وجهة نظر

 الجهوية والعطل المدرسية -عبد الكريم الرطابي

                    *العطلة للجميع *هذا شعار جميل رفعته وزارة التربية الوطنية منذ سنوات ،ولا يمكننا إلا أن نباركه وندعمه ليصبح تقليدا موسميا .

لن ندخل في تفاصيل العطل المدرسية والغاية منها ،وانعكاساتها التربوية والسيكولوجية الايجابية على المتعلمين والمعلمين.فهذه أمور نعتبرها تحصيل حاصل .إلا أن الظروف المحيطة بالعطل المدرسية وسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية تستدعي منا أن نتوقف مليا لمناقشة بعض القضايا المرتبطة بها.  

   أن نجعل العطل المدرسية موحدة على الصعيد الوطني فهذا يتنافى ومشروع الجهوية الذي يطمح إليه المغرب ،كما يخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة يمكن حصرها فيما يلي 

ا- على مستوى التنقل تعرف حركية السفر إقبالا كبيرا على وسائل النقل ، واكتظاظا في المحطات الطرقية مما يؤدي إلى ارتفاع في أثمنة التذاكر ،وانتعاش السوق السوداء.وهذا يرهق كاهل الأسر.فثمن التذكرة في الأيام العادية ليس هو ثمنها في هذه المناسبات .إنها تتضاعف ثلاث مرات أو أكثر.  

   كما أن المحاور الطرقية سواء الطرق الوطنية أو الطرق السيارة تعرف ازدحاما منقطع النظير،مما يؤدي إلى حدوث كوارث متوقعة .فلا نستغرب من الشركة الوطنية للطرق السيارة عندما تصدر بلاغات عند بداية العطلة ،وعند نهايتها ناصحة مستعملي الطريق السيار بتجنب التنقل في أوقات الذروة. 

ب على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي تعتبر هذه العطل مناسبة للسياحة الداخلية لاكتشاف مناطق معروفة بتقديم عروضها السياحية نظرا لأثمنتها التي تناسب دخل تلك الأسر.وهذه المناطق تمتد من مدن الشمال (طنجة مارتيل المضيق الحسيمة والناضور ..) إلى المحيط (أصيلة ،مولاي بوسلهام ،المحمدية آزمور، الجديدة، آسفي والصويرة …) إضافة إلى المناطق الداخلية (فاس ايموزار افران وما جاورها …) وكذلك مدن الجنوب…     

   ما يعنينا في هذا الجرد المختصر أن هذه المحطات السياحية تعرف انتعاشة اقتصادية أثناء العطل المدرسية،فيتحقق الرواج الاقتصادي في جميع تجلياته كانتعاش الصناعة التقليدية المحلية وانتعاش الفنادق المصنفة وغير المصنفة ،وكذلك تنتعش المقاهي والمطاعم.كما أن نسبة كبيرة من هذه الساكنة تنتظر هذه الفرصة لكراء منازلها وبيوتها بأثمنة تناسب جيوب الأسر مما ينعش مداخيل أصحاب دور الكراء. 

  فهذه المدن السياحية باستثناء مراكش وأكادير تنتظر هذه العطل المدرسية بشغف عساها تحقق مداخيل إضافية تساعدها على تغطية مصاريفها طيلة السنة .فهذه المدن لا  تعرف  أنشطة صناعية قادرة على خلق فرص للشغل واستيعاب اليد العاملة المحلية .  هكذا نرى جزءا كبيرا من ساكنتها تعرض بيوتها للكراء طيلة السنة.

  مقترحات في شأن مواعيد العطل المدرسية البينية  

  إنها مقترحات غير مكلفة لا على المستوى التربوي ،ولا على المستوى المادي  للوزارة الوصية.    لقد جربت وزارة التربية لوطنية فكرة الأقطاب المدرسية .وتعني أن جهتين أو   ثلاثا تستفيد من العطل المدرسية كمرحلة أولى (المدة أسبوع أو عشرة أيام).وفي   المرحلة الثانية تستفيد جهتان أو أكثر من العطلة بعد أن يلتحق القطبان السابقان بمقاعد الدراسة .وفي المرحلة الثالثة تستفيد الجهات المتبقية من العطل المدرسية . 

 إن فكرة الأقطاب الجهوية فكرة خلاقة جربتها الوزارة المعنية مرة ثم استغنت عنها بدون مبررات تربوية .إنها فكرة تستحق التنويه وإعادة النظر فيها لتفعيلها مرة ثانية نظرا لايجابياتها العديدة .

ونذكر منها  

  – تخفيف الضغط على وسائل النقل وداخل المحطات الطرقية وتجنب المضاربة في أثمنة التذاكر.    – انتعاش الرواج السياحي في المناطق المذكورة أعلاه،وعدم الضغط على أماكن استقبال الأسر (المقاهي والمطاعم ووسائل الترفيه…) لأن العطلة لن تبقى منحصرة في مرحلة واحدة   ،بل تمتد إلى مراحل ثلاثة ..وفي ذلك استفادة للزوار. 

– استفادة أصحاب الدور المعدة للكراء فترتفع مداخيلها ثلاث مرات .

 من الناحية الاقتصادية ترتفع المداخيل ثلاث مرات سواء عند أصحاب المقاهي أو المطاعم أو عند أصحاب  الفنادق لأن الغطاء الزمني للعطلة وفق منطق الأقطاب سيمتد لما يقارب الشهر أو ثلاثة أسابيع  .

– استفادة سائقي سيارات الأجرة داخل المدن السياحية فيحققون مداخيل إضافية . 

لذلك فعلى الوزارة الوصية أن تفكر في هذه الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية الايجابية للعطل البينية على الأقطاب الجهوية ،لما لها من وقع ايجابي على الاقتصاد الاجتماعي المحلي للمناطق التي تعرف ركودا طيلة السنة،ولا تستفيد إلا في العطل الصيفية وتبقى تواريخ العطل الدينية والوطنية مشتركة بين جميع الجهات .فحبذا لو راجعت الوزارة المعنية برامج العطل البينية وتعيد هيكلتها وفق الأقطاب الجهوية .فهي لا تكلف الميزانية اعتمادات إضافية. قد يحتج البعض على هذه التجربة بعامل الامتحانات الاشهادية التي ينبغي أن تمر في أوقات واحدة على الصعيد الوطني .ما العيب لو تجري الامتحانات  الإشهادية في أوقات متفاوتة ؟وهل للأوقات المتفاوتة أثر سلبي على المتعلمين ؟   

  أعتقد أن العمليات التعليمية والامتحانات الإشهادية لن تتأثر إطلاقا بهذه الصيغ التي تطال برامج العطل وفقا لنظام الأقطاب بما أن الزمن المدرسي متحكم فيه بشكل كلي . فالبرامج التعليمية تتوزع بشكل منتظم وفق الأسدوس الأول والثاني ،والعطل البينية تتوزع  بشكل تربوي لا يؤثر على تلك البرامج . 

إن الرهان على الجهوية المتقدمة يبقى بدون معنى ،ويبقى شعارا للاستهلاك الداخلي  لأنه لم يتحقق على أرض الواقع .فعلى عقلية المركز أن تفك ارتباطها تدريجيا بالبرامج التعليمية وبرامج العطل البينية.فللجهات أطر لا يستهان بها على مستوى التسيير والتدبير والخلق والابتكار وفق مقاربة تراعي ما هو محلي وما هو جهوي وما هو وطني. 

 فمتى تتخلص الجهات من سلطات المركز وتبني هياكلها الصحية والتعليمية والفلاحية والصناعية في مراعاة تامة لمصالح السكان وتثمين الطاقات والمنتوجات المحلية والجهوية وتحسين جودة العروض السياحية لكل جهة ؟

       

        

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى