الجهوية والإعلام العمومي-عبد الكريم الرطابي

المقصود بالإعلام العمومي القطاع السمعي- البصري ببلادنا . كيف يكون في خدمة الجهوية التي تسعى إليها بلادنا ؟ قبل ذلك لا بد من إعادة صياغة الأسئلة الجديدة التي تطرحها الجهوية على الإعلام العمومي .ماذا نريد من الإعلام العمومي؟ ما هي أدواره ؟ وما هي أهدافه ؟ وكيف نجعله فاعلا مستداما في التنمية ومرافقا للجهوية المنشودة؟
أعتقد أن علاقة الإعلام العمومي (السمعي البصري الرسمي ) بالجمهور الواسع من المشاهدين هي علاقة متأزمة منذ موجة (التلفزة تتحرك) وبعدها استيلاء أم الوزارات على هذا القطاع الحيوي. تلك فترة (سنوات الرصاص) انتهت بالمصالحة ولكن الهاجس الأمني لازال يرخي بظلاله بقوة في المشهد الإعلامي .لماذا ؟
إن بلادنا دخلت عهدا جديدا منذ ما يزيد عن عقدين تميز باتساع هامش الحرية في الحياة العامة ، لكن لم يواكبه تقدم ملموس في الإعلام العمومي .نضيف إلى هذه الأزمة غياب تصور استراتيجي يستجيب لتطلعات المشاهدين .وهذا أدى إلى استفحال الرداءة في بعض البرامج ، وخلو هذا المرفق من الشخص المناسب في المكان المناسب.فلا يعقل أن تسند خلية كتابة السيناريو إلى أشخاص لا علاقة لهم بالمجال الفني أو الأدبي.
لا بد من وضع تصور استراتيجي للإعلام العمومي حتى نتفادى الشعبوية والسطحية في طرح قضايانا العامة بشكل يطبعه التهريج . هذه الإستراتيجية لا بد لها من أسس فكرية الفنية.
– البعد الجمالي كل رؤية فنية تحمل معها بعدا جماليا .فهو ضروري للرفع من ذوق المشاهدين وتربيتهم فنيا ليتمثلوا المظاهر الجمالية التي يبوح بها المنتوج الفني.
– البعد اللغوي ويتماهى مع العنصر الجمالي .لتحقيق ذلك لا بد من اختيار الألفاظ المناسبة المهذبة والراقية في الحوار بين الممثلين والفنانين في البرامج(سيتكوم،مسلسلات، مسرح، أغاني ).فأمام التلفاز تجلس أجيال من المشاهدين ينفعلون ويتأثرون بما يقوله النجم المفضل. فالمدرسة حقل للتنشئة الاجتماعية ،والإعلام يساهم بدوره في التكوين الايجابي للأفراد .فلا يعقل أن يهدم الإعلام ما تبنيه المدرسة اعتمادا على مقولة (الجمهور عايز كده). إن اللغة معيار من معايير جودة العروض الفنية.فكلما ارتقى الإعلام بلغة الخطاب ارتقى بمستوى المشاهد/ين. وكلما سمحنا للغة الشارع الساقطة بالمرور سيتلقفها الأطفال والمراهقون والأسرة فتصبح لديهم لغة أولى.لأن الطفل /المراهق اكتسبها من مصدر له مصداقيته (الإعلام الرسمي).وقديما قيل لأبي تمام ( لماذا تكتب ما لا تفهم الناس ؟)فأجابهم (ولم لا تفهم الناس ما أكتب ؟).
يتعلق الأمر هنا بتربية وتعليم الإنسان ليترقى مستواه الفكري والفني والجمالي.فمن أدوار الفنون تربية الذوق الفردي والجماعي.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى غياب المسلسلات التاريخية التي تروي سيرة الأبطال الذين صنعوا مجد الأمة المغربية عبر تاريخها الطويل .فالمادة التاريخية الخام متوفرة ولا تحتاج سوى مبدعين من كتاب سيناريو ومخرجين .وابتعادهم عن هذا المجال هل هو راجع إلى جهلهم بالموضوع أم غياب أفق تاريخي عند المشرفين على القطاع؟ونحن في صدد البحث عن أجوبة مقنعة ما رأي هؤلاء في سيناريو مكتوب باللغة العربية الفصحى؟
– البعد القيمي (الأخلاقي) من واجب الإعلام العمومي ومن مهامه نشر القيم الأخلاقية التي تحافظ على تماسك الأفراد.هذه القيم كونية ومجردة عن الزمان والمكان.لا تقتصر على مجتمع دون آخر.فمن خلال برامج ترفيهية (سيتكوم،مسلسل،رسوم متحركة،أغاني) نعالج تيمة الصدق مقابل الكذب.ونعالج تيمة القناعة والإيثار مقابل تيمة الجشع والطمع.ونعالج تيمة التضامن والإحسان مقابل الأنانية ، كيف نحب الآخرين مقابل حب الذات.
– البعد الوطني من الركائز التي ينهض عليها قطاع الإعلام العمومي في نشر قيم المواطنة واستحضاره كمفهوم دائم في الأعمال الإبداعية ،ولا يقتصر عرضه في المناسبات بطريقة استعراضية فلكلورية . في هذا السياق تجدر الإشارة إلى ضرورة العناية بتاريخ المغرب عبر مسلسلات تاريخية يستحسن أن تكون باللغة الفصحى .على أن تيمة المواطن مقابل الآخر ينبغي أن تتأسس على الاحترام وليس التنافر. فالهوية الوطنية تعترف بغيرها من الهويات.وهويتنا متعددة وقابلة للتأثير المتبادل.
– البعد الديني ويتجلى في احترام مجالنا الديني المتعدد مع التشبث بالمذهب المالكي وما يميزه من تسامح واحترام للأديان الأخرى.إن الدين يسر وليس عسرا.والدين معاملات طيبة مع الآخرين.والأديان تسعى لإسعاد الإنسانية لا لتدميرها.
– الجهوية والإعلام الرسمي بلادنا مقبلة على تنزيل الجهوية في جميع القطاعات الحيوية .فماذا أعد الجهاز الوصي على الإعلام ليكون في مستوى الحدث؟ لا بد من التفكير الآن في هذا الأمر بتشكيل لجنة /لجان مشتركة من ذوي الاختصاص ومن الصحافيين للسهر على إعداد مشروع إعلامي جهوي يستجيب لتطلعات المشاهدين في كل جهة وتحقيق مصالحة معهم مع مراعاة خصوصية كل جهة .
وفي إطار تفعيل الجهوية لا بد من إحداث قنوات جهوية تهتم بالجهة كواجهة اقتصادية واجتماعية وثقافية لها مجموعة من الخصوصيات تميزها عن باقي الجهات. الجهوية تستدعي ابتكار وإنتاج برامج تغطي جميع المجالات الثقافية والرياضية والاقتصادية(صناعية- فلاحية)التي تشهدها الجهة.
هذه المقترحات تبقى بدون معنى إذا لم تواكبها إجراءات عملية لإنجاح مشروع الجهوية. ويمكن حصر الإجراءات في نوعين
1 النوع الأول من الإجراءات ضرورة تأسيس مركبات رياضية وثقافية ومسارح لتنشيط كل منطقة داخل الجهة.وفي هذا الصدد تعمل الجهة والإقليم والجماعة الترابية على إنشاء هذه الفضاءات ورعايتها ماديا.
2 خلق واحتضان فرق رياضية .
3 – خلق فرق مسرحية .
4- خلق فرق فنية (أجواق موسيقية) لتعزيز العروض الفنية داخل الجهة .
فلا يخفى على أحد ما للرياضة والمسرح من فوائد صحية واجتماعية .فهما يحصنان الفرد والجماعة من السقوط في دوامة الانحراف وما ينتجه من إجرام. كما يبعدان الناشئة عن تناول المخدرات … ففي غياب مرافق رياضية وفنية وثقافية يرتمي الشباب في مهاوي التدخين والمخدرات والدعارة .
قد يتساءل البعض وما علاقة الرياضة والمسرح والموسيقى بالجهوية؟ الجواب هو تكوين فرق رياضية ومسرحية وموسيقية تخلق رواجا فنيا داخل الجهة ،وفي التنافس بين الجهات .فهذه المنافسات هي محور أساسي في توفير المادة الخام لتنشيط الإعلام السمعي – البصري داخل كل جهة .. هكذا تكون كل جهة مستقلة ذاتيا لتوفير العروض المختلفة وعدم الاتكال على المركز في تنشيط عجلة القطاع السمعي-البصري داخل الجهة .
5- الاعتماد على خريجي المعهد العالي للتنشيط المسرحي للاشتغال في هذه المؤسسات الجهوية والترابية …
20 / 11/ 2023