اخبار دولية

الجولاني في باريس..النفاق السياسي..من إرهابي مطلوب إلى ضيف ماكرون.

 

إدريس عدار

تسفّلت باريس فأصبحت مثل ابن آوى يخرج بعد أن تنتهي الوحوش الضارية من افتراس ضحاياها، لـ”يُكدّد” العظام.
كانت فرنسا فاعلا رئيسيا في صناعة الأحداث العالمية. في العصر الإمبراطوري كانت فرنسا تذهب إلى القتل، بحثا عن الموارد الطبيعية، وفي عصر الانحسار أصبح القتل يأتي إليها ببعض الموارد، وقبل أن يصل الجولاني إلى باريس كانت فرنسا قد وقّعت اتفاقية استغلال ميناء اللاذقية لمدة ثلاثين سنة.
القسمة الكبيرة تجري بين الآخرين. ففي الوقت الذي كان رئيس الأمر الواقع بدمشق يتحدث عن أن مصير السوريين يقرره السوريين، كانت “إسرائيل” وتركيا تعقدان الاجتماعية الثانية في باكو لرسم خرائط البلد وحدود نفوذ كل واحد.
فرنسا تطلب حماية الأقليات، التي تعرضت لمقتلة عظيمة في الساحل السوري بشكل كبير وفي السويداء بشكل أقل. فصورة الإرهابيين تزعج الرأي العام الفرنسي فلا تستطيع الحكومة تحمل صورة “الإرهابي”.
بالمناسبة سألت صحفية فرنسية الجولاني عن خلفيته الجهادية، فقال: تلك الخلفية كانت بهدف إسقاط نظام الأسد.
عندما يكون السؤال ناقصا يكون بمثابة تمكين اللاعب من الكرة ليسجل هدفا غير منتظر. الجولاني في حالة فرار مستمرة من ماضيه.
السؤال الذي بقي معلقا هو: ماذا عن خلفيتك الجهادية وممارساتك الإرهابية، وقبل أن يهرب يضيف السائلة أو تضيف السائلة، وقد قلت في حوار مع قناة أمريكية قبيل تمكين هيئة تحرير الشام من السلطة في دمشق: “لقد كان ذلك في مرحلة طيش الشباب”؟
الجولاني اعترف شخصيا بأنه مارس الإرهاب، ولكن ذلك في مرحلة شبابه. وكانت هذه هي القنطرة التي حاول أن يعبر فوقها نحو الواقع الجديد، عندما ظهر دون لثام وبلباس عسكري مكشوف تمهيدا للمرور من صالون الحلاقة الأمريكي ولبس ربطة العنق.
كيف أصبح كل تاريخ القتل وراءنا وأن ما قام به هو فقط مناهضة نظام الأسد؟
المتتبع لمسار الحركة الجولانية أنه في البداية لم يكن في وارد القتال من أجل إسقاط النظام ولكن إقامة إمارة إسلامية. التحولات جاءت فيما بعدد بعد سنة 2017 وأعقبها الإعلان عن القطيعة مع القاعدة وتأسيس هيئة تحرير الشام.
الإعلام الفرنسي الذي ظهر مهذبا مع ضيف ماكرون كتب ذات يوم “كانت القرى المسيحية في المحافظة، تعرضت منذ العام 2012 لأضرار شديدة، وهجّر نحو 90 % من سكانها، بعد أن تعرضوا لأهوال حرب عنيفة، مثل الابتزاز واحتجاز الرهائن والاغتصاب ومصادرة الممتلكات، فضلاً عن تعرض كنائسهم للقصف والتدمير والحرق، وفي بعض الحالات تم تحويلها إلى مساجد” (أ.ف.ب بتاريخ 12.05.23).
عمليات الماكياج والتجميل، التي جرت للجولاني، ليست جديدة. مرة استضافه أحمد منصور في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة، أو استضاف هو أحمد منصور في مكان ما بسوريا ولم يكشف عن وجهه.
ومما قاله حينها “إن العلويين ليسوا مسلمين، والدروز بعثت لهم دعاة حيث اعترفوا بأنهم لم يكونوا على الدين الحق وعادوا عن ذلك”.
وأضاف في الحوار ذاته “إننا الآن لن نحارب إلا من يحمل السلاح لأننا في مرحلة “رد الصائل” وليس في مرحلة الانتصار والتمكين”.
في مرحلة رد الصائل لن يحارب إلا من يحمل سلاحا ويحاربه ولكن بعد مرحلة التمكين سيكون له كلام آخر مع المخالفين، فلما كان في المرحلة الأولى لم يقتنع باختلافه مع الطائفة الدرزية ولكن بعث لهم دعاة ليرجعوهم إلى “دينه”. فلما يتمكن سيذبحهم (إدريس عدار. سرديات مختلفة عن الثورة السورية، 22 دجنبر 24 منشور على موقع إيطاليا تلغراف).
وللجولاني صولات وجولات في الذبح وشعاره بـ”الذبح جئناكم”. فبعد أن درس سنتين في كلية الطب بدمشق، أراد تغيير مساره، لكن ليس مهنيا، حيث توجه إلى العراق سنة 2003 وانضم إلى فرع تنظيم القاعدة بقيادة الأردني أبي مصعب الزرقاوي، وبسرعة أصبح من أقرب المقربين لزعيم التنظيم، وبعد مقتل الزرقاوي انتقل إلى لبنان لدعم تنظيم “جند الشام”، عاد بعدها إلى العراق واعتقل من قبل القوات الأمريكية تم أفرج عنه لأسباب غير مفهومة، واستأنف نشاطه حيث انضم إلى تنظيم دولة العراق الإسلامية بزعامة أبي بكر البغدادي، الذي سيؤسس بعد الهجوم على سوريا دولة الإسلام في العراق والشام (داعش).
بعد اندلاع الحرب في سوريا انفصل عن البغدادي وعاد إلى تنظيم القاعدة، لكن هذه المرة مؤسسا لفرعها بسوريا تحت اسم جبهة النصرة. وفي 2015 شن هجوما عنيفا على القرى العلوية.
وفي إطار عملية التدوير أعلن سنة 2016 الانفصال عن القاعدة وتأسيس جماعة جبهة فتح الشام. التي سيتم حلها 2017 وتأسيس جبهة أوسع “هيئة تحرير الشام”.
جاء في تسريبات إدوارد سنودن “بعد هزيمة إسرائيل في حرب حزيران 2006 في لبنان، خططت أمريكا وإسرائيل لتجفيف منابع الحزب”، وفي هذا الصدد نقل سنودن “أنه في 2007 تم استدعاء البغدادي إلى تركيا، وتم نقله إلى تل أبيب في طائرة خاصة، وكان الغرض هو أن يطلب منه تجنيد أبناء السنة من السعودية واليمن والمغرب الكبير وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى، إذ تم فتح مركز في غازي عنتاب، وتم تكليف أشرف ريفي ووسام الحسن من الأمن الداخلي اللبناني بنقل الأسلحة إلى القرى السورية، التي يوجد فيها حاضنة للإخوان المسلمين.
وما إن بدأت الانتفاضة في درعا حتى كان هناك 17 ألف مقاتل جاهزين مدربين في معسكرات تركيا وبعض الدول العربية، وتم تخصيص كل مقاتل بمبلغ مالي قدره 750 دولار شهريا.”
وحسب تسريبات سنودن فقد كان الهدف هو أن تكون سورية محطة يجتمع فيها كافة المتطرفين الإسلاميين في العالم، إذ تم توريد الإرهابين من 78 دولة من العالم، وبلغ عدد المقاتلين حوالي 150 ألفا وهناك تقارير أخرى تقول 300 ألف مقاتل.
وعلى ذكر المقاتلين الأجانب قال الجولاني إن الدستور السوري هو الذي سيحدد من يحق له الحصول على الجنسية، موضحا أنهم جاؤوا إلى سوريا فرادى وليسوا جماعات لمساندة الشعب السوري في “ثورته”. في الحد الأدنى هناك حديث عن 150 ألف مقاتل، هل كل هؤلاء دخلوا فرادى؟
في عاصمة الأنوار يتم تبييض “الإرهاب العالمي”. والحديث عن “مساعدين” للثورة السورية، بينما يتحدث ماكرون عن وجوب استمرار التصدي لحزب الله في لبنان، وتأمين الحدود اللبنانية السورية وتعزيز التعاون بين البلدين. ومحاربة داعش بالتعاون مع الإدارة السورية الكردية، وهي مربط الفرس لكنه الأمر المزعج لأردوغان.
وقال الجولاني في الندوة الصحفية مع ماكرون ” لدينا محادثات غير مباشرة مع إسرائيل لتهدئة الوضع”.
مفهوم تهدئة الأوضاع تكون بين متحاربين. بينما “إسرائيل” هاجمت كل شيء له علاقة بالبنية العسكرية لسوريا، تحت أعين الجولاني، وبتبرير الإعلام العربي، الذي كان يقول “تم تدمير مقرات سلاح النظام السابق”. حاول الجولاني الربط بين الهجومات الإسرائيلية وما سمي حماية الأقليات وهو أمر غير صحيح، لأن الهجومات بدأت منذ 8 دجنبر والهدف منها ألا يكون لسوريا جيش في المستقبل. التهدئة تقتضي عودة الأوضاع إلى حدود وقف إطلاق النار سنة 1974، وليس الاتفاق مع تركيا على منطقة أمنية لإسرائيل داخل الأراضي السورية المحتلة بعد 8 دجنبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى