مجتمع

منفى الغربة واغتراب الوطن: عملية اغتيال مزدوجة….. لم تنجح…!! (حسن مرزوق و….الأشجار…..)- ذ عبد الواحد حمزة

حفل تكريم مقاوم ضحى من اجل الاستقلال والدمقرطة تحت شعار :المقاوم حسن مرزوق..الشجاعة في انبل صورها ومستوى نضال يحفز الاجيال

الحضور الكريم!

نعلن افتتاح تنظيم حفل تكريم المقاوم والناشط السياسي حسن مرزوق، المنفي اضطراريا، سابقا، في الجزائر.

ويعتبر هذا التكريم فرصة للوقوف على تضحيات واكراهات هجرته، وهجرة رفاقه وشتات  رعيل تنظيمه من المناضلين الانداد، في- و لنفس المنفى، ولغيره من أصقاع الغربة الحارة/ الباردة، و الذي طال أسرهم،…  و طالت محنة ذويهم،.. و محن و شموخ كل المكافحين من أجل أن ينعم بلدنا -جذريا- بالحرية والديموقراطية…

(….)ولأنه انسان متفاءل بالمستقبل و متمسك  وشغوف بالحياة الكريمة، من جهة، ولأن الحياة متمسكة وشغوفة به- بمقدار-  هي الاخرى، من جهتها، فقد أبى مكر التاريخ الا أن يطول عمر رفيقنا ويزيد، لان يشاهد ويشهد -اليوم وغدا – على أشكال ومعاني اخرى، قد تكون عنيفة وقاسية او ناعمة وطوعية، متخفية، مما كانت عليه الوان المنافي والاغترابات المتعددة والمتنوعة، ابان الاستعمار وبعده بقليل، على طول المغرب والجوار والعالم.

لقد اصبح الانسان/ المواطن – اليوم- عاريا من نفسه وأحلامه، فتقزمت، تعومت وتعولمت جانبية مواطنته- رعايته إلى أبعد الحدود، ولتتأبط به شرور الديكتاتورية الرقمية، كواحدة من الآليات المعاصرة للاغتراب والابتلاء والعبث ببني البشر، وبالمغاربة، بما هي غطاء وأداة جهنمية و حربائية لديكتاتورية سياسية- اجتماعية، مخزنية جديدة، أو غيرها، عالمية، مخاتلة و متنكرة – حد التوحش- لقيم الديموقراطية، ولقيم امنا بها، كشرط إنساني لا مندوحة عنه، لتأسيس وتحقيق كرامة بني البشر…قبل أن ينجلي حدها الموضوعي والذاتي، اكثر فاكثر، في واضح النهار، وينفضح كيلها الضغين والاعرج  بمكيالين، قلما يسمح ببزوغ أقطاب أخرى على وجه الكوكب ( بريكس)…….

(…..)انها ديكتاتورية مجتمعية  يوظف فيها اليوتوبرز والذباب الالكتروني، من هنا ومن هناك، و تهيمن فيها  الاستخبارات والشركات الخاصة المتعددة الجنسيات، للرأسمال العولمي، كغوغل و تويتر، وغيرهما من الأقطاب الرأسمالية الإمبريالية العالمية الفاعلة في مجال المعلوميات….، وفي المجال المالي-الصناعي- الحربي، متكأة على وكلاءها المحليين، الكومبرادور/ التابع، و طغمة محاصرة من الرأسمال الوطني، منبأة بتحولات عظمى في الانا – الافتراضي

المعاص، وفي الأوضاع المادية الاجتماعبة- المجتمعية، برمتها، وهو ما يهدد لامحالة مصير كل البشرية العريضة، في مناطقها الأكثر اصالة: “الذاكرة واللغة”..( بنكراد سعيد ،  2020 ….)…والأرض/ الوطن والانسان ..!!.

(….) لننتبه، اليوم أن ما أصبح يهدد الدنيا/ العالم ويهددنا في قعر دارنا، ولا وعينا الجمعي، ليس لعبة اطفال وكركوزة عارضة، وإنما تحول هيكلي في حياة الناس. / المغاربة، والمفارقة خصوصا، ان يجنح فيها الفضاء الحميمي نحو الاختفاء، ويخسر فيها الانسان/ المواطن الشيء الاهم، وهو الحرية والحس النقدي، والحرية على إبداء الرأي الخاص والحر، يختفي فيها المواطن المستقل، ويفقد فيها البرنامج السياسي جديته، بريقه وجاذبيته وتنوعه، على عهد الأحزاب الوطنية والديموقراطية، مطلع الستينات والسبعينات، في بلادنا، حيث كانت التقارير الأيديولوجية للمنظمات تأخذ من المناضلين والمثقفين العضويين كل الجهد الفكري.  …والوقت …والأعصاب…..!!!

( ….) هكذا، تجدر الاشارة الى ان حسن مرزوق لم ينع ابدا العمل السياسي ببلاده، يوما، كما سبق وأن نعى الاديب الكبير منيف ع الرحمان- أدببا- الوطن والانتماء والثورة…، من خلال الشخص- الأساس لرواية “الأشجار واغتيال مرزوق”، وهو البطل الذي قامر عليها، جميعها، وضد ما تحمل من مكارم، في سبيل المال والحياة المبتذلة.

لقد ظل الرفيق حسن مرزوق مقاوما مستديما، مواطنا مناضلا يساريا مبدئيا، واقفا، شامخا مدويا في هدوءه وصمته، إلى اليوم، يتأمل ويفعل من أجل مداخل واقعية للتغيير…وغرس الثمار والاشجار….

(….) الملاحظ تعويض غالب هذه الممارسة النبيلة- اليوم – لدى الكثير من مواطنينا، بمتعة عابرة للاستهلاك الفردي الباذخ والمبذر، اقتصاديا واخلاقيا، تحت طائلة آلية ضبط سياسي عالمي ومحلي غاشم، تتحكم في “رأي عام مخدوم”، ومشوه، يعمل على توجيه مخيخات السمك ورقاب العبيد الجدد/ “المواطنين الجدد”، قالوا…!!!

(…..) يدرك حسن مرزوق جيدا ان الفعل السياسي لم يعد كما كان، بل لم يعد له معنى، او جذوة، بشكل او باخر، وفي كثير من اللحظات، اذ أصبحت الخوارزميات توجه الرأي العام، أن كان هناك من رأي عام حر، في بلدنا، بل وتحدد توجهه السياسي، وتبرمجه، وقد تغلقه، وتتوقع إلى حد كبير سلوك الناخبين – القلة، ممن لم ولا يقاطعوا الانتخاب، بالسليقة، أو يستحضروا إليه جرا، كذبا او طمعا، اصلا، تحت ضغط الحاجة او اللامبالاة،…، تماما كما حددت له رغباته وشكل تحققها، وفق ما يبتغي نظام الاستهلاك الرأسمالي- الريعي – الاقطاعي الشره و الهجين والمتأخر، و لعبة السياسة الرعناء- الصماء. وطبائع الاستبداد ( الكواكبي…).

(…. )ولأنه خبر عنف المنفى الفعلي/ الواقعي وطغيان المخزن، القديم والجديد منه، وحيثيات وملابسات التحالفات الإقليمية والدولية، في حينه، ف حسن مرزوق يذكرنا -اليوم، الان- وهنا-   في هذا الملتقى البهيج بالحذر اللازم من تسليم رقابنا -طوعا وعلانية- إلى “جلاد بلا سيف”، (كما يقول بنكراد في ترجمته الاخيرة الجميلة للدكتاتورية الرقمية الخفية المعاصرة، لكتاب مارت دوغان و كريستوف لابي ( 2020 ،  باريس.))، والتي قد تعبؤنا، برضانا او من حيث لا نحتسب، لتضع مصيرنا وحريتنا وحرية أبناء جلدتنا وذوينا بيد الرقمنة السليبة، و بيد استعمالها المستحوذ على نفوسنا، ووجداننا….ومصالحنا الحقيقية…

…. يوصينا باكي بأن نعي دقائق الامور، وان نكون في مستوى المرحلة المركبة اليوم، وان لا نستسلم لجبروت الحكم المطلق الرقمي والسياسي، وأن نقاوم -بترشيد شديد- استعمالات الالة الجديدة وان نقاوم طغيان القوة السياسية الحاكمة الجبارة، الخبيرة في التلاعب والتحكم بالرقاب والأرواح (فوكو…)، وذلك بدابة بالحد الصارم من العبثي والاستخباراتي فيها، حفاظا على حياتنا الخاصة، بالرغم مما يعتورها من نقصان اكيد…..

(…. ) ولأنه رجل شجاع في انبل الصور، ومناضل مقدام يحفز مواطنيه على المقاومة الدائمة والمتواصلة الحلقات التاريخية، فانه يلاحظ بمرارة، و ينبهنا الى ان الإنسانية، ومنها حال بلادنا العزيز، لم تتجدد مليا وحقيقة وبما يكفي -بعد- نحو الإيجاب والتقدم والحضارة، ولم تتطور قط، في الجوهر، ولم تنتج قيما في المستوى، تحتفي حقا بروح الاخوة والصداقة بين البشر وأفراد ومجموع المجتمع، والجوار….

….لقد عملت العولمة اليوم و اجتهدت اجهزة بلادنا الايديولوجية، من اعلام ومدرسة وعدالة، وغيرها، وزادت في ذلك تميزا واستثناء وغلظة، على إنتاج “انسان مفرغ من الداخل”، ينتابه شعور دافق ب”الخواء التاريخي” ( ادريس هاني،    2024 )، يعيش “اللحظة الابدية-الحضورية والعائمة”، لا غير،… غريب عن نفسه وعن جلدة واقعه، منتسبا بالغلط داخل جموع – نكرة، دون تاريخ جمعي- حقيقي يذكر، ودون طموح مستحق، غارقة في حاضر لا أفق له سوى أنانيته، أفراد لا تحس بعضها البعض، لا يكفون عن اللعب والتسلي بالصور والهواتف واللوحات….، افراد عالقة في دورة “الزيف المقصود”، والشعبوية والصعلكة و الحرفشة والقوادة السياسوية والاستقراد الثقافي، والانتهازية والزعيق عوض المبدئ، في بيئة فوضوية، عاجزة عن الانعتاق والتحرر والمقاومة، إلا في ما ندر من محاور العز والكرامة،…. والتربية على النقد الجذري للأوضاع المحلية والدولية ،…بالرغم من بعض الانتصارات ( هاني ادريس، نفس المرجع) الجزئية او الوهمية….

(…..) تشبت الرفيق مرزوق بالحياة من-على مقعده، ليعرف اليوم معنى آخر وجديدا للمراقبة والحراسة والمنفى والغربة والاستيلاب…، والأشجار،… حيث “الكهف المظلم”،  يخيم قاب قوس او ادنى، وحيث يوضع المواطنين تحت رحمة حراس المعطيات، يمنعونهم من الخروج إلى النور وإلى الشمس ونحو الحقيقة ودفئ الحياة…حراس “غلاظ- نحاف “، يختلقون الأوهام والملاهي والمنابزات… ويوزعونها في عصر جديد / قديم، عصر الرقمية المنفلت من العقال، وحيث وابل الصور.. ينهال على الخلق …ويمنع من مقاربة الأشياء والواقع الحي، مقاربة علمية سلسة، ومن بلورة قيم نبيلة واستقلال عواطف واتخاد قرار رزين او قاطع…..

(….) ففي العهد الذي عاشه حسن مرزوق في المنفى-القديم، الجزائر، خصوصا، كانت الطبيعة بكل عنفوانها ووهجها، على الاقل، تحتضن الانسان الحلوم بالحرية. لم يكن يغيب عليه، و لايزال، أن يحلم بواقع قريب التحقيق والتحقق، وكان ولا يزال يعي بخطر ما يمكن أن يلحقه التلاعب و الاستيلاب فيه، وفي من يعز من شعبه، من حيرة وقلق، كان يناضل ويحتج ويتمرد في الواقع الحي الكبير التعقيد …والقليل الافتراض، …

 …. ولأن الرجولة والاقدام كانتا ولازالتا ديدناه، فلم يكن ينتصر أبدا لعالم الإستعراء والإستبصار والنذالة والتفاهة والتلصص والنرجسية الجديدة والنميمة والعبث الصبياني- الرقمي… القليل الفائدة والمعرفة والعلم…. والكثير التدمير للذات.. وللأخر، وتحقيق الربح لأسياده….

تكالب المنفى البراني مع الاغتراب الجواني لاغتيال جذوة الحضور والنضال والموقف والهبة والوزن….والأشجار…. عند الرفيق حسن مرزوق، فلم يقويا على ذلك، ابدا، لأن الرجل ومسار تنظيمه الحيوي من الطينة الأصيلة…التقدمية والديمقراطية…. الشامخة، التي ما بدلت تبديلا…

 

….ولأن حسن مرزوق قضى ما يربو على أربعة عقود في المنفى بالجزائر، ضل يصدق حب الجيران، حتى النخاع، حتى أنه اعتبره ك”الموت”، كما يقول محمود درويش، ” وعد لا يرد”، و” لازم أن يعاش”، في حينه، و ضل طول حياته يدرب قلبه عليه، كي “يسع حتى الورد والشوك”…لكن حب شاب-ولد غلميمة الكبير بقي لحبه الاول/ الأصل، ولان الأنثى هي الاصل ( نوال السعداوي)، فقد ضل حبه وامسى للسيدة الفاضلة زوجته، ابنت الريش الأبي و المغرب، متطلعا الى المنطقة والعالم والمغرب الجديد، وان كاد لا يبتغي منه إلا “البدايات”..   لأنه يعلم أن الثورة كالحب، تكاد تكون “كذبتنا الصادقة”..  !!!

…..ولأننا لا نعرف للمحبة عمقها ولوعتها وحرقتها الا ساعة الفراق ( جبران خليل جبران)، ولان  من الحب ما قد يقتل الشعوب ( مثال شعبي دارج)، عبثا، وأن الضغائن والتوترات والحروب لن ولم تكن الا في مصلحة الاسياد/ الانظمة، وجب أن نتعلم المحبة و”التحاب” ( الخطيبي ع. الكبير)،…..

(….) ولكي نتعلم كيف نحب بلدنا وناس الجوار ومنطقتنا والعالم، ونقطع الطريق على كل من يفسد تقارب الشعوب، ذات المصلحة في التغيير، من اجل الحرية والديموقراطية، اكان من الجنرالات او من المخزن الجديد، ومن يديرهما من وراء جدار،…أليس علينا أن نتخفف من أنانيتنا، من اطماعنا، من غباءنا، من “عقدة حقارة”، فهذه مهمة صعبة !!!، لذلك “يفشل الطغاة  ابدا في الحب والسياسات” (هاني ادريس، 2024) ويجنحون- غيضة – لطلاء الفشل والكره والاستعباد…..والاستغلال….والحقارة والذل…. على الجميع؟ فلنقطع الطريق عليهم…!!؟؟

كل التحتية والتقدير والاعتراف والتكريم…المستحق للرفيق المقاوم حسن مرزوق ولرفيقة دربه، السيدة فاطمة خضاري، ولعائلته وكل محبيه واصدقاءه….

(…..) وما هذا الحضور النوعي-اليوم-  لهذا الجمع الكريم الا تعبير على التجاوب التلقائي والاستعداد المبدئي…. لكل رفاق وأصدقاء وأسرة واحبة الرفيق العزيز حسن مرزوق، للمساهمة الفعلية والفكرية لإنجاح هذه المحطة الاعتبارية، ذات الأبعاد الانسانية- القيمية، والسياسية ايضا….

 

ذ عبد الواحد حمزة، قيادي بالمجلس الوطني لبسي وكاتب عام للحزب بتمارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى