وجهة نظر

من أجل استراتيجية لمواجهة التهديدات الخارجية في سياق انتقالي -مصطفى المنوزي

في ظل التوتر الفرنسي الأمريكي، يواجه المغرب تحديات أمنية واقتصادية وسياسية كبيرة. من خلال تعزيز أركان المصلحة الوطنية الأربعة – البقاء المادي، الاستقلالية، الرفاه الاقتصادي، والاعتزاز بالنفس الجماعي – وإدماج توصيات هيئات الإنصاف والمصالحة ومقومات الدولة الاجتماعية، فلكي يتمكن المغرب أن يواجه هذه التحديات بفعالية ، يتطلب ذلك تنسيقًا بين الجهود العسكرية، الاقتصادية، والسياسية لضمان استقرار الدولة وأمنها في مواجهة أي توسع إمبراطوري قد يهدد سيادتها واستقلالها ، في ظلال اختلال توازن علاقته مع حلفائه التقليديين، فرنسا والولايات المتحدة، وشركائه الإقليميين في إفريقيا ، مما يقتضي معه الأمر بلورة استراتيجية وطنية تشاركية لحماية مصلحته الوطنية في هذا السياق الدولي المضطرب، يمكن للمغرب الاعتماد على أربعة أركان أساسية: البقاء المادي، الاستقلالية، الرفاه الاقتصادي، والاعتداد بالنفس الجماعي، هذه الأركان تشكل إطارًا استراتيجيًا لمواجهة التهديدات الخارجية، خاصة تلك التي تنطوي على محاولات توسعية من قوى إمبريالية.
1. ضمان البقاء المادي: تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية
فلمواجهة تدعايات التوتر الفرنسي الأمريكي واحتوائها ، يجب على المغرب تعزيز قدراته الدفاعية والأمنية لضمان بقائه المادي. و هذا يشمل:
تأهيل وتحديث قدرات القوات المسلحة من خلال تحديث الأسلحة والتدريب المستمر، يمكن للمغرب أن يعزز قدرته على الردع في مواجهة أي تهديدات خارجية ، بعيدا عن منطق توازن الرعب المؤدلج برواسب الحرب الأيديولوجية والإصطفاف التقليدي مع الغرب و الشرق . والعمل تأمين الحدود والمرافق الحيوية ، و تعزيز أنظمة المراقبة والدفاع على الحدود، وحماية البنية التحتية الاستراتيجية مثل شبكات الطاقة والمياه، يضمن استمرارية الدولة في حالات الأزمات والتوترات الناتجة عن إقتصاد الحدود والجريمة المنظمة وكذاوالهجرة غير القانونية
والعمل على تخزين الموارد الأساسية بتأمين مخزونات كافية من الغذاء والطاقة يضمن استمرارية الدولة في حالات الحصار أو الحرب ، ورد الإعتبار لمفهوم التعبئة الوطنية بعيدا عن سرديات حالة الطوارئ والإستثناء الأمنية السلبية .
2. ضمان الاستقلالية و الحفاظ على السيادة الوطنية :
ففي ظل التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة، يجب على المغرب الحفاظ على استقلاليته السياسية والاقتصادية ، وإن هذا يتطلب
تعزيز السيادة الوطنية ورفض أي محاولات للهيمنة أو السيطرة من قبل قوى أجنبية ، تحت أي سبب أو ذريعة واتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية بحرية تامة ، وفي هذا السياق وجبت مراجعة جميع التعاقدات غير المتكافئة والإتفاقيات التعسفية والإذعانية ، وفي ضوء ذلك وجب تنويع التحالفات وبناء علاقات متوازنة مع عدة دول لتجنب الاعتماد على قوة واحدة من شأنها اعتبار المغرب مجال حيوي محفوظ ، و هذا يقتضي ويشمل تعزيز الشراكات مع دول أخرى في مجالات الأمن والتجارة ؛ ناهيك عن ضرورة تعزيز القدرات الذاتية ؛ وكذا الاعتماد على الإنتاج المحلي في المجالات الحيوية مثل الصناعة والزراعة لتقليل الاعتماد على الخارج ، في ارتباط عضوي مع الركن التالي .
3. تحقيق الرفاه الاقتصادي وذاك بضرورة تنويع الاقتصاد وتعزيز الاكتفاء الذاتي ، لأن التوتر الفرنسي الأمريكي قد يؤثر على الاقتصاد المغربي، خاصة مع اعتماده على فرنسا والولايات المتحدة كشركاء اقتصاديين رئيسيين. ومن أجل مواجهة هذا التحدي، يجب على المغرب العمل على تنويع الاقتصاد أي عدم الاعتماد على قطاع اقتصادي واحد، وضرورة تنويع مصادر الدخل لضمان استقرار الاقتصاد في حالات الأزمات ، وللمغرب تجربة طويلة في اقتصاد الجفاف والازمات والحرب الحدودية والطوارئ الصحية الخ . مما يقتضي معه ضرورة تعزيز الاكتفاء الذاتي وتشجيع الإنتاج المحلي في مجالات مثل الغذاء والطاقة لتقليل الاعتماد على الواردات ، ومحاولة فك الإرتباط بالمساعدات والإقتراضات الإشتراطية التعسفية ، وكذلك العمل على حماية البنية التحتية الاقتصادية وتكريس تأمين شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات ضد أي هجمات خارجية أو إرهابية . وكل هذا لن يتأتى دون توفر الركن الرابع كعماد للروح والمصلحة السيادية الوطنية .
4. الاعتزاز بالنفس الجماعي وذلك تعزيز الهوية الوطنية والروح المعنوية ، في مواجهة التهديدات الخارجية، اي يجب على المغرب دعم اعتزازه بالنفس الجماعي من خلال تعزيز الهوية الوطنية و تعزيز الشعور بالانتماء والوحدة بين أفراد الشعب عبر التعليم والإعلام ، عبر تكريس مبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة والكرامة والعدالة ، وضمان كافة الحقوق الإنسانية ودمقرطة العلاقات والتعاقدات الدستورية والمؤسستية ، بما يخدم تعزيز الروح المعنوية ، والعمل على تعزيز الثقة في قدرة الدولة على مواجهة التحديات و بضمان الحق في الأمن ضد الخوف والحق في الأمن ضد الحاجة ؛ والعمل أساسا على تعزيز المشاركة الشعبية ، سواء بتأهيل الديموقراطية التمثيلية أوبتجويد الديموقراطية التشاركية ، أي دمقرطة إشراك المواطنين في صنع القرار من خلال الآليات التي يوفرها الدستور كتعبير عن إرادة المواطنين . وبإشراك المواطنين في الدفاع عن الوطن من خلال برامج التوعية والتجنيد الطوعي والإجباري حتى ! وذلك ضمن استراتيجية شاملة توقعية لمواجهة التهديدات الخارجية .
و لضمان استقرار المغرب في ظل تداعيات ومخاطر التوتر الفرنسي الأمريكي، يجب اعتماد استراتيجية شاملة تشمل:
الدبلوماسية الوقائية ، وذلك للحيلولة دون التصعيد ؛ وإطلاق عمليات التفاوض مع القوى الخارجية لتجنب الصراعات.
وجب ترشيد التعاون الإقليمي والدولي على أساس وضوح المصالح ، وبناء تحالفات إقليمية ودولية لمواجهة التهديدات المشتركة، خاصة في مجالات الأمن والاقتصاد والكوارث الطبيعية والطوارئ الصحية ، وعلى مستوى الاستعداد للأزمات ، وضع خطط طوارئ شاملة للتعامل مع أي اعتداء خارجي، بما في ذلك خطط الإخلاء والإغاثة وإعادة الإعمار ، مع إعادة تأهيل البنيات والمؤسسات ذات الإختصاص والصلة .
ولأن العملية السياسية التي رافقت العهد المحمدي قد استنفذت إمكانياتها ، فقد.وجبت بلورة جيل جديد من الإصلاحات ، مع إعادة إدماج توصيات هيئات الإنصاف والمصالحة بمقاربة نقدية وتوقعية وإستحضار الطموح الوطني الفتي برد الإعتبار لمقومات المسؤولية الاجتماعية ، وللبعد.الحقوقي والإجتماعي للسيايات العامة والعمومية ، وفي استراتيجية الأحزاب السياسية ، ففي ذلك تقوية للإرادة السياسية والوطنية من أجل تعزيز الاستقرار الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية، وعبر تعزيز العدالة الانتقالية ببعد توقعي بما يعزز الثقة بين الدولة والمواطنين وفي المستقبل المشترك . ولأن تعزيز الدولة الاجتماعية ، يقتضي تعزيز الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والإسكان لضمان الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين ، بعيدا عن أي تضخيم للإنتظارات أو للخطاب الأمني ، وبعيدا عن أي مناورات لأمننة الحياة العامة ، خاصة وأن الضامن الدستوري للحكامة الأمنية وهو المجلس الأعلى للأمن والذي لم يتم تنصيبه لحد يومه .
ولذلك ومن أجل تعزيز الأمن الوطني وحوكمة السياسات العمومية في مجال الأمن ، حانت ظرفية تنصيب المجلس الأعلى للأمن ومعه مجلس الدولة كأعلى هيئة للقضاء الإداري ومستشار قانوني للدولة ومؤسساتها.
من هنا فتعزيز دور المجلس الأعلى للأمن في تنسيق السياسات الأمنية والدفاعية لضمان استجابة فعالة للتحديات الأمنية وإقرار سياسة الأمن التوقعية ، خاصة وأن التهديدات صارت رقمية ، وهذا يقتضي إقرار أمن سيبراني في مواجهة الهجمات والتهديدات الإلكترونية . كما يقتضي الأمر تنصيب مجلس الدولة كأعلى هيئة للقضاء الإداري وكمستشار قانوني للدولة ومؤسساتها، مما يعزز سيادة القانون والشفافية ، ويشرعن لدولة القانون والمؤسسات دولة قوية وآمنة وليست دولة مخيفة وأمنية ، دولة تواجه التهديدات الخارجية والداخلية والمتواطئة على الخصوص ، دولة تكرس وتعترف بتضحيات المواطنين وأسلافهم من المقاومين الذين أسسوا لأركان المصلحة الوطنية الحقة بشكل متكامل، مع التركيز على ضرورة تخليق الحياة العامة وتطهير الأحواء السياسية وتصفية البيئة الحقوقية ، مما يجعل من الوطن والمغاربة أقوى ضمانة لبقاء الدولة المغربية واستقلاليتها ورفاهيتها واعتزازها بنفسها.
مصطفى المنوز
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى