظوي بمركزية الطبقة والتيهان الفكري أمام مركزية الحركة الإجتماعية.
3-ملازمة ثنائية “تمجيد السرديةالحزبية،والتعالي على سردية الشعب، وتكريس منطق مأسسة السهو والنسيان التاريخيين.
إن المطلع والمتابع لوثائق مايسمى بالحركة الوطنية،باعتبارها تقدم رؤية هذه الأحزاب الفكرية والسياسية والتنظيمية حتى،لابد وأن يطرح السؤال التالي: لماذا تعالج النخب المغربية،تطور أوروبا الفكري بمنطق تاريخي،بحيث حلقات التطور تشد بعضهابعضاَ وبمسار عقلاني، بينما تعالج تاريخ تطور وطننا المغربي بغير هذا المنطق؟لماذا تقبل المحافظة منطق التاريخ و العقلانية في الغرب وترفض ذلك في قراءتها لتاريخ الوطن المغربي؟إن الجواب كما هو واضح،هو: إن استعمال المنطق التاريخي العقلاني، سيحطم الأساس الفكري للمحافظة والتقليد. وضمن هذه المفارقة، يندرج أيضا خطأ الأدبيات في تقييمها للتيارالقومي العزوبي باعتباره نافياَ ولاغياَ للوطنية المغربية،أي، نفي حركية وعي وطن الغد…
فلن تتمكن مسيرة النضال الشعبي السلمي،من التقدم في إنجاز مهامها إلا باستئصال كل ما هو مكبل في تفكير النحب التجديدية ومناضلو ومناضلات الحزب بالنتيجة، والتخلص من النزعة التنموية التقنية التي هي الأخرى شكل ملتبس من التفكير ألمحافظ للنخب؛فبدون هذه القطيعة مع هذه البنية العقليةالنكوصية ،سيظل كل الإجتهاد الفكري داخل الحزب،في فكره الوطني المجدد مجرد “قولِ” ثقافوي قصير الرؤية والنفس الوطني الحداثي،وفي نفس الوقت،معرض الإجهاض، وللتوظيف في عمليةإعادة إنتاج اختيار الإندماج السلبي في الثقافة السياسية لما قبل ظرفية2011-2021 ، وبالنتيجة إعادة إنتاج أزمة الحركة اليسارية،وتحويلها إلى مقولة فكرية بلازمة التكرارية الخشبية،وهي – تجربة التكرارية-التي طالت واستطالت، وتنتج في أحسن احوالها، الفرص السياسية لخيارات آخرى غيرمقدمة،ومناوئة للتحديث والحداثة.
إن البنيةالعقلية التي استقرت وتكرست لمدة طويلة٠منذ قرن ونصف، في القاعدةالايديولوجية للحزبية المغربية.
إن هذه الايديولوجية لا تنفرد بها الطبقة السائدة فقط،بل هي متجذرة في كافة مفاصل المجتمع وبالأساس في وعي الطبقات الشعبية الساحقة التي هي قاعدة خط النضال الشعبي وتوجهه.
لقد أوضحت التجربة المغربية، ومن خلال زمنها الطويل(الزمن العقلياتي)،أن العائق التاريخي لعجز النخب هو سيادة الفكر التقليدي في التفكير والممارسة السياسية العجز عن توطين الرؤى الإجتهادية،والتالي التعايش مع عوامل الإجهاض. إن أي تقدم اقتصادي تحقق أو سيتحقق في ظل التعايش مع هذه الثقافة الموروثة عن الحركة الوطنية لن تفتح الطريق للعبور إلى الدمقرطة والتحديث والعدالة الاجتماعية والجهوية والمناطقيةوبالتجاوز التام لمفهوم”المجالية” الملتبسة والمضببة؛ إن المهمةإذن هي إطلاق ورش توطين نهضة تنويرية ثقافية مجتمعية عامة.
إن اعتماد الحزب ومحيطه الفكر للحركة الإجتماعية وحراكها الشعبي بكل دينامياته، قاعدة للتفكير السياسي، واعتماد آليات المعرفة والوعي والتواصل،هو المسار الوحيد للتقدم،مادام خطاب الطبقة العاملة صحيح على مستوى التجريد النظري لكنه غير منتج للفعل الوطني. إن التوطين الفكري والمقولاتي هوالطريق الوحيدة لغرس فكرة مغرب الغد.
إن غرس الوعي الوطني التجديدي وتجاوز، بمنظور قطائعي، الوعي المركزي الإقصائي والممأسس للنسيان، إن ذلك الغرس الفكري، هو مايمكن من خلق شرط تأسيس الثقة بين الشعب وحركته السياسية.
ماسبق يفرض التالي:
إن دروس الحركة الإجتماعية،تؤكد صحة وصواب النقد الجذري الموجه،من جهة، للتحليل الفكري الطبقوي الاقتصادوي، الذي تغيب نخبه الثقافية،بانحباسها في منطق عدمي للجدل الواقعي الموضوعي لديناميات المجتمع،ويقرأ تاريخ الوطن والوطنية المغربية من خلال نزعة”تاطيرية”إفتراضيةتعيد إنتاج فكر حزب الإستقلال بخطاب يساري لفظوي.
وبالنقد الجذري أيصاَ للتيار الراكب منطق الإندماج العددي(بالمناسبة ليست هذه سبة أو شتيمة،بل كان التوصيف فقط لتمييز حملته عن رؤية الوحدة اليسارية بمشروع مجتمعي جديد؛الإخوة الذين اختاروا معادلة” عقل القوة”لهم إختيارهم،والذين. إختاروا”قوة العقل” للإشراقة المتقدمة بهدوء،لهم إختيار هم). إن الإندماج العددي مدغدغ للعواطف باعتباره أسهل حل لإعدام التعدد والإختلاف، وهو المنطق الفكري المجرب سابقاً من خلال تجربة حكومة مايسمى بحكومة التناوب.
إن هذا النقد المزدوج،يطرح على عاتق المفكرين والمثقفين الديموقراطيين، المهمة الأصعب وهي مهمة توطين الإجتهاد، لأنها تتعلق بوطن مغربي خارج العتاد الذهني لعقلية حزب الإستقلال الذي يسكن وعي اليسار المغربي،وبتعدديته التي تميل إلى الاحادية وليس إلى تعددية فكرية حقيقية،ولايمكن استثناء الحزب الإشتراكي ألموحد ،لأنه ببساطة متشرب لتلك الثقافة،نعم أنجز خطوة فكرية جبارة، وعليه خوض معركة توطينها…
إنتهى….
تنويه:
شكراً جزيلا لكن ولكم، وعيدكن/م مبارك مع خالص تحياتي للجميع..
#محمد صلحيوي..
عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد…