ثقافة و فن

الصناعة السينمائية المغربية بين خبط الوزير وسندان التشريع.

ملاحظات بخصوص مشروع “قانون 18.23 يتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي”.

تمت إحالة المشروع على البرلمان في 27/06/2024، بعد تأشير مجلس الحكومة عليه في 12/06/2024، وقد شرع في مناقشته في 03/07/2024، هذا المشروع سبق لي التنبيه إليه من حيث شموله لعدة خروقات دستورية، وقانونية، ومهنية وفنية. وكم أستغرب لسكوت جل الجمعيات المهنية ونقاد المجال عما شاب المشروع في صيغته الوزارية من مجانبة المهنية، وخلط هجين في المفاهيم، وبسط ركيك للنص التشريعي وشحنه بمتاهات لا ولن تفيد الميدان.

واليوم، ومشروع النص التشريعي المعدل من طرف الحكومة أمام البرلمان، لا يمكنني إلا التصفيق لكل من ساهم في تصويب مشروع الوزير “بهرجان مان” ووافقوني في رأيي وتنبيهاتي، بخصوص الشطب على تعريف النص الوزاري ل”فيلم المؤلف”.

وهذا مجرد استثناء حاصل، على الرغم من أهميته، إذ المشروع الحكومي المناقش حاليا بالبرلمان به أيضا عدة هفوات قانونية، ومطاطية في بعض المفاهيم، وإغراق رهيب في العقوبات الزجرية غير التجارية. ولن أدخل في كل تفاصيل التعديلات، بل سأقتصر على أرقام وبعض المواد.

أتى مشروع “قطاع التواصل” في 15 فصلا و71 مادة، في حين أصبح المشروع المطروح بالبرلمان (المشروع الحكومي) في 4 أقسام و14 بابا و106 مادة.

  • الباب الأول بمشروع “قطاع التواصل” به مادتان و12 نقطة، أصبح بالمشروع المطروح بالبرلمان في مادة واحدة و4 نقط. وأهم ما في التعديل الحكومي هو الشطب على كل ما هو سمعي بصري وفيديو و”لجنة الفيلم”، ولا سيما التعريف البليد ل”فيلم المؤلف” في المادة 2 رقم 6، مع تسجيل غياب التعريف والتفريق فيما بين “الفيلم الروائي” و”الفيلم الوثائقي” بكلا النصين.

 

  • الباب الثاني بمشروع “قطاع التواصل” به 5 مواد و9 نقط وعدة شروط، أصبح بالمشروع المطروح بالبرلمان في بابين، بهما 5 مواد و8 نقط وتم فيهما فصل “شركات الإنتاج السينمائي” عن “تنفيذ الإنتاج السينمائي”، وتم ترك جل الشروط البيزنطية. وأهم ما في التعديل الحكومي هو إضافة “حسب الحالة” على كل ما هو “اعتماد وطني أو دولي” وهو نص فضفاض وممطط، وخاصة تركه لتحديد الحد الأدنى لرأس المال وهو أمر مخالف لقانون المقاولات والتسهيلات الإدارية المعمول بها لإنشائها.

 

  • الباب الرابع بالمشروع المطروح بالبرلمان به 6 مواد و8 نقط، وهو بالباب الثاني بمشروع “قطاع التواصل” بالمادة 7 وبه 6 نقط. وأخطر ما في التعديل الحكومي هو شمولية منطوق النص على: كل “فيلم سينمائي أو عمل سمعي بصري، كيفما كان نوعه ودعامته”، وهو أمر مخالف لمشروع “قطاع التواصل” الذي يستثني أعمال الهواة للشخص الذاتي أو المعنوي الغير تجارية (وهو أمر وارد بالقانون الحالي، وبالتنصيص عليه يسجل المشروع على الحكومة المغربية تراجعا خطيرا عما حققه المغرب من حقوق وحريات بين جوقة الأمم، وهو أمر معمول به حتى في الأنظمة الديكتاتورية)، زيادة على كونه يخالف منطوق المادة الأولى المتعلقة بالتعاريف، من حيث عدم تعريفه ل”عمل سمعي بصري”. وهذا برأيي نص بوليسي يرجع بنا لسنوات القمع والرصاص، ويحد من حرية التعبير المكفولة في الفصل 25 من دستور المملكة الشريفة، فضلا على ضربه لحرية التجول في إخضاعه “تحديد مواقع تصوير” لرخصة المركز.

 

  • الباب الخامس بالمشروع المطروح بالبرلمان به فرعين و9 مواد و11 نقطة، وهو بالباب الثالث بمشروع “قطاع التواصل” به 3 مواد و9 نقط. وأسوأ ما في التعديل الحكومي هو عدم جواز “لشركة توزيع الأفلام السينمائية استغلال قاعة سينمائية أو أكثر أو امتلاك أسهم أو حصص أو رأس مال شركة تستغل قاعة سينمائية” المنصوص عليه في المادة 23. وهو مخالف لروح مشروع “قطاع التواصل” الذي يبغي ازدهار الميدان وتكاثر فرص الاستثمار فيه، بله عن ضربه لحرية التجارة والاستثمار، خاصة وميدان السينما يعرف منذ بداياته تجميع سلاسل الإنتاج وشبكات التوزيع ووسائط العرض في أقطاب مالية واستثمارية.

 

  • الباب السادس بالمشروع المطروح بالبرلمان به 3 فروع و19 مادة و29 نقطة، وهو باب يتعلق ب”تأشيرة الاستغلال التجاري والتأشيرة الثقافية” وهو لعمري باب يدخل في “الخيال الفونطاستيكي الديكتاتوري الهتليري” الذي تجوز مع عصر الأنترنت وقبر “سنوات الرصاص”، ولا يمكن قبوله إلا في الباب الضيق فيما يخص المقدسات الوطنية. وهو باب توسع فيه قلم التعديل الحكومي بمفهوم “ملكي أكثر من الملك”؛ مع إحداث “لجنة مشاهدة الأفلام السينمائية”، وهو أمر موكول بالصفة للمركز ولا داعي لخلقها، وإلا فما هو دور إدارة المركز؟

 

  • الباب السابع بالمشروع المطروح بالبرلمان به 15 مادة و24 نقطة، وهو باب يتعلق ب”استغلال القاعات السينمائية”، وبه نقطة ضوء شحيحة في المادة 61 التي تخص برمجة وعرض الأفلام المغربية التي نصت على كلمة “يتعين” عوض كلمة “تلتزم” التي كانت بنص الفصل الرابع بمشروع “قطاع التواصل” بالمادة 15، وهو أمر به تراجع بين عن روح المشروع الهادف للرقي بالصناعة السينمائية الوطنية، من حيث احتفاظه على نفس الأرقام الهزيلة الواردة بنص مشروع “قطاع التواصل” (3 أفلام على الأقل في السنة … إلى 5). مع تسجيلي لتعارض الفقرة الأخيرة بالمادة مع ما سبقها بنفسها، وعدم تحديد لا عدد الأفلام ولا وتيرة مدة عرضها. وفي المقابل، لم يقدم المشرع أية تنازلات أو تحفيزات لأرباب القاعات (مثلا إقران الدعم الخاص بالقاعات مع هذه المادة)، وإلا سقط النص التشريعي في تعارض مع حريات التجارة وحرية الأسعار والمنافسة.

 

ومن المغربات العجيبة الواردة بالمشروع الحكومي، وردت بالقسم الثاني في الباب الثاني “مهام المركز وأجهزة الإدارة والتسيير” بالمادة 78:

  • “تعزيز نشر الثقافة عبر السينما، بتنسيق مع السلطات المختصة، من خلال القيام، على وجه الخصوص، بتدبير خزانة الأفلام المغربية وتحديثها وتطويرها؛”، وهي صياغة عائمة لا تفد المراد ولا المعنى. عن أي ثقافة وأي سينما يتحدث النص، وما شأن “التعزيز” بتدبير خزانة الأفلام؟؟
  • “تقديم الخدمات الفنية والتقنية في مجال الإنتاج السينمائي”، وهي فقرة تعارض روح المشروع الذي يصبو للنهوض بالقطاع، الذي لن يتطور إلا برأس المال الخاص (التجارب السابقة وطنيا ودوليا برهنت على ذلك)، والنص هذا يجعل من المركز منافسا للشركات الخاصة، كما يفتح الباب أمام اعتمادات مالية جديدة لاقتناء آلات ومعدات فنية وتقنية تسير بسرعة وثيرة التطور، وبالتالي التقادم، في حين توجه سياسة الدولة والحكومة المغربية هو “السوق الحرة” وترشيد نفقات القطاع العام في مقابل تشجيع المقاولات والاستثمارات الخاصة وتحفيزها في ذلك، أو ليس بمراحل خوصصة المقاولات العمومية المغربية هي في تقدم كبير؟

وفي حديث آخر،

  • من بين أهم النقاط التي لم ترد، سواء بمشروع “قطاع التواصل” أو ب”المشروع الحكومي”، هي مسألة “الاستغلال السينمائي في قاعات ومركبات فضاءات العرض العمومي”، أو ليس بمحمد مهدي بنسعيد وزير ش.ت.ث (بهرجان مان) هو حامل مشروع “س” الذي يهدف إلى فتح 150 قاعة سينما بربوع المملكة، الذي دشن شطره الأول في 07-03-2024 ب50 قاعة؛ هاذ المشروع الطموح الذي تشوبه عدة علل بنيوية وتدبيرية، كان من الواجب تخصيصه بمادة تشريعية فريدة تفيد تدبيره وترشيده وتقييد عمله كخدمه عمومية، لا تتعارض مع الأنشطة الأخرى للجمعيات الثقافية، ولا تنافس الاستغلال السينمائي التجاري، خصوصا والاستغلال القائم حاليا بمشروع “س” هو ذو طبيعة تجارية محضة.

  • وكتلك، مسألة “حفظ الأرشيف” التي هي مقرونة تعريفا وتدبيرا وطبيعة وتبعا ل”السجل الوطني للسينما” في سائر تجارب الأمم، إذ في غياب حفظ وأرشفة الأفلام في دعامة مادية أو رقمية، ما الداعي لحفظ عرمرم من الأوراق القانونية التي تتقادم والدعامة الفيلمية المصورة غير موجودة. ذلك يفتح باب مساءلة كبرى عن غياب “الخزانة السينمائية” (الشبح) من مشروع “قطاع التواصل”، وتسميتها ب”المشروع الحكومي” ب”خزانة الأفلام المغربية” بالمادة 78 المهمة 7، تلك “الخزانة السينمائية” التي عرفت وتعرف عبثا مزمنا وشللا إكلينيكيا لا نظير له، والفقرة المخصصة لها لا تفيد مطلقا دورها الحقيقي المتعارف والمتفق عليه دوليا.

 

  • ولا داعي للحديث عن “ميثاق آداب وأخلاقيات النشاط السينمائي”، فهو مطلب يبدو مريخيا أمام السكوت المطبق لأهل الميدان، أمام شيوع ثقافة (بئيسة) تقديم المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة العامة بينهم.

 

  • أما عصى الرحى وتقدمية روح التشريع المفروضان في كل عمل نهضوي جاد وهادف بسينمانا الوطنية، فهو يقوم “أولا” ب”تشجيع الاستثمار في القطاع السينمائي” بمنطق “رابح/رابح”، للمرور إلى مرحلة ما بعد الدعم العمومي الذي وصل للباب المسدود ماليا وفنيا، ذلك لما يفيد عمليا وواقعيا واقتصاديا الرأسمال الوطني وكذلك الدولي (وليس فقط “اقتراح تدابير تحفيزية” غير ناجعة ميدانيا). والأمر هذا بالمشروع الحكومي الحالي هو في خبر سوف وهناك ووراء البحر.

توقيع: هشام الودغيري

خبير إعلامي وفني وسينمائي.

ملحوظات:

  • بلغ عدد النصوص التنظيمية المتروك أمرها للمستقبل “تحدد بنص تنظيمي” لحوالي عشرة 10،
  • التدوينة الإشهارية لوزارة ش.ت.ث تروج لمغالطة لا أساس لها لا بنص مشروع “قطاع التواصل” ولا ب”المشروع الحكومي”، فما ورد بها: “أكد بنسعيد على أهمية هذا القانون الذي ينظم عملية توزيع الإيرادات…” (انظر الصورة المرفقة)، فما مرد ترويج هذه المغالطة؟ ونص “المشروع الحكومي” في المادة 60 يقول: “يكون الاستغلال التجاري لأي فيلم سينمائي موضوع عقد يبرم بين شركة توزيع الأفلام السينمائية ومستغل القاعة السينمائية.”، فأين هي عملية تنظيم توزيع الإيرادات؟؟

كما يدفعنا هذا النص الإشهاري للتساؤل عن مدى إسقاطه على “الدولة” ك”مستغلة سينمائية” باستعمالها مركبات فضاءات العرض العمومي؟

  • بالصورة المرفقة النائب عدي شجري (عن حزب التقدم والاشتراكية) رئيس لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمعية محمد مهدي بنسعيد وزير ش.ت.ث. أثناء تقديم المشروع في مناقشته يوم 03/07/2024.
  • من غريب الصدف التي وقعت عليها وأنا أعد هاته القراءة هو تهافت كل من المغرب والجزائر وتونس (المغرب العربي) على تحيين وإعادة تنظيم القطاع السينمائي بها في نفس السنة:
  • الجزائر صادقت على “قانون يتعلق بالصناعة السينيماتوغرافية” في 29/04/2024،
  • تونس لازالت لم تحسم في “مقترح قانون يتعلق بالصناعة السينمائية”، ورد على “مجلس نواب الشعب” في 23/01/2024.

هل مرد ذلك لأجندات خارجية (مثلا ماما فرنسا)، أم محض صدفة؟؟؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى