الخلدونية، مُعَاصِرة، أنموذجا للممارسة التاريخية- الاجتماعية- السياسية-الإبدالية (تعريجة على مشروع مدونة الأسرة للمغرب ( 2004-2024)
ذ.عبد الواحد حمزة[1]
الجزء الأول / ” الخلدونية” أو البحث في أسباب أزمة التطور التاريخي الاجتماعي للمغرب[2]
ونحن نحاول فهم أسباب عجزنا، قد نبدو متشائمين ! نعم. نحن كذلك. لكن تشاؤمنا هو تشاؤم ذكاء ويقظة المثقف، وكذا تفاؤل وإرادة السياسي/ المدني والحزبي. ولتجاوز ما حذر منه، يوما ما، جاك بيرك من “نقص في تحليل” ظواهر المجتمع المغربي الجديدة، (العبودية الجديدة، الوطنية المتجددة، الحداثة والديمقراطية، المواطنة، العولمة السلعية…)، حري بنا أن نقف عند بعض المفاهيم الفاصلة، تعريفها، قياس تساوقها وتفاعل بعضها البعض، فضلا عن سياقها التاريخي، وأهمية كل ذلك في الممارسة السياسية والحزبية والمدنية، ببلادنا.
هناك حقا ظواهر عدة ومستجدة تعتمل في أحشاء المجتمع المغربي، يبدو أنها تستدعي وظائف جديدة يتعين على الدولة القيام بها، وعلى رأسها أدوار الدولة الإستراتيجية[3] ، والدولة التنموية والمشـارِكة والتعـبوية والــــــــــضابطة [4]Etat développeur, entrepreneur, actionnaire, mobilisateur, régulateur…
غير أن بناء السيادة الوطنية التي تقطع مع التصور الأورتودوكسي، حيث يلعب القطاع العام دورا أساسيا، وحيث لا تلعب القروض الأجنبية الدور الحاسم في التنمية، وإنما الدور المدعم لها فقط، يدخل في تناقض أو تفاوض مع توصيات القطب المالي الدولي، كما تتصورها وتوعز بها –اليوم- المنظمات المالية والتجارية والإعلامية الدولية المرافقة لحركة العولمة.
ولهذا، فلعل ما تستوجبه قوة هذه التحولات المجتمعية الراهنة، وما ترسخه من عوائق معطلة لإرادة التحديث والدمقرطة ببلادنا، وكمثال على ذلك، إشكالية إصلاح مدونة الأسرة/العائلة، وبعد أن هدأ السجال حول مشروع إصلاح مدونة الأسرة (2004/2024)، وقد يكون لعب دوره الإيديولوجي، ليحل اليوم الاهتمام والانشغال بالإحصاء الوطني للسكن والسكنى (سبتمبر 2024) وبالهجرة السرية العلنية والفيضانات والزلازل…)، هو إعادة النظر في طرق تفكيرنا في المفارقات الكبرى، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، في ” البراديغمات” وفي الممارسة السياسية- الحزبية- المدنية.
والملاحظ، مثلا، اعتماد أفقين أساسيين تبناهما النموذج التنموي الجديد ببلادنا (المغرب2021)، وهما الانتقال الأخضر والتحول الرقمي[5] ، فهل بإمكان هاتان الرافعتان فتح باب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ببلادنا- اليوم؟ أم أنه نموذج/ طبعة نيوليبرالية ماتت في مهدها، عندنا في المغرب، وقبلنا في الغرب منذ الأزمة المالية- الاقتصادية الأخيرة (2008)، لتضع النموذج الرأسمالي العولمي، ككل، في أزمة مركبة خانقة لا سابقة لها ؟.
الفرضية التي سنحاول الغوص فيها هي:خطر لبرلة العائلة والتحديث المجتمعي المنقوص في مدونة الأسرة، دون استثمار جيد لقيم التضامن الاجتماعي-القبلي المتجذرة في بلادنا، وكذا “الوطنية المتجددة”، المستلهمة لعنفوان المقاومة والتحرر الوطني، في فلسطين ومالي وغيرهما من شعوب الشرق وإفريقيا. كما يبدو أن تسرع الحاكمين في تنزيل المدونة (6 أشهر من الإعداد وسماع لما يزيد على المائة شخصية وهيئة وحوار وطني مبتذل…)، وإن سبقها تحضير متنوع لأرضية رمزية وسياسية وثقافية لذلك، لهو أمر لا يستجيب صراحة لإستراتيجية مغربية تنموية اجتماعية واقتصادية حقيقية. وبالتالي فإن معوقات إصلاح مدونة الأسرة (2004/2024) من صميم معوقات تحديث ودمقرطة الدولة والمجتمع في المغرب.
وإذا كان الفقهاء يجعلون من العائلة صمام أمان لمجتمع يحفظ ثوابت الأمة، فلا يسعنا إلا أن نسائل ما إذا كانت الحداثة والديمقراطية تشكلا خطرا على المجتمع والدولة المغربيتين. وعليه يمكن طرح الأسئلة الآتية:
- أليس من الأولى أن يهتم المشرع اليوم بمسألتي الانتقال الأخضروالانتقال الرقمي، بما يعنياه، تباعا من تقوية البنيات التحتية ومن تقنين تكنولوجيا الرقمية، وحفظ المعطيات الشخصية، صونا لأخلاق المجتمع والإنتاج؟
- هل يمكن أن نستشف منطقا للتحديث والدمقرطة وكذا للمرور من التحديث إلى الحداثة ومن الدمقرطة إلى الديمقراطية؟
- أيهما أنجع وأمكن: المرور بالتدرج أم بإحداث القطيعة؟
- هل الذين يطالبون اليوم بالديمقراطية يريدونها فعلا؟
- وهل يسمح أصحاب الحداثة للجميع بدخول الحداثة،اليوم؟
- هل من خوف يذكر على العقائد في نطاق الحداثة؟
- وهل من خوف على السلطة نفسها من الحداثة؟
- هل للتحديث أن يأخذ عندنا نفس المعنى مما هو عليه في الغرب[6]؟
- أي تأثير استراتيجي على اختيار الانتقالين الراهنين للسياسة التنموية المغربية- الرقمي والأخضر-على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومدى التأثير المباشر على الاستهلاك وقيم العائلة وفرص الشغل والتعليم والتكوين للمغاربة ( ركز التصريح الحكومي لسنة 2024 على الاستثمار والشغل ومساطر القانون الجنائي…؟
- أي إطار نظري – فكري- سياسي ومنهجي مستجد يسمح بفهم مدى تحول وحدود/ عوائق واختلالات الأمة المغربية وتحولات هويتها[7]/ تناقضات/تحديث ودمقرطة، وضبط مؤسسة العائلة المغربية، بما هي علاقة اجتماعية، على ضوء الاهتزاز والتوتر والأزمة الضاربة في عمق البارديغمات المتعارف عليها لحد اليوم؟
- أي استشراف نظري مستجد متساوق مع أزمة الإبدالات التي نسجها الفكر الغربي، على أن نقطع مع الاستشراق[8] أو الاستشراق المعكوس[9]، حتى لا يبقى العقل من نصيب الغرب وللشرق حظ في القلب فقط، بما هو” نموذج مصغر للشرق ملائما للثقافة السائدة الطاغية وتفسيراتها النظرية والعملية، في أعقاب النظرية مباشرة”[10]؟
- تلكم الإشكالية التي سنحاول معالجتها في هذا الموضوع، علما أن “الهوية تركيب بنيوي، حاجة انتروبولوجية وليست حاجة غرامية”[11]
وسنعمل على معالجة بعض ذلك في ثلاث أقسام :
- من الوطنية المتجددة إلى الخلدونية المعاصرة
- في بعض اختلالات المدونة، في ذاتها: الكل في النص
- في ارتباط الاختلالات والتناقضات بمحيط ماكرو- خارج النص.
[1] – عضو مختبر بحث الضوابط الاقتصادية والذكاء الاستراتيجي، (Reis)، جامعة الحسن الثاني، البيضاء. وهو عضو أيضا بمركز بنسعيد أيت إيدر للأبحاث والدراسات (Cerm)، البيضاء
[2]-من القرن الرابع عشر إلى اليوم
[3] -عزيز بلال، (1968-1980).
[4] – نور الدين العوفي،( 2023).
[5] -انظر العوفي نور الدين، بايودو كلود،( 2019/2023).
[6] -عبد الله العروي (2006)، عوائق التحديث، ندوة بمشاركة عبد الله القادري ونور الدين أفاية وآخرون، المغرب.
[7] -حسن طارق (2023)، الوطنية المغربية، تحولات الأمة والهوية، المركز الثقافي للكتاب
[8] -إدوارد سعيد (1981)
[9] – صادق جلال العظم (1981). انظر أيضا مهدي عامل في ماركس في استشراق إدوارد سعيد…. (1986).
[10] -انظر إدوارد سعيد (1981).
[11] – انظر إدريس هاني (2024)، ” الهويات الضاحكة”، تدوينة للكاتب.