مسلسل معاوية بن أبي سفيان دراما أم نكتة تاريخية – رأفت عادل

منذ إعلان إنتاج مسلسل معاوية بن أبي سفيان، انقسمت الآراء بين من يرى فيه عملاً ضخماً يستحق الاهتمام، ومن يعتبره مجرّد محاولة مشوهة لتقديم حقبة حساسة من التاريخ الإسلامي. لكن مع بدء عرضه، بدا واضحًا أن العمل لا يرقى لمستوى التوقعات، بل تحول إلى ما يشبه “النكتة التاريخية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نتيجة التهاون في الدقة التاريخية، والارتباك في السرد، والعثرات الإخراجية الصادمة.
سيناريو مترهل وحوار خارج الزمن
أولى المشكلات التي يواجهها المسلسل هي ضعف السيناريو، إذ لم يتمكن من تقديم سرد متماسك للأحداث التاريخية، بل ظهر كأنه مجموعة مشاهد مجمّعة بلا ترابط. أما الحوار، فهو أكثر ما يثير الدهشة؛ فالطريقة التي تتحدث بها الشخصيات لا تعكس بأي شكل من الأشكال طبيعة اللغة والبلاغة التي سادت في ذلك العصر، مما يفقد العمل روحه ويجعله أشبه بمسرحية مدرسية تتحدث عن التاريخ بلسان معاصر.
ديكور لا يمت للعصر بصلة
من أكثر الكوارث البصرية التي لا يمكن التغاضي عنها، تصميم الديكورات التي تبدو وكأنها مستوحاة من الحقبة المملوكية، رغم أن الأحداث تدور قبلها بألف عام! فكيف يمكن لمثل هذا الخطأ الفادح أن يمرّ دون مراجعة من صُنّاع العمل؟ إذا كان هناك ميزانية هائلة قُدّرت بحوالي 100 مليون دولار، فأين ذهبت كل هذه الأموال إن لم تستثمر في أدق التفاصيل البصرية التي تجعل العمل مقنعًا ومتناغمًا مع سياقه التاريخي؟
مشاهد كارثية.. والولادة التي لم تحدث
ربما كان أكثر المشاهد إثارة للسخرية هو مشهد ولادة معاوية بن أبي سفيان، حيث قُدّم بطريقة درامية مفتعلة لا تمت للواقع التاريخي بصلة. لم يقتصر الأمر على هذا المشهد وحده، بل امتدت الكوارث إلى مشاهد عديدة تجعل المشاهد العادي قبل المتخصص يشعر بالنفور من العمل.
توقيت العرض والهدف المجهول
يبقى السؤال الأهم: لماذا يُعرض هذا المسلسل الآن؟ ولماذا أُنتج بهذا الشكل الهزيل رغم ضخامة ميزانيته؟ هناك شعور عام بأن هناك “لغزا” وراء هذا العمل، سواء في توقيته أو في طريقة تقديمه، وكأن الغاية ليست تقديم تاريخ معاوية بإنصاف، بل خلق جدل من نوع ما.
بين يوسف الصديق ومعاوية.. أين الاحترافية؟
حين نعود إلى أعمال تاريخية مثل يوسف الصديق، نجد الفرق شاسعا بين ما يعنيه الإتقان، وبين ما يُقدم على أنه دراما تاريخية بينما لا يمتّ للتاريخ بصلة. فالمشكلة ليست فقط في الأخطاء، بل في غياب الرؤية الفنية التي تحترم عقلية المشاهد.
وكما يبدو أن مسلسل معاوية بن أبي سفيان لم ينجح في تقديم التاريخ، ولا حتى في تقديم دراما مشوقة. بل تحول إلى حالة من الجدل والسخرية، ليصبح بالفعل “نكتة تاريخية” تستحق التأمل!