الفن الأمازيغي يختزل أصالة الإنسان : البساطة والفرح والامتنان-ذ.أجدور عبد اللطيف

نستطيع القطع بأن كتاب الشعر الأمازيغي خلال إرهاصاته الأولى، لم يتطلعوا إلى العالمية ولا إلى معانقة كل النجاح ذي البعد الإنساني الكوني، الذي حققته غير واحدة من قصائدهم، نتلمّس ذلك في اكتفاء الشاعر الأمازيغي بالتماهي مع موضوعات تتقاطع وحدود وجوده البسيط المختزل في المسيد وأسايس والسوق.. وما يدور في فلك هذه الأمكنة من شواغل ممكنة : الحياة اليومية، الفقر، الوالدان، القيم الإسلامية، الزواج والمرأة، والشعر.. لكن هذه البساطة من حيث هي ارتماء في كنف العفوية المنسابة من أعماق النفس، واسترسال مع فطرتها، هو ما يجعل قابليتها لمعانقة أرواح البشر بمختلف مشاربهم متاحة، فهذه الفطرة هي المعيار الذي يوحد المرامي والطموحات البشرية.
لعل قصيدة زايد أزمان (اذهب أيها الزمن) صرخة الأمازيغي الإنسان بوجه الزمن والنسيان، واحدة من أكثر الأمثلة تجسيدا لقدرة الإبداع الأمازيغي – خاصة الشعري منه – على القفز فوق شروط الزمن والمكان، ومعانقة الكونية، وإفساح حيز مناسب لجماليته وعمقه بين الآداب الإنسانية التي مجدها ابن آدم ومجدته.
هو محمد أزوي الذي كان لقاؤه بالدونيت أو الحياة التي يخاطبها في قصيدته تلك، في سنة 1963 الاعتيادية، وذلك في رحاب الحوز وبالضبط بتحناوت التي توجته باسمها فأحسن رد الجميل، حيث أسمع عنها بشعره من به خَرَمُ، بدأ مسيرته الفنية مبكرا جدا سنة 1978 وهو في سن أقرانه لم يكتفوا فيه من لعب الصبا بعد.
ترحل بين تارودانت والراشدية والحوز إلى أن تلقفته البيضاء، ومكنته إحدى استديوهاتها من أن يبلّغ عن نسوة قريته مواويلهن للعالم.. وتوالت قصائده تزامنا مع فترة ازدهار فن الروايس في الثمانينيات، فصار علما من أعلامه ومنارة من مناراته..
كتب محمد قصيدته الشهيرة وتم تسجيلها وهي من ألحانه وكلماته، تقول :
Zayd a zaman zayd ukan a ddunit زايد الزمان زايد أوكان الدونيـــــــت
Ur dari yat ur dari ma d akav أور داري يات أور داري ماد أكــــاغ
Yat ka ad av isallan izri lupd aman يات كا أداغ إسالان إزري لوحد أمــــان
Apbib inu imudda s bariz ngami t أحبيب إنو إمودا سباريز نكاميــــــت
Ur suln ad yi ittazn tabrat nns ibbi tnt أور سول أد إتازن تابرات نس إبيتنـــت
اذهب أيها الزمن، اذهبي أيتها الدنيا
ليس لي أحد، ولا شيء لي أنفسهم
لا شيء يبكيني أكثر من
حبيبي الذي غادر إلى باريس وفقدته
حتى رسائله لم يعد يواصلني بها
******
ثم يعود ليقول :
Ay ha ya tan kik ur izrin lvaraä ittu k أيهايا تان كيك أور إزرين الغرض إتـــــوك
Ma yran ad ik imun var f ëbbi yajji ïmo مايران أديك إمون غار فربي ياجي الطمــع
ra k id nrar a yaäaë d loaqal hannav راكيد نرار أياظار د العاقل هنـــــــــــاغ
ra k id nrar a yaäaë d loaqal hannav راكيد نرار أياظار د العاقل هنـــــــــــاغ
Njla bdda v ivarasn ar ttazlav نجلا بدا غ إغاراسن أر تازالــــــــــــــــغ
من لم يجد عندك مصلحته تركك
من ذا الذي يرافقك محبة في الله، وينحّي الطمع؟
سألزمك حدودك يا رجلاي، ويا عقلي، لأهنى ²
لقد تهت دوما في الطرقات أجري
*****
ثم يواصل :
Ur sul ayi çëan lapbab lli darnv أور سول أيي زران لاحباب لي دارنـــــغ
Ur sul ayi çëan lapbab lli darnv أور سول أيي زران لاحباب لي دارنـــــغ
Bu twnza twt iyi s içëi nnk zund ifis بوتونزا توتيي س إزرينك زود إفيـــــــــس
Ma f rad allav ad av isstu takuäi nnun مافراد ألاغ أداغ إستو تاكوضي نــــــــــون
Zayd a zaman zayd a ddunit زايد الزمان زايد أوكان الدونيـــــــــــت
Ur dari yan var lhwa a darnv أور داري يان غار الهوى ادارنــــــغ**
لم يعد يزورني أحبابي ²
أيها الفاتن، فعلت فيّ عيناك، ما يفعل الضبع في فريسه
ما الذي أبكيه؟ وما الذي ينسيني حزنك؟
اذهب أيها الزمن، اذهبي أيتها الدنيا
ليس لي أحد، ولا شيء لي أنفسهم
وهي أبيات تلتحم فيها مخاطبة الزمن، والأصدقاء، والحبيبة، مشتكيا منها جميعا إلى الحياة.. معبرا عن وجع الفراق عن المحبوبة التي هاجرت إلى باريز (باريس، فرنسا) واغتربت، وانقطعت أخبارها وتركت الروح توهانة تقاسي السهد والألم.. ثم يحدث الزمن بما توصل إليه من تجاربه الحياتية والعاطفية، مقتنعا أن طبع الناس مجبول على إبداء المودة والصداقة ما داموا يرون في الإنسان مصلحتهم، وهم يبدون غير ذلك من غلظة وعداوة إذا انتفت مصلحتهم لديك
وفي النهاية يدعو قلبه للإقلاع عن طريق الحب، واتقاء شر العشق وضنكه، ويرى أن الانكفاء على النفس والاكتفاء بإصلاحها أسلم وأحكم.
دأب محمد أوتحناوت على التردد على ساحة جامع الفنا الشهيرة في الفترة الأخيرة ، يفني فيها أيامه وبقية فنه، ويواصل فيها العتب على زمنه الذي أعرض المسؤولون فيه عن الشعر الأمازيغي وردوه إلى غياهب النسيان، لكن الشعر بطبعه عصامي والشعراء عبر التاريخ شبّوا على الكفاح لتصل كلماتهم، إلى بقية من الآذان التي طبعت على الارتواء من الفن الهادف الكثيف المعاني والرائق المباني، ف”زايد.. زايد أوكان ألزمان، زايد أوكان أدونيت”.
أجدور عبد اللطيف
شفشاون المغرب