وجهة نظر
عقدة الجمال بين الحقيقة والوهم: هل الفلتر على مواقع التواصل هروب أم أزمة قيم؟

في عصر الصورة والمظاهر الخداعة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات تُعرض فيها نسخ مُفلترة من الواقع. الفلتر الذي يُستخدم لتحسين المظهر بات جزءًا لا يتجزأ من هذه المنصات، لكنه أفرز ظاهرة اجتماعية ونفسية تستدعي الدراسة والتحليل. بين التجميل المرغوب والتضليل المتعمد، يُطرح سؤال: هل هذا الهوس بالجمال المصطنع هروب من الواقع أم أزمة أعمق في قيمنا ومفاهيمنا؟
الفلتر: أداة ترفيه أم قناع اجتماعي؟
بدأ الفلتر كأداة بسيطة لإضفاء نوع من المرح والتجميل المصطنع، ثم تحول إلى وسيلة لإعادة تشكيل الهوية الرقمية. الفتاة التي تستخدم الفلتر لا تعدل صورتها فقط، بل تعيد رسم ملامحها، لتقترب من معايير جمال مثالية. هذه الممارسة قد تبدو ظاهريًا غير ضارة، لكنها تعكس قضايا نفسية واجتماعية عميقة، أبرزها الرغبة في القبول الاجتماعي والخوف من الرفض.
انعكاسات استخدام الفلتر: بين المنافع المؤقتة والعواقب الوخيمة
من المنافع الظاهرية للفلترة نذكر:
1. تحقيق القبول الاجتماعي: يمنح الفلتر الفتاة الثقة المؤقتة لمشاركة صورها والظهور بصورة مثالية.
2. جذب الانتباه: يزيد الجمال المصطنع من التفاعل والإعجاب على المنصات.
3. إخفاء العيوب الشخصية: يعتبر الفلتر وسيلة للهروب من الإحساس بالنقص أو عدم الرضا عن المظهر الحقيقي.
تتعدد العواقب التربوية والنفسية للفلترة نذكر منها:
1. تعزيز القيم السطحية: يُهمش التركيز على الجمال الخارجي الأبعاد الأخرى للشخصية مثل الذكاء والقيم والأخلاق.
2. أزمة الهوية: يؤدي الاعتماد على الفلتر إلى عدم تقبل الذات، مما يخلق فجوة نفسية بين الصورة الرقمية والواقع.
3. تأثيرات على العلاقات الاجتماعية: قد تضلل الصور المفلترة الآخرين، مما يؤدي إلى صدمات عاطفية وانعدام الثقة.
منصات التواصل: بيئة رقمية أم مسرح للأقنعة؟
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتفاعل والتواصل، بل تحولت إلى مسارح تعرض فيها “نسخًا محسنة” من الواقع. تعرض هذه البيئات الرقمية معايير جمال غير واقعية، تُصعّب على الفتاة تقبل مظهرها الحقيقي. في المقابل، تُشكل هذه المنصات ضغطًا اجتماعيًا يدفع الكثيرات للبحث عن الكمال بأي وسيلة، حتى لو كانت وهمية.
الأبعاد التربوية: مسؤولية الأسرة والمدرسة
من المهم أن تتعامل المؤسسات التربوية والأسرة مع هذه الظاهرة بحكمة ووعي، من خلال:
1. تعزيز التقبل الذاتي: تعليم الفتيات أن الجمال الحقيقي ينبع من الثقة بالنفس والجوهر الداخلي.
2. تغيير مفهوم معايير الجمال: تشجيع معايير قائمة على التنوع والجمال الطبيعي بدلاً من الصور النمطية المثالية.
3. التثقيف الرقمي: توعية الشباب بمخاطر التعلق المفرط بصور رقمية معدلة وتأثيراتها على الصحة النفسية.
الحلول: العودة إلى الواقع والقيم
قبول الذات: على الفتيات أن يدركن أن الجمال الحقيقي يكمن من الداخل، في المبادئ والقيم وليس فقط في المظهر الخارجي.
التربية الإعلامية: تعزيز وعي الأجيال حول الفرق بين الواقع والخيال الرقمي.
المسؤولية المجتمعية: تشجيع المحتوى الواقعي ودعم الشخصيات المؤثرة التي تحتفي بالجمال الطبيعي.
الخلاصة: صدق الصورة أم صدق الذات؟
تكشف ظاهرة الفلترة والجمال المصطنع عن أزمة قيم اجتماعية أعمق. الهروب نحو صورة رقمية مثالية لا يعالج المشكلة بل يزيدها تعقيدًا، إذ يبدأ الحل من الداخل، عبر تعزيز الثقة بالنفس وقبول الاختلاف. فعندما تتعلم الفتاة أن جمالها الحقيقي يتجاوز المظهر الخارجي، تتحرر من قيود الفلتر، وتعيش حياة أكثر صدقًا وواقعية.
هشام فرجي