مجتمع

حينما يُخدع العِلم بالدجل: كيف قاد راقٍ بروفيسورًا إلى مأساة فقدان زوجته؟

   في قلب العاصمة الرباط، وبين جدران عيادات الطب الحديث وأحدث المختبرات الطبية، لم يكن أحد ليتخيل أن بروفيسورًا في الطب، وهب حياته للعلم، سيقع فريسةً لراقٍ ادّعى القدرة على شفاء الأمراض المستعصية. القصة التي هزّت الأوساط المغربية بدأت عندما قرر الطبيب الاستعانة بوصفات راقٍ كفيف، يزعم امتلاكه أسرار العلاج الإلهي، بدلاً من إخضاع زوجته لعلاج طبي موثوق. لكن النهاية كانت مأساوية: وفاة الزوجة بسبب التخلي عن العلاج الطبي، وتحول الأمر إلى قضية رأي عام كشفت عن خطر انتشار الدجل تحت ستار “الرقية الشرعية”.
كانت زوجة البروفيسور  تعاني من مرض خطير، وربما بسبب حالة اليأس التي تصيب المرضى وعائلاتهم في مثل هذه الظروف، لجأ الزوج إلى الراقي الذي أقنعه بأن عدم جدوى  العلاجات الطبية في حالة زوجته، وأن الشفاء الحقيقي يكمن في الزيوت والخلطات الطبيعية التي يبيعها بأسعار خيالية.
هذا الراقي، الذي يمارس مهنته منذ 1982، فرض على الزوجة نظامًا غذائيًا صارمًا وقدم لها زيوتًا يصل سعر القارورة الواحدة منها إلى 1600 درهم. بلغ إجمالي ما دفعه البروفيسور حوالي 100 ألف درهم، مقتنعًا بأن زوجته قد شُفيت بعد اتباع العلاج غير العلمي. لكن تدهور حالتها الصحية كشف الحقيقة المرة، حيث لم يكن للعلاج أي أثر سوى تسريع وفاتها.
ومن المثير للدهشة أن رجلاً أفنى عمره في البحث العلمي قد يسقط في فخ كهذا. لكن القصة تسلط الضوء على مدى تأثير العامل النفسي في اتخاذ القرارات الطبية، حيث أن الخوف، الأمل، والرغبة في التمسك بأي أمل للشفاء قد تجعل حتى العقول العلمية تخضع للخرافات.
ففي حالات كثيرة، يكون المرضى وعائلاتهم مستعدين لتصديق أي شخص يمنحهم بريق أمل، خصوصًا عندما يروج لنفسه على أنه “متصل بعالم الغيب”. فالراقي المعني في القضية كان شخصًا يستخدم خطابًا دينيًا لإقناع الناس بترك العلاجات الطبية، وهو أمر شائع بين بعض الرقاة الذين يحاربون الطب الحديث ويقدمون أنفسهم كبديل “روحاني” فعال.
وبعد وفاة الزوجة، تصاعدت ردود الفعل وسط دعوات لمحاسبة الراقي قانونيًا، خاصة بعد أن كشف التحقيق أن الضحية دفعت أموالاً طائلة مقابل “علاج وهمي”. ومع ذلك، لا يزال القانون المغربي متساهلًا في قضايا الدجل والشعوذة، حيث أن معظم الرقاة يمارسون عملهم بحرية دون رقابة صارمة.
إن ما حدث هو ناقوس خطر يسلط الضوء على انتشار الممارسات غير العلمية وسط مجتمع ما زالت بعض فئاته تؤمن بالخرافة رغم تقدم الطب. فكيف يمكن محاربة هذه الظاهرة؟ هل يحتاج المغرب إلى قوانين أكثر صرامة ضد الرقاة الذين يستغلون جهل أو ضعف المرضى؟
قد تكون المأساة التي أصابت هذه العائلة هي نقطة تحول في التشريعات،وفي وعي المجتمع بخطر الإيمان الأعمى بالمعالجين الروحانيين على حساب العلم. وبينما تنتهي هذه القصة بجنازة حزينة، يبقى السؤال مطروحًا: كم من الضحايا القادمين سيُخدعون بنفس الطريقة؟

هشام فرجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى