وجهة نظر

الأطفال والنزاعات المسلحة عبر العالم!-أجدور عبد اللطيف

اعتقدنا لفترة في مستهل الألفية الجديدة، مع شيوع جو من الأمن العام، أن الأطفال لا يحتاجون لمصاحبة نفسية معينة، تحميهم من تبعات النزاعات المسلحة التي أصبحت تمزق الأرض؛ منذ نهاية الحروب الأهلية المتفرقة التي نشبت عن الحرب الباردة هنا وهناك في العالم، وباستثناء تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق عسكريا، شهد العالم هدوء نسبيا سمح للأطفال بالنمو في جو تحوطه بعض الاعتيادية والألفة. لكن مع بدء العشرية الثانية من الألفية، وبعد اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي، وما صاحبها في بعض البلاد من مواجهات مسلحة دامية تحولت لمجازر حقيقية، ما زال بعضها جاريا حتى اليوم، انتهاء بالعدوان الصهيوني الوحشي الذي يستعصي على الوصف والمنطق، على فلسطين، أصبح الأطفال مهددين نفسيا أكثر من أي وقت مضى.

لا تكاد تخلو نشرة أخبار، أو برنامج حواري، من أخبار الحروب الطاحنة الدائرة رحاها بفلسطين، وسوريا، وليبيا، والسودان، واليمن، وأوكرانيا، وأفغانستان، وبعض دول أفريقيا جنوب الصحراء.. بل لا يمكن أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي دون الوقوف على محتوى يغطي هذه الحروب، ومن ثمة فإن كل طفل معرض يوميا لمشاهد الدمار والقتل والدخان والدماء والحرائق، في سن ليس من المفروض بتاتا أن يطلع فيه عليها، ومن الوارد جدا أن تصيبه هذه المشاهد المتكررة بنوبات ذعر حتى لو كانت غير مصحوبة بأعراض خارجية، ما يؤثر سلبا على حياته النفسية، على المديين المتوسط والبعيد.

يمكن أن تتسبب مشاهد العنف المتكررة في إدخال الطفل في أزمة نفسية، وتؤثر على علاقته الوجودية بالجماعة سواء الصغيرة أو الكبيرة، لأن النوع البشري، الذي تعلم أنه منبع الأمان منذ علاقته بأمه يوم كان رضيعا، وأبيه وأخوته وهو يخطو خطواته الأولى، هو نفسه من يتفنن في إبادة بني نوعه، باختراع القنابل العنقودية، والأسلحة الكيميائية، والطائرات المسيرة، والقنابل الكهروميغناطيسية، فضلا عن البنادق والرشاشات والدبابات والبراميل المتفجرة، التي تختار أهدافها بعناية، بين مستشفى ومدرسة ودور عبادة ومخيمات لجوء وبيوت صحفيين…

إن علم الطفل أن كل هذه البشاعة الصادرة عن الإنسان بإتقان، الموجهة كذلك إلى الإنسان، هي بالفعل أحداث حقيقية واقعية، لا مجرد مشاهد سينمائية متقنة كما تردد على مسامعه أمه، كلما جزع لمشهد عنف في التلفاز ، إن علمه بذلك يفتح جرحا عميقا في هويته ووجوده كإنسان، ويسبب اكتئابا عويصا باكتشافه أن العالم شرير جدا، عكس ما أقنعته به قصص الأطفال دوما. كما أن الجهل بأسباب كل هذه الهمجية، أو العجز عن استيعابها أقله، مع أن الكبار نادرا ما يحاولون احتواء هذه الأسئلة الحارقة، يفاقم الوضع، ويدخل الطفل في دوامة شك تجاه ذاته أولا، ثم تجاه محيطه الصغير والكبير بعدها.

تصير هنا الحاجة ماسة إلى فتح قنوات تواصل سلسلة مع أبنائنا، للسماح لهم بالتعبير عن احتجاجهم المكبوت، وتذمرهم الخافت، ومن ثمة محاولة ترتيب الأشياء في رؤوسهم بحيث يتقبلون الشر الأخلاقي الموجود في العالم، كونه، كما يعلمنا التاريخ الذي لا نتعلم منه بالمناسبة، وللأسف، جزء لا يتجزأ من وجود بني آدم.

يستطيع للآباء الاستعانة بكتب الأطفال التي تحاول في قوالب سردية قصصية، التعاطي مع مسألة العنف المتمثلة في الحروب، وتفسيرها في مستواها الطفولي، ثم تقرير عواقب الشر المدمرة في أذهانهم، وترسيخ تفكير سليم لدى الصغار يجنح إلى الحوار والجنوح إلى السلم والخير. لا سيما بالنسبة للأطفال الذين يسترسلون في التساؤل، وذلك لكون المحاولة أفضل من ألا نحاول أبدا، وأفضل طبعا من التجاهل والإقصاء، فعلى أية حال لا يمكن لشيء ولا أحد أن يبرر الحرب وفظاعاتها.

ختاما، لا بد أن نحاول ما استطعنا عزل أبنائنا عن الاحتكاك بكل مظاهر العنف، سواء على التلفاز أو الأنترنت خاصة مشاهد الحروب التي تتزايد باطراد، ولا يجب أن نسمح لفضولنا في الاطلاع على آخر أخبار النزاعات المسلحة عبر العالم، بأن تفسد السلام النفسي للصغار، وتشوه تصوراتهم الصحيحة لذواتهم ولمحيطهم ولما للعالم يجب أن يكون عليه العالم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى