كريستينا وناسيس: تمارين معقدة في السعادة-أجدور عبد اللطيف

كريستينا أوناسيس، لم ينته الإسم إلى أسماع الكثيرين، لكنه كان خلال بداية الألفية اسما رائجا، يختزل قصة من أكثر القصص الإنسانية تأثيرا، وأبلغها عبرة.
قصة أوناسيس الابنة ملحمة تجمع بين الترف والبؤس، الأمل واليأس، الحياة والموت، اسم نُقش في الذاكرة رمزا لمأساة إنسانية تثير الكثير من التساؤلات عن ماهية السعادة، وإمكانية تحصيلها، وجدوى البحث عنها في عالم تحكمه القيم المادية. كيف يمكن أن نحصّن أرواحنا من هذا هوس البحث عن السعادة حتى لا ينتهي بنا إلى الكآبة؟ وهل الثروة قادرة حقًا على تقريبها؟
كريستينا ابنة الملياردير اليوناني أرسطو أوناسيس، أحد أغنى الرجال وأكثرهم شهرة في عصره. ورثت عنه إمبراطورية من المال والقوة، لكنها ورثت أيضًا روحًا قلقة، متعطشة لحياة ذات معنى، بعيدة عن التظاهر والزيف التي تطبع عادة حيوات الأغنياء. كانت ثروتها قد فتحت لها الأبواب من الفرص والإمكانيات، وأحكمت حولها القيود. إذ كلما أضافت إلى رصيدها المالي أرقاما، فقدت معاني الحرية والعفوية والاستمتاع والراحة، إلى أن أصبح المال الشيء الوحيد الذي تبقى لها، وصار عبئًا يثقل كاهلها.
دخلت المنعطف المأساوي في حياتها عندما أدركت أن كل من أحاطوا بها كانوا يسعون وراء أموالها لا قلبها. أولئك الذين يفترض أن يكونوا أحبة، كانوا في الحقيقة أحباب دولاراتها وعقاراتها وسياراتها وحفلاتها. وصار الرضا عنها بقدر ما تنفقه من مال، أما عاطفتها فلم تعد ذات قيمة تذكر.
حاولت كريستينا مرات عديدة أن تجد معنى لحياتها من خلال الزواج. دخلت هذه المتاهة أربع مرات، وفي كل مرة كانت تخرج منها أكثر إحباطًا ووحدة، إذ لم تحصل أبدًا على الحب الذي كانت تتوق إليه، ذلك الحب الذي يُعطي دون مقابل، الحب الذي يعترف بإنسانيتها وضعفها، ويحتضن تطلعاتها وأحلامها. انتهت زيجاتها جميعًا بالطلاق، مخلفة وراءها ندوبًا نفسية أعمق مما كانت تتخيل، بعدما اكتشفت أنها لم تحصل في حياتها ولو لمرة لعينة واحدة على الحب لذاتها.
في واحدة من محاولاتها البائسة للخروج من هذه الدوامة، ارتبطت بشخص شيوعي، معتقدة أن مبادئه وأيديولوجيته ستبعده عن مطامع المال والثروة. انتقلت معه إلى غرفة متواضعة بأحد الأحياء الفقيرة في موسكو، ظانة أن البساطة قد تكون سبيلها للخلاص من عبء الثروة. لكنها اكتشفت أن ملح الحقيقة سرعان ما يذوب في مياه الطمع. خاب أملها مرة أخرى، وزادت قناعتها بأن الحب الصادق قد أصبح مستحيلًا في عالمها.
لم تجد كريستينا ملاذًا سوى في المنتجعات الفاخرة، والملاهي الليلية، والسواحل المترامية بين البحر الأبيض المتوسط وأمريكا الجنوبية، باحثة عن السلام الداخلي في كل بقعة من العالم، لكن دون جدوى. وفي ليلة رمادية من ليالي نوفمبر الباردة، وعلى شاطئ معزول في الأرجنتين، اختارت أن تضع حدًا لمعاناتها، بابتلاع جرعات زائدة من الحبوب المهدئة، لتنهي بذلك حياتها التي طالما بدت مثقلة بالوحدة والخذلان.
قصة كريستينا أوناسيس هي شهادة أخرى على حقيقة أن الثروة لا تشتري السعادة، بل قد تتحول أحيانًا إلى لعنة تطارد صاحبها. كما تطرح سؤالًا وجوديًا مهمًا: هل السعادة المطلقة ممكنة أصلاً، أم أنها سراب يختفي كلما اقتربنا منه؟
أجدور عبد اللطيف