وجهة نظر

الحق في التعليم والتكوين والتشغيل والتنمية والسياسة التعليمية في المغرب (القسم الثالث والأخير) ذ.عبد الواحد حمزة

القسم الثالث: خلاصات ودروس وخواتم:في الهوة بين تسريع الانتقال الديموغرافي وتعطيل الطفرة الاقتصادية والاجتماعية وبعض آليات ردم الفارق.

في هذا الركن الأخير من المداخلة نوجز ما طرحناه، منذ البداية، في تركيب جدلي، يذكر بمتلازمة الانتقال الديموغرافي- الإقلاع الاقتصادي –الاجتماعي/ الروستوفي، نسبة إلى الاقتصادي الليبرالي المركزي “روستوف”،  مدى نجاعتها وحدودها العلمية و العملية، بطرحها، أولا، في السياق التاريخي والنظري لها، كسياق لنظام اجتماعي- سياسي متأخر وتابع ومنخرط في العولمة، مختلف جذريا عن سياق أوربا الرأسمالية الغربية وحتمية مراحل النمو الاقتصادي الصرف.

ثم، بالدفع – كذلك – بمهزلة التاريخ السياسي الحقوقي المعاصر الذي يتنكر لفرضية الحق في التعليم وتكافؤ الفرص، بما هي حقوق شكلية  لحقوق الإنسان، لزم الدفاع والدود  والترافع عنها ومن أجلها، وبشراسة، كل الوقت، وهي “العروسة/ العريس”، التي تستحق كل ذلك وأكثر، حتى لا يتم التلاعب بها/ه وبشرفها/ه، والزج بها/ه في قمامات العهر و بورديلات النسيان…!

ولتحييد الهوة السحيقة بين أبعاد الانتقال، ذاك، لابد من اقتراح وإرساء بعض الآليات الضرورية والمخارج الحرجة الكفيلة بملائمة الانتقال الديموغرافي والطفرة الاقتصادية – الاجتماعية- الإنسانية الموعودة.

هي الآن آخر محطة/ الثالثة من مداخلة الأستاذ عبد الواحد حمزة، على أثر دعوته لندوة “الحق في التعليم والسياسة التعليمية في المغرب”، من طرف رئيس “نادي التربية على المواطنة وحقوق الإنسان”، بتمارة، وهو الناشط الحقوقي والأستاذ بوحميدي أبوعلي، الذي سير ونسق المداخلات، مشكورا.

لمحاولة الإجابة على سؤالنا المركزي حول مكانة الحق في التعليم ضمن السياسة التعليمية في المغرب المعاصر، وما إذا أمكن لنظامنا التعليمي ومجتمعنا عموما أن يذيل ثقل التاريخ الكولونيالي لنظامنا التعليمي- التكويني الموروث ( انظر مداخلة الأستاذ   والناشط الحقوقي عن الهيأة المغربية لحقوق الانسان نور الدين عبقادري حول هذه النقطة، بالذات، حيث بسط وناقش فرضية استمرارية السياسة التعليمية الكولونيالية إلى الآن..)، وثانيا أن يتجنبا “النقمة الديموغرافية”، بتعليم وتكوين المتعلمين/ات تكوينات جيدة، لرفع إنتاجية الخريجين/ات- أصحاب الشهادات، من التكوين المهني -التقني للمعاهد والمدارس والكليات المغربية، بتحقيق انتقال ديموغرافي واعد ومضبوط.

هكذا، تبدو الحصيلة لكل هذه التفاعلات حبلى  بالعديد من المفارقات التي تعرقل مسار التوافق الأمثل بين القوة الديموغرافية والطفرة الإقتصادية، على غرار البلدان النصف- مصنعة، بإعطاء المكانة اللاءقة للعنصر البشري/ القوة المنتجة والمبدعة، وهي أبعاد وأسئلة حاسمة وعلى مفترق طرق تطور صعب، في بلدنا، اليوم، نوجز بعضها في ما يلي:

حتى لا يتحول هدف الانتقال الديموغرافي ببلادنا إلى “نقمة”، ألا يجب تغيير الاختيارات السياسية السائدة، بما يعني العقليات والهابيتوس لدى الناس، على طريق التحديث، وبما يؤثر على برامج التعليم والصحة والإنجاب والتكوين والتشغيل.. ، وباعتماد جودة التأطير والاستجابة لحاجات المجتمع المغربي؟

ما مدى مجاعة وفعالية وبأي شروط لتحقيق استدامة اختبارات عمومية موجهة للتعليم  والصحة، ببلادنا، مما يسمح لتصريف حقيقي لمبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص في المدرسة و التطبيب….؟

هناك عناصر تدفع في اتجاه تعثر الانتقال الديموغرافي البحث، في بلادنا، نذكر منها ارتفاع نسبة البطالة العامة في صفوف الشغيلة النشيطة، والتي تتراوح 21,3% ، ومنها30%، بالنسبة للمتعلمين/ات، بالإضافة إلى انخفاض نسبة النشاط التسكاني، لمن هم في سنه/ العمل، أي من 15 سنه فما فوق، وهو ما يعني تراجع الإنتاج الوطني واتساع رقعة الفقر واستقرار مستوى الأمية التامة، ما يقارب السبعة ملايين،  فضلا عن من هم دون المستوى التكويني أو حاصلون على مستويات مختلفة من الأمية، وبعيدين كل البعد عن الدخول زمن التكنولوجيا الرقمية الحقة، أو عبر استعمالات علمية أو منتجة لها، تخدمه عوض أن يخدمها، فقط.

وذلك بالرغم من أن 84% من المغاربة يمتلكون هواتف شخصية ذكية(الإحصاء العام2024)، وما يقرب 70 % من الحضر يستعملون الانترنيت، كوسيلة- أداة وليس كمنهج للتفكير، فضلا عن تواضع الإقامة المستديمة في وعلى مقاعد الدراسة، بالمغرب، بحيث لم يقم من لهم 25 سنة فما فوق -اليوم-بأكثر من 6 سنوات و3  أشهر في أقسام ومستويات التعليم، كل على بعضها،…

ومن الملاحظ، انخفاض حجم ساكنة المغرب، وهو الانخفاض الذي لم يواكب ارتفاعا منتظرا في الإنتاجية الاقتصادية الحدية والإجمالية، والتي من المفترض أن تسمح لفأة قليلة من الشباب المتعلم والمكون تقنيا ومهنيا ومدرب، ما فوق الخمسة عشرة سنة إلى  حدود الستين، من إعالة حجم متزايد من الشيوخ بالمغرب.

إن ما يقلق القرار السياسي ببلادنا هو أن لا يواكب الانتقال السريع للديموغرافيا عندنا طفرته الاقتصادية والاجتماعية. إن الأمر أشبه بموعد لا يجب أن نخلفه، وإلا ما حصل هناك توافق بين الانتقالين، الديموغرافي والاقتصادي، وخاصة “الاجتماعي”، منه. وما يستوجب النجاح فيهما معا هو خفض الولادات من جهة والرفع من جودة تعلمات ومهارات التكوين، من جهة أخرى.

ولا شك أن هذه الفرضية غير منزهة عن النقاش والنقد، وأن نجحت في بلدان الغرب والنمور، نجاحا باهرا، لكن على مهل، نسبيا. وأخاف أن افترض، جدلا،  أن نكون أمام مالتوسية جديدة، مزيدة ومنقحة.

 ثم إنه بالنسبة لأوروبا فقد كان من الممكن أن تفتح أبواب الهجرة لليد العاملة المغاربية والإفريقية، وغيرها، في ستينيات القرن الماضي، مما ساعدها على تمرير إنتقالها البطيء بكل سلاسة، وأن لازالت لحد اليوم تشكو من قلة يد عاملة ذكية- مكونة ومدربة، تستجلبها من بلدان المحيط، وبأقل كلفة، وإن لا يمكن إعطاء العنصر الديموغرافي قيمة فوق حجمه، لتفسير الثورة الصناعية في الغرب الرأسمالي!.

ثم وإن عملت الصين، من جهة أخرى ،على ضبط وتقنين سياسة ديموغرافية تحكمية، ولم تعد تكررأن “كل من يزداد بفم واحد، فهو يزداد بيدين إثنين” / أو “اللي زاد كيزيد برزقو”، كما يقول المثل المغربي الدارج، ، تبجحا بنسبة المشاركة المزدوجة الرفيعة لكل صيني في الإنتاج، و ضدا على نظرية الاستهلاك الغربي الموسع والمريب والهادر، فهي لازالت توجد في معادلة “رجل ذكر واحد لكل أربعة نساء- انثى” و لازالت تتمتع بقوة بشرية هائلة التكوين، وبالآلاف سنويا، للمهندسين والتقنيين، وغيرهم.

وهي تخيف العالم الغربي، اليوم، على كل المستويات، مما يعني أن سردية الحد المطلق-من الخصوبة ليست هي الحل السحري الوحيد للتقدم الاقتصادي الاجتماعي، كوصفة مثالية وحيدة لكل البلدان في العالم!

كل تلك العناصر ترفع من مستوى  الهدر المادي والمعنوي لمدخرات وطاقات وإبداع المجتمع، وتساهم في إضعاف مستوى الإنتاجية الحدية والاجمالية، ببلادنا ومن إرساء  مكانة دولية حازمة ومشرفة له في الكوكبية، مادام بلدنا اختار الاندماج فيها وقبول اي درجة كان يحتلها في سلمها، وهو اختيار صاءب ،في الاخير وأن ستكون نتائجه وعرة.

وكثيرا ما افتخرت بلادنا بمستوى التضامن الاجتماعي الرفيع وسط المجتمع، والذي يغطي على ضعف الصناديق الاجتماعية، سوء تدبيرها، وحتى أزماتها، وهو الذي انخفض نسبيا، جراء صعوبة كلفة الحياة، وما اعتبره البعض  نتيجة “تحديث المجتمع” وتوحشه، كتطور الفردانية، من جهة، ولضعف إنشاء و مواكبة  وحتى فساد المؤسسات الاجتماعية دون خدمة من هم في حاجة للمساعدة وحق وواجب التآزر…، من جهة أخرى.

….وإن لازال التعاون العائلي- القبلي والإنساني، وطنيا ودوليا، يظهر وقت الشدائد، كما حصل ابان ظرفية كورونا، إذ تجاوزت تحويلات المهاجرين المغاربة (من العملة الصعبة من بلاد الغرب إلى دراهم معومة في أبناك دولة المخزن بالداخل)، ما تجاوز العشرين مليار، سنويا.

لكن- عجبا-لا يزال يتابع -قضائيا-في بلادنا- من يدافع عن “طالبي حق” من المتضررين، ويتساءل عن مصير المساعدات المالية  الدولية والوطنية لضحايا زلزال الحوز، مثلا، أو لمن عصفت بقراهم وذويهم الفيضانات الطبيعية القاتلة اللعينة! أو اختلطت دماؤهم بدماء دوابهم وجثتهم بجثتها تحت الأنقاض، أو لازالوا تحت الخيام يعانون البرد القارس والجوع والأمراض !، في استهتار تام وإستحمار صلف لكل من  يسكت عن الحق، جمهورا عريضا، كان، أو نخبا صفراء مرتزقة، الخ.

….فضلا عن أن المشرع المغربي لازال يعتبر المهاجرين “بقرة حلوب” (بعد الفوسفاط!)، لا أكثر، ما يزيد عن 7 إلى 10 ملايين نفر. الدليل في ذلك أنهم مهمشون، سياسيا، و لا يشاركون في العمليات الانتخابية الوطنية، على مضض، بل تم إبعادهم، عنوة، على عهد الحسن الثاني، أو بدون تحسيس توعوي ضروري يذكر، لهم، بالشؤون العامة لبلدهم- الأصل، إلا كسواح شبه -أجانب في بلدهم (ما قارب المليونين ونصف من مجموع17 مليون سائح،  سنة 2024 )،مثلا..، مخافة استفاقتهم من السبات العميق واللامبالاة البليدة.

 حتى أن الحسن الثاني- ولي اليمين الفرنسي على الدوام- أوصى-وصاية جارية-ألا يشارك أبدا طلبة المغرب بالخارج، ممن سماهم ب “أولاد السوسيولوجيا/  ذكرى 1968″، بالسياسة في المغرب- بلدهم الأصل، على عهد شارل  باسكوا- وزير الداخلية الغولي 1988-1986بفرنسا، آنذاك، فكان عدو لهم بامتياز، وأضاف لهم أولئك المتزوجين بأجنبيات، لكي لا يعبث أبناء “الشهبات “بالشأن العام المغربي، مخافة طلاء البلاد بشيء وعدوى وخطر و هابيتوس من تجربتهم وحياتهم “الديموقراطية” في بلاد المهاجر- الغرب…!!

كما أن الفوارق الاجتماعية والمجالية اتسعت ببن العالم الحضري والعالم القروي، وبين الرجال والنساء وبين الفئات والطبقات الاجتماعية، بما يعني انقلاب في الأدوار التقليدية للمرأة في المجتمع، لتغير سريع لموازين القوى بينها وبين الرجل، لتغير القيم والعلاقات الاجتماعية، عموما، وتأثير قرب المغرب الضروري من جوار غربي ديموقراطي- حديث، على علاته،  في المدى المتوسط والبعيد.

وقد يوعز البعض تقدم نسبة تشغيل المرأة، 27% من القوة العاملة، وتحملها المسؤولية لمقاولات،%10منها تشغل 7,8% من إجمالي الوظائف، إلى تراجع سلطة الرجل في بلادنا، وإلى تطلع النساء إلى تبوئ مكان ملائم صريح، قانونيا واجتماعيا، وهو ما يفسر جزء مما أتى وتململ به مشروع مدونة الأسرة، اليوم.

ومن بين العناصر التي تدفع في اتجاه تحقيق الانتقال الديموغرافي المنشود، بافتراض نجاعة الخيار،  النزول الحاصل على مستوى الخصوبة لدى المغاربة، إذ لم يزد عددها -العشر سنوات الأخيرة- إلا بثلاثة ملايين، رسميا، فقط. وقد يشكل النمو الديموغرافي على طول العشر “العجاف” القادمة، سنة 2034، نفس الرقم، يزيد أو ينقص بقليل..!، وسنعتبر أن ذلك من متطلبات العصر: الفردانية والعائلة النووية والروبوت عوض القوة البشرية والاحتماء بذكرى القبيلة ورحمة العائلة الموسعة، والابتذال والتفاهة والسطحية عوض التعقل والتعمق والجدية والمصلحة الوطنية… الخ…

ويمكن اعتبار المغرب بلد عبور، خاصة قبل الأزمة – اليوم- التي يتخبط فيها الغرب، إذ لوحظ استقرار عدد من المهاجرين جنوب الصحراء بالمغرب، وشراء ود مغربيات والاختلاط بأهل الأرض وملحها… في شؤم موعود بتغيير بيو- ديموغرافي – اجتماعي وفي الهوية للساكنة – الأصل.

وقد لوحظ التقليل من هذا الهول لدى بعض المحللين ممن “قرروا” أن المغرب لا يستقبل المهاجرين ولا الكفاءات، ولا يحفز على الاستقرار فيه، ولا زالوا يلوكون اسطوانة قربه من الغرب الأوروبي، لغاية العبور، فقط، والأزمة تنخر في الغرب! فإسبانيا مثلا تحتضن ما يقارب 13,7% من مهاجري العالم، والبرتغال 10,3%، وفرنسا10%، في حين أن المغرب لا يسع إلا لما يقرب0,46 %من الأجانب، أغلبهم فرنسيون، وهي نسبة قليلة، ولا نحن نخاف أو نحزن!

لكن لا شيء يسمح باستبدال المغاربة – الأصل، بأي هلوسة أو تبرير كان، بكفاءات أجانب، أي أقوام أكانوا، من إفريقيا جنوب الصحراء، كأطباء السينغال، أو من بقايا كيان مهزوم على “ارض العزة” (كون كان الخوخ إداوي كون داوى رأسو، مثال مغربي دارج…)، ولا يمكن الدفع السطحي بفشل نظامنا التعليمي التكويني العميق، خدمة لنفس الأجندة السياسية والتعليمية المغرضة، إذ من الممكن دائما إصلاحه وتجويده، أو حتى تغييره، جذريا، إذا دعت ضرورة السيادة على مواردنا ذلك…!

وتجدر الملاحظة إلى السرعة الفارقة التي تم الانتقال الديموغرافي فيها ببلدنا، إذ أن ما حققه المغرب بعسر -حسب الخبراء- في ظرف 30 إلى 50 سنة من تراجع الخصوبة، تطلب لبلد عصري كفرنسا، مثلا، ما يقرب 150 سنة من الهضم اليسير، وهي التي عرفت الحربين. اما بلدنا فعرف تطورا ديموغرافيا، لو يعرف كيف يستثمره!

كما أصبحت الحاجة ماسة في المستقبل القريب إلى رعاية أعظم للمسنين وإلى موارد مالية وبشرية  أكثر وأجود لإصلاح صناديق التقاعد، وغيرها…. 

و يعتبر هذا الموضوع من أصعب التحديات التي تطرح على الانتقال الديموغرافي ببلدنا، وعلى الحكومة العالمية لساكنة الكوكب، نذكر منها استثمار جائحة كورونا والخوف من/وتعاظم حجم المسلمين في العالم.. ومحنة وانتصار المقاومة الإسلامية في غزة…

كل ذلك لضبط النمو السكاني للبشرية، وإدراجها في دوامة ومرض الاستهلاكية الفردانية، ملائمة لنمط الإنتاج والحياة الرأسمالي الفرداني المتأزم، مما يعني الحفاظ على مستويات مغرية للربح العادي أو الأقصى لسادة وعبيد العالم المتغطرس، من عسكر ورجال مال ورقمية.

لعل المشكل الأساس، على مستوى التعليم والسياسة المتبعة فيه، ببلادنا، يوجد على صعيد طبيعة الاختيارات السياسية العامة، وليس أقلها ضرورة اعتماد قرار نسبة نمو الناتج الداخلي الوطني العام لمستوى ليس أقل من 7% على طول عشرة سنة، على الأقل، وما يستلزم ذاك من اصلاحات جريئة لتعبئة الادخار المحلي والتقليل من ثقل الدين الخارجي، أين نحن -اليوم- منه، وهي النسبة التي حققتها كل البلاد الشبه- مصنعة، بلا استثناء، مستثمرة في التعليم العمومي والبحث العلمي، أولا، وإلى معطى الحكامة المرتبط بتجويد سير المؤسسات التعليمية،  ثانيا..!؟

 إنها اختيارات طبقية أقلوية لا تستشار فيها الطبقات الشعبية و”قواها الحية” المغيبة، ولا تستجيب -عموما- لحاجيات عموم الناس والمجتمع العريض، ولا تطابق أو تُعبىء من اجل ذلك، إمكانياته الخاصة الداخلية الحيوية، من ادخار منتج وضريبة تصاعدية، إلخ.

 ويكفي النظر في سوء التدبير العمومي إلى حجم المديونية الخانق، مثلا، أكان للدولة- المخزن، في ما يتعلق بتسييرها (وتجهيزها) من تبذير وأبهة نيوليبرالية، أو لحاجيات العائلات الشعبية  الأساسية المضطردة،  في ما يتعلق بكلفة تدريس أبناءها وتكوينهم وصحتهم…

ثم إن التعليم حق، لكنه يقابله بالضرورة واجب. ونعرف أن الحق ينتزع ولا يعطى مجانا، ومن الممكن أن يتم الانقلاب عليه متى خف الحرص ورعايته كمطلب شعبي مستدام. انه استحقاق ديموقراطي، أو هكذا يلزمه أن يكون، دون زبونية أو محسوبية، تذكر، وان لا يسمح فيه إلا بتباري العقول ودمقرطة شروط التحصيل المعرفي لدى الجميع.

 ولا نفهم أو نستسيغ اليوم كيف لا يعمل المغرب على تمويل تعليمه من المداخيل المالية العمومية، أو من صناديق خاصة منذورة له، يمولها الأغنياء والأثرياء وأصحاب الرساميل…، وسيستفيدون من ذلك، لا محالة!؟

ثم كيف يتم إقحام العائلات الفقيرة، بالتدريج، في تحمل عبئه، أو تهميشها، وهل يسمح التعليم الأساسي والتوجيه المهني- التقني بإيفاء الحق في المجانية للجميع، كخدمة عمومية دائمة، خاصة وأن أبناء العائلات الميسورة هربت أبناءها من المدرسة العمومية، منذ زمان، لتسهيل تكافؤ الفرص والمساواة في الولوج لكل أسلاك التعليم الأخرى (سياسة المرور والوسائط….والدمقرطة…)؟

ولتذييل الفارق ببن الانتقالين لابد من التريث في سرعتهما المهولة وتقدير جميع انعكاسات الاختيارات المرتبطة بهما، والمتعلقة، لا الحصر، بمواجهة البطالة والأمية والفوارق الاجتماعية والمجالية،  واعتبار التعليم حق لا غبار عليه للجميع، والعمل على انتزاعه وديمومته، والرفع من مستوى الإقامة بمقاعد الدراسة، وإدراج التكنولوجيا الرقمية/ الذكاء الاصطناعي بمنسوب معقول، والعمل على توازن الحق والواجب، وتخصيص صناديق طارئة ومستديمة للتعليم والبحث العلمي، فضلا عن التمويل العمومي لها، رفعا من قيم التضامن الاجتماعي، والاعتزاز بالكفاءات الوطنية وتسهيل استرجاعها إلى البلاد، متى سمحت الظروف السياسية أساسا، بذلك، وبناء شرعية المدرسة العمومية على أساس تمكين الجميع من تكافؤ صلب وحقيقي للفرص، في أي توجيه كان، و لصناعة أي قرار تعليمي، كان.

لاشك أن تكافؤ الفرص يشكل العصب الأساس في النظام التعليمي العادل وفي كل سياسة تعليمية تحترم نفسها، فإلى أي حد يفقد ضعف هذا الأخير، أو انعدامه، شرعية وجود المدرسة العمومية، بالكامل، بالذات، ببلادنا؟

وهو ما يعني ضرورة استحضار هذا المبدأ، بالذات، في تقصي ودراسة وتحليل كل السياسات العمومية، في التعليم، خاصة، باعتباره باراديغما خفيا يسطر ويوجه كل صناعة القرار العمومي- التعليمي،  وبالتالي:

أن قياس مدى نجاعة هذه السياسات متوقف، معياريا، -على الأقل- على مقارنة هذا الأخير ونجاعة أداء الفاعلين، كسلوك الأكاديميات،  مثلا.

ثم لا يد من الوعي اللازم بضرورة وضع السياسات التعليمية في صلب التنمية المستدامة  المندمجة، وكذا اعتبار الحاجة ماسة إلى حكامة جيدة للمؤسسات التعليمية العمومية، عامة، بالأخذ بمؤشرات تقييم الجودة.

ذلك أن تأثير الجودة بها يتم عبر مؤشرات الإنصاف والفرص والقدرات، والاهتمام أكثر وأكثر بالأطفال في وضعية صعبة، والسياسة الدامجة، وتمكين الفتاة القروية، فضلا عن واجب تكثيف عمل كل الفاعلين في القطاع لترسيخ بنيات وسلوكيات الإنصاف وتكافؤ الفرص.

يتم تسهيل ذلك بضرورة شحذ همة القراءة لدى التلاميذ والطلاب، لتحسين مستوى المقروئية، وكذا مستوى التمكين في العلوم والرياضيات، حتى نرفع تأخرنا في هذا الباب، وطنيا، جهويا وعالميا.

وقد لا يخطر على بال البعض ان ضبط عدد الأطفال اللازم لفتح قسم بالابتدائي، مثلا، في المدينة أو القرية، بهذا الحي أو ذاك، أو هذه المدرسة أو تلك، الخ، يعتبر من صميم السياسة التعليمية، فهو قرار يمس بجوهر تكافؤ الفرص، بالذات. كما أنه قد يؤدي إلى تقدم أو تراجع نسبة تعميم هذا التعليم أو ذاك، الخ…

وقد يرى البعض الآخر، ومن الممكن أن يعتبر ذلك بعيدا عن موضوع هذه الندوة، أن موضوع مدونة الأسرة -المطروح اليوم للنقاش- من راهنية موضوع “حق التعليم”، بالذات، على الأقل، لارتباطه بما يطرح الحق في التعليم ويسمح للجنسين من تكافؤ الفرص والمساواة بينهما في المجتمع والأسر…

وفي الأخير، ولأن ناديكم، “نادي التربية على المواطنة وحقوق الإنسان” ينتصر لقيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، لا يسعنا إلا أن نختم مداخلتنا بالسؤال الأتي:

إلى أي حد يفتح انتزاع الحق في التعليم والحفاظ عليه، وهو الحق الأساس، الباب لباقي الحقوق الأخرى، والتي ليست لربما اقل أهمية منه، نحو أفق المواطنة الكاملة والغير المنقوصة لكل التلاميذ/ات والطلبة ، لكل المغاربة، ليس ذكورا وإناثا، وإنما نساء ورجالا، بمعنى الكلمة، والفرق كبير، تعرفون ذلك،…!؟

شكرا للدعوة، تحيتي، انتهى.

عبد الواحد حمزة، أستاذ باحث، رئيس الجمعية المغربية للتنوير، تمارة /المغرب.

بيبليوغرافيا مقتضبة

  • بوشعيب زيات ومن معه، السياسة التعليمية بالمغرب وتكافؤ الفرص: تعميم التعليم الأولي، جامعة السلطان مولاي سليمان،2024، دكتوراة قانون عام، المغرب.
  • توفيق عطيفي، السياسات العمومية التعليمية في المغرب، حالة أكاديمية مراكش- آسفي، 2024، دكتوراة قانون عام، المغرب.
  • انطونيو غرامشي، الفكر البيداغوجي عند غرامشي، 1980، ودفاتر السجن،1975، المنشورات الاجتماعية، فرنسا.
  • بيير بورديو، معاودة الإنتاج، عناصر تحليل النظام التعليمي، مينوي،1981 ، فرنسا.
  • المملكة المغربية، نتائج الإحصاء العام للسكن والسكنى، 2024، المغرب…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى