ثقافة و فن

السيناريو في السينما المغربية بين أزمة الخلق واختلاق الأزمة -ذ.محمد تيسوكمين

محمد تيسوكمين، سيناريست وناقد سينمائي

إذا كانت أزمة السينما المغربية هي أزمة سيناريو بامتياز، وذلك باعتراف النقاد و كل مهنيي القطاع، وتم التعبير عنها سواء في اطار انشغالات نقدية عبر مقالات وتصريحات في الموضوع أهمها الملف الخاص الذي أعدته المجلة السينمائية CINEMAG  في عددها دجنبر 2009  أو في إطار توصيات ذات طبيعة رسمية كما هو الأمر بالنسبة للمناظرة الوطنية للسينما بالمغرب، أكتوبر 2012 حيث تنص التوصية الأولى لورشة الإنتاج الوطني والتكنولوجيات الحديثة وآفاق التطور التكنولوجي، على ” ضرورة إيجاد طريقة لدعم السيناريوهات دون مرورها عبر شركات الإنتاج ” [1]، فإنه بالمقابل لا يمكن الإقرار بأزمة إبداع أو خيال متأصل مغربيا في الوقت الذي نجد أنفسنا أمام شواهد ومؤشرات تنفي هذه الفرضية في باقي مجالات الفن والأدب المغربي، وهي الفرضية التي تفتح أمامنا آفاق وإمكانات تجويد الصناعة السينمائية ذاتها. بمعنى آخر إذا كانت أزمة السيناريو في السينما المغربية بمثابة مقدمة يقينية بالمعنى المنطقي، فإنها لا تفضي استدلاليا إلى نتيجة أزمة الإبداع والخيال لدى المغاربة، فليس كل مقدمة صحيحة تؤدي إلى نتيجة صحيحة بالضرورة، لذلك ينبغي إقامة النتيجة على صحة التحليل نفسه، وليس على مجرد مقدمات صحيحة، وهو ما لا يستقيم إلا بناء على تشخيص المعطيات والوقائع التي تدخل في صناعة الفيلم.

  أقصد بالمعطيات والوقائع موضوع اشتغال هذه الورقة، مجموع مشاريع الأفلام الحاصلة على التسبيق القبلي للأفلام الطويلة من المركز السينمائي المغربي خلال ست سنوات الأخيرة، أي الفترة الممتدة من 2018   إلى 2023. ويمكن تبرير هذا الاختيار بالنظر إلى الاعتبارات الآتية:

  فترة الست سنوات تمثل فترة زمنية معقولة تجعل المعلومة الإحصائية مستقرة، وتتخلص من الطابع العَرَضي الذي يمكن أن يُفقد المعطيات الإحصائية دلالتها العلمية، كما أن المعطيات الإحصائية للفترة السابقة لها لا تختلف عنها كثيرا [2].

  تم ابعاد فئات الأفلام القصيرة، والأفلام الوثائقية حول الثقافة والتراث والمجال الصحراوي، والأفلام الطويلة الحاصلة على دعم ما بعد الإنتاج من هذه العينة المدروسة، لاعتبارات تجعلها تحمل طابعا خصوصيا تُبعدها عن دائرة الصناعة السينمائية بحصر المعنى، أو بالأحرى يمكن أن نجد لها ظروف تخفيف تستند الى مزيد من الحرية الإبداعية اللازمة للتجريب الفني والمغامرة الإنتاجية.

 ويتضح من خلال هذه المعطيات هيمنة المخرجين على كتابة أفلامهم بأنفسهم بما مجموعه 74 فيلما (من مجموع أفلام هذه الفترة البالغة 88 فيلما) بنسبة مئوية بلغت 84.09/، وتشكل 83.78/ منها سيناريوهاتهم الخاصة التي كتبوها دون اشتراك، أو ما أصبح يسمى في الأدبيات السينمائية المغربية d’après son propre scénario .

  وننطلق من هذا المعطى الجوهري كفرضية أساسية لتفسير أزمة السيناريو في السينما المغربية، فرضية لم تنطلق من مجرد بناء عقلي تجريدي بل من وقائع إحصائية ثابتة في تقارير لجن الدعم بالمركز السينمائي المغربي خلال الست سنوات الماضية موضوع الدراسة، تجد أسفله جدولا مفصلا بلائحة مشاريع الأفلام، ومخرجيها وكتاب السيناريو في كل منها.

وقبل التوسع في بسط هذه الفرضية، ينبغي الإشارة في البداية أن جوهر الكتابة هو الحرية الإبداعية ومعيار جودة السيناريو هي المعايير الفنية الإبداعية ذاتها، وبالتالي ليس هناك أي مانع أن يتكلف المخرجون بكتابة أفلامهم بل هو أمر مستحب من الناحية الفنية متى توفرت لهم الكفاءة اللازمة لذلك، ولا يمكن حصر كتابة السيناريو في فئة محددة من كتاب السيناريو تشكل هيئة مهنية حفّظت هذه المهمة باسمها.

بناء على ما تقدم؛ ولأن الأمر يتعلق بصناعة سينمائية وطنية مدعومة بأموال عمومية، وليست انتاجات إبداعية خالصة، يمكن لأصحابها التعبير من خلالها عن ذواتهم وعن العالم بالشكل الذي يرتضونه ولو بأقصى أشكال الذاتية والتجريبية والغرابة، كما هو الحال بالنسبة للشعر أو الفنون التشكيلية أو الرواية أو غيرها، وليست إنتاجات تجارية خالصة يستثمر فيها المقاول أمواله الخاصة بحثا عن الربح، فإن أمر دعم مشاريع الأفلام بالأموال العمومية في إطار صناعة سينمائية وطنية، رافعة للتنمية الاقتصادية ووسيلة للتنشئة الاجتماعية والجمالية للمغاربة، ينبغي بالضرورة أن ينضبط لقواعد الجودة الفنية خاصة في مستوى كتابة السيناريو التي حصل الاجماع حول رداءته، أو على الأقل في كونه لا يرقى إلى مستوى النهوض بهذه المهام.

وهكذا نخلص إلى أن أزمة السيناريو لا تتعلق بأزمة إبداع متأصل أو فقر خيال لدى المغاربة جعل سينماهم دون مستوى السينما العالمية أو على الأقل دون مستوى السينما في البلدان المماثلة، بل تتعلق بأزمة تنظيمية تتعلق بمسطرة انتاج تُكرّس عدم تكافؤ الفرص في انتقاء أجود السيناريوهات، فعندما تفرض مسطرة الحصول على الدعم المرور ضرورة عبر شركات تنفيذ الإنتاج، و تفرض على هذه الشركات  التعاقد مع المخرج باعتباره المسؤول الفني عن المشروع، فإن السيناريست، وبالتالي السيناريو سيصبح أضعف حلقة في العملية برمتها، وسيتم ملء الفراغ بسيناريوهات المخرجين أنفسهم _وهم غير مُلامين في ذلك_ بل حتى مناقشة المشروع أمام اللجنة، يكون فيها السيناريو آخر اهتمامات اللجنة[3]. أكثر من ذلك قد تكون بعض السيناريوهات الجيدة محظوظة للعرض أمام اللجنة، فيتم إفسادها باختيارات إخراجية غير ملائمة، وفي كثير من الأحيان باختيارات إنتاجية أو بسبب عيوب في الملف القانوني للشركة، أو سوابق إنتاجية غير قانونية، ويكون مصير السيناريو هو الحكم بالإعدام، دون أي تعويض حتى على التنقل لمناقشة المشروع بحكم أن التعويض يكون رهينا بالحصول على الدعم _دون الدخول طبعا في تفاصيل تعويضات السيناريست حتى في حالة الدعم لأن هذا موضوع آخر_ وأنا على يقين دون أن أملك إحصائيات دقيقة ، أن هذه الفئة من السيناريوهات المرفوضة، والتي يمكن تسميتها بالمرجوعات، تشكل قاعدة بيانات مهمة، تضم عشرات السيناريوهات ، لدراسة علمية مستقلة في موضوع أزمة السيناريو في السينما المغربية، هذا إذا لم يتم قرصنتها ويعاد كتابة سيناريوهات جديدة بناء عليها وهو تفرّع آخر من تفرعات أزمة السيناريو المعممة.[4]

وهكذا نعتبر أن حل أزمة السيناريو وفق المعطيات السابقة هو تفعيل التوصية الأولى لورشة الإنتاج الوطني والتكنولوجيات الحديثة وآفاق التطور التكنولوجي، بالمناظرة الوطنية للسينما بالمغرب، أكتوبر 2012 التي تنص على “ضرورة إيجاد طريقة لدعم السيناريوهات دون مرورها عبر شركات الإنتاج ” وهو الحل الملائم والناجع وغير المكلف أيضا، ولا يتعلق الأمر إلا بتخصيص لجنتين للدعم:

اللجنة الأولى:

مخصصة للسيناريو، ليس شرطا أن تنعقد خلال ثلاث دورات، بل من المستحب أن تنعقد في دورة واحدة في السنة، تخصص فقط للسيناريو، تفتح في وجه جميع كتاب السيناريو مباشرة ودون وساطة شركات تنفيذ الإنتاج، يشارك فيها أيضا المخرجون بصفتهم كتاب سيناريو، تتكون اللجنة من أهل الاختصاص من نقاد وكتاب سيناريو وروائيين، ومثقفين، وتكون معايير الانتقاء إبداعية فنية ولا دخل فيها للعوامل الإنتاجية، واكراهات شركات الإنتاج. وهو الأمر الذي يجعل عمل اللجنة تخصصيا دون عوائق تعدد المعايير وتداخلها. ويتم تبرير القرار سواء بالاختيار أو عدمه من طرف اللجنة، بعد ذلك يتم عرض السيناريوهات المنتقاة على المخرجين والمنتجين قصد إعدادها كمشاريع تقدم في الدورات الخاصة بالإخراج والانتاج

اللجنة الثانية:

تخصص للإخراج والانتاج ويتم فيها مناقشة الجوانب الإنتاجية والاخراجية للمشروع، على اعتبار أن النص كان محسوما في دورة السيناريو، وستجعل الطبيعة التخصصية لعمل اللجنة اختياراتها أنجع وتبتعد عن النقاشات المتشعبة فيما يقع خارج دائرة تخصصها.

    إذا كان هذا حلا لأزمة السيناريو في السينما المغربية في حدود المُتاح هنا والآن، من الموارد المخصصة للدعم، فهو يمكن في نفس الوقت أن يكون مدخلا لتطوير وتجويد السينما المغربية مستقبلا والرفع من تنافسيتها الفنية والتجارية إقليميا وعالميا، وذلك عبر الانفتاح على الدراما التاريخية سواء في السينما أو التلفزيون على غرار دراما دول مماثلة. فبغير هذه الصيغة لن يفكر كتاب السيناريو في الانفتاح على هذا الجنس، بدعوى عدم قدرة الدولة على انتاجه حاليا، على العكس من ذلك تقوم هذه الصيغة على الفصل بين الابداع وبين اكراهات الإنتاج القائمة، وهي اكراهات قد تُحلّ في أي لحظة، فنجد أنفسنا جاهزين من الناحية الإبداعية. فعلى عكس الإنتاج الذي لا يتوقف إلا على موارد مالية وقرار اداري قد تتوفر بين عشية وضحاها، تحتاج الجاهزية الإبداعية، خاصة في الكتابة التاريخية إلى سنوات طويلة يُعتبر هذا المقترح ضامنا وحاضنا لها. كما يوفر هذا المقترح إمكانية لإعداد رصيد من النصوص الإبداعية الجيدة، من لم يجد منها سبيلا إلى الإنتاج يتم اعتماده مادة لتدريس الطلبة في المعاهد السينمائية، وينشر في كتب تغني الخزانة السينمائية المغربية، وتوضع رهن إشارة شركات الإنتاج الوطنية والأجنبية في إطار الإنتاج الخاص.

[1]  الكتاب الأبيض للسينما المغربية، وزارة الاتصال، مطبعة ABAJID الطبعة الأولى أكتوبر 2013 ص 122

[2]  نشرة الحصيلة السينمائية للمركز السينمائي المغربي برسم 2017   تتحدث عن انتاج 17   فيلما من نفس الفئة ويبدو أن النسبة هي نفسها

[3]  تتضمن المادة الرابعة حول شروط قبول ملفات مشاريع الأفلام قبل الإنتاج واحد وعشرون شرطا، شرطان فقط مخصصان للسيناريو، أحدهما لمشروع السيناريو والثاني لملخص السيناريو والشخصيات الرئيسية. المرجع، الجريدة الرسمية عدد 6086 بتاريخ 27 شتنبر 2012.

[4]  لا يتسع المجال لذكر مختلف الأعطاب المرتبطة بأزمة السيناريو، ولكن يمكن اعتبار خلل مسطرة الدعم بمثابة البؤرة المركزية، وما المشاكل الأخرى إلا هزات ارتدادية نتجت عن هذه البؤرة وهي إضافة إلى ما تقدم:

  • تحول العديد من كتاب السيناريو إلى مخرجين قسرا، قصد التكيف مع مقتضيات هذه المسطرة، ونتيجة لذلك فقدت السينما المغربية كتاب سيناريو من النوع الجيد، يوسف فاضلا نموذجا، دون أن تربح مخرجين جيدين. فالكتابة الإبداعية تقتضي تملك قدرات فتية استثنائية لا يمكن تكييفها مع تقلبات الإنتاج ولا اخضاعها لمقتضيات السوق، ولذلك ينبغي تعزيز هذه القدرات والاعتراف بالكتاب كمبدعين، لا دفعهم ليتحولوا إلى قطع غيار داخل آلة الإنتاج.
  • ابتداع مسطرة جديدة باسم دعم كتابة السيناريو، حيث يتم تخصيص مبالغ لإعادة كتابة سيناريوهات لم تنل دعم الإنتاج، رغم أن كثيرا منها لا يعرف طريقه إلى الدعم في الدورات اللاحقة، بل منها ما تكتف شركة تنفيذ الإنتاج بهذه المنحة ولا تقوم بإعادة الكتابة أصلا، مما يكشف عن اختلالات لا حصر لها، بداية من عدم ملائمة المسطرة أصلا، وانتهاء باستيلاء الشركة عوض السيناريست على منحة الدعم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى