الكرطيات بين المواطنة القبلية والقبيلة المواطنة

أنباء عديدة يتم تداولها في مدينة العيون حول منح شيوخ القبائل الصحراوية عددا من بطائق الإنعاش لتوزيعها، النبأ الذي ينطبق عليه المثل لا دخان بلا نار.
فقبل أشهر قليلة، راجت أنباء عن تسجيل إحدى القبائل لمعطليها ضمن لوائح محتملة ل”لإستفادة”، وهي العملية التي تمت في سرية تامة، فما هي الرسائل التي تحملها هذه المعطيات؟
لاشك أن شيوخ القبائل يستقبلون مطالبا عديدة، اجتماعية واقتصادية، ويجب التمييز بين شيوخ القبائل من جهة والذين لا تربطهم بالضرورة علاقة بالدولة، وبين شيوخ تحديد الهوية، أي هوية المصوتين المحتملين في استفتاء محتمل، وبمعنى آخر شيوخ تحديد هوية الشعب الصحراوي وهي الإشكالية التي ظلت عالقة لدى بعثة المينورسو شكلت سببا لعدم إمكانية الاستفتاء، منهم من لديهم انتماءات سياسية أو أخرى ضمن أسلاك السلطة، وظيفة أو منصب قد يصنف ضمن الأشباح، ومنهم من ينأى بنفسه عن هذا وذاك، لكن باقي الأدوار تظل حاضرة، ويتغير التعامل معها بتغير القبعات السالفة الذكر، كما يتغير بتغير القيمة الرمزية وتراتبية القيمة لهؤلاء ارتباطا بأبعاد انثروبولوجيا-سياسية.
كيف يمكن أن تكون القٓبِيلة مواطِنة؟
بالتأكيد أن للقبيلة، ولمؤسسة شيوخ القبائل أدوار عديدة، شكلت تيمات دراسات ومقالات، منذ زمن الاستعمار ودور آيت أربعين السياسي والاقتصادي والتضامني، مرورا بالادوار الدينية التاريخية ارتباطا بالزوايا الدينية، وصولا للأدوار الإجتماعية المتعددة التي خلقتها ظروف الحياة اليوم، والتي تتعدى لك المنازعات وحل المشكلات بين الأفراد إلى الوساطة في العمل، أو الترافع على قضايا مجتمعية بخلفية أو بأخرى (قضية معتقلي أكديم إزيك)، او أخرى سياسية صريحة عن طريق البيانات واللقاءات المرتبطة بقضية الصحراء، والتي تكون بتنسيق مع الدولة في الغالب، تتضمن كا تتضمنه من خطابات مواقف حول قضايا فرعية من القضية الأصل، خطابات خيطها الناظم تجديد فروض الطاعة والولاء للمؤسسة الملكية.
تزكي هذه المعطيات، التي لها مؤشراتها الواقعية والأمثلة العديدة، تلك المكانة التي تلعبها مؤسسة شيوخ القبائل من دور الوساطة، بين رابطة اجتماعية وبين مؤسسات الدوله باختلاف تراتبيتها. الوساطة هي دور من الأدوار المواطنة الذي افتقد منذ سنين إلى الثقة عبر مختلف المؤسسات التي تلعبه، من أحزاب ومجالس منتخبة وبرلمان وحكومة ووزارات ومجتمع مدني وغيرها.
وبقدرما افتقد دور الوساطة هذا للثقة من طرف فئات وشرائح عديدة تجاه عدة مؤسسات، بقدرما افتقدها بمستويات متعددة لدى مؤسسة شيوخ القبائل، بالنظر لاعتبارات عديدة من ضمنها “الامتيازات” المصاحبة لهذا الدور، الصريحة منها والمحتملة، التي تتعدى شهرية العشرة آلاف درهم إلى امكانية عدم المحاسبة في العمل، وغيرها من الامتيازات المحتملة.
هل تصبح المُواطٓنة قٓبٓلِية؟
استحضار مفهوم المواطنة ها هنا كان لاعتبارات ذاتية وأخرى موضوعية. وتتمثل الاعتبارات الموضوعية بالأساس بالمساواة في الحقوق والواجبات كبعد من أبعاد المواطنة، التي ترتبط بدورها بمفاهيم الحادثة الأخرى من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان. بهذا يكون هذا “النظام الاجتماعي” في خلل، ذلك أن سمته المتنوعة والمتعددة الأجناس والأعراق القبائل، خاصة على مستوى مدن الصحراء، تجعل قبيلة أو قبائل، او مقربون من شيوخ قبائل او قبيلة معينة يحضون بأفضلية نسبية أمام الفرص عكس باقي الفئات، في إطار “سلطة” الوساطة لهذه المؤسسة.
وفي ظل نسق معقد، تتنوع وتتشكل علاقات الفاعلين فيه بتشكل شبكة المصالح والعلاقات، القبلية القبلية، القبلية الحزبية، وأحيانا ضمن منطق الصراع، صراع خفي رمزي، عن المصالح والمواقع، يقع ضحيته مختلف من ليس لديهم هذا “الرأسمال” بلغة بورديو.
أمثلة ومؤشرات عديدة على هذا الفهم المتواضع، لا تقتصر على مناصب وفرص ضمن مؤسسات تم ضمها إلى “النحن” القبلي، كالمجالس المنتخبة الجماعية منها والإقليمية والوهمية، بل تعدت ذلك إلى مؤسسات السلطة من عمالات، ضمن ما يعرف بأعوان السلطة و”العاريفات”، في “غزي” مارسته “حركة” القبيلة على مؤسسة الدولة، وهذا ما لاحظه عديدون في توظيف وإدماج عدد من هذين الفئتين ضمن ولاية العيون.
وفي هذا السياق، راجت أنباء، لازالت غير دقيقة، حول منح عدد من الكرطيات لشيوخ القبائل، دون تحديد هل هم مختلف شيوخ القبائل الصحراوية، او فقط شيوخ تحديد الهوية، الذين أكد أكثر من مصدر خبر الزيادات في رواتبهم.
ترويج هذه الأنباء، يطرح أسئلة عديدة، من ضمنها هل هي من أجل مساعدة مؤسسة شيوخ القبائل لممارسة دور الوساطة والضغط من أجل إيجاد حلول لبطالة فئات عديدة؟ ولإعادة الإعتبار لمؤسسة شيوخ القبائل؟ أم هي مناورة للتغطية على خبر الزيادة في رواتب شيوخ تحديد الهوية؟ أهي ورقة ضمن الأوراق السياسية-الحزبية الخفية، والتي تركب موجة “التحمجي” للضغط على الدولة من أجل مزيد من الاستمرار وتحصين “المكاسب” السياسية!؟ أم هي لتفنيذ نجاعة نموذج الأوليكارشية الاقتصادية والسياسية في الجهات الجنوبية؟