الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس في حوار مع جريدة ” تنوير”
هكذا جئت للصحافة بعد جفاء وهؤلاء من أناروا طريقي على درب صاحبة الجلالة

حاوره: منير الدايري
كيف جئت إلى الصحافة حتى لمع فيها اسمك؟
جئت إلى الصحافة بما يشبه عنادا مزدوجا من طرف ومن طرف صاحبة الجلالة، عشقت المهنة في سن مبكرة، منذ كنت طفلا اقرأ الجرائد للكبار في حينا كل مساء عدت فيه من المدرسة، المحرر والعلم، الأولى كان يتأبطها سرا بّا إبراهيم الكواي الاتحادي والثانية بّا الإبزار الاستقلالي، وأنا لا أفقه سطرا مما أقرأ، كنت يومها فقط أجتهد في تقويم صوتي وتنغيم شكل قراءتي، كأني أحاول أن أشخص دورا في نص مسرحي أو أتكئ على نبرات صوتي في كلمة تبدو لي ذات إيقاع سحري مفترض على المستمعين الذي يلعبون الضامة أو الورق، ويستريحوا بقراءة الصحف، وكنت أحضر أول تفاعل في حياتي مع الصحافة الورقية يومها، حين تبدأ المناقشات وتحتد بين مختلف الرجال الكبار من حينا، وحين تقدمت بعد حصولي على البكالوريا إلى المعهد العالي للصحافة يومها، تلقيت مراسلة بقبول ترشيحي، لكن لأمر لم أفهمه أبدا أني لم أتوصل بالدعوة لاجتياز الامتحان..
هل لهذا السبب ولجت معهد الصحافة، بنوع من العناد؟
لا أبدا، ولّيت الصحافة، هذه المعشوقة الفاتنة، الأدبار والصدود وقصدت كلية الآداب وجذبني الشعر وسحر الرواية، ولم تشغلني الصحافة إلا فيما يدخل في باب فهم ماجريات ما يحدث في مجالي العام، حتى التقيت الراحل عبد الجبار السحيمي ذات صدفة، وبعد أن كتبت مقالا في بداية التسعينيات في جريدة “الزمن” باسم مستعار نكاية في هذه المعشوقة التي قابلتني بالصدود فبادلتها بالجحود.. حيث نشر المقال ومعه، أتذكر في الصفحة الأولى وببنط غليظ، دعوة باسم الشخصي للاتصال بالجريدة، التي كان يرأس تحريرها المفكر الراحل محمد سبيلا ويكتب فيها السحيمي والعربي المساري وأقلام كبيرة يومها.. ويديرها مولاي عبد الكبير العلوي رحمة الله عليهم.
من هم الكتاب الذين كانت كتاباتهم الصحفية مرشدا ودليلا لك علی درب الصحافة؟
كنت أردد دوما أننا كجيل لسنا لقطاء، وأننا لم ننبت مثل الفطر، نحن ورثة مشعل من أقلام فذت وشمت اسمها في الصحافة الوطنية ومهدت لنا الطريق، كان التأثير الأكبر بالنسبة لي من أسماء لها وهجها الإعلامي، بعضها لم يقدر لي أبدا أن ألتقيه يوما مثل المرحوم محمد باهي، وبعضها مثل عبد الجبار السحيمي والعربي المساري وغيرهما قدر لي أن أكون قريبا منهما دفئا ومعاشرة إنسانية وصداقة بنبل بلا حدود، زد على ذلك مفكرين وأعلام بارزة اشتغلت في مرحلة من حياتها بالصحافة أمثال الراحلين محمد عابد الجابري ومحمد سبيلا… إن الأمر يتعلق بأعمدة استفادت منهم الصحافة المغربية بوجه من الوجوه.
ما الذي جعل مقالاتك التي كتبتها منذ منتصف التسعينيات لا تزال تقدم متعة وفاٸدة حتی اليوم، بل وتعيد نشرها في كتب بعضها طبع أكثر من مرة؟
إما أن الواقع المغربي بطيء التغير أو منعدمه ليجعل كتابة صحافية سمتها العبور في الزمان والتلاشي بسرعة، تصمد لثلاثة عقود وتستمر في منح المتعة والفائدة لأجيال لاحقة لم تعش لا الأحداث ولا الشخوص المؤثرين أو الصانعين لوهجها، أو أن كتاباتي لم تكن تهتم بالعبر والسطحي من الأحداث، واستطاعت القبض على الجوهري المؤسس لبنية الفعل السياسي والمجتمعي المرتبط بالأفكار والبنيات التي لا تتأثر بالتحولات المادية السريعة. وإذا صح هذا فغني قد نجحت فيما قدمته لقرائي ولكل المهتمين بتطورات الشأن السياسي بالمغرب.. وهو ما يجعل الحاجة مستمرة برغم كل التحولات التي تبدو على السطح لمثل تحليلاتي.