حين يُنهب المال العام باسم الأولياء: مواسم الخرافة في إقليم منكوب بالتهميش

رشيد ايت الساغ
في إقليم اشتوكة أيت باها، حيث تغيب الدولة بشكلها التنموي والحقيقي، وتغرق الجماعات الترابية في العشوائية والركود، تُصرف سنوياً الملايين من المال العام على مواسم دينية وأضرحة الأولياء، وكأن قدر هذا الإقليم أن يظل محكوماً بالتصوف القروسطي بدل أن ينال حقه من التنمية، العدالة، والعيش الكريم.
ما الجدوى من إحياء طقوس ماضٍ لم نجنِ منه سوى التبعية والتخلف؟ ما الذي يمكن أن يقدمه “الأولياء” للأحياء سوى المزيد من التبلّد وطمس الوعي الجمعي؟ الأدهى من ذلك، أن هذا العبث المالي يجري تحت أعين وبتزكية مسؤولين ورجالات سلطة، ممن يفترض أنهم مؤتمنون على المال العام ومطالبون بتوفير شروط التنمية، لا الحضور في مسرحيات تعبدية تُستغل لتلميع الوجوه وتخدير العقول.
في جماعات مثل سيدي بيبي، أيت عميرة، بلفاع، ماسة ، بيوكرى ومناطق جبلية تعاني من العزلة، لا وجود لبنيات تحتية حقيقية: لا مستشفى جامعي، لا مشاريع كبرى، لا صرف صحي، لا مدارس تليق بأبناء الطبقات الكادحة. كل شيء يوحي بأننا في الهامش… وأن السلطة تنظر إلينا كجمهور يستحق “الزوايا” بدل الجامعات، “البركة” بدل العدالة الاجتماعية، و”الذبائح” بدل الشغل والكرامة.
المواسم الدينية اليوم، كما تُمارَس، ليست سوى إحدى أدوات إعادة إنتاج الجهل وتدوير الفساد المحلي. تُغدَق عليها ميزانيات ضخمة باسم “الثقافة” و”التراث”، فيما هي ليست إلا وسيلة لإلهاء الناس عن السؤال الحقيقي: أين ثروتنا؟ من ينهبها؟ ولماذا يُصرف المال العام على الموتى بدل الأحياء؟
نحن، كأبناء هذا الإقليم، وكقوى حية تتبنى الخيار التقدمي الديمقراطي، لا يمكن أن نصمت أمام هذا الهدر المنظم والممنهج. لا يمكننا أن نرى المدارس مكتظة، والمستشفيات منهارة، والشباب يُدفع نحو الهجرة أو الانتحار، ثم نقبل أن تُقام مواسم تُقدَّم فيها “القصاير” لعلية القوم باسم الدين والروحانيات.
إن من يُهلِّل لهذه المناسبات، ويبرر صرف الأموال عليها، هو شريك في جرائم التفقير والتجهيل. لقد آن الأوان أن نقولها بصوت مرتفع: المال العام يجب أن يُصرف على ما ينفع الناس في الأرض، لا على ما يُرضي الأموات في قبورهم. آن أوان القطع مع ثقافة الزوايا والتواطؤ، والتأسيس لوعي جماعي جديد، يُدرك أن التنمية لا تمر عبر الأضرحة، بل عبر المستشفيات، المدارس، البنية التحتية، والعدالة في توزيع الثروة.