كوكاس يخط بلغة مذهلة “رسالة الوداع الأخيرة لفخامة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر”
زهرة العسلي
يضحكنا حيث يجب أن نبكي، يسرق منا قهقهاتنا حين نحس بأن الألم يسكننا والموت يهددنا، ثم يعود ليبكينا حين يوقظنا على حقائق المآسي التي خلفها كوفيد 19 فينا، حتى أننا بين الحزن والفرح لا ندري ما الذي أجدر بنا لمواساة حالتنا، هكذا يستمر الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس في تتبع تلك التفاصيل الصغيرة مثل خيط وشك مما خلفه فيروس كورونا المتحور في عمق ذواتنا، كتاب “رسالة الوداع الأخيرة لفخامة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر”، ليس من الكتب التي تقرأها وأنت على وشك النوم، إذ أنه يخلق في طريقك كوابيس لا ترى بالعين المجردة، وليس من الكتب التي تجعلنا ننام على وسادة كسولة..
إنه كتاب يرج اطمئناننا إلى عالم استكننا على جداره واستسلمنا لأوهامنا حول سيطرة الإنسان على الطبيعة وعلى سعادة متوهمة، يقول المرحوم محمد سبيلا في تقديم النسخة الأولى من كتاب كوكاس: “”مهما تكن صلبا وصمودا فإن أسلوبا فاتنا أخاذا كهذا الذي يكتب به ومن خلاله الصديق عبد العزيز كوكاس، سيعصف بك وسيقذفك إلى عوالمه الطربة والضاربة في أعماق الخيال، تطرب للحزن وتحزن للطرب، تأخذك المفارقات الدلالية واللفظية الجميلة التي يتسقّطها عزيز ببراعة صائد الدلالات المحترف، وعندما يتمكن منك الأسلوب وتتراخى مقاوماتك.. تجد نفسك وأنت تستلذ هذه الأطياف وتستطيبها وكأن هواء خلابا يداعبك مثل نسمات فكرية عذبة، تهب عليك من كل فج فتسلم عقلك وذائقتك الأدبية لتستمرئ هذه الألاعيب الدلالية المتموجة والتي تدرجك إحداها في أنشوطة الأخرى طالبا المزيد من هذه الغوايات المتراقصة حولك، فكلما أذعن ذهنك استمرأ الغوص في ثنايا هذا الهواء الخلاب المنسوج من رغباتنا وأحلامنا وأمانينا ومآسينا.. وعلى قمتها هذه المرة علاقتنا المرتبكة مع هذا البطل الجديد، هذا الإمبراطور الأسطوري الفتاك، العابر للقارات الذي أصبح من غير الممكن تجاهله والذي خلط واقعنا بمتخيلنا.. ولعل هذا الأسلوب المرح الذي يتحفنا به الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس، والذي يأخذنا بعذوبته اللفظية ويقذف بنا ضمن مراوحاته الدلالية المستطابة بين مراوغة الموت ومفاكهة العدم، قادر على أن يجعلنا نقتنص لحظات من ظلال المتعة الدفينة في أعماق هذه المأساة”.
بلغة ساحرة يفكك الكاتب كوكاس الكثير من القضايا التي فرضها مرور الإمبراطور كوفيد 19 بيننا، وببعد رؤيوي فكري عميق، يقوم الإعلامي كوكاس الذي نسج له لغة صحافية ماتعة وفاتنة، تمتع قبل أن تفيد، تسحرك وتأسرك قبل أن تفك عقالك من أجل التأمل فيما ترمي إليه، في كتابه الأخير الصادر عن منشورات النورس، الذي ينقسم بين بعد السخرية، وبعد التحليل الفكري التأملي، إلى ترجمة مقالات لمبار الخبراء والمهتمين في المجال، يقول كوكاس على لسان فخامة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر في رسالة الوداع الأخيرة: أقرئكم السلام يا بني الإنسان.. وأترك فيكم خطبة وداعي الأخير، فعضوا عليها بالنواجد كي لا تهلكوا..
ها أنا بعد أن أتممت مقامي فيكم، أستودعكم لمشاكلكم وروتينكم اليومي، لبعض ما تركت
فيكم من أثر مزلزل، وسحبت من أيديكم ما حسبتموه طوق نجاة من طوفاني.. لتقولوا:
جرّبناك جرّبناك، من أعطاك هذه القوة التي أعددنا لها الجيش ودخلنا بسببها جحورنا مثل
فئران مرعوبة؟ من أتى بك من قلب الطبيعة أو من مصانع الأسلحة البيولوجية السرية،
لتسقط القناع عن القناع؟ من أعلاك فوق هممنا لتحط من قدرنا وتترك فينا كل هذا الفزع
وترحل بسلام؟
أقول لكم: ناموا على جنب راحتكم، اطمئنوا لحراس قلاعكم، انعموا وسط سلاسل شقائكم
بالحرية التي تشتهون، لكن حذاري..
لا تعتقدوا أنكم هزمتموني، لقد ربحتم المعركة ولم تربحوا الحرب التي ستكون بينكم وبين
أبنائي وحفدتي سجالا.. حتى أن بعضكم يعتقد أني لا زلت حيا أبدا..
فقد فلقت تاريخكم، يكفي أن تؤرخوا مستقبلا لزمانكم بي كما الأحداث المفصلية الكبرى، ما
قبل كوفيد التاسع عشر المعظم وما بعده”.